رحلة سبايا كربلاء مأساة أيقظت ضمير الأمّة
للحقد تاريخ أسود، وللرغبة الحمقاء في إراقة الدم البريء شهوة مستعرة لا تنطفيء في النفوس المريضة حتى بعد إراقته، بل تظلّ تغلي في تلك النفوس مجسدة خبثها وسوء طويتها وحبها للشر والرذيلة والانتقام وكأنّها مصداق قوله تعالى: (قد خاب من دسّاها).
وما من تاريخ للحقد عرفته البشرية أشد بشاعة من تاريخ بني أميّة الذين تأصّل في نفوسهم عداء قديم للبيت الهاشمي لم يستطع حتى الإسلام بوصفه ديناً روحياً عظيماً أن يصلح تلك النفوس ويهذّبها من درن الجاهلية الذي لحق بها؛ وذلك لأنهم لم يعتنقوا ذلك الدين اعتناق المؤمن له المسلّم به، وإنما دخلوه دخول المضطر الذي فقد الحيلة، ولا أدلّ على ذلك من حكاية سلفهم بعد سماعه خبر تولية أمر الأمة للخليفة الثالث الذي ارتبط معهم بصلة دم وقرابة، حيث تروي الاخبار أن ذلك السلف جمع بني أمية قائلاً لهم: (تلاقفوها – أي الخلافة – بني أمية تلاقفكم الكرة فوالذي نفس أبي سفيان في يده لا بعث ولا نشور)، ومن مقولته نستشعر الفهم الخاطئ لروح الإسلام وتعاليمه واشتراطاته الواقعية والغيبية عند السلف الأعلى للأمويين فما بالك بأحفاده الذين استنّوا بقدوتهم ثم احتضنته بحجرها آكلة الأكباد!؟
إن ذلك الحقد القديم الجديد يتجسّد في كل صورة من صور عاشوراء، وفي كل موقف من تلك المواقف التي تتقابل فيها إرادة الخير وأهله وإرادة الشر وأهله، فما أن استشهد الإمام الحسين(عليه السلام) مدافعاً عن قيم الخير والكمال وحيداً بأرض الكبرياء، حتى احتشدت جموع الاشرار وزبانية ابن زياد على من تبقى من الصبية والارامل لتسوقهم إلى قصر إمارته الذي شاده الأمويون من جماجم الأبرياء كي يدخلوا عليه منكسرين أذلاء كما يشتهي وكما يُحب طاغية الشام دون أدنى مراعاة لحرمة قرابتهم من رسول الله.
وفي ذلك القصر يبدأ فصل آخر من فاجعة الطف هو فصل التنكيل بالأسرى ومحاولة إذلالهم رغم عدم وجود الرجال البالغين بينهم سوى الإمام السجاد (عليه السلام) الذي أقعده المرض عن ساحة المعركة ومع مرضه الشديد أمر ابن زياد بوضع الغلّ في عنقه ويديه إرضاء لسيده يزيد.
كلّ ذلك يجري على مرآى أهل الكوفة ومسمعهم فيستأذن البعض منهم العقيلة زينب طالبين منهم قبول اعتذارهم ومواساتهم لها بفقد أخيها، لكن بطلة كربلاء ترفض بكل إباء وشموخ طلبهم لتبقي في قلوبهم جذوة ندم كبير ما لبث أن استحال إلى ثورة زلزلت الارض تحت أقدام ابن زياد ومواليه بعد سنين قليلة.
وبعد ساعات قليلة من فاجعة كربلاء حيث الدم المطلول ما زال ندياً تبدأ رحلة أراد لها ابن زياد أن تكون رحلة إذلال وقهر في حين أراد لها يزيد أن تكون إعلاناً للأمصار الإسلامية بنصره على (الخوارج المزعومين) بينما أراد لها الله أن تكون مسيرة جهادية تكمل ما بدأه الإمام بكربلاء فتحرّك ضمير الأمة الذي استرخى ونام منذ استشهاد الإمام علي (عليه السلام) ولم يصحُ إلاّ مع هذه المسيرة التي جلت للناس كثيراً من الحقائق التي حرص الأمويون على إخفائها.
إنها رحلة مضنية حاديها شمر وشبث بن ربعي وغايتها إرضاء غرور طاغية العصر يزيد، وقد وصفها الإمام السجاد مرة فقال: (حملوني على بعير يضلع بغير وطاء، ورأس ابي الحسين على علم ونسوتنا خلفي على بغال واكفة، والفارطة خلفنا وحولنا، إن دمعت منا عين قرع رأسه بالرمح).
لقد سارت بهم الركبان بالإمصار على أنهم خوارج، وما أن تستيقن الناس أنهم أقرب الناس صلة رحم إلى رسوله الكريم، وإن الرأس الشامخ فوق قناة الرمح هو رأس بنت رسول الله(صلوات الله عليه ) وإن المرأة التي ألبوسها ملابس الذل هي ابنة فاطمة الزهراء(عليها السلام) وأن المكبّل بالقيود هو بقية رسول الله، ما أن يستيقن الناس ذلك حتى تثور ثائرتهم وتدبّ فيهم الشكوك بولاة أمرهم الذين ما حفظوا عهد القرآن بمودّتهم لقرابة الرسول.
وشيئاً فشيئاً تدّب الكراهية عند أهل الأمصار لبني أمية ويصل البغض عند البعض إلى أعلى درجاته في حين يأخذ أهل الأمصار بالتبرك بمواضع نزول الرأس المقدس فتبنى عند ذلك المساجد الكبيرة التي تحكي حبّاً بالفطرة من قلوب العباد لآل البيت عليهم السلام.
وبعد قرابة العشرين يوماً تُستكمل الرحلة التي أريد لها أمراً وأراد الله لها غيره، فتدخل القافلة في غرّة صفر ضواحي الشام المتزيّنة بالنصر والمحتفلة بعيد لم يألفه أهل الشام من قبل – كما يذكر المؤرخون – وفي مجلس يزيد يسدل الستار على آخر فصول هذه المسرحية، ويدقّ على أثر ذلك آخر مسمار في نعش حكومة بني أمية، فالناس التي تجمهرت لتشاهد أسرى الخوارج ذُهلوا من أمر هذه الخطيبة البارعة التي لم تنكسر إرادتها ولم تحاب يزيداً وهي تصرخ بوجهه: (أمن العدل يا بن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا وقد هتكن شعورهن وأبدين وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد؟).
ويبرر يزيد الموقف للحاضرين الذين يتعاطفون كل التعاطف مع السبايا الذين دخلوا لشام بصفة خوارج ومرتدين وهم في الحقيقة البقية الباقية من رسول الله على الارض فيبلغ المقت عند الناس أعلى درجاته لبني أمية ويميلون إلى بيت الرسالة ويطلبون من العقيلة زينب أن تقبل عزاءهم ومواساتهم لها فتأذن لهم على خلاف ما فعلت مع أهل الكوفة؛ لأنها أرادت أن يعرف السذج والمغرر بهم من أهل الشام من هم آل البيت؟ وقد نجحت باستمالة القلوب إليها ويُفتن أهل الشام برؤوس الشهداء كلّ يريد أن يتبرك بها ويدفنها بفناء داره، ويشير مروان على يزيد بأن تعود الرؤوس مع السبايا بأسرع وقت شرط ألّا تعود القافلة من الطريق ذاته الذي جاءت به ليفّوت بنو أمية على القافلة فرصة التعريف بنفسها وكسب تعاطف الأمصار معها مرة ثانية، وتستعد العقيلة للعودة وتشترط أن تتّشح القافلة بالسواد تعبيراً عن الحزن والحداد على شهداء آل البيت.
لقد مهدت هذه الرحلة طريقاً للثورة بالكوفة بعد أن ظلّ الندم يغلي بصدور القاعدين عن نصرة الإمام الشهيد ولا سيما بعد رفض السيدة زينب قبول دعوات أهل الكوفة بالاعتذار وتقبّل المواساة.
كما أفرزت مأساة السبي تعاطفاً مع قضية استشهاد الإمام ونتج عن ذلك فيما بعد بغض لسياسة الامويين وعزوف عن تأييدهم في حروبهم وغزواتهم مما ساهم في إسقاط حكومتهم على مستوى التأييد الشعبي.
لقد ساهمت مأساة السبي في قلب الطاولة على طاغية العصر يزيد من قبل مؤيديه أنفسهم من أهل الشام الذين استهجنوا السياسة الاموية وعرفوا مقدار الجهل الذي كانوا يغرقون به، وبذلك فقد مالت قلوبهم إلى آل البيت(عليهم السلام) بعد أن كانت مع الشيطان وحزبه.
للحقد تاريخ أسود، وللرغبة الحمقاء في إراقة الدم البريء شهوة مستعرة لا تنطفيء في النفوس المريضة حتى بعد إراقته، بل تظلّ تغلي في تلك النفوس مجسدة خبثها وسوء طويتها وحبها للشر والرذيلة والانتقام وكأنّها مصداق قوله تعالى: (قد خاب من دسّاها).
وما من تاريخ للحقد عرفته البشرية أشد بشاعة من تاريخ بني أميّة الذين تأصّل في نفوسهم عداء قديم للبيت الهاشمي لم يستطع حتى الإسلام بوصفه ديناً روحياً عظيماً أن يصلح تلك النفوس ويهذّبها من درن الجاهلية الذي لحق بها؛ وذلك لأنهم لم يعتنقوا ذلك الدين اعتناق المؤمن له المسلّم به، وإنما دخلوه دخول المضطر الذي فقد الحيلة، ولا أدلّ على ذلك من حكاية سلفهم بعد سماعه خبر تولية أمر الأمة للخليفة الثالث الذي ارتبط معهم بصلة دم وقرابة، حيث تروي الاخبار أن ذلك السلف جمع بني أمية قائلاً لهم: (تلاقفوها – أي الخلافة – بني أمية تلاقفكم الكرة فوالذي نفس أبي سفيان في يده لا بعث ولا نشور)، ومن مقولته نستشعر الفهم الخاطئ لروح الإسلام وتعاليمه واشتراطاته الواقعية والغيبية عند السلف الأعلى للأمويين فما بالك بأحفاده الذين استنّوا بقدوتهم ثم احتضنته بحجرها آكلة الأكباد!؟
إن ذلك الحقد القديم الجديد يتجسّد في كل صورة من صور عاشوراء، وفي كل موقف من تلك المواقف التي تتقابل فيها إرادة الخير وأهله وإرادة الشر وأهله، فما أن استشهد الإمام الحسين(عليه السلام) مدافعاً عن قيم الخير والكمال وحيداً بأرض الكبرياء، حتى احتشدت جموع الاشرار وزبانية ابن زياد على من تبقى من الصبية والارامل لتسوقهم إلى قصر إمارته الذي شاده الأمويون من جماجم الأبرياء كي يدخلوا عليه منكسرين أذلاء كما يشتهي وكما يُحب طاغية الشام دون أدنى مراعاة لحرمة قرابتهم من رسول الله.
وفي ذلك القصر يبدأ فصل آخر من فاجعة الطف هو فصل التنكيل بالأسرى ومحاولة إذلالهم رغم عدم وجود الرجال البالغين بينهم سوى الإمام السجاد (عليه السلام) الذي أقعده المرض عن ساحة المعركة ومع مرضه الشديد أمر ابن زياد بوضع الغلّ في عنقه ويديه إرضاء لسيده يزيد.
كلّ ذلك يجري على مرآى أهل الكوفة ومسمعهم فيستأذن البعض منهم العقيلة زينب طالبين منهم قبول اعتذارهم ومواساتهم لها بفقد أخيها، لكن بطلة كربلاء ترفض بكل إباء وشموخ طلبهم لتبقي في قلوبهم جذوة ندم كبير ما لبث أن استحال إلى ثورة زلزلت الارض تحت أقدام ابن زياد ومواليه بعد سنين قليلة.
وبعد ساعات قليلة من فاجعة كربلاء حيث الدم المطلول ما زال ندياً تبدأ رحلة أراد لها ابن زياد أن تكون رحلة إذلال وقهر في حين أراد لها يزيد أن تكون إعلاناً للأمصار الإسلامية بنصره على (الخوارج المزعومين) بينما أراد لها الله أن تكون مسيرة جهادية تكمل ما بدأه الإمام بكربلاء فتحرّك ضمير الأمة الذي استرخى ونام منذ استشهاد الإمام علي (عليه السلام) ولم يصحُ إلاّ مع هذه المسيرة التي جلت للناس كثيراً من الحقائق التي حرص الأمويون على إخفائها.
إنها رحلة مضنية حاديها شمر وشبث بن ربعي وغايتها إرضاء غرور طاغية العصر يزيد، وقد وصفها الإمام السجاد مرة فقال: (حملوني على بعير يضلع بغير وطاء، ورأس ابي الحسين على علم ونسوتنا خلفي على بغال واكفة، والفارطة خلفنا وحولنا، إن دمعت منا عين قرع رأسه بالرمح).
لقد سارت بهم الركبان بالإمصار على أنهم خوارج، وما أن تستيقن الناس أنهم أقرب الناس صلة رحم إلى رسوله الكريم، وإن الرأس الشامخ فوق قناة الرمح هو رأس بنت رسول الله(صلوات الله عليه ) وإن المرأة التي ألبوسها ملابس الذل هي ابنة فاطمة الزهراء(عليها السلام) وأن المكبّل بالقيود هو بقية رسول الله، ما أن يستيقن الناس ذلك حتى تثور ثائرتهم وتدبّ فيهم الشكوك بولاة أمرهم الذين ما حفظوا عهد القرآن بمودّتهم لقرابة الرسول.
وشيئاً فشيئاً تدّب الكراهية عند أهل الأمصار لبني أمية ويصل البغض عند البعض إلى أعلى درجاته في حين يأخذ أهل الأمصار بالتبرك بمواضع نزول الرأس المقدس فتبنى عند ذلك المساجد الكبيرة التي تحكي حبّاً بالفطرة من قلوب العباد لآل البيت عليهم السلام.
وبعد قرابة العشرين يوماً تُستكمل الرحلة التي أريد لها أمراً وأراد الله لها غيره، فتدخل القافلة في غرّة صفر ضواحي الشام المتزيّنة بالنصر والمحتفلة بعيد لم يألفه أهل الشام من قبل – كما يذكر المؤرخون – وفي مجلس يزيد يسدل الستار على آخر فصول هذه المسرحية، ويدقّ على أثر ذلك آخر مسمار في نعش حكومة بني أمية، فالناس التي تجمهرت لتشاهد أسرى الخوارج ذُهلوا من أمر هذه الخطيبة البارعة التي لم تنكسر إرادتها ولم تحاب يزيداً وهي تصرخ بوجهه: (أمن العدل يا بن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا وقد هتكن شعورهن وأبدين وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد؟).
ويبرر يزيد الموقف للحاضرين الذين يتعاطفون كل التعاطف مع السبايا الذين دخلوا لشام بصفة خوارج ومرتدين وهم في الحقيقة البقية الباقية من رسول الله على الارض فيبلغ المقت عند الناس أعلى درجاته لبني أمية ويميلون إلى بيت الرسالة ويطلبون من العقيلة زينب أن تقبل عزاءهم ومواساتهم لها فتأذن لهم على خلاف ما فعلت مع أهل الكوفة؛ لأنها أرادت أن يعرف السذج والمغرر بهم من أهل الشام من هم آل البيت؟ وقد نجحت باستمالة القلوب إليها ويُفتن أهل الشام برؤوس الشهداء كلّ يريد أن يتبرك بها ويدفنها بفناء داره، ويشير مروان على يزيد بأن تعود الرؤوس مع السبايا بأسرع وقت شرط ألّا تعود القافلة من الطريق ذاته الذي جاءت به ليفّوت بنو أمية على القافلة فرصة التعريف بنفسها وكسب تعاطف الأمصار معها مرة ثانية، وتستعد العقيلة للعودة وتشترط أن تتّشح القافلة بالسواد تعبيراً عن الحزن والحداد على شهداء آل البيت.
لقد مهدت هذه الرحلة طريقاً للثورة بالكوفة بعد أن ظلّ الندم يغلي بصدور القاعدين عن نصرة الإمام الشهيد ولا سيما بعد رفض السيدة زينب قبول دعوات أهل الكوفة بالاعتذار وتقبّل المواساة.
كما أفرزت مأساة السبي تعاطفاً مع قضية استشهاد الإمام ونتج عن ذلك فيما بعد بغض لسياسة الامويين وعزوف عن تأييدهم في حروبهم وغزواتهم مما ساهم في إسقاط حكومتهم على مستوى التأييد الشعبي.
لقد ساهمت مأساة السبي في قلب الطاولة على طاغية العصر يزيد من قبل مؤيديه أنفسهم من أهل الشام الذين استهجنوا السياسة الاموية وعرفوا مقدار الجهل الذي كانوا يغرقون به، وبذلك فقد مالت قلوبهم إلى آل البيت(عليهم السلام) بعد أن كانت مع الشيطان وحزبه.
تعليق