تويت
للزمن عمقٌ فلسفيٌ في القرآن الكريم، وكأنَّ كلَّ آيةٍ منه تحمل دلالة زمنية إما قريبة كالفعل الذي يتقلبُ بين الزمن الماضي والحاضر والمستقبل،
وإما بعيدة تتمثل في الأسماء والحروف كـ(الساعة) و(ثم) و(فاء التعقيب)..
ومن هذه الدلالات ظاهرةُ تقلص الزمن في بعض الحالات النفسية التي يمرُّ بها الإنسان،
وما هي إلا ظنٌ ينشأُ بالإحساس النفسي بمرور الأيام والسنين مراً سريعاً ليس بالمقاييس الحقيقية والأحداث الكونية.
يقول تبارك وتعالى((وتظنونَ إن لبثتم إلاّ قليلاً)) و((ولئن سألتهم ليقولُنَّ إنما كنا نخوضُ ونلعبُ))
وكلنا ضيَّعَ من عمره ساعاتٍ وساعاتٍ، لذا ورد في الحديث الشريف:
(نعمتان مغبونٌ فيهما كلُّ إنسان:الصحةُ والفراغ)
والفراغُ هنا من مصاديق الزمن.
يشعرُ الإنسانُ بتسارعٍ زمني عجيب في بعضِ أحوالهِ كاستجابتهِ للغريزة الجنسية مثلاً،
لذا يهربُ الشبابُ من مشاكلهم باللجوء إلى شتى أنواع الغرائز فيضيعوا الوقت وهم يستجيبون
لها بطريقة غير شرعية على حسابِ المثلِ والقيمِ ((إنْهم كالأنعامِ بل هم أضل..))
حتى يُعبّرُ أحدهم حينما يُسأل عمّا يفعل؛ أنه يقتل وقته.
كما يتقلصُ الزمنُ نفسياً في حالاتِ الخطر خصوصاً في حالة توقع الموت
حتى يجعل الإنسان يستعرضُ شريطَ حياته في ثوانٍ معدودة.
(قصَّ لي ناجٍ من بطشِ المتطرفينَ الذين أحْيَوا سُنة الذبح وأحلّوا دماء المسلمين بمجرد سقوط هدام العراق،
في الوقت الذي لم تهتز لهم شعرة إبّانَ حكمه وطغيانه، قال كنتُ أقودُ سيارتي وبمعيتي ستة أفراد،
فتعرض لنا في الطريق عصابة قذرة،
وطلبوا منا أن نترجَّلَ ونُعرّفَ أنفسنا ولأيِّ طائفة مرجعنا،
فتبين لهم أننا من الطائفة الأخرى التي لا تستحق أن تعيش في نظرهم،
فحكموا علينا بالموت وقيدونا وبدأوا بقتلنا واحداً واحداً وبدأت ترتفع الأرواح بلحظاتٍ
ونحن نرمقُ السماءَ بنظرة ونظرة أخرى إلى الضحية كيف تموت...
يطلبوا من الضحية أن يفتحَ فمه ليطلقوا النار من خلاله لتتفجرَ جمجمته حتى وصلوا إلى الرابع،
فاختلف الرماة فيما بينهم مَن يُكملُ على البقية ويؤدي الواجب الديني ويتقرب بهم إلى الله، وكان في الإختلاف النجاة،
حيث مرَّ سربٌ من جيش الإحتلال الذي جاء به سيدهم الهدام،
وأخذ يقنصُ أرواحهم فقضى على ثلاثة وفرَّ الباقون..
يُحدثني الناجي يقول نجوتُ بفضل تذرعي إلى الله وتوسلي بأمير المؤمنين علي(عليه السلام)
وإن كنتُ قد أُصبتُ في الحال بمرض السكري ولكني أحمد الله على كل حالٍ لما أبقاني أباً لعيالي وكاداً لأطفالي)
شاهدُ الحال في الموضوع أنَّ الناجي قال لي:
(في تلك اللحظات وأنا أنظرُ إلى مصارع الضحايا وأنتظرمصيري مرَّ عليَّ بثوانٍ قليلةٍ شريطُ حياتي
بكلِّ فصولها من طفولتي حتى شبابي،سرائِها وضرائِها،حلوِها ومُرّها،
وما إن نجوتُ انتهى كلُّ شئ وعُدتُ ألتقطُ أنفاسي لأعيشَ حياتي وبقيَ ما شاهدتُهُ في ذاكرتي وليتَهُ لمْ يكون).
هذه بعض مواصفاتُ الزمنِ النفسي، وهناك زمنٌ آخر يصحُّ أن نطلقَ عليهِ بالزمنِ المبارك،
يتمتعُ الإنسانُ ببركاتهِ ويشعرُ بامتداده،
ذلك الزمنُ الموعودُ بالمهديِّ المعهود الذي ننتظرُإشراقته والذي وَصفتْ بعض الأخبار سِنيِّ دولته بسبعِ سنينَ تعدلُ سبعين،
تصبحُ الأحلامُ فيها يقظة والخيالُ حقيقة..
تعليق