الشيخ خالد يحيى جبير الأسدي
تدوين الحديث عند أهل السنة
لقد استمرت حالة منع تدوين الحديث عند أهل السنة أخذاً باجتهاد عمر بن الخطاب حتى خلافة عمر بن عبد العزيز الأموي {كما قيل} وحيث انتهى آخر جيل من الصحابة بدأوا يكتبون الحديث بأمر عمر بن عبد العزيز[1].
فكان وضع الحديث بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هو في عهد خلفاء بني أمية ، الذين أولغوا بالمنكرات والفواحش وانغمسوا في البذخ والشهوات [ فصارت الأمور المعنوية مقبورة ] في صندوق النسيان بحيث لم يبق من الدين إلا اسمه ، ومن القرآن إلا رسمه ،
فكان وضع الحديث بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هو في عهد خلفاء بني أمية ، الذين أولغوا بالمنكرات والفواحش وانغمسوا في البذخ والشهوات [ فصارت الأمور المعنوية مقبورة ] في صندوق النسيان بحيث لم يبق من الدين إلا اسمه ، ومن القرآن إلا رسمه ،
فهل دوّن الحديث في عهد عمر بن عبد العزيز؟
مجموعة من علماء السنّة ، حينما نقلوا رسالة عمر المذكورة، اعتبروها بدء لتاريخ تدوين الحديث، واعتبروا أن العام الأخيرمن القرن الأول الهجري أو العام الأوّل من القرن الثاني الهجري هو عام إنطلاقة تدوين الحديث.
قام عمر بن عبد العزيز ببعضففي مدة خلافته القصيرة الإنجازات الإيجابية والمفيدة ، من هذه الإنجازات : أنه ألغى المنع والحظر عن رواية الحديث وكتابته الذي كان عليه سلفه من الخلفاء ، وأمر بتدوينه.
ولكن اهل البحث والتدقيق لم يتركوا هذا الإدعاء يمر على حاله بل بحثوا في هذه المسألة ليعرفوا مدى صحة هذا المدعى ،
فنجد من الباحثين المدققين السيد حسن الصدر(قدس سره الشريف)
يرد على هذا الرأي بالأدلة والسندات التاريخية حيث يرد هذه النظرية مستندا إلى الشواهد والمصادر التاريخية فقال : أول من صنف في الحديث الإمام مالك لما كتب الموطأ[3] بأمر من الخليفة العباسي المنصور 136 - 185 ، ثم يذكر العلامة الصدر الأدلة التي تؤيد رأيه :
1- إن خلافة عمر بن عبد العزيز لم تتجاوز السنتين وخمسة أشهر
لم يؤرخ زمان صدور أمر عمر بن عبد العزيز هل كان في بداية عهده بالخلافة أم نهايته ؟-2
ولكن اهل البحث والتدقيق لم يتركوا هذا الإدعاء يمر على حاله بل بحثوا في هذه المسألة ليعرفوا مدى صحة هذا المدعى ،
فنجد من الباحثين المدققين السيد حسن الصدر(قدس سره الشريف)
يرد على هذا الرأي بالأدلة والسندات التاريخية حيث يرد هذه النظرية مستندا إلى الشواهد والمصادر التاريخية فقال : أول من صنف في الحديث الإمام مالك لما كتب الموطأ[3] بأمر من الخليفة العباسي المنصور 136 - 185 ، ثم يذكر العلامة الصدر الأدلة التي تؤيد رأيه :
1- إن خلافة عمر بن عبد العزيز لم تتجاوز السنتين وخمسة أشهر
لم يؤرخ زمان صدور أمر عمر بن عبد العزيز هل كان في بداية عهده بالخلافة أم نهايته ؟-2
3-لم ينقل لنا التاريخ بأن أبا بكر بن حزم قد امتثل أمر الخليفة ، إذ لا يوجد ما يدل على الامتثال من أثر أو كتاب لابن حزم ، وما ذكره الحفاظ والمؤرخون تأييدا لهذه النظرية فهو مبني على الحدس والاحتمال.
4-فلو كان صدور الأمر في عهد ابن حزم ثابتا وكان تاريخ التدوين للحديث قطعيا لم وقع الاختلاف ؟
4-فلو كان صدور الأمر في عهد ابن حزم ثابتا وكان تاريخ التدوين للحديث قطعيا لم وقع الاختلاف ؟
فإن ابن حجر نفسه يبدي في مؤلفاته الأخرى أقوالا غير ما مر ، فيقول حينا : إن أول من صنف الربيع بن صبيح[4].
وتارة أخرى يقول : أول من دون الحديث ابن شهاب الزهري في أواخر القرن الأول امتثالا لأمر عمر بن عبد العزيز[5]
وقال قولا آخر : أول من ألف الحديث ابن حزم[6].
ويقول محمد فريد وجدي : أول من صنف الحديث هو الإمام مالك لما كتب الموطأ ، وقيل : إنه ابن جريج [7]- 150 ه. وادعى الشلبي[8]: أن أول كتاب صنف في الإسلام هو كتاب ابن جريج . ثم يضيفوقيل : الموطأ لمالك ، وقيل : أول من صنف وبوب ربيع بن صبيح ، وذكر الحافظ الذهبي في حوادث عام 143 ه : في هذا العصر شرع علماء الإسلام في مكة والمدينة بتدوين الحديث[9]
قال الدكتور أحمد أمين في ضمن البحث عن أمر عمر بن عبد العزيز : كل ما نعلمه أنه لم تصل إلينا هذه المجموعة ، ولم يشر إليها فيما نعلم جامعوا الحديث بعد ، ومن أجل هذا شك بعض الباحثين من المستشرقين في هذا الخبر ، إذ لو جمع شئ
من هذا القبيل لكان أهم المراجع لجامعي الحديث ، ولكن لا داعي إلى هذا الشك ، فالخبر يروي لنا أن عمر أمر ، ولم يرو لنا أن الجمع تم ، فلعل موت عمر تم سريعا وعدل أبو بكر عن أن ينفذ ما أمر به[10].
وتلاحظ أيها المطالع أن العلماء قد اختلفوا في تاريخ تدوين الحديث ، وكذا في أول مؤلف من أهل السنة اختلافا شديدا ، وأما ثبوت التدوين في عهد عمر بن عبد العزيز فإنه خال من الدليل سوى ما قاله البخاري بهذا الصدد من أن عمر بن عبد العزيز قد أمر بجمع الأحاديث وتدوينها . ولكن هل هذا الأمر قد امتثل أم لا فالتاريخ بل القرائن والشواهد تثبت عكس ذلك ؟
وعلى كل حال فإن الحديث قد تم تدوينه بعد قرن ونصف قرن من الزمان ، وعندئذ خرج من حيز النسيان والانزواء إلى حيز المدارسة والكتابة .
من هذا القبيل لكان أهم المراجع لجامعي الحديث ، ولكن لا داعي إلى هذا الشك ، فالخبر يروي لنا أن عمر أمر ، ولم يرو لنا أن الجمع تم ، فلعل موت عمر تم سريعا وعدل أبو بكر عن أن ينفذ ما أمر به[10].
وتلاحظ أيها المطالع أن العلماء قد اختلفوا في تاريخ تدوين الحديث ، وكذا في أول مؤلف من أهل السنة اختلافا شديدا ، وأما ثبوت التدوين في عهد عمر بن عبد العزيز فإنه خال من الدليل سوى ما قاله البخاري بهذا الصدد من أن عمر بن عبد العزيز قد أمر بجمع الأحاديث وتدوينها . ولكن هل هذا الأمر قد امتثل أم لا فالتاريخ بل القرائن والشواهد تثبت عكس ذلك ؟
وعلى كل حال فإن الحديث قد تم تدوينه بعد قرن ونصف قرن من الزمان ، وعندئذ خرج من حيز النسيان والانزواء إلى حيز المدارسة والكتابة .
بدأ هذا العمل بالإكراه والجبر من قبل السلطة، لأنّ المسلمين كانوا يعتقدون ـ ولفترة طويلة ـ بأنّ تدوينه محرم، ولم يكن ليجرأ على ذلك، أحد منهم.فقد حدّث معمر عن الزهري أنه قال: (كنّا نكره كتابة العلم حتى أكرهنا عليه).
تاريخ ظهور الصحاح:
بعد أن قضى علم الحديث فترة طويلة من الزمن، لا تمتد إليه يد، ولا تطاله الأعناق، بدأت مرحلة التحرك آخذة في الصعود والازدهار، وكانت ردّة الفعل بالسماح بتدوينه هي التي أدّت إلى ظهور (150 ـ 250) كتاب حديثي، في فترة زمنية قصيرة لا تزيد على القرن، كلها تحمل اسم الصحاح، أوالمسانيد، أوالمستخرجات، وو....!.في هذه الفترة التي لم يكن للمؤلفين فيها هدف سوى جمع الحديث بمختلف أصنافه، وأقسامه، والعمل على تدوينه، لم يكن هناك تقسيم للحديث يعرف، إلى الصحيح، والحسن، والضعيف. فكانت مؤلفاتهم، ومسانيدهم تحوي مختلف أنواع الحديث، من غير تمييز بين الصحيح وغيره، وحتى جاء عصر البخاري وغير البخاري من أرباب الصحاح.يقول ابن حجر:(فلما رأى البخاري رضي الله عنه هذه التصانيف، ورواها، وانتشق رياها، واستجلى محيّاها، وجدها بحسب الوضع جامعة بين ما يدخل تحت الصحيح والتحسين، والكثير منها يشمله التضعيف، فلا يقال لغثه سمين، فحرك همّته لجمع الحديث الصحيح الذي لا يرتاب فيه أمين)[12].ومن بعد البخاري، قام تلميذه مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (المتوفي 261 هـ) بتأليف كتابه الذي أسماه (الجامع الصحيح).ومن بعد جاء محمد بن يزيد بن ماجة القزويني (المتوفى 273 هـ) ليدوّن سننه. ثم تلاه أبو داود سليمان بن داود السجستاني (المتوفي 275 هـ) ووضع كتابه المعروف بـ(سنن أبي داود)، ثم محمد بن عيسى الترمذي (المتوفي 279هـ) صنف كتابه الجامع المعروف بـ(جامع الترمذي) وفي الوقت ذاته عكف أحمد بن شعيب النسائي (المتوفي 279 هـ) على تدوين سننه المعروفة بـ(سنن النسائي) والذي يطلق عليه أحيانا (المجتبى).هذه الكتب الستة، تعتبر المرجع الرئيسي، والمصدر الأساس للسنّة. فهم يثقون بما جاء فيها، ويبنون عليها عقائدهم في التوحيد، والفروع، والتفسير، وتاريخ الصدر الأول من الإسلام، وهي تعرف بالصحاح الستة، ويطلق ـ تارة ـ على مصنفي البخاري ومسلم (الصحيحين) وعلى الكتب الأربعة الأخرى (السنن).بعد هذه الكتب، وضعت مئات الكتب، في مجال الحديث، باسم المسند، والمستدرك، والمستخرج. إلاّ أن أيّا منها لم يصل إلى ما وصلت إليه الكتب الستّة المذكورة.
وبعد هذه الجولة المختصرة تعرفنا على مرحلة مهمه لاتخلوا من فائدة وهي مرحلة تدوين الحديث عند اهل السنة وكيف كانت وفي أي زمن وقعت وماهو الدافع لها..
والحمد لله ربِّ العالمين .
[1]- اصول الحديث الدكتور عبد الهادي الفضلي ص43
[2]- نقلا عن كتاب اضواء على الصحيحين محمد صادق النجمي ص4
[3]ارشاد الساري لابن حجر 1 :157
[4]- هدى الساري في شرح مقدمة صحيح البخاري ص4
[5]- فتح الباري ج1 ص218
[6]-فتح الباري ج1ص157
[7]- دائرة معارف القرن العشرين ج3 ص321 : مادة حدث
[8]-كشف الظنون ج1ص637باب علم الحديث
[9]- نقلا عن كتاب اضواء على الصحيحين .
[10]- ضحى الإسلام ص 106 ، 107
[11]- الطبقات الكبرى لابن سعدج2ص389
[12]- هدى الساري ، مقدمة شرح البخاري ص5
تعليق