اللهم صل على محمد وآل محمد
السبع : يُقال للأسد ولكلّ حيوان مقدام فتّاك ، ويطلق على الرجل الشجاع البالغ في الشجاعة والإقدام .
والقنطرة : يقال للجسر ، ولكلّ ما بني على الماء من أنهار وجداول للعبور .
وسبع القنطرة يعني الرجل الشجاع الذي حمى الجسر من عبور الأعداء عليه ، وأثبت من نفسه جدارة الحراسة للجسر ، وسجّل عليه مواقف بطولية مشرّفة .
كيف عرف (عليه السّلام) بهذه الخصّيصة ؟
وإنّما عُرف أبو الفضل العبّاس (عليه السّلام) بسبع القنطرة ؛ لأنّه ـ على ما روي ـ قد أبدى من نفسه في حرب النهروان ـ والنهروان بلد من بغداد بأربعة فراسخ ـ جدارة عالية في حراسة القنطرة ، والجسر الذي كان قد أوكله أبوه أمير المؤمنين (عليه السّلام) مع مجموعة من الفرسان بحفظه يوم النهروان من الخوارج ، وسجّل عليه مواقف شجاعة وبطولات هاشمية مشرّفة .
فإنّه لم يدع بشجاعته وبسالته جيش الخوارج أن يعبروا من عليه ، ولا أن يجتازوه إلى حيث يريدون ، بل صمد أمامهم بسيفه وصارمه ، وصدّهم عمّا كانوا ينوونه بعزمه وبأسه ؛ ولذلك لمّا دخل وقت
الصلاة وطلب الإمام أمير المؤمنين ماءً يتوضّأ به أقبل فارس والإمام (عليه السّلام) يتوضّأ ، وقال : يا أمير المؤمنين ، لقد عبر القوم ـ ويقصد بهم الخوارج ـ وإنهم عبروا القنطرة التي أوكل بها الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ابنه العبّاس (عليه السّلام) مع مجموعة من الفرسان .
فلم يرفع الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) إليه رأسه ، ولم يلتفت إليه ؛ وذلك وثوقاً منه بشجاعة ولده المقدام أبي الفضل العبّاس (عليه السّلام) الذي أوكله بحفظ القنطرة من سيطرة الأعداء ، وأمره بحراستها من عبورهم عليها وتجاوزهم عنها .
هذا مضافاً إلى ما أخبره به رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن الله في شأن الخوارج ، وما يؤول إليه أمرهم وفتنتهم ، وما أطلعه (صلّى الله عليه وآله) على جزئيات قضيّتهم ، وكيفية مقاتلتهم له ، ومواقع نزولهم وركوبهم ، وسوء عواقبهم ومصارعهم .
على إثر ذلك كلّه أجاب الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ذلك الفارس بقوله : (( إنّهم ما عبروا ولا يعبرونه ، ولا يفلت منهم إلاّ دون العشرة ، ويقتل منكم إلاّ دون العشرة )) . ثمّ قال (عليه السّلام) : يؤكد ذلك : (( والله ما كذبتُ ولا كُذّبت )) . فتعجّب الناس من كلام أمير المؤمنين (عليه السّلام) لذلك الفارس .
وكان هنالك مع الإمام رجل وهو في شكّ من أمره فقال : إن صحّ ما قال فلا أحتاج بعده إلى دليل غيره ، فبينما هم كذلك إذ أقبل فارس فقال : يا أمير المؤمنين ، القوم على ما ذكرت لم يعبروا القنطرة .
مع خوارج النهروان ثمّ إنّ الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) صلّى بالناس صلاة الظهر وأمرهم بالمسير إليهم وهم دون القنطرة ، ثمّ حمل (عليه السّلام) عليهم بأصحابه حملة رجل واحد ، وذلك
بعد أن أتمّ (عليه السّلام) الحجّة عليهم ، واستتابهم ممّا جنوه من قتل عبد الله بن خباب وبَقْر بطن زوجته وإخراج طفلها وقتله ، فرجع منهم ثمانية آلاف وبقي أربعة آلاف لم يتوبوا ، وقالوا له : لنقتلنّك كما قتلناه .
فحمل (عليه السّلام) عليهم ، واختلطوا فلم يكن إلاّ ساعة حتّى قتلوا بأجمعهم ولم يفلت منهم إلاّ تسعة أنفس ؛ فرجلان هربا إلى خراسان وإلى أرض سجستان وبهما نسلهما ، ورجلان صارا إلى بلاد الجزيرة إلى موضع يسمّى السّن ، ورجلان صارا إلى بلاد عمّان وفيها نسلهما إلى الآن ، ورجلان صارا إلى بلاد اليمن ، ورجل آخر هرب إلى البرّ ثمّ بعد ذلك دخل الكوفة وهو عبد الرحمن بن ملجم المرادي .
كما إنّه لم يقتل من أصحاب الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) إلاّ تسعة ، فكان كما أخبر به أمير المؤمنين (عليه السّلام) تماماً من دون زيادة ولا نقصان .
تعليق