كان احد زوار امير المؤمنين (ع) ماراً في منطقة الرماحية في طريقه الى النجف فاعترضه عشار (جمكري) و أهانه و أذاه كثيراً و ضربه ضرباً مبرحاً بحيث يئس من الحياة و قال للعشار :أذهب الى النجف و اشكوك الى امير المؤمنين (ع) : فقال العشار قل له ما تريد فأن ذلك لا يخيفني .
و عندما وصل الزائر الى النجف و زار حرم امير المؤمنين (ع) بكى و شكى اليه ما صنع به العشار و كان مما قاله : انا زائرك و حق على المزور ان يحمي زائره و على المسؤول اجابة سائله و المشتكى له ان يأخذ حق المشتكي اليه وانا اشكو اليك من ظلمني وهو فلان بن فلان العشار في الرماحيه فخذ حقي منه الساعه ياسيدي ثم قال :الهي فانتقم لي ممن ظلمني بحق صاحب هذا القبر ،فلما فرغ من دعائه أمن من كان معه من الزوار وكان الرجل من الصلحاء وكان هذا صباحا فلما كان وقت الظهر جاء الى الروضه المقدسه وقال مثل مقالته صباحاً وأمن الزوار على دعائه وكرر ذلك ايضاً عند المساء وفي تلك الليلة رأى في المنام شخصاً على فرس بيضاء،ووجهه كالقمر ليلة البدر ،وقد اشرقت الارض بنور وجهه فناداه الفارس باسمه وكنيته كما يناديه من هو من اهل بيته فقال الزائر :من انت يا سيدي فقال :انت زائري وسائلي والمشتكي الى الله والي ولن تعرفني حتى اعرفك بنفسي ...انا علي بن ابي طالب انا صاحب الكمالات انا كاشف الكربات انا صاحب الايات والمعجزات انا الذي اذهبت وكشفت الكرب عن وجه ابن عمي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانا وصيه وناصره وقاضي دينه فهممت أن أقبل يده ورجله فقال :قف مكانك فوقفت متحيرا ولم أكن استطيع ان اقترب منه فقال:تشكو فلانا العشار فقلت :نعم ياسيدي لقد اذاني لمحبتي اياك فلست اعفو عنه وارجو من حضرتك ان تاخذ حقي منه فقال تجاوز عنه لاجلنا فقلت لا اعفو عنه وكرر ذلك ثلاثا فلم اقبل منه ثم لم اعد اراه ..واستيقظت وقصصت رؤياي على الزوار فبكوا و ألحوا عليّ ان اطيع امر مولاي و كنت اقول لهم لا اعفو عنه فذهبت الى الروضة الشريفة و كررت شكايتي كما فعلت في الامس و عندما نمت رأيت نفس ما رأيته في الليلة السابقة و كررت كذلك ما فعلته في الحرم في اليومين السابقين ثم رأيته عليه السلام في اليلة الثالثة فقال لي: اعف عنه فأني اريد ان أكافأه على حسنة صدرت منه فقلت : يا سيدي ماذا صدر منه ؟
فقال مر على مشهدي (مزاري) فنزل عن فرسه و تواضع لي من بين سائر قومه و أريد ان اجازيه بالعفو عنه فاعف عنه فعما قريب يصبح من موالينا ثم أخبرني بالشهر الذي تواضع له فيه و اليوم و الساعة و انهم كانوا في طريقهم الى بغداد ثم قال (ع) : اعف عنه فأني اضمن لك في القيامة عوضاً عن اذيته لك . فلما انتبهت سجدت شكراً لله ... و عندما مررت به في طريق العودة قال لي : شوكتني الى مولاك فلم يقبل شكواك فقلت له : لم يقضي بيننا و لكنه عفا عنك لحسنة صدرت منك في الشهر الفلاني و اليوم و الساعة كذا عندما كنت مع جماعة من العسكر متوجهين الى بغداد من السماوة فلما نظرت الى قبته من بعيد نزلت عن فرسك و مشيت حافياً الى ان غابت القبة عن نظرك فلك اجر هذا العمل و ثوابه و قال (ع) : انك فلان بن فلان الى ان بلغ احد اجدادك وقال(ع) : هو من كبار اصحابنا فلما سمع العشار ذلك اطرق ملياً فتبين له صحة ما أخبرته به و مع ذلك نظر في نسب اجداده و كان معه و كان كما قال (ع) من غير زيادة و نقصان فقام و قبّل يدي و رجلي و رأسي .. ما قاله عليه السلام حق و صواب و ليس فيه اي شك ثم تبرأ من دينه الباطل و استضاف جميع الزوار ثلاثة ايام ثم مشى مع الزوار الى المشهد الغروي و زار و صلى و دعا و قسم على الزوار الف دينار فسطعت من القبة انوار و ظهرت و انتشرت كأنها امطار حتى رآها جميع أهل البلد و الحمد لله رب العالمين
الهدف من نقل هذه القصة بيان أثر التواضع للنبي و الامام (عليهم السلام) حتى اذا كان بهذا المقدار القليل و انه سبب في النتيجة لتوفيق الشخص للتوبة و حسن العاقبة .
*******************************
المصدر : دار السلام -2/ 54 -55 بتصرف
تعليق