بِسم اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم
الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعالَمِيْنَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى أشْرَفِ الْأَنْبِياءِ وَالْمُرْسَلِينَ أَبِي الْقاسِمِ مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ الْطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِين.
الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعالَمِيْنَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى أشْرَفِ الْأَنْبِياءِ وَالْمُرْسَلِينَ أَبِي الْقاسِمِ مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ الْطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِين.
عاش الامام الرضا (عليه السلام) في زمن المأمون واقعا مريرا حيث جلبه من مدينة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى خراسان حيث عرش ملكه وسلطانه ليكون هو بقرب من امر الامام الرضا (عليه السلام) باعتبار ان بعد الامام (عليه السلام) عنه يجعله يعيش القلق والتوتر لكن لو كان الامام امام أنظاره لكان ذلك الامر يسهل عليه غصة قلقه من ان يسعى الامام الى اي تحريض ضد حكمه وسلطانه فبعث له كتابه يأمره بترك المدينة التوجه الى مرو فما ان وصل الامام الى مرو اراد المأمون ان يلعب لعبته التي حسبها تكون له فيها نفعا ومنطلقا لتسقيط الامام (عليه السلام) بين انصاره ومحبيه فعزم المأمون بعرضه الخلافة على الإمام لكنه (عليه السلام) رفض قبولها أشد الرفض، وبقي مدة يحاول إقناعه بالقبول، فلم يفلح. وقد ورد أن محاولاته هذه، استمرت في مرو وحدها أكثر من شهرين والإمام (عليه السلام) يأبى عليه ذلك كما حدثتنا كتب التاريخ ان الإمام (عليه السلام): قال له «.. بالزهد بالدنيا أرجو النجاة من شر الدنيا، وبالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم، وبالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند الله..
قال المأمون: فإني قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة، وأجعلها لك، وأبايعك؟!.
فقال الإمام (عليه السلام): إن كانت هذه الخلافة لك، فلا يجوز أن تخلع لباساً ألبسكه الله، وتجعله لغيرك، وإن كانت الخلافة ليست لك، فلا يجوز أن تجعل لي ما ليس لك.
قال المأمون: لا بد لك من قبول هذا الأمر!!
فقال الإمام (عليه السلام): لست أفعل ذلك طائعاً أبداً..
فبقى على تلك المحاولات الى ان ابتكر بمعونة وزيره الفضل بعد اليأس من القبول بان يجعل له ولاية العهد من بعده فامتنع الامام (عليه السلام) عن قبول مثل ذلك المنصب لما يعلمه (عليه السلام) من نوايا العباسيين في تسقيط مكانة اهل البيت (عليهم السلام) في منظار الناس القاصي منهم والداني خصوصاً المأمون الذي اتجه لمنهج جديد للقضاء على خصومه وخصوصاً الامام الرضا (عليه السلام) بعيداً عن القتل في بادأ الامر بل نهج منهجه الذي ابتكره هو وهو التسقيط في نظر الناس والاتباع فقد جعل ولاية العهد وسيلة لختل الشخصيات التي كان يخشاها، والغدر بها، إذ إن من المقبول والطبيعي أن يكون ولي العهد هو الذي يتآمر، ويدبر للتخلص من الخليفة الفعلي، ليختصر المسافة، ويصل إلى الحكم، الذي ينتظر الوصول إليه، والحصول عليه بفارغ الصبر. وليس من الطبيعي، ولا من المقبول أن يتآمر الخليفة على ولي عهده، لكن الامام (عليه السلام) فهم تلك الرسالة من المأمون فمتنع عن القبول, لكنه قوبل بالتهديد والوعيد فيما لو امتنع عن ذلك القبول فيذكر لنا التاريخ ورته حقيقة ما كان ينوي فعله المأمون العباسي من ما روي :
ففي تاريخ الشيعة ص 52: أنه بعد أن عرض عليه الخلافة، وأجابه بالرفض قال له: «.. إذن، تقبل ولاية العهد». فأبى عليه الإمام أشد الإباء، فقال له المأمون: «.. ما استقدمناك باختيارك، فلا نعهد إليك باختيارك. والله، إن لم تفعل ضربت عنقك..».
وهذه نص الرسالة التي ارسلها الفضل بن سهل الى الامام الرضا يطلب من القدوم الى قبول ولاية العهد :
بسم الله الرحمن الرحيم
لعلي بن موسى الرضا، وابن رسول الله المصطفى، المهتدى بهديه، المقتدى بفعله، الحافظ لدين الله، الخازن لوحي الله، من وليه الفضل ابن سهل، الذي بذل في رد حقه إليه مهجته، ووصل ليله فيه بنهاره..
سلام عليك أيها المهتدي ورحمة الله وبركاته.
فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله.
أما بعد:
فإني أرجو أن الله قد أدى لك، وأذن لك في ارتجاع حقك ممن استضعفك، وأن يعظم مننه عليك، وأن يجعلك الإمام الوارث. ويري أعداك، ومن رغب عنك، منك ما كانوا يحذرون..
وإن كتابي هذا عن إزماع من أمير المؤمنين، عبد الله الإمام المأمون ومني: على رد مظلمتك عليك، وإثبات حقوقك في يديك، والتخلي منها إليك، على ما أسأل الله الذي وقف عليه: أن تبلغني ما أكون بها أسعد العالمين، وعند الله من الفائزين، ولحق رسول الله من المؤدين. ولك عليه من المعاونين، حتى أبلغ في توليتك ودولتك كلتا الحسنتين.
فإذا أتاك كتابي ـ جعلت فداك ـ وأمكنك أن لا تضعه من يدك، حتى تسير إلى باب أمير المؤمنين، الذي يراك شريكاً في أمره، وشفيعاً في نسبه، وأولى الناس بما تحت يده.. فعلت ما أنا بخيرة الله محفوفاً، وبملائكته محفوظاً، وبكلاءته محروساً. وإن الله كفيل لك بكل ما يجمع حسن العائدة عليك، وصلاح الأمة بك.
وحسبنا الله ونعم الوكيل، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته..
واخيراً فقد رأى المأمون انه لابد من القضاء على وجود الامام الرضا (عليه السلام) والقضاء على نفوذه واتساع رقعتها فعزم على قتله، وذلك بعد ان تيقّن انّه لا يستطيع اخضاعه لتنفيذ اغراضه، لكنه على العكس مما كان قد قرر له بمعية وزيره الفضل حيث لاحظ انّ عظمة الامام في تزايد وانّ التفات المجتمع اليها يتزايد يوماً بعد يوم، ومهما سعى المأمون لان يحاول في توجيه ضربة الى شخصيّة الامام الاجتماعيّة فان شخصيّته واحترامه يتضاعف باستمرار، وادرك المأمون انّه كلّما مرّ الزّمن فانّ أحقّيّة الامام تظهر اكثر وخدع المأمون تتضح اكثر للعيان، ومن جهة اخرى فانّ العبّاسيّين وأتباعهم غير راضين بقرار المأمون باسناد ولاية العهد للامام،(عليه السلام) بل انهم بايعوا ابراهيم بن المهدي العبّاسي في بغداد بحركة منهم للمعارضة، وحين ما رأى الامور تتكالب عليه فلابد له حفاظاً على ملكه وسلطانه ان يتخذ قراراً بالتخلّص من الامام فدسّ اليه السمّ حتّى يتخلص مما يعتقده خطراً عليه هذه من ناحية ويجذب اليه بني العبّاس واتباعهم من ناحية اخرى، وبعد استشهاد الامام كتب الى بني العبّاس:
كنتم تنتقد ونني عليا اسنادي ولاية العهد لعليّ بن موسى الرّضا، فاعلموا انّه قد مات، اذن عليكم ان ترضخوا للطّاعة لي ( 1 ).
وبذل المأمون قصارى جهده لكي لا يطلّع اتباع الامام الرّضا (عليه السلام) ومحبّوه على استشهاده، وحاول اخفاء جريمته النّكراء بالتّظاهر بالحزن والاسى على فقد الامام بخداع العامّة، ويُهمهم بان الامام قد تُوفّي بصورة طبيعيّة، اِلاّ ان الحقيقة قد تجلّت وعرف اصحاب الامام والمتعلّقون به حقيقة ما حدث على الامام.
فقد حدثناً ابو الصّلت الهروي (وهو من الاصحاب المقرّبين للامام الرّضا (عليه السلام)) يشرح فيه كيفيّة تطوّر الاوضاع بين المأمون والامام بحيث انتهت بالتّالي الى قتل الامام (عليه السلام):
«عن أحمد بن علي الانصاري قال: سألت ابا الصّلت الهروي فقلت له كيف طابت نفس المأمون بقتل الرّضا (عليه السلام) مع اكرامه ومحبّته له وما جعل له من ولاية العهد بعده؟ فقال: ان المأمون انما كان يكرمه ويحبّه لمعرفته بفضله وجعل له ولاية العهد من بعده ليرى الناس انّه راغب في الدّنيا فيسقط محلّه من نفوسهم، فلمّا لم يظهر منه في ذلك النّاس الاّ ما ازداد به فضلاً عندهم ومحّلاً في نفوسهم جلب عليه المتكلّمين من البلدان طمعاً في ان يقطعه واحد منهم فيسقط محلّه عند العلماء. وبسببهم يشتهر نقصه عند العامّة، فكان لا يكلّمه خصم من اليهود والنصارى والمجوس والصّابئين والبراهمة والملحدين والدّهريّة ولا خصم من فرق المسلمين المخالفين إلاّ قطعه والزمه الحجّة وكان النّاس يقولون: والله انّه اولى بالخلافة من المأمون، وكان أصحاب الاخبار يرفعون ذلك اليه فيغتاظ من ذلك ويشتد حسده له، وكان الرّضا (عليه السلام) لا يحابي المأمون من حقّ وكان يجيبه بما يكره في اكثر احواله فيغبطه ذلك ويحقده عليه ولا يظهره له فلما اعيته الحيلة في امره اغتاله فقتله بالسّمّ» ( 2 ).
يروي ايضاً أبو الصّلت ـ وقد كان مرافقاً للامام ومساهماً في دفنه: في طرق العودة من مرْو الى بغداد دسّ المأمون السّمّ للامام بواسطة العنب في طوس بحيث ادّى الى قتله ( 3 ).
وتمّ دفن الجسد الطّاهر للإمام في نفس تلك البقعة الّتي كان هارون مدفوناً فيها، وبالضّبط أمام قبر هارون.
وقد حدثت فاجعة استشهاد الامام الرّضا (عليه السلام) في آخر يوم من ايام شهر صفر عام 203 هجريّة، وقد كان عمره الشّريف انذاك في الخامسة والخمسين عاماً تقريبا...
ـــــــــــــــــ
(1) ـ الطبري: ج 11 ص 1030، البداية والنهاية: ج 10 ص 249، وقد نقلنا ذلك من كتاب حياة الامام الرّضا: ص 349.
(2) ـ عيون اخبار الرّضا: ج 2 ص 241.
(3) ـ عيون اخبار الرّضا: ج 2 ص 245.
تعليق