في أن عليا (عليه السلام) باب مدينة الحكمة :
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ؟ فدعي بعلي : فجاء حتى قرب من رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
فقال الاعرابي : يا محمد وما تصنع بهذا في محاورتي إياك ؟ قال : يا أعرابي سألت البيان ، وهذا البيان الشافي ، وصاحب العلم الكافي ، أنا مدينة الحكمة وهذا بابها ، فمن أراد الحكمة والعلم فليأت الباب .
ـ في شباهته (عليه السلام) بالانبياء (عليهم السلام) : ـ فلما مثل بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأعلى صوته : يا عباد الله من أراد أن ينظر إلى آدم في جلالته ، وإلى شيث في حكمته ، وإلىإدريس في نباهته ومهابته ، وإلى نوح في شكره لربه وعبادته ، وإلى إبراهيم في خلته ووفائه ، وإلى موسى في بغض كل عدو لله ومنابذته ، وإلى عيسى في حب كل مؤمن وحسن معاشرته ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب هذا .
فأما المؤمنون فازدادوا بذلك إيمانا ، وأما المنافقون فازداد نفاقهم .
فقال الاعرابي : يا محمد هكذا مدحك لابن عمك .
إن شرفه شرفك ، وعزه عزك ، ولست أقبل من هذا شيئا إلا بشهادة من لا تحتمل شهادته بطلانا ولا فسادا بشهادة هذا الضب ! .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا أخا العرب فأخرجه ، من جرابك لتستشهده ، فيشهد لي بالنبوة ، ولاخي هذا بالفضيلة .
فقال الاعرابي : لقد تعبت في اصطياده ، وأنا خائف أن يطفر ويهرب .
فقال رسول الله: لا تخف فانه لا يطفر ـ ولا يهرب ـ بل يقف ، ويشهد لنا بتصديقنا وتفضيلنا ، فقال الاعرابي : ـ إني ـ أخاف أن يطفر .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : فان طفر فقد كفاك به تكذيبا لنا ، واحتجاجا علينا ، ولن يطفر ، ولكنه سيشهد لنا بشهادة الحق ، فاذا فعل ذلك فخل سبيله ، فان محمدا يعوضك عنه ماهو خير لك منه .
فأخرجه الاعرابي من الجراب ، ووضعه على الارض، فوقف واستقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ومرغ خديه في التراب ثم رفع رأسه ، وأنطقه الله تعالى فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه و سيد المرسلين ، وأفضل الخلق أجمعين ، وخاتم النبيين ، وقائد الغر المحجلين .
وأشهد أن أخاك هذا علي بن أبي طالب على الوصف الذي وصفته ، وبالفضل الذي ذكرته ، وأن أولياءه في الجنان يكرمون ، وأن أعداه في النار يهانون .
فقال الاعرابى وهو يبكى : يا رسول الله وأنا أشهد بما شهد به هذا الضب ، فقد رأيت وشاهدت وسمعت ما ليس لي عنه معدل ولا محيص .
ثم أقبل الاعرابي إلى اليهود فقال : ويلكم أي آية بعد هذه تريدون ؟ ومعجزة بعد هذه تقترحون ؟ ليس إلا أن تؤمنوا أو تهلكوا أجمعين .
فآمن أولئك اليهود كلهم وقالوا : عظمت بركة ضبك علينا يا أخا العرب .
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : خل الضب على أن يعوضك الله عزوجل ـ عنه ما هو خير ـ منه ، فانه ضب مؤمن بالله وبرسوله وبأخي رسوله شاهد بالحق ، ما ينبغي أن يكون مصيدا ولا أسيرا ، ولكنه يكون مخلى سربه ـ تكون له مزية ـ على سائر الضباب بما فضله الله أميرا .
فناداه الضب : يا رسول الله فخلني وولني تعويضه لا عوضه .
فقال الاعرابي : وما عساك تعوضني ؟ قال : تذهب إلى الجحر الذي أخذتني منه ففيه عشرة آلاف دينار خسروانية ، وثلاثمائة ألف درهم ، فخذها .
قال الاعرابي : كيف أصنع ؟ قد سمع هذا ـ من هذا الضب ـ جماعات الحاضرين هاهنا ، وأنا متعب ، فلن آمن ممن هو مستريح يذهب إلى هناك فيأخذه .
فقال الضب : يا أخا العرب إن الله تعالى قد جعله لك عوضا مني ، فما كان ليتركأحدا يسبقك إليه ، ولا يروم أحد أخذه إلا أهلكه الله.
وكان الاعرابي تعبا ، فمشى قليلا ، وسبقه إلى الجحر جماعة من المنافقين كانوا بحضرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فأدخلوا أيديهم إلى الجحر ليتناولوا منه ما سمعوا ، فخرجت عليهم أفعى عظيمة ، فلسعتهم وقتلتهم ، ووقفت حتى حضر الاعرابي .
فقالت له : يا أخا العرب ، انظر إلى هؤلاء كيف أمرني الله بقتلهم دون مالك - الذي هو عوض ضبك ـ وجعلني حافظته فتناوله .
فاستخرج الاعرابي الدراهم والدنانير ، فلم يطق احتمالها ، فنادته الافعى : خذ الحبل الذي في وسطك ، وشده بالكيسين ، ثم شد الحبل في ذنبي فاني سأجره لك إلى منزلك ، وأنا فيه حارسك وحارس مالك هذا .
فجاءت الافعى ، فما زالت تحرسه والمال إلى أن فرقه الاعرابي في ضياع وعقار وبساتين اشتراها ، ثم انصرفت الافعى .
تعليق