بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد واله
وعجّل فرجهم
عالمة آل محمد
وقفت زينب (عليه السلام) عند قبر أمها فاطمة (عليه السلام)، وناجتها بما شاءت لها النجوى، وبدأت تسترجع الموقف الرسالي، وتهجس مهمومة بما حل بأمة جدها محمد (صلّى الله عليه وآله) من بعده، فمن ذا يسدل الستار على هذه الفتنة الكبرى؟ ..
ومن لها بالذين استحلوا حرمة الإسلام وحرمة أمها وأبيها وحرمة الخلافة، وحرمة البلد الحرام، والشهر الحرام، ولقد شهدت زينب (عليه السلام) تلك الأحداث المفزعة فأضافت إلى نفسها آلاماً، فقد اشتعلت نار الفتن في جميع أنحاء البلاد، وشاعت الفوضى وعمّ الفساد وانتشرت الأطماع، وتحرّكت العصبيات القبلية،
واستشرت النعرات الجاهلية التي حاربها الإسلام، وصار للسيف القول الفصل في فض النزاعات بين المسلمين فتهالك النفعيّون على الوصول إلى كرسي الحكم بكل وسيلة، وابتعد الناس أكثر فأكثر عن أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً .
وقد بقيت زينب (عليه السلام) وزوجها مع الإمام علي (عليه السلام)، حتى إذا وُليّ أمر المسلمين، وانتقل إلى الكوفة، انتقلا معه فعاشا في مقر الخلافة، ووقف عبد الله بجانب عمه فكان أميرا بين أمراء جيشه في «صفين» .
كانت زينب (عليه السلام) شبيهة أمها خلقاً وصبراً، وبأبيها علماً وتقى، فتميّزت (عليه السلام) بجامعة علمية في الميادين الدينية والتربوية والأخلاقية كافة، فتخرج من مدرستها الرواة والعلماء، ولنا أن نستمد من سيرتها المباركة (عليه السلام) في ضوء مثالها القدوة مشروعية تعلّم المرأة، بملاحظة اعتبار وجود العلم شرطاً من شروط تصدي المرأة وحضورها في مناشط الولاية والشهودية على المجتمع، ذلك أنّ كل عمل مرفوض من قبل الله تعالى سواء أكان ذلك العمل اجتماعياً أم غيره حتى يضاء بنور المعرفة كما في حديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «لا يقبل الله علماً إلا بمعرفة»، وقد عهد الإمام علي (عليه السلام) إلى ابنته العقيلة زينب (عليه السلام) أن تتصدى لتعليم النساء في الكوفة في بادرة هي الأولى في التأسيس لثقافة التنمية البشرية على هدي الاستقامة والأخلاق .
كذلك حدّثت زينب (عليه السلام) عن أمها فاطمة الزهراء بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، كما حدّثت عن أم زوجها أسماء بنت عميس «رضي الله عنها»، كذلك عن مولى للنبي (صلّى الله عليه وآله) اسمه طهمان أو ذكوان، وروى عنها عدد من جملة العلماء والفقهاء والتابعين، منهم: محمد بن عمرو، وعطاء بن السائب من الرجال، وروى عنها من النساء: ابنة أخيها فاطمة بنت الحسين بن علي (عليه السلام) وهي إحدى سيدات نساء عصر التابعين فقهاً وعلماً، وإحدى النسوة من القدوة في تاريخ النساء .. وقد تركت زينب (عليه السلام) بعض الحكم التي تفيض بكمال العطاء الأدبي وترفد تراثنا بثروة فكرية رائعة من ثروات العلم والأدب وفضائل الايمان .
وذكر أنه دخـل عليها أبوها ذات يوم وهي تفسّر مطالع الآيات من سورة الكهف وسورة مريم (كهيعص) .
وكان للعلم مجلس طيب عظيم عند الحوراء (عليه السلام) ، تنشر فيه الدروس، وتستذكر فيه المسائل، وتدرس فيه القواعد التي تزدان بها النفوس، وتطمئن إليها القلوب فيهتدي بنور علمها الجاهل، وفي بالها آية من آيات القرآن، تحكي كيف أخرج الله هذه الأمّة من ظلمات الجاهليّة إلى نور الإسلام .
وما كان لنور الهداية في خزائن أهل البيت (عليه السلام) أن يخمد أو ينطفئ فأسرجته زينب (عليه السلام) العالمة مصباحاً يبدّد العتمات عن أبناء الأمّة جيلاً بعد جيل . ولا تزال الدعوة الإسلامية مرصوصة بجلال الحوراء زينب (عليه السلام) تناديها بكلماتها الغرّاء إلى قيم الأخلاق العليا لتعلّم التاريخ كله أن العدالة الممهورة بدماء الشهداء هي التي جعلت أمة محمد (صلّى الله عليه وآله) قدوة بين الأمم، ولا يزال صوتها حتى الآن يمتد عبر الزمن بأمثولة هادية نادرة تعلّم البنّائين كيف يعالجون أساس الصرح الحضاري الذي يليق لسكنى الإنسان وقد أبدع الفرزدق الشاعر العربي في مدحه لأهل البيت (عليه السلام) ودورهم في المنافحة عن قيم التقوى والمعرفة وحقوق الإنسان فقال:
إن عدّ أهل التُقى كانوا أئمّتهم أو قيل من خير أهلِ الأرضِ قيل هُمُ
لا يستطيع جـــــواد بُعد غايتهم ولا يدانيهـــــــــــم قـــــــــــــــــوم وإن كرمــــــــــــــــوا
هم الغيـــوث إذا مـــا أزمـــــةً أزمَـت والأسُد أسُد الشرى والبأس محتدمُ
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
المصدر : موسوعة السيدة زينب
تعليق