جاء في رسالة مرجع الوهابية
((محمد بن عبد الوهاب» الموسومة بـ «كشف الشبهات» في التشكيك بالمتشابهات
فالجواب عمّا نسجه بوهمه وتشكيكه في رسالته لمعنى العبادة والشرك ; بأنّ دعآء الغير عبادة له، والتوسّل به عبوديّة له، منافية لتوحيد الله والاخلاص به.
[الفرق بين الدعاء، والعبادة]
هو أنّه لا ريب في أنّ مطلق الدعاء للغير ليس عبادة له ولا مطلق الاستغاثة والاستعانة به عبوديّة له ; ضرورة افتقار العباد في حاجاتهم ونيل أمورهم في عاديّاتهم، بل وفي عباديّاتهم، كما أمر الله تعالى بالتعاون على البرّ والتقوى.
وكذا لاشبهة في أنّ مطلق الخضوع والانقياد وخفض الجناح لغيره تعالى، ليس بعبادة له، ومنافية لتوحيد الله والاخلاص له تعالى.
فلو كان مطلق التعاون والاستعانات والاستغاثات والتوسّلات شِركاً، لكان الوّهابيّون بذلك أوّل المشركين. ولو كان مطلق الخضوع والانقياد والخفض للغير شركاً في عبادة الله، لما أمر الله تعالى به، ولكان الامر بالسجدة في قوله تعالى لملائكته: (اُسجُدُوالادَمَ) أمراً بالشرك؟!
وكان لابليس أن يعترض عليه سبحانه في ذلك، فيقول:
ياربِّ لِمَ تأمُرني بالسجودِلِغيِرِك، وهوالشرك المنافي لتوحيدك والاخلاص لك!
ولكان الاستدلال بذلك أولى من استدلاله بالقياس الفاسد.
ولكان إبليس بامتناعه هذا من السجدة أوّل الموحّدين، كمازعمه جمع من الصوفيّة، وقاله بعضهم في «فصوص حكمه»، وتبعه أتباعه في شروحهم عليه، فالمدار على الحقائق دون الصور !
فلو كان مطلق الخضوع شركاً وعبادة للغير، لكان خضوع العبيد للموالي والرعايا للرؤساء والملوك، والزوجات للازواج والتلميذ للمعلّم، كلّها خضوعاً لغير الله وشركاً به وعبادة لغيره !
ولم يقل به أحد، ومعه لا يقوم حجر على حجر.
ولو كان ذلك شِرْكاً في عبادته، لكان تقبيل الحجر الاسود واستلامه عبادته !
ولكان مسّ الاركان والتبرّك بها عبادتها !
ولكان أمر الله لبني إسرائيل في أريحا يوم دخول القرية بالخضوع لباب حطّة.
وأمر الله نبيّه بخفض الجناح لمن اتّبعه من المؤمنين.
وأمر الله عباده بالخفض للوالدين، والزوجة للزوج. كل ذلك أمراً بالشرك؟!
ولكان يعقوب وولده بسجودهم ليوسف حين خرّواله ساجدين، وكلُّ من أُولئك في خضوعهم المأمورين به مشركين ؟ !
وذلك لوضوح أنّ كلّ هذا إنّما هو عبادة الامر بها، لا عبادتها إيّاها.
سبحان الله.
ما أجهل المعترضين على الايات، وما أغفلهم عن البيّنات.
وما أشدّ إعراضهم عن المحكمات إلى المتشابهات.
[حقيقة العبادة]
فليس ذلك إلاّ لانّ العبادة ليس المراد منها معناها اللغوي ـ أعني مطلق الطاعة والدعاء ـ. بل إنّما حقيقة العبادة هي مجرّد الطاعة والامتثال لامر الله الواجب وجوده، العظيم لذاته ; ونفسُ الانقياد وإتباعه بكلّ ما أمر به دعاءً كان أو نداءً أو خضوعاً أو سجدة أو توسّلاً أو استشفاعاً إلى غير ذلك، ممّا يرجع إليه بالاعتبار اللفظي أو العقلي أو العادي. وتدور العبادة والشرك ـ وجوداً وعدماً ـ مدار الطاعة والانقياد بقصد الامتثال والاستقلال في المألوهية ; بمعنى أنّ العبادة
هي ما قُصد به الامتثال بداعي الامر بها مطلقاً.
[حقيقة الشرك]
وأمّا الشرك: فهو تشريك الغير بالاستقلال في المعبوديّة، واتّخاذه دون الله أو مع الله بالالوهية. فما هذا التمويه والمغالطة؟! وما هذا الخلط الظاهر وخبط العشواء؟! وما أغفلهم عن كلمات الله؟! وليتهم تعلّموا من إبليس ; حيث إنّه لم يَرَ الامر بالسجدة للغير شرْكاً بالله منافياً لتوحيده تعالى.
بل، ودرى بها ـ من حيث إنّها مأمور بها ـ عين توحيده وعبوديّته، فلم يردّ على الله بشيء من ذلك، إلاّ باختياره عصيانه ومخالفته، وسلوكه مسلك الاستكبار بحسده وعُتُوّه وكِبْره وغُلُوّه، ولذلك طغى وعصى وتمرّد وأدبر واستكبر فكفر.
[منكرو الشفاعة]
وأمّا الذين ينكرون ويجحدون ما جاء في مأثور السُّنّة ; من الاستشفاع إلى الله بالانبياء والاولياء، فحق أن يُتلى فيهم قوله تعالى: (أمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَآ آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إبْرَاهيم الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَ آتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عظيماً).
فلا يُغرّنّك الانتساب إلى التوحيد، ولا تلاوة آيات الله المجيد.
ولا تحكُمْ بأوّلِ ما تراهُ * فأوّلُ طالع فجرٌ كذوبُ
تعليق