بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمَّد و آل محمَّد

القرآنية
في خطبة الزّهراء (عليها السّلام)
في كلامنا السابق انهينا اللوحة الفنية الأولى ووصل بنا الكلام عن التقنية الثانية من القرآنية
وهل الزّهراء (عليها السلام ) استخدمت التقنية الثالثة ؟
يقصد بِها أن (يتعامل المبدع - وفقا لهذه التقنية- بهذه البنية تعاملا لفظيا دلاليا،ليحيل النص المستقر بناء والمعروف إبداعا،إلى نص قلق البناء يفقد بنياته الأولى فيما يزداد عددها تبعا لمقدرة المبدع على تغير البناء القديم والنسبة القديمة للبنية التناصية)(1)،وهذه التقنية تخالف سابقتها من حيث التعامل مع البنية التناصية(2).
فخطاب الزهراء (عليها السلام) المستمد من القرآن لم يتوقف عند اخذ النص المباشر غير المحور ،وإنما بلغ اندماج الزهراء (عليها السلام )مع النص القرآني إلى ابعد من ذلك إذ ليس من الميسوران نفصل بين ما هو للزهراء (عليها السلام) وبين ما هو من القرآن قولها (وكنتم على شفا حفرة من النار مذقة الشارب ،ونهزة الطامع ،وقبسة العجلان،وموطىء الاقدام ،تشربون الطرق ،تقتاتون الورق ،أذلة خاشعين ،تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم ،فأنقذكم الله برسوله)(3) ؛إشارة إلى قوله تعالى : "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"(4)،وكذلك قولها (كلما حشوا ناراً للحرب أطفأها )(5) ؛ إشار إلى قوله تعالى : " وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ" (6).
ويمكن أن يكون هذا النوع من الأخذ من القرآن الكريم مطابقًا لمقضى الحال ،إذ نلاحظ أن الزهراء (عليها السلام ) حولت ضمير المخاطبة إلى ضمير المخاطب في قولها ( لقد جئتَ شيئا فريّا )(7)،وفي النص القرآني :"قَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا"(8)، وكذلك في قولها ( أ فعلى محمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم ؟!)(9)،والنص القرآني : "وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ"(10) إذ حولت الزهراء(عليها السلام) الخطاب من الغائب إلى المخاطب .
وبذلك تكون الزهراء (عليها السلام) قد حققت أنزياحاً إذ حولت النص القرآني من النظرية إلى التطبيق.
الثالثة : القرآنية غير المباشرة المحورة :
ويقصد بها أن (تكون السلطة المنتجة للنصوص وفقا لهذه التقنية مناطة بالمبدع الجديد ،اما النص القديم فمغيب عن المتلقي غيابا قد يفقده حق الملكية الابداعية التي ورثها المبدع الجديد )(11).
وتعد هذه التقنية من ارقى أساليب التعامل الإبداعي مع النصوص إذ يختلف مستوى تغيب النص المأخوذ بحسب درجات التعامل (اللفظي /الدلالي )(12) .
ولم تستعملها الزّهراء (عليها السّلام ).لأنها خرجت إلى القوم للاحتجاج .
تم الكلام في التقنيات الثلاث للقرآنية لكن ما الثمرة من ذلك ؟
ستأتي إن شاء الله تعالى فإن في الموضوع تتمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
(1)تأصيل النص "قراءة في ابدلوجيا التناص ":ص183.
(2)ينظر :المصدر نفسه :ص183
(3) بلاغات النساء:ص31
(4)سورة آل عمران :آية (103)
(5) بلاغات النساء:ص31
(6)سورة المائدة : آية (64)
(7)بلاغات النساء: ص32.
(8) سورة مريم : آية (27)
(9) بلاغات النساء: ص34
(10) سورة البقرة : آية (101)
(11) تأصيل النص "قراءة في ابدلوجيا التناص ": ص183.
(12) ينظر :المصدر نفسه :ص183.
تعليق