بسم الله الرّحمن الرّحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف

إن لأئمة أهل البيت بعد رسول الله مكانة لا يرقى إليها أي مخلوق عند شيعتهم ومواليهم ، لأنهم الامتداد الطبيعي المباشر
لجدهم الكريم الرسول الأعظم ، والأمناء على تبليغ رسالة السماء إلى البشرية والإنسانية كافة ،وهم المتميزون
على غيرهم علما ودراية وفقها وتقى وأخلاقا وحكمة ، وقد ورثوا العلم والمكارم والصفات الحميدة كابرا عن كابر .
تميز الإمام الهادي ومنذ طفولته المبكرة بنبوغ مذهل وذكاء حاد ، وهو في ذلك لا يختلف عن باقي أسلافه الكرام
الأئمة المعصومين من آل البيت ، ولكنه تميز بذلك لأنه أسند إليه منصب الإمامة بعد شهادة أبيه
وهو في سن الثامنة من عمره الشريف ،
وهذا من أوضح الكرامات والمعجزات التي اختص بها الأئمة من عترة المصطفى ، ولا تفسير لهذه الظاهرة إلا القول
بما تذهب إليه الشيعة من أن الله تعالى قد أمد أئمة أهل البيت بالعلم والحكمة وآتاهم من الفضل ما لم يؤت أحدا
من العالمين من غير فرق بين الصغير والكبير منهم .
وقد ذكر الرواة بوادر كثيرة من ذكائه ، كان منها أن المعتصم بعدما اغتال الإمام الجواد عهد إلى عمر بن الفرج أن
يشخص إلى يثرب ليختار معلما لأبي الحسن الهادي البالغ من العمر آنذاك نحو ثمان سنين على أكثر تقدير
وقيل : ست سنين وأشهرا
وقد عهد إليه أن يكون المعلم معروفا بالنصب والانحراف عن أهل البيت، ليغذيه ببغضهم .
روى المسعودي بإسناده عن الحميري ، عن محمد بن سعيد مولى لولد جعفر ابن محمد ،
قال : قدم عمر بن الفرج الرخجي المدينة حاجا بعد مضي أبي جعفر الجواد ، فأحضر جماعة من أهل المدينة
والمخالفين المعادين لأهل بيت رسول الله ،
فقال لهم : أبغوا لي رجلا من أهل الأدب والقرآن والعلم ، لا يوالي أهل هذا البيت ، لأضمه إلى هذا الغلام وأوكله بتعليمه ،
وأتقدم إليه بأن يمنع منه الرافضة الذين يقصدونه .
فأسموا له رجلا من أهل الأدب يكنى أبا عبد الله ، ويعرف بالجنيدي ، وكان متقدما عند أهل المدينة في الأدب والفهم ،
ظاهر الغضب والعداوة .
فأحضره عمر بن الفرج وأسنى له الجاري من مال السلطان ، وتقدم إليه بما أراد ، وعرفه أن السلطان أمره
باختيار مثله وتوكيله بهذا الغلام .
قال : فكان الجنيدي يلزم أبا الحسن في القصر بصريا ، فإذا كان الليل أغلق الباب وأقفله ، وأخذ المفاتيح إليه ،
فمكث على هذا مدة ، وانقطعت الشيعة عنه وعن الاستماع منه والقراءة عليه ، ثم إني لقيته في يوم جمعة ، فسلمت عليه ،
وقلت له : ما حال هذا الغلام الهاشمي الذي تؤدبه ؟
فقال منكرا علي : تقول الغلام ، ولا تقول الشيخ الهاشمي !
أنشدك الله هل تعلم بالمدينة أعلم مني ؟ قلت : لا .
قال : فإني والله أذكر له الحزب من الأدب ، أظن أني قد بالغت فيه ،
فيملي علي بما فيه أستفيده منه ،
ويظن الناس أني أعلمه وأنا والله أتعلم منه .
قال : فتجاوزت عن كلامه هذا كأني ما سمعته منه .
ثم لقيته بعد ذلك ، فسلمت عليه ، وسألته عن خبره وحاله ، ثم قلت : ما حال الفتى الهاشمي ؟
فقال لي : دع هذا القول عنك ، هذا والله خير أهل الأرض ، وأفضل من خلق الله تعالى ، وإنه لربما هم بالدخول
فأقول له : تنظر حتى تقرأ عشرك .
فيقول لي : أي السور تحب أن أقرأها ؟
وأنا أذكر له من السور الطوال ما لم يبلغ إليه ، فيهذها بقراءة لم أسمع أصح منها من أحد قط ،
بأطيب من مزامير داود النبي التي بها من قراءته يضرب المثل .
قال : ثم قال : هذا مات أبوه بالعراق ، وهو صغير بالمدينة ، ونشأ بين هذه الجواري السود ، فمن أين علم هذا ؟
قال : ثم ما مرت به الأيام والليالي حتى لقيته فوجدته قد قال بإمامته
وعرف الحق وقال به ، وفي سبع سنين من إمامته مات المعتصم في سنة 227 هـ ولأبي الحسن أربع عشرة سنة
وهذا الحديث وغيره يدل على العلم الحضوري والنور الجلي والسر الخفي الذي حباه رب العالمين للأئمة الهداة من عترة المصطفى
------------------------------
موسوعة الإمام الهادي عليه السلام
موقع الميزان بتصرف
تعليق