الحبوة
من متفردات الإمامية والمعلوم من مذهبهم: انه يحبى الولد الذكر الاكبر من تركة ابيه بثياب بدن الميت وخاتمه وسيفه ومصحفه وبذلك تظافرت نصوصهم المأثورة عن ائمتهم الطاهرين.
لاحظ صحيح ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله (ع): إذا مات الرجل فسيفه ومصحفه وخاتمه وكتبه ورحله وراحلته وكسوته لأكبرولده فإن كان الأكبر ابنة فللأكبر من الذكور.
وصحيحه الاخر عنه (ع): إذا مات الرجل فللاكبر من ولده سيفه ومصحفه وخاتمه ودرعه.
وصحيح حريز عنه (ع): إذا هلك الرجل وترك ابنين فللاكبر السيف والدرع والخاتم والمصحف فإن حدث به حادث فللاكبر منهم.
ومرسل ابن اذينة الصحيح عن ابن أبي عمير عن أحدهما (عليه السلام): ان الرجل إذا ترك سيفا وسلاحا فهو لابنه فإن كان له بنون فهو لأكبرهم.
وموثق الفضلاء عن أحدهما (ع): ان الرجل إذا ترك سيفاً أو سلاحاً فهو لابنه فإن كانوا اثنين فهو لأكبرهما.
وموثق العقرقوفي عن أبي عبد الله (ع): عن الرجل يموت ماله
من متاع بيته قال: السيف- وقال-: الميت إذا مات فإن لابنه السيف والرحل والثياب ثياب جلده.
وصحيحه الاخر عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع): الميت إذا مات فإن لابنه الاكبر السيف والرحل والثياب ثياب جلده.
وخبر سماعة سألته: عن الرجل يموت ما له من متاع البيت؟ قال: السيف والسلاح والرحل وثياب جلده.
وموثق أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال: كم من انسان له حق لا يعلم قلت وما ذاك اصلحك الله؟
قال: ان صاحبي الجدار كان لهما كنز تحته لا يعلمان به اما انه لم يكن بذهب ولا فضة، قلت: وما كان؟
قال: كان علما، قلت: فأيهما أحق به؟
قال: الكبير كذلك نقول نحن.
ونحو تلكم غيرها من النصوص التي ستأتي الاشارة اليها.
وتنقيح القول فيما يستفاد من هذه النصوص انما هو بالبحث في جهات:
1- اختلفوا في أن الحبوة واجبة أم مستحبة؟
فالشيخان والقاضي والحلي وابن حمزة وابن سعيد والمحقق والمصنف في غير المختلف والشهيدان ، وجماعة أخرى على الأول.
وفي المسالك نسبته إلى الأكثر ، وعن غيرها إلى المشهور، وفي الرياض ادعى الشهرة عليه جماعة بحد الاستفاضة، ولا ريب فيها.
وعن الحلي عليه الإجماع ، وذهب السيد والاسكافي إلى الثاني، ونسب إلى الإصباح والرسالة النصيرية في الفرائض والمختلف والكفاية وظاهر الوافي وظاهر المسالك التوقف فيه.
والاول اظهر لظهور اللام في الملكية أو الاستحقاق كما في غير المقام كباب الإرث فإن آياته ونصوصه متضمنة للفظة لام ولم يتوقف أحد في حملها على ذلك وكما في باب الاقارير والوصايا والجعالة فإنه تراهم يكتفون في جميع تلك الابواب بقولهم لفلان كذا.
وبالجملة: ظهور اللام في الملكية أو الاستحقاق لا ينبغي انكاره مع انه لو كانت للاختصاص ايضا يثبت المطلوب فإن اختصاص شيء بشخص بقول مطلق انما يكون بعدم اشتراك غيره معه في المختص به ولا يكون ذلك إلا على كونه بنحو اللزوم.
واستدل للقول الآخر: بإطلاق أدلة الإرث من الآيات والروايات الدالة على أن جميع التركة الشاملة للحبوة تورث خرج عن ذلك أولوية الاختصاص بالإجماع والنصوص فيبقى الباقي وباختلاف نصوص الحبوة في ما يحبى به بل لا يتضمن شيء منها الأربعة التي عند الأصحاب وهو آية الاستحباب.
وبأن نصوص الحبوة متضمنة لما لم يقل أحد من الأصحاب بوجوب دفعه إلى الولد الاكبر وعليه فإن حملت النصوص على الاستحباب لا يرد محذور والا لزم استعمال اللفظ الواحد في الوجوب والاستحباب وهو غير جائز.
وبأن بعض النصوص مشتمل على غير الاربعة المعلومة وذلك البعض لا بد وان يحمل على غير الوجوب فيحمل غيره أيضا عليه لاتحاد المساق فيها اجمع.
وبأن الكتاب لا يخصص بخبر الواحد فالمخصص هو الإجماع والمتيقن منه اولوية الاختصاص.
وفي الجميع نظر ظاهر اذ بعد كون اخبار الحبوة ظاهرة في كون ذلك على نحو الوجوب يقيد بها إطلاقات الكتاب والسنّة بناء على ما هو الحق من تخصيص الكتاب بالخبر ومجرد الاختلاف لا يكون دليلًا على الاستحباب كيف فأغلب الأخبار في أغلب الاحكام مختلفة مع ان اكثر النصوص متضمنة للاربعة بمعنى ان جملة منها متضمنة لاثنين أو ثلاثة منها وجملة منها كصحيح ربعي الثاني وصحيح حريز متضمنة للأربعة بناء على ارادة القميص من الدرع لا الحديد ويلحق به غيره من ثياب البدن إجماعا.
وهذه النصوص لا تعارض بينها لعدم المفهوم لما اقتصر على الأقل فابقائها على ظاهرها من الوجوب لا محذور فيه والباقي من النصوص المشتمل على غير الاربعة قليل وهذا النحو من الاختلاف ليس آية الاستحباب قطعا.
واما الوجه الثالث فيرد عليه: اولا: النقض بأنه اشكال يرد على القائلين بالاستحباب فإنهم لا يقولون بالاستحباب في الازيد من الاربعة فما اجابوا به عنه نجيب به على القول بالوجوب.
فإن قيل: ان القائل بالاستحباب في فسحة للتسامح في باب المستحبات بخلاف القول بالوجوب.
قلنا: ان مثل هذا الاستحباب الذي هو معارض بقاعدة حرمة
التصرف في مال الغير وخصوصا اليتيم والمجنون والسفيه لا بد له من دليل صالح لتخصيص القاعدة القاضية بالحرمة فإن صلحت النصوص لذلك صلحت لافادة الوجوب حينئذ.
وثانيا: ان عدم العمل ببعض الخبر للإجماع أو غيره من الدليل لا يوجب عدم العمل بالنصوص الاخر المتضمنة للبعض الذي لا دليل على خلافه.
وثالثا: انه إذا تضمن خبر للامر بعدة امور دل الدليل على عدم وجوب بعض تلك الامور يبنى على الاستحباب بالنسبة إلى ذلك البعض والوجوب فيما لا دليل على عدمه ولا يلزم من ذلك استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد لما حقق في محله من ان الوجوب والاستحباب خارجان عن حريم الموضوع له والمستعمل فيه وانهما امران انتزاعيان ينتزعان من الترخيص في ترك المأمور به وعدمه والا فالمستعمل فيه فيهما شيء واحد.
ورابعا: ان غاية ما يلزم من ما ذكر استعماله في خصوص تلكم الأخبار في الجامع بين الوجوب والندب فلا يستفاد منها الوجوب ولكنه لا ينافي ذلك استفادة الوجوب من الروايات الاخر وبما ذكرناه يظهر ما في الوجه الرابع كما انه قد ظهر مما ذكرناه ايرادا على الوجه الأول ما في الوجه الخامس.
فالاظهر ان ثبوت الحبوة على وجه الوجوب.
2- المشهور بين الأصحاب ان هذه الحبوة مجانية والمحبو يشارك الباقي في الباقي بقدر نصيبه.
وعن السيد في الانتصار والاسكافي: انها تعطى ويحسب عليه من ميراث ابيه.
وعن المصنف في المختلف اختياره وكذا صاحب الكفاية والفاضل الهندي في شرح القواعد وظاهر المسالك الميل إليه وقواه النراقي في المستند .
وعن المحقق الاردبيلي: ان الأولى أحد الأمرين: اما الاستحباب أو الاحتساب بأن يجعل الاكبر مخيرا بين الاخذ بالقيمة
والترك، وعن الروضة والمفاتيح وغيرهما التوقف في المسألة.
اقول: لا ريب في ان النصوص في أنفسها ظاهرة في المجانية فإن سبيلها سبيل ادلة الإرث فكما انها ظاهرة في كون المال للورثة بغير عوض كذلك نصوص الحبوة.
ودعوى ان النصوص انما تدل على اختصاص الحبوة بالولد الاكبر واما كون هذا الاختصاص والملكية بلا عوض أو مع العوض فالنصوص ساكتة عنه فلو لم يكن دليل على كونها مع العوض يحكم بمقتضى الأصل بكونها بلا عوض ومع الدليل عليه كما سيمر عليك لا مجرى للاصل.
مندفعة بأن النصوص بأنفسها كما تدل على اختصاص الحبوة بالولد الاكبر كذلك تدل على أنها بنحو المجانية لا من جهة انه يلزم من عدمه تأخر البيان عن وقت الحاجة كما في الرياض.
فإنه يرده: ان لا محذور في ذلك إذا اقتضت المصلحة ذلك أو كان هناك مفسدة في التقديم ولا للاصل كما فيه ايضا بل من جهة ان جعل شيء لشخص من دون ذكر العوض ظاهر في التمليك
المجاني فإن شئت فاختبر ذلك من حال العرف فهل يتوقف أحد فيما لو قال زيد ملكتك هذا الشئ ولم يذكر العوض في كونه تمليكا مجانيا.
وبالجملة: تمليك شيء بشخص وتخصيصه به من دون ذكر العوض ظاهر في كونه على نحو المجانية بل الفرق بين المجانية ومع العوض انما هو بذلك.
واستدل للقول الاخر: بأن ظاهر جميع ادلة الإرث كتابا وسنة ان جميع التركة تقسم بين الورثة فإن قوله تعالى: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ
، وقوله: فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ
، وقوله تعالى: فَلَهُنَّ الثُّمُنُ
، وكذا النصوص سيما ما تضمن ان الأبوين لا ينقصان من السدس وما شاكل ظاهرة في ان الحبوة ايضا مما يرثه غير الولد الاكبر والجمع بينها وبين نصوص الحبوة يقتضي البناء على اختصاصه بها واحتسابها عليه.
وفيه اولا: ان نصوص الحبوة اخص من جميع تلك الادلة وحيث لا ريب في ان ظهور الخاص مقدم على ظهور العام فتخصصتلك الادلة باخبار الحبوة.
وثانيا: ان تلك الادلة ظاهرة في ان الأبوين وغيرهما من الورثة يستحقون نصيبهم من جميع التركة بنحو الاشاعة ومنها الحبوة فاذا ثبت بالدليل اختصاصها بواحد منهم يعلم عدم استحقاق غيره منها فيبقى سائر التركة مستحقة لهم.
ودعوى ان المستفاد من ادلة الإرث كون الوراث شركاء في التركة واما كون ذلك على وجه الاشاعة فلا يستفاد منها بل يعلم ذلك من الخارج، مندفعة بملاحظة ذلك في سائر الابواب كالاقرار وغيره فهل يشك أحد في ظهور الكسور في الكسر المشاع.
وبالجملة انكار ظهور سدس التركة وثمنها وربعها وما شاكل في الاشاعة مكابرة.
ومن الغريب ما عن كشف اللثام من الاستدلال بقوله (ع) في صحيح حريز المتقدم: إذا هلك الرجل فترك ابنين فللاكبر السيف والدرع والخاتم والمصحف فإن حدث به حدث فللاكبر منهم بدعوى انه لا ريب في عدم كونها لمن بعده من الاكبر مجانا فكذا بالنسبة إليه.
فإنه يرده ان الظاهر منه حدوث الحدث بالاكبر قبل هلاك الرجل وان الحبوة تكون للاكبر الباقي لا الاحتساب بالقيمة اذ مضافا إلى أنه تاول بلا قرينة لا يقول به أحد.
واضعف من ذلك الاستيناس له بجبر الزوجة عما فاتها من إرث الغرس والبناء بالقيمة فإنه قياس محض.
3- المشهور بين الأصحاب ان ما يحبى به أربعة: السيف و المصحف والخاتم وثياب بدنه.
وعن الانتصار والغنية والاصباح واعلام المفيد عدم ذكر الثياب.
وعن الكافي الاختصاص بثياب مصلاه .
وعن الخلاف عدم ذكر الخاتم ، وزاد الاسكافي على الاربعة
السلاح ، والصدوق: الكتب والرحل والراحلة .
اقول: اما كون الاربعة من ما يحبى به فيشهد به النصوص المتقدمة فإنها مذكورة فيها ولا يضر اقتصار بعض النصوص على بعضها لأنه لا مفهوم له كي يدل به على عدم كون ما لم يذكر فيه من الحبوة فيعارض ما ذكر فيه ذلك كما لا يضر بذلك اشتمال النصوص على ما لا يقول به أحد، فإن عدم العمل ببعض الخبر لا يضر بالعمل بالبعض الاخر مع ان جميعها ليست كذلك بل صحيح الربعي الثاني مشتمل على الاربعة المذكورة خاصة وكذا صحيح حريز، فإن الظاهر ان المراد بالدرع فيهما القميص كما هو أحد معنييه في اللغة واستعمل فيه كثيرا في الأخبار وفهمه منه العلماء الاخيار حيث استدلوا بهما على تمام المطلب في كلامهم.
واذا تمت الدلالة في القميص ثبت الحكم في سائر الثياب بعدم القول بالفصل فلا ينبغى التوقف في كون الاربعة من الحبوة.
واما الزيادة عليها فالأخبار وان دلت على كونها منها لاحظ صحيح الربعي الأول لكن الظاهر الإجماع على العدم إلا ممن عرفت.
ومثل هذا الإجماع الذي لا مستند ظاهر له والخبر الصحيح يدل على خلافه يكون حجة قطعا ويكون كاشفا عن وجود دليل معتبر لم يصل الينا وبه يرفع اليد عن النصوص.
والغريب ما في المسالك قال: ان الإجماع خصوصا من الأصحاب بخصوصهم لا بد له من مستند والمستند هنا غير ظاهر فإن الإجماع الذي يكون مستنده ظاهرا لا يكون حجة والحجة منه ما لا يكون المستند ظاهرا لنا.
وبالجملة لا ريب في انه لا بد من المستند ولكن لا يلزم ظهور المستند لنا فلعله من قبيل كثير من الموارد التي يكون فيها لهم مستند خفي علينا فلا اشكال في الحكم اثباتا ونفيا.
ثم انه تصدى بعض المحققين لتطبيق النصوص على ما هو المشهور قال: ان السلاح لم يذكر إلا في المرسل وموثق الفضلاء والاول ليس بحجة والثاني عطف بلفظة أو المفيدة للترديد فيمكن أن يكون الترديد من الراوى مع ان السلاح يمكن أن يكون مذكورا تاكيدا للسيف فإنه أحد معانيه كما عن القاموس.
واما الرحل فهو مشترك بين المسكن وما يستصحبه الانسان من الاثاث ورحل البعير ولا قرينة على التعيين فيجب التوقف ويمكن ان يراد به الثاني وبه الكسوة ويكون عطفهما للتأكيد.
واما الراحلة فلم تذكر في بعض نسخ الفقيه مع ما في معناها من الاجمال.
واما الكتب فيمكن ان تكون تاكيدا للمصحف أو يكون المراد الكتب السماوية وتكون الحبوة كالإرث غير مختصة بالملة الحنفية ولكن لا حاجة إلى ذلك سيما وان فتح هذا الباب يوجب بطلان الاستدلالات في كثير من المقامات.
فالحق ما ذكرناه، بقي الكلام في تعيين مصاديق الاربعة المذكورة.
اما الثياب فالمراد بها ثياب بدنه وهي التي يلبسها أو اعدها لللبس وان لم يلبسها فالثياب التي اعدها للتجارة أو إلباس الغير وما شاكل خارجة عن الحبوة كما ان ثياب اهله و أولاده خارجة وذلك فإن المذكور في بعض النصوص ثياب جلده وفي آخر كسوته والمتبادر من الثانية باعتبار اضافة الكسوة إليه ذلك واما الأولى فحيث ان المراد بها ليس هو الثياب الملصق بجسده إجماعا فيكون المراد ما انعقد عليه الإجماع وهي الثياب المحيطة به ولو بالواسطة أو الملبوسة أو المعدة له أو الصالحة لذلك.
فما عن الحلي من التخصيص بما يلبسه ويديمه ضعيف واضعف منه ما عن الحلبي» من التخصيص بثياب الصلاة.
ثم ان الظاهر صدق الثوب والكسوة على القميص والقباء والسراويل ونحوها بلا خفاء وكذا العباء و الرداء والفراء والثوب من اللبد.
وفي المسالك اخرج القلنسوة قال: وقد صرحوا بعدم اجزاء القلنسوة عن الكفارة مع كون المعتبر فيها الكسوة.
وفيه: ان الكسوة تصدق عليها واخراج القلنسوة في باب الكفارات انما هو لدليل آخر لا لعدم صدق الكسوة والظاهر صدقها على مثل العمامة وهل يدخل النعل والخف وما يشد به الوسط من المنطقة والخدام فيه تردد والأصل يقتضي العدم.
ولو احتاج الثوب إلى القص والخياطة فالظاهر عدم دخوله لعدم صدق الثوب والكسوة عليه ولو تعددت الثوب من كل نوع منه فالظاهر دخول الجميع للإطلاق.
ولا فرق بين أن يكون الثوب مما يحرم عليه لبسه كالثوب من الحرير وغيره لعدم الملازمة بين الحرمة والحرمان.
واما الخاتم ففي جملة من النصوص اضيف إلى الميت وعليه فالمراد به ما لم يعد للتجارة أو الباس الغير وما شاكل إلا أنه في صحيح حريز ذكر بالتعريف دون الاضافة وإطلاقه يشمل الجميع، ولكن الظاهر قيام الإجماع على الاختصاص بما اعده لاستعمال نفسه، والظاهر دخول فص الخاتم فيه لعدم صدق الخاتم عرفا بدونه ولا فرق فيه بين كونه منقوشا أم لا ولا بين أن يكون من الذهب أو الفضة أو غيرهما، وفي خصوص الذهب كلام قد مر وقد عرفت دخوله ولا بين ما يلبس في الخنصر وغيرها في اليمين أو اليسار.
ثم ان الخاتم يطلق على حلى للاصبع معروف وعلى ما يوضع على الحجج وبين المعنيين عموم من وجه فما كان جامعا للوصفين لا كلام في دخوله وكذا ما اختص بالاول للصدق العرفي واما ما اختص بالثاني ففي دخوله اشكال لعدم كونه متعارفا عند العرب والأصل يقتضي العدم.
ولو تعدد الخاتم فالظاهر عدم كون اكثر من واحد من الختم داخلا في الحبوة لأن الخاتم ذكر بصيغة الوحدة بخلاف الثياب.
وعليه: فإن كان واحد منها يغلب نسبته إليه تعين للانصراف وان تساوت النسبة تخير الوارث واحدا منها ولا وجه للرجوع إلى القرعة.
وبما ذكرناه ظهر حكم السيف والمصحف ووجه اختصاصهما بما لم يعد للتجارة وما شاكل وعدم كون اكثر من واحد منهما داخلا في الحبوة، وفي دخول حلية السيف وجفنه وبيت المصحف وجلده وجهان، من تبعيتها لهما عرفا وخروجها عن حقيقتهما ولعل الأول اقوى.
ولو فصل بين ما لا ينفك عنهما غالبا كالجلد في المصحف والقراب والقبضة والحمايل في السيف وبين غير ذلك وبني على دخول القسم الأول دون الثاني كان احسن واوفق بما ينساق إليه اذهان أهل العرف.
4- لا اشكال في انه لا حبوة للأنثى مطلقا للإجماع والتقييد بالذكر في جملة من النصوص المحمول عليه ما في غيره من النصوص مع انه في أحد صحيحي الربعي صرح بذلك والذكور ان تعددوا فللاكبر منهم الحبوة وان كانت هناك أنثى اكبر منهم إجماعا كما في المسالك وغيرها. ويشهد به النصوص المتقدمة وخصوص صحيح الربعي المصرح بذلك فلا يصغى إلى ما عن الاسكافي بسقوط الحبوة لو كانت الأنثى اكبر.
ومرسل ابن اذينة شاهدان به، والاستشكال فيه بأن الحبوة للاكبر من الأولاد الذكور وافعل التفضيل يقتضي مشاركا في الفعل في غير محله بعد تصريح الروايات بثبوتها له كما عرفت.
ولو تعدد الاكبر بأن كان هناك ذكور متساوية في السن فعن جماعة منهم الشيخ في النهاية والقاضي وابن حمزة سقوط الحبوة وفي المستند لا يبعد ترجيح هذا القول، والمشهور بين الأصحاب عدم سقوطها وانهم يشتركون فيها.
اقول: ان جملة من النصوص متضمنة لثبوت الحبوة للاكبر وجملة منها متضمنة لثبوتها للأبن والولد.
اما الأولى: فالظاهر عدم شمولها للفرض لا لما قيل من ندرة هذا الفرض فينصرف عنه الإطلاقات لما مر مرارا من ان الانصراف الناشئ عن ندرة وجود فرد وشيوع آخر لا يصلح مقيدا للإطلاق ولا لما قيل من ظهور الاكبر في الواحد.
فإنه يرده انه وان كان ظاهرا في ذلك لكن لازمه ثبوت الحبوة لأحدهما أو لاحدهم لا سقوط الحبوة بل لأن الظاهر من الاكبر بقول مطلق هو الاكبر من جميع من عداه وهذا لا يصدق في الفرض كما لا يخفى.
واما الثانية: فما كان منها ظاهرا في صورة وحدة الولد كموثقة الفضلاء وما شاكلها من جهة ما فيها من التفصيل القاطع للشركة فعدم شمولها للفرض ظاهر.
واما غير تلكم من الأخبار المتضمنة لأن الحبوة للأبن كموثق العقرقوفي فقد يقال بعدم شموله ايضا فإن المطلق لا بد وان يحمل على المقيد فإطلاقه مقيد بالاكبر فلا مثبت للحبوة في الفرض.
ولكن يمكن رده: بأن المطلق انما يحمل على المقيد فيما إذا وجد لا مطلقا.
وعليه: فالموثق يشمل الفرض ومضمونه ثبوت الحبوة للأبن وهو يصدق على الكثير والواحد ولازم ذلك اشتراكهما فيها اللهم إلاأن يمنع صدقه على الكثير فلازمه ثبوتها لأحدهما فيتعين حينئذ الرجوع إلى القرعة.
وهل الأكبر في التوامين اولهما خروجا ولو كان التفاوت يسيرا كما هو الظاهر عرفا أم هو الذي يخرج اخيرا للخبر: أصاب رجل غلامين في بطن فهناه أبو عبد الله (ع) ثم قال: ايهما الاكبر؟
فقال: الذي خرج اولا فقال أبو عبد الله (ع): الذي خرج اخيرا هو اكبر اما تعلم انها حملت بذلك أولا وأن هذا دخل على ذاك فلم يمكنه ان يخرج حتى يخرج هذا فالذي خرج أخيرا هو أكبرهما.
وجهان اظهرهما الأول لأن الخبر ضعيف للارسال ولجهالة المرسل وهو علي بن احمد الاشيم.
مع ان ما رواه الصدوق عن الإمام الصادق (ع): اكبر ما يكون الانسان يوم يولد واصغر ما يكون يوم يموت لعله يدل على الأول.
ثم ان الظاهر كما عن المصنف (رحمة الله عليه) في الارشاد اختصاص الحكم بالولد للصلب فلا يثبت الحبوة لولد الولد لعدم صدق ما اخذ في الموضوع من الابن والولد لولد الولد كما مر.
وهل يعتبر انفصال الولد عند موت ابيه أم يحبى الحمل ايضا مطلقا أم بشرط كونه متصفا بالذكورية حين الموت فلو تم له أربعة اشهر يحبى والا فلا وجوه واقوال اظهرهما الاخير اما عدم اشتراط الانفصال فلصدق الولد الذكر على الحمل ولذا يعزل له نصيب الذكر ولان الحبوة إرث فإن انتقالها انما هو بالإرث وقد ثبت ان الحمل يرث.
ودعوى ان الحبوة علقت على الذكر ولا يحكم على الحمل بكونه ذكرا وأيضا ان الحكم باستحقاقها مخالف للاصل فيجب الاقتصار على اليقين وأيضا فإن الحكم بكون الحبوة له من حين الموت كان حكما غير مطابق للواقع لعدم احراز كونه ذكرا وان حكم بكونها له بعد التولد فقبل ان يولدان حكم بها للورثة يحتاج الانتقال عنهم إليه إلى دليل آخر وهو مفقود وان لم يحكم بها لهم يلزم بقاء المال بلا مالك مندفعة بأن الموضوع هو الولد الذكر واقعا لا ما احرز ذكوريته.إذا لم يكن سفيها ولا فاسد الرأي
وعليه: فلا مانع من الحكم بها له بعد الانكشاف والحكم بالاستحقاق وان كان خلاف الأصل إلا أنه مع وجود إطلاق الدليل لا وجه للاقتصار على المتيقن وانما يحكم بكونها له من حين الموت مراعى بانكشاف الذكورية كما في الإرث فلا يلزم شيء من المحاذير.
واما اشتراط الذكورية حين الموت فلتعليق الحكم على ذلك في النصوص والصدق المتاخر لا يكفي في الحكم فما استوجهه الشهيد الثاني في محكي الرسالة بأن الحمل يحبى ان كان حين موت ابيه متصفا بالذكورية والا فلا وهو الاظهر.
ولا يشترط في المحبو البلوغ لإطلاق الادلة فما عن ظاهر الحلي وصريح ابن حمزة من اعتباره لأن الحبوة في مقابل القضاء ولا يتعدى من الصبي ضعيف لمنع المقابلة اولا ومنع فورية القضاء ثانيا، وهل تختص الحبوة بما إذا لم يكن المحبو سفيها ولا فاسد الرأي كما في المتن وعن ابني حمزة وادريس بل
في الشرائع نسبته إلى قول مشهور وعن المقنعة والنهاية والقواعد وغيرها اعتبار الأول.
أم لا تختص بذلك فيجيء السفيه والمخالف، وجوه اظهرها الثالث لإطلاق الادلة.
واستدل لاعتبارهما: بأن السفيه والمخالف ليسا اهلا للكرامة الظاهرة في حكمة الحباء الذي هو كالعوض عما يراد به من قضاء الصلاة والصوم وبالشك في ارادة هذا الفرد من إطلاق النصوص فيبقى عموم الإرث حينئذ سالما عن المعارض.
ولاعتبار الثاني بالخصوص: بما دل على جواز الزام المخالف بمذهبه.
ولكن يرد على الأول: منع كون الحكمة ذلك وعدم وجوب اطرادها.
وعلى الثاني: ان التمسك بالإطلاق انما هو في فرض الشك في ارادة فرد من الإطلاق.
وعلى الثالث ان الزام المخالف بمذهبه وان جاز ولكن ليس ذلك من باب الشرطية ولذالم يشترط أحد في ابطال العول والعصبة عدم فساد الراي بل حكموا به مطلقا مع تصريحهم كجملة من الأخبار بجواز ادانة المخالف بمعتقده فيهما وبما ذكرناه يظهر عدم اعتبار العقل وان المجنون ايضا يحبى.
نعم يعتبر اسلامه لأن الحبوة ميراث والكافر لا يرث.
5- المشهور بين الأصحاب كما في المسالك: ان الحباء مشروط بشرط ان يخلف الميت غير ذلك وعن شرح القواعد للهندي: اتفقوا على ذلك وعن ظاهر رسالة الشهيد الثاني وصريح آخر: عدم اعتبار ذلك وظاهر المسالك: التوقف فيه ويشهد للثاني إطلاق النصوص.
واستدل للمشهور: بلزوم الاجحاف والاضرار بالورثة لولا الشرط وبان لفظ الحبوة موذن ببقاء شيء آخر وبوجوب الاقتصار على المتيقن وبانصراف النصوص عن فرض عدم تخلف شيء آخر وبأنه دل الدليل على الاحتساب وهذا يلازم وجود شيء آخر بل يلازم عدم نقصان نصيب كل من الورثة عما كان عليه قبل الحبوة وبمضمر سماعة المتقدم: سألته عن الرجل يموت ما له من متاع البيت قال: السيف الخ.
والجميع كما ترى اذ لزوم الاجحاف والاضرار ممنوع وعلى فرضه لا مانع عنه ولفظ الحبوة ليس في النصوص اولا وايذانه بما ذكر ممنوع ثانيا والاقتصار على المتيقن لا وجه له بعد إطلاق الدليل والانصراف ممنوع كما مر مرارا والاحتساب قد مر عدم القول به ومضمر سماعة انما يكون القيد فيه في كلام السائل لا الإمام (ع) مع انه لا مفهوم له كي يقيد إطلاق الدليل.
فالاظهر بحسب النصوص عدم اعتبار ذلك لكن مخالفة القوم مشكلة.
ثم على القول بالاشتراط هل يكفي بقاء أقل ما يتمول كما هو مقتضى إطلاق كلماتهم أم يعتبر كونه كثيرا يزول به الاضرار كما هو مقتضى تعليلهم احتمالان وفي المقام وجوه اخر اغمضنا عن التعرض لها لأن كل ذلك تهجس في الحكم الشرعي والقول به من غير دليل.
6- ومن شرط الحباء عند جماعة خلو الميت من دين مستغرق للتركة بل الظاهر انه المشهور بين الأصحاب بل لم اعثر في ذلك على مخالف والوجه فيه ظاهر فإن الحباء نوع من الإرث وانتقال الحبوة انما يكون بالتوريث والدين مقدم على الإرث بلا كلام.
بل في المسالك: ولو كان هناك دين غير مستغرق ففي منعه من قابله مثلها بالنسبة وجهان اظهرهما ذلك انتهى.
وان نسب العدم في محكى الرسالة إلى ظاهر الأصحاب.
واستدل للاول في المسالك: بأنه كما يمنع الدين غير الحباء من الميراث كذلك الحباء ، وحاصله ان الدين يتعلق بالتركة على الشياع والحبوة منها فيصيبها نصيبها.
واستدل للثاني في الرسالة على ما حكى بعموم النصوص قال: ويويده إطلاق النصوص والفتاوى باستحقاق جميع الحبوة مع ان الميت لا ينفك عن دين في الجملة إلا نادرا فلو كان لمطلق الدين اثر في النقص عليها لنبهوا عليه فيهما.
وأيضا فإن الواجب من الكفن ومؤونة التجهيز كالدين بل اقوى لتقدمه عليه ويتعلق بالتركة شياعا فيلزم ان لا يسلم الحبوة لأحد وهو مناف لإطلاق اثباتها فيهما ثم رد العموم بالتخصيص والبواقي بانها مجرد استبعاد لا يعارض ما سبق.
وفيه: فرق واضح بين الإرث مطلقا وخصوص الحبوة فإن الإرث انما يكون في جميع المال ونصيب كل واحد من الورثة انما هو حصة مشاعة من جميع التركة وحيث دل الدليل على تقدم الدين على الإرث وانه يتعلق بالمال أو لا لزم منه تعلقه بما هو نصيب كل واحد منهم بنسبة ما يرثه.
واما الحبوة فقد دل الدليل على اختصاصها بامور معينة خارجية فحينئذ ان كان الدين مستغرقا كان لازم تقدم الدين صرفها فيه وان لم يكن مستغرقا كان مقتضى الجمع بين دليل الدين ونصوص الحبوة
تعلق الدين بغير الحبوة من التركة وان شئت فاختبر ذلك من نظائرالمقام في العرف فلو قال القائل: بعتك نصف الدار وبعت عمروا نصفها الاخر كان ذلك مشتركا بينهما اما لو قال: بعتك نصف الدار وبعت عمروا الجانب الشرقي من الدار وكان البيعان في زمان واحد فيصرف النصف إلى غير الجانب الشرقي بمقدار نصف المجموع.
وان شئت قلت: انه مع عدم استغراق الدين يتوارد حقان على مال واحد أحدهما متعلق باموال معينة والثاني متعلق بالجميع فالجمع بين الحقين يقتضي صرف الدين إلى غير متعلق الحبوة فتدبر فإنه دقيق، فالاظهر ما عليه ظاهر الأصحاب.
وبذلك يظهر حكم مالو اوصى بجزء من التركة مطلق كمائة درهم أو منسوب كالثلث فإن ما ذكرناه من الدين يجري فيه.
نعم له ان يوصي بعين الحبوة وينفذ لعموم الادلة ولما دل على أن الميت أحق بماله مادام فيه الروح واختصاص المحبوبها بعد الموت .
وعليه: فإن زادت على الثلث اعتبر اجازة المحبو والا فلا.
من متفردات الإمامية والمعلوم من مذهبهم: انه يحبى الولد الذكر الاكبر من تركة ابيه بثياب بدن الميت وخاتمه وسيفه ومصحفه وبذلك تظافرت نصوصهم المأثورة عن ائمتهم الطاهرين.
لاحظ صحيح ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله (ع): إذا مات الرجل فسيفه ومصحفه وخاتمه وكتبه ورحله وراحلته وكسوته لأكبرولده فإن كان الأكبر ابنة فللأكبر من الذكور.
وصحيحه الاخر عنه (ع): إذا مات الرجل فللاكبر من ولده سيفه ومصحفه وخاتمه ودرعه.
وصحيح حريز عنه (ع): إذا هلك الرجل وترك ابنين فللاكبر السيف والدرع والخاتم والمصحف فإن حدث به حادث فللاكبر منهم.
ومرسل ابن اذينة الصحيح عن ابن أبي عمير عن أحدهما (عليه السلام): ان الرجل إذا ترك سيفا وسلاحا فهو لابنه فإن كان له بنون فهو لأكبرهم.
وموثق الفضلاء عن أحدهما (ع): ان الرجل إذا ترك سيفاً أو سلاحاً فهو لابنه فإن كانوا اثنين فهو لأكبرهما.
وموثق العقرقوفي عن أبي عبد الله (ع): عن الرجل يموت ماله
من متاع بيته قال: السيف- وقال-: الميت إذا مات فإن لابنه السيف والرحل والثياب ثياب جلده.
وصحيحه الاخر عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع): الميت إذا مات فإن لابنه الاكبر السيف والرحل والثياب ثياب جلده.
وخبر سماعة سألته: عن الرجل يموت ما له من متاع البيت؟ قال: السيف والسلاح والرحل وثياب جلده.
وموثق أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال: كم من انسان له حق لا يعلم قلت وما ذاك اصلحك الله؟
قال: ان صاحبي الجدار كان لهما كنز تحته لا يعلمان به اما انه لم يكن بذهب ولا فضة، قلت: وما كان؟
قال: كان علما، قلت: فأيهما أحق به؟
قال: الكبير كذلك نقول نحن.
ونحو تلكم غيرها من النصوص التي ستأتي الاشارة اليها.
وتنقيح القول فيما يستفاد من هذه النصوص انما هو بالبحث في جهات:
1- اختلفوا في أن الحبوة واجبة أم مستحبة؟
فالشيخان والقاضي والحلي وابن حمزة وابن سعيد والمحقق والمصنف في غير المختلف والشهيدان ، وجماعة أخرى على الأول.
وفي المسالك نسبته إلى الأكثر ، وعن غيرها إلى المشهور، وفي الرياض ادعى الشهرة عليه جماعة بحد الاستفاضة، ولا ريب فيها.
وعن الحلي عليه الإجماع ، وذهب السيد والاسكافي إلى الثاني، ونسب إلى الإصباح والرسالة النصيرية في الفرائض والمختلف والكفاية وظاهر الوافي وظاهر المسالك التوقف فيه.
والاول اظهر لظهور اللام في الملكية أو الاستحقاق كما في غير المقام كباب الإرث فإن آياته ونصوصه متضمنة للفظة لام ولم يتوقف أحد في حملها على ذلك وكما في باب الاقارير والوصايا والجعالة فإنه تراهم يكتفون في جميع تلك الابواب بقولهم لفلان كذا.
وبالجملة: ظهور اللام في الملكية أو الاستحقاق لا ينبغي انكاره مع انه لو كانت للاختصاص ايضا يثبت المطلوب فإن اختصاص شيء بشخص بقول مطلق انما يكون بعدم اشتراك غيره معه في المختص به ولا يكون ذلك إلا على كونه بنحو اللزوم.
واستدل للقول الآخر: بإطلاق أدلة الإرث من الآيات والروايات الدالة على أن جميع التركة الشاملة للحبوة تورث خرج عن ذلك أولوية الاختصاص بالإجماع والنصوص فيبقى الباقي وباختلاف نصوص الحبوة في ما يحبى به بل لا يتضمن شيء منها الأربعة التي عند الأصحاب وهو آية الاستحباب.
وبأن نصوص الحبوة متضمنة لما لم يقل أحد من الأصحاب بوجوب دفعه إلى الولد الاكبر وعليه فإن حملت النصوص على الاستحباب لا يرد محذور والا لزم استعمال اللفظ الواحد في الوجوب والاستحباب وهو غير جائز.
وبأن بعض النصوص مشتمل على غير الاربعة المعلومة وذلك البعض لا بد وان يحمل على غير الوجوب فيحمل غيره أيضا عليه لاتحاد المساق فيها اجمع.
وبأن الكتاب لا يخصص بخبر الواحد فالمخصص هو الإجماع والمتيقن منه اولوية الاختصاص.
وفي الجميع نظر ظاهر اذ بعد كون اخبار الحبوة ظاهرة في كون ذلك على نحو الوجوب يقيد بها إطلاقات الكتاب والسنّة بناء على ما هو الحق من تخصيص الكتاب بالخبر ومجرد الاختلاف لا يكون دليلًا على الاستحباب كيف فأغلب الأخبار في أغلب الاحكام مختلفة مع ان اكثر النصوص متضمنة للاربعة بمعنى ان جملة منها متضمنة لاثنين أو ثلاثة منها وجملة منها كصحيح ربعي الثاني وصحيح حريز متضمنة للأربعة بناء على ارادة القميص من الدرع لا الحديد ويلحق به غيره من ثياب البدن إجماعا.
وهذه النصوص لا تعارض بينها لعدم المفهوم لما اقتصر على الأقل فابقائها على ظاهرها من الوجوب لا محذور فيه والباقي من النصوص المشتمل على غير الاربعة قليل وهذا النحو من الاختلاف ليس آية الاستحباب قطعا.
واما الوجه الثالث فيرد عليه: اولا: النقض بأنه اشكال يرد على القائلين بالاستحباب فإنهم لا يقولون بالاستحباب في الازيد من الاربعة فما اجابوا به عنه نجيب به على القول بالوجوب.
فإن قيل: ان القائل بالاستحباب في فسحة للتسامح في باب المستحبات بخلاف القول بالوجوب.
قلنا: ان مثل هذا الاستحباب الذي هو معارض بقاعدة حرمة
التصرف في مال الغير وخصوصا اليتيم والمجنون والسفيه لا بد له من دليل صالح لتخصيص القاعدة القاضية بالحرمة فإن صلحت النصوص لذلك صلحت لافادة الوجوب حينئذ.
وثانيا: ان عدم العمل ببعض الخبر للإجماع أو غيره من الدليل لا يوجب عدم العمل بالنصوص الاخر المتضمنة للبعض الذي لا دليل على خلافه.
وثالثا: انه إذا تضمن خبر للامر بعدة امور دل الدليل على عدم وجوب بعض تلك الامور يبنى على الاستحباب بالنسبة إلى ذلك البعض والوجوب فيما لا دليل على عدمه ولا يلزم من ذلك استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد لما حقق في محله من ان الوجوب والاستحباب خارجان عن حريم الموضوع له والمستعمل فيه وانهما امران انتزاعيان ينتزعان من الترخيص في ترك المأمور به وعدمه والا فالمستعمل فيه فيهما شيء واحد.
ورابعا: ان غاية ما يلزم من ما ذكر استعماله في خصوص تلكم الأخبار في الجامع بين الوجوب والندب فلا يستفاد منها الوجوب ولكنه لا ينافي ذلك استفادة الوجوب من الروايات الاخر وبما ذكرناه يظهر ما في الوجه الرابع كما انه قد ظهر مما ذكرناه ايرادا على الوجه الأول ما في الوجه الخامس.
فالاظهر ان ثبوت الحبوة على وجه الوجوب.
2- المشهور بين الأصحاب ان هذه الحبوة مجانية والمحبو يشارك الباقي في الباقي بقدر نصيبه.
وعن السيد في الانتصار والاسكافي: انها تعطى ويحسب عليه من ميراث ابيه.
وعن المصنف في المختلف اختياره وكذا صاحب الكفاية والفاضل الهندي في شرح القواعد وظاهر المسالك الميل إليه وقواه النراقي في المستند .
وعن المحقق الاردبيلي: ان الأولى أحد الأمرين: اما الاستحباب أو الاحتساب بأن يجعل الاكبر مخيرا بين الاخذ بالقيمة
والترك، وعن الروضة والمفاتيح وغيرهما التوقف في المسألة.
اقول: لا ريب في ان النصوص في أنفسها ظاهرة في المجانية فإن سبيلها سبيل ادلة الإرث فكما انها ظاهرة في كون المال للورثة بغير عوض كذلك نصوص الحبوة.
ودعوى ان النصوص انما تدل على اختصاص الحبوة بالولد الاكبر واما كون هذا الاختصاص والملكية بلا عوض أو مع العوض فالنصوص ساكتة عنه فلو لم يكن دليل على كونها مع العوض يحكم بمقتضى الأصل بكونها بلا عوض ومع الدليل عليه كما سيمر عليك لا مجرى للاصل.
مندفعة بأن النصوص بأنفسها كما تدل على اختصاص الحبوة بالولد الاكبر كذلك تدل على أنها بنحو المجانية لا من جهة انه يلزم من عدمه تأخر البيان عن وقت الحاجة كما في الرياض.
فإنه يرده: ان لا محذور في ذلك إذا اقتضت المصلحة ذلك أو كان هناك مفسدة في التقديم ولا للاصل كما فيه ايضا بل من جهة ان جعل شيء لشخص من دون ذكر العوض ظاهر في التمليك
المجاني فإن شئت فاختبر ذلك من حال العرف فهل يتوقف أحد فيما لو قال زيد ملكتك هذا الشئ ولم يذكر العوض في كونه تمليكا مجانيا.
وبالجملة: تمليك شيء بشخص وتخصيصه به من دون ذكر العوض ظاهر في كونه على نحو المجانية بل الفرق بين المجانية ومع العوض انما هو بذلك.
واستدل للقول الاخر: بأن ظاهر جميع ادلة الإرث كتابا وسنة ان جميع التركة تقسم بين الورثة فإن قوله تعالى: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ
، وقوله: فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ
، وقوله تعالى: فَلَهُنَّ الثُّمُنُ
، وكذا النصوص سيما ما تضمن ان الأبوين لا ينقصان من السدس وما شاكل ظاهرة في ان الحبوة ايضا مما يرثه غير الولد الاكبر والجمع بينها وبين نصوص الحبوة يقتضي البناء على اختصاصه بها واحتسابها عليه.
وفيه اولا: ان نصوص الحبوة اخص من جميع تلك الادلة وحيث لا ريب في ان ظهور الخاص مقدم على ظهور العام فتخصصتلك الادلة باخبار الحبوة.
وثانيا: ان تلك الادلة ظاهرة في ان الأبوين وغيرهما من الورثة يستحقون نصيبهم من جميع التركة بنحو الاشاعة ومنها الحبوة فاذا ثبت بالدليل اختصاصها بواحد منهم يعلم عدم استحقاق غيره منها فيبقى سائر التركة مستحقة لهم.
ودعوى ان المستفاد من ادلة الإرث كون الوراث شركاء في التركة واما كون ذلك على وجه الاشاعة فلا يستفاد منها بل يعلم ذلك من الخارج، مندفعة بملاحظة ذلك في سائر الابواب كالاقرار وغيره فهل يشك أحد في ظهور الكسور في الكسر المشاع.
وبالجملة انكار ظهور سدس التركة وثمنها وربعها وما شاكل في الاشاعة مكابرة.
ومن الغريب ما عن كشف اللثام من الاستدلال بقوله (ع) في صحيح حريز المتقدم: إذا هلك الرجل فترك ابنين فللاكبر السيف والدرع والخاتم والمصحف فإن حدث به حدث فللاكبر منهم بدعوى انه لا ريب في عدم كونها لمن بعده من الاكبر مجانا فكذا بالنسبة إليه.
فإنه يرده ان الظاهر منه حدوث الحدث بالاكبر قبل هلاك الرجل وان الحبوة تكون للاكبر الباقي لا الاحتساب بالقيمة اذ مضافا إلى أنه تاول بلا قرينة لا يقول به أحد.
واضعف من ذلك الاستيناس له بجبر الزوجة عما فاتها من إرث الغرس والبناء بالقيمة فإنه قياس محض.
3- المشهور بين الأصحاب ان ما يحبى به أربعة: السيف و المصحف والخاتم وثياب بدنه.
وعن الانتصار والغنية والاصباح واعلام المفيد عدم ذكر الثياب.
وعن الكافي الاختصاص بثياب مصلاه .
وعن الخلاف عدم ذكر الخاتم ، وزاد الاسكافي على الاربعة
السلاح ، والصدوق: الكتب والرحل والراحلة .
اقول: اما كون الاربعة من ما يحبى به فيشهد به النصوص المتقدمة فإنها مذكورة فيها ولا يضر اقتصار بعض النصوص على بعضها لأنه لا مفهوم له كي يدل به على عدم كون ما لم يذكر فيه من الحبوة فيعارض ما ذكر فيه ذلك كما لا يضر بذلك اشتمال النصوص على ما لا يقول به أحد، فإن عدم العمل ببعض الخبر لا يضر بالعمل بالبعض الاخر مع ان جميعها ليست كذلك بل صحيح الربعي الثاني مشتمل على الاربعة المذكورة خاصة وكذا صحيح حريز، فإن الظاهر ان المراد بالدرع فيهما القميص كما هو أحد معنييه في اللغة واستعمل فيه كثيرا في الأخبار وفهمه منه العلماء الاخيار حيث استدلوا بهما على تمام المطلب في كلامهم.
واذا تمت الدلالة في القميص ثبت الحكم في سائر الثياب بعدم القول بالفصل فلا ينبغى التوقف في كون الاربعة من الحبوة.
واما الزيادة عليها فالأخبار وان دلت على كونها منها لاحظ صحيح الربعي الأول لكن الظاهر الإجماع على العدم إلا ممن عرفت.
ومثل هذا الإجماع الذي لا مستند ظاهر له والخبر الصحيح يدل على خلافه يكون حجة قطعا ويكون كاشفا عن وجود دليل معتبر لم يصل الينا وبه يرفع اليد عن النصوص.
والغريب ما في المسالك قال: ان الإجماع خصوصا من الأصحاب بخصوصهم لا بد له من مستند والمستند هنا غير ظاهر فإن الإجماع الذي يكون مستنده ظاهرا لا يكون حجة والحجة منه ما لا يكون المستند ظاهرا لنا.
وبالجملة لا ريب في انه لا بد من المستند ولكن لا يلزم ظهور المستند لنا فلعله من قبيل كثير من الموارد التي يكون فيها لهم مستند خفي علينا فلا اشكال في الحكم اثباتا ونفيا.
ثم انه تصدى بعض المحققين لتطبيق النصوص على ما هو المشهور قال: ان السلاح لم يذكر إلا في المرسل وموثق الفضلاء والاول ليس بحجة والثاني عطف بلفظة أو المفيدة للترديد فيمكن أن يكون الترديد من الراوى مع ان السلاح يمكن أن يكون مذكورا تاكيدا للسيف فإنه أحد معانيه كما عن القاموس.
واما الرحل فهو مشترك بين المسكن وما يستصحبه الانسان من الاثاث ورحل البعير ولا قرينة على التعيين فيجب التوقف ويمكن ان يراد به الثاني وبه الكسوة ويكون عطفهما للتأكيد.
واما الراحلة فلم تذكر في بعض نسخ الفقيه مع ما في معناها من الاجمال.
واما الكتب فيمكن ان تكون تاكيدا للمصحف أو يكون المراد الكتب السماوية وتكون الحبوة كالإرث غير مختصة بالملة الحنفية ولكن لا حاجة إلى ذلك سيما وان فتح هذا الباب يوجب بطلان الاستدلالات في كثير من المقامات.
فالحق ما ذكرناه، بقي الكلام في تعيين مصاديق الاربعة المذكورة.
اما الثياب فالمراد بها ثياب بدنه وهي التي يلبسها أو اعدها لللبس وان لم يلبسها فالثياب التي اعدها للتجارة أو إلباس الغير وما شاكل خارجة عن الحبوة كما ان ثياب اهله و أولاده خارجة وذلك فإن المذكور في بعض النصوص ثياب جلده وفي آخر كسوته والمتبادر من الثانية باعتبار اضافة الكسوة إليه ذلك واما الأولى فحيث ان المراد بها ليس هو الثياب الملصق بجسده إجماعا فيكون المراد ما انعقد عليه الإجماع وهي الثياب المحيطة به ولو بالواسطة أو الملبوسة أو المعدة له أو الصالحة لذلك.
فما عن الحلي من التخصيص بما يلبسه ويديمه ضعيف واضعف منه ما عن الحلبي» من التخصيص بثياب الصلاة.
ثم ان الظاهر صدق الثوب والكسوة على القميص والقباء والسراويل ونحوها بلا خفاء وكذا العباء و الرداء والفراء والثوب من اللبد.
وفي المسالك اخرج القلنسوة قال: وقد صرحوا بعدم اجزاء القلنسوة عن الكفارة مع كون المعتبر فيها الكسوة.
وفيه: ان الكسوة تصدق عليها واخراج القلنسوة في باب الكفارات انما هو لدليل آخر لا لعدم صدق الكسوة والظاهر صدقها على مثل العمامة وهل يدخل النعل والخف وما يشد به الوسط من المنطقة والخدام فيه تردد والأصل يقتضي العدم.
ولو احتاج الثوب إلى القص والخياطة فالظاهر عدم دخوله لعدم صدق الثوب والكسوة عليه ولو تعددت الثوب من كل نوع منه فالظاهر دخول الجميع للإطلاق.
ولا فرق بين أن يكون الثوب مما يحرم عليه لبسه كالثوب من الحرير وغيره لعدم الملازمة بين الحرمة والحرمان.
واما الخاتم ففي جملة من النصوص اضيف إلى الميت وعليه فالمراد به ما لم يعد للتجارة أو الباس الغير وما شاكل إلا أنه في صحيح حريز ذكر بالتعريف دون الاضافة وإطلاقه يشمل الجميع، ولكن الظاهر قيام الإجماع على الاختصاص بما اعده لاستعمال نفسه، والظاهر دخول فص الخاتم فيه لعدم صدق الخاتم عرفا بدونه ولا فرق فيه بين كونه منقوشا أم لا ولا بين أن يكون من الذهب أو الفضة أو غيرهما، وفي خصوص الذهب كلام قد مر وقد عرفت دخوله ولا بين ما يلبس في الخنصر وغيرها في اليمين أو اليسار.
ثم ان الخاتم يطلق على حلى للاصبع معروف وعلى ما يوضع على الحجج وبين المعنيين عموم من وجه فما كان جامعا للوصفين لا كلام في دخوله وكذا ما اختص بالاول للصدق العرفي واما ما اختص بالثاني ففي دخوله اشكال لعدم كونه متعارفا عند العرب والأصل يقتضي العدم.
ولو تعدد الخاتم فالظاهر عدم كون اكثر من واحد من الختم داخلا في الحبوة لأن الخاتم ذكر بصيغة الوحدة بخلاف الثياب.
وعليه: فإن كان واحد منها يغلب نسبته إليه تعين للانصراف وان تساوت النسبة تخير الوارث واحدا منها ولا وجه للرجوع إلى القرعة.
وبما ذكرناه ظهر حكم السيف والمصحف ووجه اختصاصهما بما لم يعد للتجارة وما شاكل وعدم كون اكثر من واحد منهما داخلا في الحبوة، وفي دخول حلية السيف وجفنه وبيت المصحف وجلده وجهان، من تبعيتها لهما عرفا وخروجها عن حقيقتهما ولعل الأول اقوى.
ولو فصل بين ما لا ينفك عنهما غالبا كالجلد في المصحف والقراب والقبضة والحمايل في السيف وبين غير ذلك وبني على دخول القسم الأول دون الثاني كان احسن واوفق بما ينساق إليه اذهان أهل العرف.
4- لا اشكال في انه لا حبوة للأنثى مطلقا للإجماع والتقييد بالذكر في جملة من النصوص المحمول عليه ما في غيره من النصوص مع انه في أحد صحيحي الربعي صرح بذلك والذكور ان تعددوا فللاكبر منهم الحبوة وان كانت هناك أنثى اكبر منهم إجماعا كما في المسالك وغيرها. ويشهد به النصوص المتقدمة وخصوص صحيح الربعي المصرح بذلك فلا يصغى إلى ما عن الاسكافي بسقوط الحبوة لو كانت الأنثى اكبر.
ومرسل ابن اذينة شاهدان به، والاستشكال فيه بأن الحبوة للاكبر من الأولاد الذكور وافعل التفضيل يقتضي مشاركا في الفعل في غير محله بعد تصريح الروايات بثبوتها له كما عرفت.
ولو تعدد الاكبر بأن كان هناك ذكور متساوية في السن فعن جماعة منهم الشيخ في النهاية والقاضي وابن حمزة سقوط الحبوة وفي المستند لا يبعد ترجيح هذا القول، والمشهور بين الأصحاب عدم سقوطها وانهم يشتركون فيها.
اقول: ان جملة من النصوص متضمنة لثبوت الحبوة للاكبر وجملة منها متضمنة لثبوتها للأبن والولد.
اما الأولى: فالظاهر عدم شمولها للفرض لا لما قيل من ندرة هذا الفرض فينصرف عنه الإطلاقات لما مر مرارا من ان الانصراف الناشئ عن ندرة وجود فرد وشيوع آخر لا يصلح مقيدا للإطلاق ولا لما قيل من ظهور الاكبر في الواحد.
فإنه يرده انه وان كان ظاهرا في ذلك لكن لازمه ثبوت الحبوة لأحدهما أو لاحدهم لا سقوط الحبوة بل لأن الظاهر من الاكبر بقول مطلق هو الاكبر من جميع من عداه وهذا لا يصدق في الفرض كما لا يخفى.
واما الثانية: فما كان منها ظاهرا في صورة وحدة الولد كموثقة الفضلاء وما شاكلها من جهة ما فيها من التفصيل القاطع للشركة فعدم شمولها للفرض ظاهر.
واما غير تلكم من الأخبار المتضمنة لأن الحبوة للأبن كموثق العقرقوفي فقد يقال بعدم شموله ايضا فإن المطلق لا بد وان يحمل على المقيد فإطلاقه مقيد بالاكبر فلا مثبت للحبوة في الفرض.
ولكن يمكن رده: بأن المطلق انما يحمل على المقيد فيما إذا وجد لا مطلقا.
وعليه: فالموثق يشمل الفرض ومضمونه ثبوت الحبوة للأبن وهو يصدق على الكثير والواحد ولازم ذلك اشتراكهما فيها اللهم إلاأن يمنع صدقه على الكثير فلازمه ثبوتها لأحدهما فيتعين حينئذ الرجوع إلى القرعة.
وهل الأكبر في التوامين اولهما خروجا ولو كان التفاوت يسيرا كما هو الظاهر عرفا أم هو الذي يخرج اخيرا للخبر: أصاب رجل غلامين في بطن فهناه أبو عبد الله (ع) ثم قال: ايهما الاكبر؟
فقال: الذي خرج اولا فقال أبو عبد الله (ع): الذي خرج اخيرا هو اكبر اما تعلم انها حملت بذلك أولا وأن هذا دخل على ذاك فلم يمكنه ان يخرج حتى يخرج هذا فالذي خرج أخيرا هو أكبرهما.
وجهان اظهرهما الأول لأن الخبر ضعيف للارسال ولجهالة المرسل وهو علي بن احمد الاشيم.
مع ان ما رواه الصدوق عن الإمام الصادق (ع): اكبر ما يكون الانسان يوم يولد واصغر ما يكون يوم يموت لعله يدل على الأول.
ثم ان الظاهر كما عن المصنف (رحمة الله عليه) في الارشاد اختصاص الحكم بالولد للصلب فلا يثبت الحبوة لولد الولد لعدم صدق ما اخذ في الموضوع من الابن والولد لولد الولد كما مر.
وهل يعتبر انفصال الولد عند موت ابيه أم يحبى الحمل ايضا مطلقا أم بشرط كونه متصفا بالذكورية حين الموت فلو تم له أربعة اشهر يحبى والا فلا وجوه واقوال اظهرهما الاخير اما عدم اشتراط الانفصال فلصدق الولد الذكر على الحمل ولذا يعزل له نصيب الذكر ولان الحبوة إرث فإن انتقالها انما هو بالإرث وقد ثبت ان الحمل يرث.
ودعوى ان الحبوة علقت على الذكر ولا يحكم على الحمل بكونه ذكرا وأيضا ان الحكم باستحقاقها مخالف للاصل فيجب الاقتصار على اليقين وأيضا فإن الحكم بكون الحبوة له من حين الموت كان حكما غير مطابق للواقع لعدم احراز كونه ذكرا وان حكم بكونها له بعد التولد فقبل ان يولدان حكم بها للورثة يحتاج الانتقال عنهم إليه إلى دليل آخر وهو مفقود وان لم يحكم بها لهم يلزم بقاء المال بلا مالك مندفعة بأن الموضوع هو الولد الذكر واقعا لا ما احرز ذكوريته.إذا لم يكن سفيها ولا فاسد الرأي
وعليه: فلا مانع من الحكم بها له بعد الانكشاف والحكم بالاستحقاق وان كان خلاف الأصل إلا أنه مع وجود إطلاق الدليل لا وجه للاقتصار على المتيقن وانما يحكم بكونها له من حين الموت مراعى بانكشاف الذكورية كما في الإرث فلا يلزم شيء من المحاذير.
واما اشتراط الذكورية حين الموت فلتعليق الحكم على ذلك في النصوص والصدق المتاخر لا يكفي في الحكم فما استوجهه الشهيد الثاني في محكي الرسالة بأن الحمل يحبى ان كان حين موت ابيه متصفا بالذكورية والا فلا وهو الاظهر.
ولا يشترط في المحبو البلوغ لإطلاق الادلة فما عن ظاهر الحلي وصريح ابن حمزة من اعتباره لأن الحبوة في مقابل القضاء ولا يتعدى من الصبي ضعيف لمنع المقابلة اولا ومنع فورية القضاء ثانيا، وهل تختص الحبوة بما إذا لم يكن المحبو سفيها ولا فاسد الرأي كما في المتن وعن ابني حمزة وادريس بل
في الشرائع نسبته إلى قول مشهور وعن المقنعة والنهاية والقواعد وغيرها اعتبار الأول.
أم لا تختص بذلك فيجيء السفيه والمخالف، وجوه اظهرها الثالث لإطلاق الادلة.
واستدل لاعتبارهما: بأن السفيه والمخالف ليسا اهلا للكرامة الظاهرة في حكمة الحباء الذي هو كالعوض عما يراد به من قضاء الصلاة والصوم وبالشك في ارادة هذا الفرد من إطلاق النصوص فيبقى عموم الإرث حينئذ سالما عن المعارض.
ولاعتبار الثاني بالخصوص: بما دل على جواز الزام المخالف بمذهبه.
ولكن يرد على الأول: منع كون الحكمة ذلك وعدم وجوب اطرادها.
وعلى الثاني: ان التمسك بالإطلاق انما هو في فرض الشك في ارادة فرد من الإطلاق.
وعلى الثالث ان الزام المخالف بمذهبه وان جاز ولكن ليس ذلك من باب الشرطية ولذالم يشترط أحد في ابطال العول والعصبة عدم فساد الراي بل حكموا به مطلقا مع تصريحهم كجملة من الأخبار بجواز ادانة المخالف بمعتقده فيهما وبما ذكرناه يظهر عدم اعتبار العقل وان المجنون ايضا يحبى.
نعم يعتبر اسلامه لأن الحبوة ميراث والكافر لا يرث.
5- المشهور بين الأصحاب كما في المسالك: ان الحباء مشروط بشرط ان يخلف الميت غير ذلك وعن شرح القواعد للهندي: اتفقوا على ذلك وعن ظاهر رسالة الشهيد الثاني وصريح آخر: عدم اعتبار ذلك وظاهر المسالك: التوقف فيه ويشهد للثاني إطلاق النصوص.
واستدل للمشهور: بلزوم الاجحاف والاضرار بالورثة لولا الشرط وبان لفظ الحبوة موذن ببقاء شيء آخر وبوجوب الاقتصار على المتيقن وبانصراف النصوص عن فرض عدم تخلف شيء آخر وبأنه دل الدليل على الاحتساب وهذا يلازم وجود شيء آخر بل يلازم عدم نقصان نصيب كل من الورثة عما كان عليه قبل الحبوة وبمضمر سماعة المتقدم: سألته عن الرجل يموت ما له من متاع البيت قال: السيف الخ.
والجميع كما ترى اذ لزوم الاجحاف والاضرار ممنوع وعلى فرضه لا مانع عنه ولفظ الحبوة ليس في النصوص اولا وايذانه بما ذكر ممنوع ثانيا والاقتصار على المتيقن لا وجه له بعد إطلاق الدليل والانصراف ممنوع كما مر مرارا والاحتساب قد مر عدم القول به ومضمر سماعة انما يكون القيد فيه في كلام السائل لا الإمام (ع) مع انه لا مفهوم له كي يقيد إطلاق الدليل.
فالاظهر بحسب النصوص عدم اعتبار ذلك لكن مخالفة القوم مشكلة.
ثم على القول بالاشتراط هل يكفي بقاء أقل ما يتمول كما هو مقتضى إطلاق كلماتهم أم يعتبر كونه كثيرا يزول به الاضرار كما هو مقتضى تعليلهم احتمالان وفي المقام وجوه اخر اغمضنا عن التعرض لها لأن كل ذلك تهجس في الحكم الشرعي والقول به من غير دليل.
6- ومن شرط الحباء عند جماعة خلو الميت من دين مستغرق للتركة بل الظاهر انه المشهور بين الأصحاب بل لم اعثر في ذلك على مخالف والوجه فيه ظاهر فإن الحباء نوع من الإرث وانتقال الحبوة انما يكون بالتوريث والدين مقدم على الإرث بلا كلام.
بل في المسالك: ولو كان هناك دين غير مستغرق ففي منعه من قابله مثلها بالنسبة وجهان اظهرهما ذلك انتهى.
وان نسب العدم في محكى الرسالة إلى ظاهر الأصحاب.
واستدل للاول في المسالك: بأنه كما يمنع الدين غير الحباء من الميراث كذلك الحباء ، وحاصله ان الدين يتعلق بالتركة على الشياع والحبوة منها فيصيبها نصيبها.
واستدل للثاني في الرسالة على ما حكى بعموم النصوص قال: ويويده إطلاق النصوص والفتاوى باستحقاق جميع الحبوة مع ان الميت لا ينفك عن دين في الجملة إلا نادرا فلو كان لمطلق الدين اثر في النقص عليها لنبهوا عليه فيهما.
وأيضا فإن الواجب من الكفن ومؤونة التجهيز كالدين بل اقوى لتقدمه عليه ويتعلق بالتركة شياعا فيلزم ان لا يسلم الحبوة لأحد وهو مناف لإطلاق اثباتها فيهما ثم رد العموم بالتخصيص والبواقي بانها مجرد استبعاد لا يعارض ما سبق.
وفيه: فرق واضح بين الإرث مطلقا وخصوص الحبوة فإن الإرث انما يكون في جميع المال ونصيب كل واحد من الورثة انما هو حصة مشاعة من جميع التركة وحيث دل الدليل على تقدم الدين على الإرث وانه يتعلق بالمال أو لا لزم منه تعلقه بما هو نصيب كل واحد منهم بنسبة ما يرثه.
واما الحبوة فقد دل الدليل على اختصاصها بامور معينة خارجية فحينئذ ان كان الدين مستغرقا كان لازم تقدم الدين صرفها فيه وان لم يكن مستغرقا كان مقتضى الجمع بين دليل الدين ونصوص الحبوة
تعلق الدين بغير الحبوة من التركة وان شئت فاختبر ذلك من نظائرالمقام في العرف فلو قال القائل: بعتك نصف الدار وبعت عمروا نصفها الاخر كان ذلك مشتركا بينهما اما لو قال: بعتك نصف الدار وبعت عمروا الجانب الشرقي من الدار وكان البيعان في زمان واحد فيصرف النصف إلى غير الجانب الشرقي بمقدار نصف المجموع.
وان شئت قلت: انه مع عدم استغراق الدين يتوارد حقان على مال واحد أحدهما متعلق باموال معينة والثاني متعلق بالجميع فالجمع بين الحقين يقتضي صرف الدين إلى غير متعلق الحبوة فتدبر فإنه دقيق، فالاظهر ما عليه ظاهر الأصحاب.
وبذلك يظهر حكم مالو اوصى بجزء من التركة مطلق كمائة درهم أو منسوب كالثلث فإن ما ذكرناه من الدين يجري فيه.
نعم له ان يوصي بعين الحبوة وينفذ لعموم الادلة ولما دل على أن الميت أحق بماله مادام فيه الروح واختصاص المحبوبها بعد الموت .
وعليه: فإن زادت على الثلث اعتبر اجازة المحبو والا فلا.
تعليق