الموت.. لماذا نجد أنفسنا خائفين منه ؟
هل لأنه يعني الفناء ؟ وهل بإمكاننا أن نكون مشتاقين ومحبين له ؟
هذه التساؤلات ومثلها الكثير تتبادر في أذهاننا ، ونحب الحصول على إجاباتها لكي نريح تفكيرنا .. ونزيد رصيد معلوماتنا .. ونستفيد من هذا الرصيد ..
أولاً، ما هو الموت ؟
الموت يعني ( الإنتقال ) من عالم الدنيا إلى عالم البرزخ ، وعالم البرزخ هو الفترة التي تقع من ما بعد الموت إلى يوم القيامة .. نعم الموت يعني الإنتقال وليس الفناء .. فطبيعة الإنسان خلقها الله على أساس أنها دائمة لا تفنى .. وليس الموت فناء بالمرحلة إنتقالية .. نجد في كلمات الإمام الحسين (ع) لأخته السيدة زينب (ع) : إعلمي أن أهل الأرض يموتون ، وأهل السماء لا يبقون .. ونجد في دعاء أمير المؤمنين (ع) : سبحان من قهر عباده بالموت والفناء .. الموت يختلف عن الفناء ، الفناء مختص بالملائكة .. بالإضافة إلى الدواب .. أما الموت فيخص الإنسان ..
في اللغة العربية من الخطأ أن يُقال ( مات الحيوان ) ، لأن الحيوانات (أكرمكم الله) لا تموت (لا تنتقل إلى عالم آخر) بل تفنى .. يُقال بدلاً من ( مات الحيوان )(نَفَقَ الحيوان ) .. ..
ثانياً ، لماذا نخاف من الموت ؟
لو أننا تمكنّا من التوصل بطريقة ما إلى الجنين وهو في بطن أمه وسألناه فيما إذا أراد الخروج إلى الدنيا لأجابنا بالرفض ، قد نستغرب عن تفضيله للمكان الضيق الذي يعيش فيه على هذه الدنيا الواسعة ! بما فيها من شمس وقمر وكواكب وأرض وبحار وبراري وأنواع مختلفة من الطعام وأصدقاء .. وهذه نتيجة طبيعية لأن الناس أعداء ما جهلوا .. وعادة الإنسان أنه يحب دائماً أن يكون كاملاً أو متكاملاً .. لذا لا يحب الفقر لأنه منقصة .. ولا يحب الموت لأنه (بإعتقاده) يعني الفناء . الأمر نفسه بالنسبة لنا نحن في هذه الدنيا والدار الآخرة .. نخشى الإنتقال لها ولا نرغب بها لأننا لا نعلم ولا يمكننا أن نتصور ما فيها ، قال تعالى ( يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ) ..
ثالثاً ، هل من الممكن أن نحب الموت ؟ أو على الأقل لا نخاف منه ؟
الموت خير للإنسان للمؤمن فهو واقِ له من الفتن كما روي عن النبي الأكرم (ص) .. وكما أنه كذلك ، فالحياة أيضاً خير له لكي يتزود بالعمل الصالح هذا ما روي عن أحد المعصومين (ع) .. المؤمنين من الطبيعي أن يكونوا محبين للموت .. والعكس صحيح .. الغير مؤمنين لا يتمنون الموت أبداً ، قال تعالى ( قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِين َ) ، ( وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) .
هذا لا يعني بأن العبد المؤمن الفقير الذي لا يملك الكثير من الأعمال الصالحة .. .. ويحمل بعض الأعمال السيئة .. إذا لم يتمنى الموت فإنه يكون في عداد المقصودين بالآية السابقة .. طبعاً هذا إذا كان يعمل لأجل التوبة والإصلاح وتحصيل رضى الله .( لذا ) علينا أن نعمل ما أمرنا الله به ، وننتهي عن ما نهانا عنه ، ونتزود بالأعمال الصالحة .. لكي لا نكون خائفين من الموت .. بل متمنين ومحبين له .. ما يدل على هذا المعنى هو ما قاله أبا ذر الغفاري (رحمه الله) حين سُئِل : ما لنا نكره الموت ؟ ، قال : لأنكم عمرتم الدنيا و خربتم الآخرة فتكرهون أن تنتقلوا من عمران إلى خراب .
قيل للإمام الصادق (ع) : صف لنا الموت ، فقال : للمؤمن كأطيب ريح يشمه فينتعص بطيبة و ينتطع التعب و الألم كله ، (...إلخ الحديث) .
فلنسعى إلى تعمير الدار الآخرة .. لكي لا نخاف من الرحيل إليها..ولنثق تمام الثقة أن من سنقدم عليه كريم يجازي الحسنة الإحسان ، والسيئة بالغفران .. وأنه أرحم بنا من أمهاتنا وأحبائنا .. فإن حسن الظن بالله من أفضل الأعمال.
قال تعالى ( فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ )
وهذه دراسة مختصرة وضعها الدكتور محمد أحمد سليمان ، في كتابه:
"أصول الطب الشرعي" بياناً تقريبياً، عن درجة التحلل، في الجثث المدفونة في أكفامن القماش،تحت الأرض، في قبور مليئة بالهواء (طريقة الدفن المعتادة عند المسلمين)على النحو الآتي:- بعد مضي 24-36 ساعة علي الوفاة تظهر بقع خضراء في جدار البطن، مقابل الأعور،أو حول السرة .
كما يظهر كثير من الأوعية الدموية المتشعبة في جلد البطن والصدر، وتسيل مقلة العين، وتتعتم القرنية.- بعد يومين إلى خمسة أيام يظهر الزبد المدمى من الفم والأنف ..وينتفخ البطن والصفن وينتشر اللون الأخضر في كل جلد البطن والصدر ..وتظهر النفطات الغازية، تحت الجلد ..وينتفخ الوجه والجسم كله بالغازات المتجمعة تحت الجلد وتبرز العينان واللسان وتختفي ملامح الوجه ..وتنبعث من الجثة رائحة كريهة من الغازات المتصاعدة ..بعد خمسة أيام إلى عشرة تسيل مقلة العين ويتساقط الجلد الأخضر الهش كما تتساقط الأظافر والشعر ..
وتظهر اليرقات الدودية المتعددة وبخاصة حول الفم والأنف وأعضاء التناسل ..ثم بعد ذلك تنحل الأنسجة وتسيل في
التراب تدريجياً حتى تبقى العظام وحدها ...بعد حوالي ستة
أشهر إلى سنة.والهيكل العظمي يتلاشى بدوره بعد مدة
طويلة جدا ويعود إلى مكوناته الأساسية مع مرور الزمن ..
فيامن توحّد بالعزّ والبقاء! وقهر عباده بالموت والفناء، صلّ على محمّد وآله الأتقياء، واستمع ندائي، وأهلِك أعدائي، واستجب دُعائي، وحقّق بفضلك أملي ورجائي. يا خير من دُعي لكشف الضّرُّ والمأمول لكلّ عسر ويسر، بك أنزلت حاجتي فلا تردّني يا سيّدي! من سنّي مواهبك خائباً يا كريم يا كريم يا كريم! برحمتك يا أرحم الرّاحمين. وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا خير خلقه محمّد وآله الطّاهرين أجمعين).
تعليق