الإمام الحسين (عليه السّلام) وحماية الظعائن
وهكذا فاق أبو الفضل العبّاس (عليه السّلام) كلّ أقرانه في هذه المكرمة النبيلة ، وزاد عليهم أيضاً في التضحية من أجلها ، والفداء في حمايتها حيّاً وميّتاً ، حتّى صار هو وحده الجدير بهذا اللقب الكريم حامي الظعينة .
نعم ، إنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) هو الإمام المنصوص عليه من عند الله تبارك وتعالى ، والإمام المنصوص عليه هو إمام في كلّ المحاسن والمكارم ومنها مكرمة حماية الظعن ؛ ولذلك يكون الإمام الحسين (عليه السّلام) هو السبّاق حتّى في هذه المكرمة .
ويكفي له دليلاً موقفه (عليه السّلام) بعد سقوطه من ظهر جواده في يوم عاشوراء ؛ حيث إنّه (عليه السّلام) بقي بعدها مدّة طريح الأرض وقد أعياه نزف الدم ، والقوم يهابون الدنوّ منه والاقتراب إليه ، وقد اختلفوا بينهم في حياته وموته ، فمن قائل : إنّه قد مات ، ومن قائل : إنّه لم يمُت ، وإنّما عمل هذا مكيدة .
فقال شمر بن ذي الجوشن : اقصدوا مخيّمه ؛ فإن كان حيّاً لم تدعه غيرته الهاشمية أن يسكت عنكم
فقصدوا الخيام فتصارخت النسوة وعلا أصواتهن ، فأراد الإمام الحسين (عليه السّلام) النهوض إليهم فلم يستطع ، فنادى بهم : (( ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان ! إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم ، وارجعوا إلى أحسابكم إذ كنتم أعراباً )) .
فناداه شمر وقال : ما تقول يابن فاطمة ؟
قال : (( أقول : أنا الذي أُقاتلكم وتقاتلوني ، والنساء ليس عليهنّ جناح ، فامنعوا عتاتكم عن التعرّض لحرمي ما دمت حيّاً )) .
فقال شمر : لك هذا .
ثمّ صاح بالقوم : إليكم عن حرم الرجل فاقصدوه في نفسه ، فلعمري لهو كفؤ كريم . فقصده القوم وعطفوا عليه .
وإلى هذا المعنى أشار الشاعر الحسيني حيث يقول :
قالَ اقصدوني بنفسي واتركوا حرمي قـد حـانَ حيني وقد لاحتْ iiلوائحهُ
فالإمام الحسين (عليه السّلام) إذاً مؤسّس هذه المكارم والمضحّي من أجلها ، وأبو الفضل العبّاس (عليه السّلام) هو خير مَنْ اقتدى بأخيه وإمامه الإمام الحسين (عليه السّلام) ، وفاز السّبق في هذه المكرمة ، ونال وسام حامي الظعينة وحامي الظعن ، وحامي ظعينة الإمام الحسين (عليه السّلام) بجدارة .