بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين الى قيام يوم الدين
واقعة الجمل
إن مقتل عثمان ومبايعة المسلمين للإمام علي ( عليه السلام ) جعل الأمور تَتَّخذ مجرىً آخر .
حيث أنَّ عدالة الإمام علي ( عليه السلام ) وتمسُّكه بالإسلام ، لا تروق لأولئك الذين اكتنزوا الكنوز ، وامتلكوا الضياع ، وبنوا القصور من أموال المسلمين .
فقاموا متَّحدِين لمقاومة عَدالة الإسلام التي لن تكتفي بحِرْمانهم مما ألِفوه من النهب ، بل ستأخذ منهم حتى تلك الأموال التي نالوها بطريقة غير مشروعة .
وتجعل أولئك الذين تمنُّوا الموت لعثمان وحرضوا الناس ضِدَّه حتى أودوا بحياته ، متحدين يطالبون بدمه .
حيثُ اتَّفَق طَلْحَة والزبَير ومعهما عائشة زوجة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وخرجوا إلى البصرة لجمع الأنصار ، وإثارة الفتنة .
إنَّها حقاً من الأمور التي تُدهِش العاقل ، وقد بذل الإمام جهداً كبيراً لتحاشي هذه الفتنة ، فلم يأل جهداً في بَذْل النصح لهم ، وتحميلهم مغبة ما سيكون إذا نشبت الحرب ، وهذه إحدى نصائحه لِطَلحة والزبير إذ يقول ( عليه السلام ) : ( أمَّا بَعد ، يا طَلْحة ، ويا زُبير ، فقد عَلِمتُمَا أنِّي لم أرِد الناس حتى أرادوني ، ولم أبايعهم حتى أكرهوني .
وأنتما أول من بادر إلى بيعتي ، ولم تَدخُلا في هذا الأمر بسلطانٍ غَالب ، ولا لعرض حاضر .
وأنت يا زبير ، ففارس قريش ، وأنت يا طلحة فشيخ المهاجرين ، ودفعكما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه كان أوسَع لكما من خُروجِكما منه .
ألا وهؤلاء بنو عثمان هم أولياؤه المطالبون بدمه ، وأنتما رجلان من المهاجرين ، وقد أخرجتما أمكما [ عائشة ] من بيتها التي أمرها الله تعالى أن تقرّ فيه ، والله حسبكما ) .
وفي البصرة - المكان الذي دار فيه القتال - استمرَّ الإمام علي ( عليه السلام ) يبذل نصحه من أجل حَقْن الدِّماء .
فأرسل للناكثين يدعوهم للصُّلح ورَأْبِ الصدع ، والتقى بالزبير وذكَّره بما قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوم قال - الزبير - : لا يدع ابْن أبي طالب زهوة .
فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( مَهْلاً يا زبير ، ليس بعليٍّ زَهوة ، ولتخرجَنَّ عليه يوماً وأنت ظالم له ) .
فقال الزبير للإمام ( عليه السلام ) : بلا ، ولكني نسيت ذلك ، وبعد أن تذكر انصرَفَ إلى خارج البصرة ، ولم يحارب ، فقتله ابن جرموز ، ودفنه في وادي السباع .
وبعد أن فشلت المحاولات لإخماد الفتنة التي أثارها الناكثون في البصرة ، تفجَّر الموقف ، وأُعلِنَ القتال بين جيش الإمام علي ( عليه السلام ) ، وجيش الناكثين .
لكن الإمام ( عليه السلام ) ظلَّ ملتزماً بالصبر والأناة ، وبِمَا امتاز به من الروح الإنسانية ، موضِّحاً لجماعته أحكام الشريعة الإسلامية في حَقِّ البغاة ، ثم دعا ربَّه مُستجيراً مِن الفِتنَة .
أما عن مصير طَلحة ، فقد جَاءَه سَهْم عند الهزيمة ، لا يُعرف رامِيه ، فَجَرَحه ثم مات .
وأسْفَرَت هذه الفتنة عن قتل عشرة آلاف من جيش الناكثين ، وخمسة آلاف من جيش الإمام ( عليه السلام ) .
وقد جَرَتْ المعركة في العاشر من جمادي الأول ، سنة ( 36 هـ ) ، وسُمِّيَت بحرب الجمل ، لأنَّ عائِشة كانت تَركب فيها جملاً .
وبعد أن وَضَعتْ الحربُ أوزارَها ، بانتصار ساحقٍ على أهل الجمل ، أعلن الإمام ( عليه السلام ) العفو العام عن جميع المشتركين بها .
وإنَّه حقاً موقِفٌ جسَّد فيه حكم الله تعالى ، ثم واصل الإمام ( عليه السلام ) خطواته الإنسانية إزاء الناكثين .
إذ قام بإعادة عائشة إلى المدينة المنورة معزَّزَة مُكرَّمة ، على الرغم من موقفها المعانِد لوليِّ أمرِها
تعليق