اللهم صل على محمد وآل محمد
مرقد منفرد وحرم خاص
ولعلّ الأمر الأخير كان هو الهدف من وراء ترك الإمام الحسين (عليه السّلام) أخاه العبّاس (عليه السّلام) في مكانه ، وعدم حمله إلى الفسطاط ، كما عليه المحقّقون من كبار العلماء والفقهاء .
ويؤيّده أنّه لمّا جاء الإمام زين العابدين (عليه السّلام) في اليوم الثالث من شهادة أبيه الإمام الحسين (عليه السّلام) إلى كربلاء ، وذلك بطريق المعجزة ، وأراد دفن الشهداء السّعداء ومواراة أجسادهم الطاهرة ، التفت إلى بني أسد بعد أن وارى بنفسه جسد أبيه الطاهر ، ووارى بمعاونة بني أسد أجساد الشهداء الأبرار وقال : (( انظروا هل بقي من أحد ؟ )) .
قالوا : نعم ، بقي بطل مطروح حول المسنّاة وهو موذّر ومقطّع إرباً إرباً ، وإنّا كلّما حملنا جانباً منه سقط الآخر !
فقال (عليه السّلام) : (( امضوا بنا إليه )) .
فمضوا جميعاً إليه ، فلمّا رآه انكبّ عليه يلثم نحره الشريف ، وهو يقول : (( على الدنيا بعدك العفا يا قمر بني هاشم ، وعليك منّي السّلام من شهيد محتسب ورحمة الله وبركاته )) . ثمّ شقّ له ضريحاً وأنزله وحده كما فعل بأبيه الإمام الحسين (عليه السّلام) ، وقال لبني أسد : (( إنّ معي مَنْ يعينني )) .
وعليه فإنّ الإمام زين العابدين (عليه السّلام) مع إمكانه ولو بطريق المعجزة ،
وتعاون مع بني أسد أن ينقل الجسد الطاهر إلى الحائر الشريف ، لكنه (عليه السّلام) مع ذلك لم ينقل جسد عمّه أبي الفضل العبّاس (عليه السّلام) عن مكانه ، ولم يحمله إلى بقعة أبيه الإمام الحسين (عليه السّلام) ولا إلى روضة الشهداء من أهل بيته وأصحابه ، وإنّما حفر له حيث مرقده الآن مرقداً ، وشقّ له ضريحاً وواراه فيه ؛ ليكون قبره الشريف ومرقده المنيف محطّاً ومزاراً ، وملاذاً ومعاذاً ، وباباً للذين يفدون لزيارة الإمام الحسين (عليه السّلام) ، وبوّاباً للذين يقصدونه بحوائجهم وآمالهم .وهكذا كان ، فإنّ الوافدين والزائرين وكذلك هيئات المعزّين والمسلّين ، ومواكب العزاء كموكب السلاسل والتّطبير ، واللطم والتشبيه وغيرهم من الآمّين إلى كربلاء المقدّسة من ذلك الزمان وحتّى يومنا هذا يقصدون أوّلاً مشهد أبي الفضل العبّاس (عليه السّلام) ويأمّون روضته المباركة ، ويوسّطونه لحوائجهم عند أخيه الإمام الحسين (عليه السّلام) ثمّ بعد ذلك يقصدون مشهد الإمام الحسين (عليه السّلام) ، ويتشرّفون بزيارته ويتبرّكون بحرمه وروضته ثانياً وأخيراً .
المصدر الخصائص العباسيه