بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلى على محمد وآل محمد
اللهم صلى على محمد وآل محمد
الجهاد: وهو استفراغ الوسع والطاقة في مجاهدة العدو والعدو أنواع وأعدى هذه الأنواع.. النفس.. فليس أعدى عدوا للإنسان من نفسه، فإما أن تسعده فتلك النفس المؤمنه..، وإما أن تشقيه فتلك النفس الطاغية، وصدق الله «فأما من طغى. وآثر الحياة الدنيا. فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى. فإن الجنة هي المأوى». فمتى ما تجاوز الإنسان الحق والهدى وآثر الحياة الدنيا بملذاتها المحرمة، واختارها على الآخرة فعمل لها وحدها غير حاسب للآخرة حسابا، اختلت موازينه وقيمه وشعوره وسلوكه وعد طاغيا وباغيا ومتجاوزاً للمدى، وبالتالي كانت جهنم هي المأوى. أما من كبح جماح نفسه.. وجاهد لردها إلى أمر الله ونهيه، والالتزام بحكمه وخاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى. فالهوى.. أساس البلاء وركيزة الفساد.. وكبحه ليس سهلاً، إنه يحتاج إلى جهاد، وبالجهاد يعود الإنسان إلى دائرة الطاعة.. ففي حديث أبي ذر: أفضل الجهاد أن تجاهد نفسك وهواك في ذات الله عز وجل. هذا الجهاد الكبير والعظيم.. يكون بدفع الهوى والشهوات ووساوس الشيطان ومكائده، وصيده لضعاف النفوس وتزيينه المعاصي لهم، فقد عاهد نفسه على اغوائهم بقوله: «لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا. ولأضلنهم، ولأمنينهم، ولآمرنهم فليبتكُن آذان الأنعام، ولآمرنهم فليغيرُن خلق الله». ومكائده عديدة.. وطرق اغرائه كثيرة، أوردها لنا السلف الصالح.. لنتعظ ونعتبر ونتيقظ، ونحذر أساليبه، منها ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن الشيطان طاف بأهل مجلس الذكر ليفتنهم، فلم يستطع ان يفرق بينهم، فأتى حلقة يذكرون الدنيا فأغرى بينهم حتى اقتتلوا، فقام أهل الذكر فحجزوا بينهم فتفرقوا. وحقد وحسد إبليس على بني آدم أزلي لا ينتهي إلا بقيام الساعة، فقد روي أن ابليس لقي موسى عليه السلام، فقال: يا موسى: أنت الذي اصطفاك الله برسالته وكلمك تكليما، وأنا من خلق الله تعالى أذنبت، وأريد أن أتوب، فاشفع لي إلى ربي عز وجل أن يتوب عليّ، فدعا موسى ربه، فقيل يا موسى قد قضيت حاجتك، فلقى موسى إبليس فقال له: قد أمرت أن تسجد لقبر آدم ويتاب عليك، فاستكبر وغضب وقال: لم أسجد له حياً، أأسجد له ميتا، ثم قال إبليس: يا موسى، إن لك حقا بما شفعت إلى ربك، فاذكرني عند ثلاث لا أهلك فيهن «أي لا أغلب»: اذكرني حين تغضب، فأنا وحي في قلبك، وعيني في عينك، وأجري منك مجرى الدم، واذكرني حين تلقى الزحف، فإني آتي ابن آدم حين يلقى الزحف فأذكره ولده وزوجه وأهله حتى يولي. وإياك أن تجالس امرأة ليست بذات محرم فإني رسولها إليك ورسولك إليها. وفي رواية أخرى.. بينما موسى عليه السلام جالس في بعض مجالسه، إذ أقبل إبليس وعليه برنس له يتلون فيه ألوانا، فلما دنا منه خلع البرنس فوضعه ثم أتاه، وقال له: السلام عليك يا موسى، فقال له موسى عليه السلام: عليك السلام: من أنت، قال أنا إبليس، قال: فلا حياك الله، ما جاء به؟ قال: جئت لأسلم عليك لمنزلتك عند الله تعالي ومكانك منه، قال: فما الذي رأيته عليك، قال: به أختطف قلوب بني آدم، قال: فما الذي إذا صنعه الإنسان استحوذت عليه؟ قال: إذا أعجبته نفسه واستكثر عمله، ونسي ذنوبه، وأحذرك ثلاثا: - لا تخلون بامرأة لا تحل لك قط، فإنه ما خلا رجل بامرأة لا تحل له، إلا كنت صاحبه دون أصحابي حتى أفتنه بها. - ولا تعاهد الله عهداً إلا وفيت به، فإنه ما عاهد الله أحد، إلا كنت صاحبه دون أصحابي، حتى أحول بينه وبين الوفاء به. - ولا تخرجن صدقة إلا أمضيتها، فإنه ما أخرج رجل صدقة فلم يمضها إلا كنت صاحبه دون أصحابي حتى أحول بينه وبين إخراجها. وقد حذرنا نبينا الكريم من إبليس وأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم.. فيوسوس له حتى يوقعه في الخطايا، وحذرنا من انفتاح الدنيا وعدم الانغماس في لذاتها فننسى ربنا، فقد روي عن ثابت رضي الله عنه قال: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم جعل إبليس لعنه الله يرسل شياطينه إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيجيئون إليه بصحفهم ليس فيها شيء، فيقول: ما لكم لا تصيبون منهم شيئاً، فقالوا: ما صحبنا قوماً مثل هؤلاء، فقال: رويداً بهم، فعسى أن تفتح لهم الدنيا، هنالك تصيبون حاجتكم منهم. ولا يهنأ إبليس وجنوده ولا يرتاح حتى يضل المسلمين، ففي كل صباح يبث جنوده في الأرض ويقول من أضل مسلماً ألبسته التاج، فيقول له القائل: لم أزل بفلان حتى طلق امرأته، قال: يوشك أن يتزوج، ويقول آخر لم أزل بفلان حتى عق، قال: يوشك ان يبر، ويقول آخر لم أزل بفلان حتى شرب الخمر، قال: أنت، ويقول آخر: لم أزل بفلان حتى زنى، قال: أنت، ويقول آخر: لم أزل بفلان حتى قتل، فيقول: أنت أنت. وهكذا يتلاعب الشيطان وجنوده ببني آدم حتى يردوهم في المهالك، وفتن الشيطان كثيرة ومكائده ودسائسه عظيمة، لا يكاد يسلم منها إلا من اتقى واستمسك بالعروة الوثقى، وسار على سنة المصطفى، فليس أشد عليه من المؤمن المتبع للسنة، فهو لا ييأس من إضلال المؤمنين حتى انه ليفتح للعبد تسعة وتسعين بابا من الخير يريد به باباً من الشر، وما ندب الله العباد إلى شيء الا اعترض فيه ابليس بأمرين ما يبالي بأيهما ظفر: - إما غلو فيه، وإما تقصير عنه.. حتى أن الملائكة إذا رأت مؤمنا قد مات على الإيمان تعجبت من سلامته وقد قيل: إذا عرج بروح المؤمن إلى السماء قالت الملائكة: سبحان الله الذي نجى هذا العبد من الشيطان، يا ويحه كيف نجا. لذا.. أمرنا الله عز وجل بمجاهدة النفس، والتمسك بحبل الله المتين - القرآن العظيم - والتعوذ من الشيطان الرجيم في كل آن وحين عند التلاوة.. فقال سبحانه: «فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم» وعند السحر فقال: «قل أعوذ برب الفلق» فإذا أمرنا بالتحرز من شره في هذين الأمرين فكيف في غيرهما. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوّذ الحسن والحسين فيقول: «أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة» ثم يقول: «هكذا كان أبي إبراهيم صلى الله عليه وسلم يعوّذ إسماعيل وإسحاق». ونختم بأنه لابد للمؤمن أن يتدرع بدرع الإيمان حتى لا يصل إليه نَبل الشيطان، عدو النفس، ويقتله في مقتل، فجهاد النفس بالتخلص من الهوى والتجرد للغاية «الأسمى إعلاء كلمة الله.. لا إله إلا الله محمد رسول الله، حتى تتطهر النفس من كل غرض دنيوي فتستطيع الدفاع عن عقيدتها وذاتها وهويتها في ميادين الجهاد الأخرى.. «ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين».
ونسأل من المولى ان يجعلنا من العاملين بما نقول
تعليق