بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآله الطيبين الطاهرين
قد تقدم في المشاركة المتقدمة قولنا حول ان التقية هي قول جميع الصحابة والمذاهب وإليكم سرد ذكرها عند المذاهب وعليه فليس الشيعة هم اصحاب تقية فقط :
1ـ الأحناف وقولهم بالتقيّة:
روى الخطيب بإسناده عن سفيان بن وكيع، قال: جاء عمر بن حمّاد ابن أبي حنيفة، فجلس إلينا، فقال: سمعت أبي حمّاداً يقول: بعث ابن أبي ليلى إلى أبي حنيفة فسأله عن القرآن، فقال: مخلوق، فقال: تتوب وإلاّ أقدمت عليك! قال: فتابعه، فقال: القرآن كلام الله، قال: فدار به في الخلق يخبرهم أنّه قد تاب من قوله القرآن مخلوق، فقال أبي: فقلت لأبي حنيفة: كيف صرت إلى هذا وتابعته؟ قال: يا بُني خفت أن يقدم عليّ فأعطيته التقيّة(1) .
ما ذكره السرخسي في المبسوط: " وفيه تبيين أنّه لا بأس باستعمال التقيّة وأنّه يرخّص له في ترك بعض ما هو فرض عند خوف التلف على نفسه، ومقصوده من إيراد الحديث أن يبيّن أنّ التعذيب بالسوط يتحقّق فيه الإكراه كما يتحقّق في القتل، لأنّه قال: لو علمت أنّه يقتلني لغرقتها ولكن أخاف أن يعذّبني فيفتنّي، فتبيّن بهذا أنّ فتنة السوط أشدّ من فتنة السيف، وعن جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) قال: لا جناح عليّ في طاعة الظالم إذا أكرهني عليها، وإنّما أراد بيان جواز التقيّة في إجراء كلمة الكفر "(2) .
ـ وقال الإمام أبو بكر الجصّاص: ومن امتنع من المباح حتّى مات كان قاتلا نفسه متلفاً لها عند جميع أهل العلم، ولا يختلف في ذلك عندهم حكم العاصي والمطيع(3) .
وقال في معرض كلامه عن قوله تعالى: (إلاّ ما اضطررتم إليه) (4) : ومعنى الضرورة هنا هو خوف الضرر على نفسه أو بعض أعضائه بتركه الأكل، وقد انطوى تحته معنيان:
أحدهما: أن يحصل في موضع لا يجد غير الميتة.
والثاني: أن يكون غيرها موجوداً ولكنّه أُكره على أكلها بوعيد يخاف منه تلف نفسه أو تلف بعض أعضائه، وكلا المعنيين مراد بالآية عندنا لاحتمالهما ; وقد روي عن مجاهد أنّه تأوّلها على ضرورة الإكراه، لأنّه إذا كان المعنى في ضرورة الميتة ما يخاف على نفسه من الضرر في ترك تناوله
وذلك موجود في ضرورة الإكراه، وجب أن يكون حُكمُهُ حُكْمَهْ ; ولذلك قال أصحابنا في من أُكره على أكل الميتة فلم يأكلها حتّى قتل كان عاصياً لله، كمن اضطرّ إلى ميتة بأن عدم غيرها من المأكولات فلم يأكل حتّى مات كان عاصياً(5) .
ـ وقال الميرغياني في " الهداية ": (وإذا خاف على ذلك ـ إن أُكره على الكفر أو سبّ رسول الله ـ وسعه أن يظهر ما أمروه به ويورّي، فإن أظهر ذلك وقلبه مطمئنّ بالإيمان فلا إثم عليه) لحديث عمّار بن ياسر (رضي الله عنه) حين ابتُليَ به وقد قال له النبيّ عليه الصلاة والسلام: " كيف وجدت قلبك؟ قال: مطمئنّاً بالإيمان، فقال عليه الصلاة والسلام: فإن عادوا فعد "، وفيه نزل قوله تعالى: (إلاّ من أُكره وقلبه مطمئنّ بالإيمان) الآية، ولأنّ بهذا الإظهار لا يفوت الإيمان حقيقة لقيام التصديق وفي الامتناع فوت النفس حقيقة فيسعه الميل إليه(6).
والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين وسنكمل البحث مع قول بقية المذاهب
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ بغداد ج 13 ص 387.
(2) المبسوط ج 24 ص 47 وتوجد موارد كثيرة في هذا الجزء تنصّ على جواز التقيّة، بل وجوبها في بعض الموارد.
(3) أحكام القرآن ج 1 ص 179.
(4) سورة الأنعام 6: 119.
(1) أحكام القرآن ج 1 ص 181.
(2) نصب الراية ـ للزيلعي ـ ج 5 ص 364 هامش الهداية.
اللهم صلِّ على محمد وآله الطيبين الطاهرين
قد تقدم في المشاركة المتقدمة قولنا حول ان التقية هي قول جميع الصحابة والمذاهب وإليكم سرد ذكرها عند المذاهب وعليه فليس الشيعة هم اصحاب تقية فقط :
1ـ الأحناف وقولهم بالتقيّة:
روى الخطيب بإسناده عن سفيان بن وكيع، قال: جاء عمر بن حمّاد ابن أبي حنيفة، فجلس إلينا، فقال: سمعت أبي حمّاداً يقول: بعث ابن أبي ليلى إلى أبي حنيفة فسأله عن القرآن، فقال: مخلوق، فقال: تتوب وإلاّ أقدمت عليك! قال: فتابعه، فقال: القرآن كلام الله، قال: فدار به في الخلق يخبرهم أنّه قد تاب من قوله القرآن مخلوق، فقال أبي: فقلت لأبي حنيفة: كيف صرت إلى هذا وتابعته؟ قال: يا بُني خفت أن يقدم عليّ فأعطيته التقيّة(1) .
ما ذكره السرخسي في المبسوط: " وفيه تبيين أنّه لا بأس باستعمال التقيّة وأنّه يرخّص له في ترك بعض ما هو فرض عند خوف التلف على نفسه، ومقصوده من إيراد الحديث أن يبيّن أنّ التعذيب بالسوط يتحقّق فيه الإكراه كما يتحقّق في القتل، لأنّه قال: لو علمت أنّه يقتلني لغرقتها ولكن أخاف أن يعذّبني فيفتنّي، فتبيّن بهذا أنّ فتنة السوط أشدّ من فتنة السيف، وعن جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) قال: لا جناح عليّ في طاعة الظالم إذا أكرهني عليها، وإنّما أراد بيان جواز التقيّة في إجراء كلمة الكفر "(2) .
ـ وقال الإمام أبو بكر الجصّاص: ومن امتنع من المباح حتّى مات كان قاتلا نفسه متلفاً لها عند جميع أهل العلم، ولا يختلف في ذلك عندهم حكم العاصي والمطيع(3) .
وقال في معرض كلامه عن قوله تعالى: (إلاّ ما اضطررتم إليه) (4) : ومعنى الضرورة هنا هو خوف الضرر على نفسه أو بعض أعضائه بتركه الأكل، وقد انطوى تحته معنيان:
أحدهما: أن يحصل في موضع لا يجد غير الميتة.
والثاني: أن يكون غيرها موجوداً ولكنّه أُكره على أكلها بوعيد يخاف منه تلف نفسه أو تلف بعض أعضائه، وكلا المعنيين مراد بالآية عندنا لاحتمالهما ; وقد روي عن مجاهد أنّه تأوّلها على ضرورة الإكراه، لأنّه إذا كان المعنى في ضرورة الميتة ما يخاف على نفسه من الضرر في ترك تناوله
وذلك موجود في ضرورة الإكراه، وجب أن يكون حُكمُهُ حُكْمَهْ ; ولذلك قال أصحابنا في من أُكره على أكل الميتة فلم يأكلها حتّى قتل كان عاصياً لله، كمن اضطرّ إلى ميتة بأن عدم غيرها من المأكولات فلم يأكل حتّى مات كان عاصياً(5) .
ـ وقال الميرغياني في " الهداية ": (وإذا خاف على ذلك ـ إن أُكره على الكفر أو سبّ رسول الله ـ وسعه أن يظهر ما أمروه به ويورّي، فإن أظهر ذلك وقلبه مطمئنّ بالإيمان فلا إثم عليه) لحديث عمّار بن ياسر (رضي الله عنه) حين ابتُليَ به وقد قال له النبيّ عليه الصلاة والسلام: " كيف وجدت قلبك؟ قال: مطمئنّاً بالإيمان، فقال عليه الصلاة والسلام: فإن عادوا فعد "، وفيه نزل قوله تعالى: (إلاّ من أُكره وقلبه مطمئنّ بالإيمان) الآية، ولأنّ بهذا الإظهار لا يفوت الإيمان حقيقة لقيام التصديق وفي الامتناع فوت النفس حقيقة فيسعه الميل إليه(6).
والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين وسنكمل البحث مع قول بقية المذاهب
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ بغداد ج 13 ص 387.
(2) المبسوط ج 24 ص 47 وتوجد موارد كثيرة في هذا الجزء تنصّ على جواز التقيّة، بل وجوبها في بعض الموارد.
(3) أحكام القرآن ج 1 ص 179.
(4) سورة الأنعام 6: 119.
(1) أحكام القرآن ج 1 ص 181.
(2) نصب الراية ـ للزيلعي ـ ج 5 ص 364 هامش الهداية.
تعليق