بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربِّ العالمين وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين منذ بداية الخلق والى أبد الابدين
مرارة الموت :
قال تعالى في محكم كتابه العزيز:
وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً »البقرة
« وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ » الانعام
« وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً » الاسراء
ذكرت هذه الآيات الكريمة في القرآن الكريم وغيرها لتبين تكريم الله تعالى وتفضيله للإنسان على سائر المخلوقات وحتى الملائكة
فجاء في بحار الأنوار للعلامة المجلسي ( قدس سره)
تفسير « وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ » هذه الآيات مما استدل به على تفضيل الإنسان على الملائكة وسيأتي وجه الاستدلال بها « مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ » أي من آدم عليهالسلام لأن الله تعالى خلقنا منه جميعا وخلق حواء من فضل طينته ومن علينا بهذا لأن الناس إذا رجعوا إلى أصل واحد كانوا أقرب إلى التألف « فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ
أي مستقر في الرحم إلى أن يولد ومستودع في القبر أو مستقر في بطون الأمهات ومستودع في الأصلاب أو مستقر على ظهر الأرض في الدنيا ومستودع عند الله في الآخرة أو مستقرها أيام حياتها ومستودعها حيث يموت وحيث يبعث أو مستقر في القبر ومستودع في الدنيا أو مستقر فيه الإيمان ومستودع يسلب منه كما ورد في الخبر.
وقال تعالى في سورة الحجر:« وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ »
«مِنْ صَلْصالٍ » أي طين يابس يصلصل أي يصوت إذا نقر وقيل من صلصل إذا نتن تضعيف صل « مِنْ حَمَإٍ » من طين تغير واسود من طول مجاورة الماء « مَسْنُونٍ » أي مصور من سنة الوجه أو مصبوب لييبس أو مصور كالجواهر المذابة تصب في القوالب من السن وهو الصب كأنه أفرغ الحمأ فصور منها تمثال إنسان أجوف فيبس حتى نقر وصلصل ثم غير ذلك طورا بعد طور حتى سواه ونفخ فيه من روحه أو منتن من سننت الحجر على الحجر إذا حككته به فإن ما يسيل منهما يكون منتنا يسمى سنين.
أما تفسير ( كرمنا بني آدم ...)
قال الرازي اعلم أن الإنسان جوهر مركب من النفس والبدن فالنفس الإنسانية أشرف النفوس الموجودة في العالم السفلى لأن النفس النباتية قواها الأصلية ثلاثة وهي الاغتذاء والنمو والتوليد والنفس الحيوانية لها قوتان أخريان الحاسة والمحركة بالاختيار ثم إن النفس الإنسانية مختصة بقوة أخرى وهي القوة العاقلة المدركة لحقائق الأشياء كما هي وهي التي يتجلى فيها نور معرفة الله ويشرق فيها ضوء كبريائه وهو الذي يطلع على أسرار عالمي الخلق والأمر ويحيط بأقسام مخلوقات الله من الأرواح والأجسام كما هي وهذه القوة من سنخ الجواهر القدسية والأرواح المجردة الإلهية فهذه القوة لا نسبة لها في الشرف والفضل إلى تلك القوى الخمسة النباتية والحيوانية وإذا كان الأمر كذلك ظهر أن النفس الإنسانية أشرف النفوس الموجودة في هذا العالم وأما بيان أن البدن الإنساني أشرف أجسام هذا العالم فالمفسرون ذكروا أشياء.
أحدها : روى ميمون بن مهران عن ابن عباس في قوله « وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ »
قال كل شيء يأكل بفيه إلا ابن آدم فإنه يأكل بيديه.
.عن الحسن بن عليعليهم السلام قال : في المائدة اثنتا عشرة خصلة يجب على كل مسلم أن يعرفها : أربع منها فرض وأربع منها سنة وأربع منها تأديب ،فأما الفرض فالمعرفة والرضا والتسمية والشكر. وأما السنة فالوضوء قبل الطعام والجلوس على الجانب الايسروالاكل بثلاث أصابع ولعق الاصابع . وأما التأديب فالاكل مما يليكوتصغير اللقمة والمضغ الشديد وقلة النظر في وجوه الناس
وثانيها : قال الضحاك بالنطق والتميز وتحقيق الكلام أن من عرف شيئا فإما أن يعجز عن تعريف غيره كونه عارفا بذلك الشيء أو يقدر على هذا التعريف أما القسم الأول فهو جملة حال الحيوان سوى الإنسان فإنه إذا حصل في باطنها ألم أو لذة فإنها تعجز عن تعريف غيرها تلك الأحوال تعريفا تاما وافيا وأما القسم الثاني فهو الإنسان فإنه يمكنه تعريف غيره كل ما عرفه ووقف عليه وأحاط به فكونه قادرا على هذا النوع من التعريف هو المراد بكونه ناطقا وبهذا البيان يظهر أن الإنسان الأخرس داخل في هذا الوصف لأنه وإن عجز عن تعريف غيره ما في قلبه بطريق اللسان فإنه يمكنه ذلك بطريق الإشارة وبطريق الكتابة وغيرهما ولا يدخل فيه الببغاء لأنه وإن قدر على تعريفات قليلة فلا قدرة له على تعريف جميع الأحوال على سبيل الكمال والتمام .
وثالثها :قال عطاء بامتداد القامة واعلم أن هذا الكلام غير تمام لأن الأشجار أطول قامة من الإنسان بل ينبغي أن يشرط فيه شرط وهو طول القامة مع استكمال القوة العقلية والقوة الحسية والحركية.
ورابعها: قال يمان بحسن الصورة والدليل عليه قوله تعالى « وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ » ولما ذكر الله تعالى خلقه الإنسان قال « فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ » وقال « صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً » وإن شئت فتأمل عضوا واحدا من أعضاء الإنسان وهو العين فخلق الحدقة سوداء ثم أحاط بذلك السواد بياض العين ثم أحاط بذلك البياض سواد الأشفار ثم أحاط بذلك السواد بياض الأجفان ثم خلق فوق بياض الجفن سواد الحاجبين ثم خلق فوق ذلك السواد بياض الجبهة ثم خلق فوق الجبهة سواد الشعر وليكن هذا المثال الواحد أنموذجا لك في هذا الباب.
وخامسها : قال بعضهم من كرامات الآدمي أن آتاه الله الخط وتحقيق الكلام في هذا الباب أن العلم الذي يقدر الإنسان الواحد على استنباطه يكون قليلا أما إذا استنبط الإنسان علما وأودعه في الكتاب وجاء الإنسان الثاني واستعان بهذا الكتاب وضم إليه من عند نفسه أشياء أخرى ثم لا يزالون يتعاقبون وضم كل متأخر مباحث كثيرة إلى علوم المتقدمين كثرت العلوم وقويت الفضائل والمعارف وانتهت المباحث العقلية والمطالب الشرعية أقصى الغايات وأكمل النهايات ومعلوم أن هذا الباب لا يتأتى إلا بواسطة الخط والكتب ولهذه الفضيلة الكاملة قال تعالى « اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ ».
وسادسها : أن أجسام هذا العالم إما البسائط وإما المركبات أما البسائط فهي الأرض والماء والهواء والنار والإنسان ينتفع بكل هذه الأربعة أما الأرض فهي لنا كالأم الحاضنة قال تعالى « مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى » وقد سماه الله تعالى بأسماء بالنسبة إلينا وهي الفراش والمهاد والمهد ، وأما الماء فانتفاعنا في الشرب والزراعة والحراسة ظاهر وأيضا سخر البحر لنأكل لحما طريا ونستخرج منه حلية نلبسها ونرى الفلك مواخر، وأما الهواء فهو مادة حياتنا ولو لا هبوب الرياح لاستولى النتن على هذه المعمورة ،وأما النار فبها طبخ لأغذية والأشربة ونضجها وهي قائمة مقام الشمس والقمر في الليالي المظلمة وهي الدافعة لضرر البرد وأما المركبات فهي إما الآثار العلوية وإما المعادن وإما النبات وإما الحيوان والإنسان كالمستولي على كل هذه الأقسام والمنتفع بها والمستسخر لكل أقسامها فهذا العالم بأسره جرى مجرى قرية معمورة وخان مغلة وجميع منافعها ومصالحها مصروفة إلى الإنسان والإنسان فيه كالرئيس المخدوم والملك المطاع وسائر الحيوانات بالنسبة إليه كالعبيد وكل ذلك يدل على كونه مخصوصا من عند الله بمزيد التكريم والتفضيل.
وسابعها: أن المخلوقات تنقسم إلى أربعة أقسام إلى ما حصلت له هذه القوة العقلية الحكمية ولم تحصل له القوة الشهوانية وهم الملائكة وإلى ما يكون بالعكس وهم البهائم وإلى ما خلا عن القسمين وهو النبات والجمادات وإلى ما حصل النوعان فيه وهو الإنسان ولا شك أن الإنسان لكونه مستجمعا للقوة العقلية القدسية والقوة الشهوانية البهيمية والغضبية السبعية يكون أفضل من البهيمة والسبع ولا شك أيضا أنه أفضل من الأجسام الخالية عن القوتين مثل النبات والمعادن والجمادات وإذا ثبت ذلك ظهر أن الله تعالى فضل الإنسان على أكثر أقسام المخلوقات بقي هاهنا بحث في أن الملك أفضل من البشر والمعنى أن الجوهر البسيط الموصوف بالقوة العقلية القدسية المحضة أفضل من البشر المستجمع لهاتين القوتين وذلك بحث آخر.
وثامنها : الموجود إما أن يكون أزليا وأبديا معا وهو الله سبحانه وإما أن لا يكون أزليا ولا أبديا وهو عالم الدنيا مع كل ما فيه من المعادن والنبات والحيوان وهذا أخس الأقسام وإما أن يكون أزليا ولا يكون أبديا وهذا ممتنع الوجود لأن ما ثبت قدمه امتنع عدمه وإما أن لا يكون أزليا ولكنه يكون أبديا وهو لإنسان والملك ولا شك أن هذا القسم أشرف من القسم الثاني والثالث وذلك يقتضي كون الإنسان أشرف من أكثر المخلوقات.
وتاسعها: العالم العلوي أشرف من العالم السفلى وروح الإنسان من جنس الأرواح العلوية والجواهر القدسية وليس في موجودات العالم السفلى شيء حصل من العالم العلوي إلا الإنسان فوجب كون الإنسان أشرف موجودات العالم السفلي.
وعاشرها : أشرف الموجودات هو الله تعالى وإذا كان كذلك فكل موجود كان قربه من الله أتم وجب أن يكون أشرف لكن أقرب موجودات هذا العالم من الله تعالى هو الإنسان بسبب أن قلبه مستنير بمعرفة الله ولسانه مشرف بذكر الله وجوارحه وأعضاؤه مكرمة بطاعة الله فوجب الجزم بأن أشرف موجودات هذا العالم السفلي هو الإنسان ولما ثبت أن الإنسان موجود ممكن لذاته لا يوجد إلا بإيجاد الواجب لذاته ثبت أن كلما حصل للإنسان من المراتب العالية والصفات الشريفة فهي إنما حصلت بإحسان الله وإنعامه فلهذا المعنى قال تعالى « وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ » ومن تمام كرامته على الله أنه لما خلقه في أول الأمر وصف نفسه بأنه أكرم فقال « اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ » ووصف نفسه بالتكريم عند تربية الإنسان فقال « وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ » ووصف نفسه بالكرم في آخر الأحوال الإنسان فقال « أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ » وهذا يدل على أنه لا نهاية لكرم الله تعالى وتفضله وإحسانه مع الإنسان.
الحادي عشر: قال بعضهم هذا التكريم معناه أنه تعالى خلق آدم بيده وخلق غيره بطريق كن فيكون ومن كان مخلوقا بيدي الله كانت العناية به أتم فكان أكرم وأكمل ولما جعلنا من أولاده وجب كون بني آدم أكرم وأكمل.
« وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ »
قال ابن عباس : في البر على الخيل والبغال والحمير والإبل وفي البحر على السفن وهذا أيضا من مؤكدات التكريم المذكورأولا لأنه تعالى سخر هذه الدواب له حتى يركبها ويحمل عليها ويغزو ويقاتل ويذب عن نفسه وكذلك تسخير الله تعالى المياه والسفن وغيرهما ليركبها وينقل عليها ويتكسب بها بما يختص به ابن آدم كل ذلك مما يدل على أن الإنسان في هذا العالم كالرئيس المتبوع والملك المطاع.
« وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ » وذلك لأن الأغذية إما حيوانية وإما إنسانية وكلا القسمين فإن الإنسان إنما يغتذي بألطف أنواعها وأشرف أقسامها بعد التنقية التامة والطبخ الكامل والنضج البالغ وذلك مما لا يصلح إلا للإنسان « وَفَضَّلْناهُمْ » الفرق بين التفضيل والتكريم أنه تعالى فضل الإنسان على سائر الحيوانات بأمور خلقية طبيعية ذاتية مثل العقل والنطق والخط والصورة الحسنة والقامة المديدة ثم إنه تعالى عرضه بواسطة ذلك العقل والفهم لاكتساب العقائد الحقة والأخلاق الفاضلة فالأول هو التكريم والثاني هو التفضيل.
- كان ذلك التكريم أما التفضيل :-
قال تعالى « عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً » لم يقل وفضلناهم على الكل فهذا يدل على أنه حصل في مخلوقات الله تعالى شيء لا يكون الإنسان مفضلا عليه وكل من أثبت هذا القسم قال إنه هو الملائكة فلزم القول بأن الملك أفضل من الإنسان وهذا القول مذهب ابن عباس واختيار الزجاج على ما رواه الواحدي في البسيط.
وهذا الكلام مشتمل عل بحثان:-
أحدهما: أن الأنبياء أفضل أم الملائكة فهذا مبين في تفسير سورة البقرة .
والثاني: أن عوام الملائكة وعوام المؤمنين أيهما أفضل منهم من قال بتفضيل المؤمنين على الملائكة واحتجوا عليه بما روي عن زيد بن أسلم أنه قال قالت الملائكة ربنا إنك أعطيت بني آدم دنيا يأكلون فيها ويتنعمون ولم تعطنا ذلك في الآخرة فقال تعالى وعزتي وجلالي لا أجعل ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان .
قال الطبرسي قدسسره استدل بعضهم بهذا على أن الملائكة أفضل من الأنبياء قال لأن قوله «عَلى كَثِيرٍ » يدل على أن هاهنا من لم يفضلهم عليه وليس إلا الملائكة لأن بني آدم أفضل من كل حيوان سوى الملائكة بالاتفاق وهذا باطل من وجوه :
أحدها : أن التفضيل هاهنا لم يرد به الثواب لأن الثواب لا يجوز التفضيل به ابتداء وإنما المراد بذلك ما فضلهم الله به من فنون النعم التي عددنا بعضها.
وثانيها : أن المراد بالكثير الجميع فوضع الكثير موضع الجميع والمعنى أنا فضلناهم على من خلقنا وهم كثير كما يقال بذلت له العريض من جاهي وأبحته المنيع من حريمي ولا يراد بذلك أني بذلت له عريض جاهي ومنعته ما ليس بعريض وأبحته منيع حريمي ولم أبحه ما ليس منيعا بل المقصود أني بذلت له جاهي الذي من صفته أنه عريض وفي القرآن ومحاورات العرب من ذلك ما لا يحصى ولا يخفى ذلك على من عرف كلامهم.
وثالثها : أنه إذا سلم أن المراد بالتفضيل زيادة الثواب وأن لفظة من في قوله « مِمَّنْ خَلَقْنا » تفيد التبعيض فلا يمتنع أن يكون جنس الملائكة أفضل من جنس بني آدم لأن الفضل في الملائكة عام لجميعهم أو أكثرهم والفضل من بني آدم يختص بقليل من كثير وعلى هذا فغير منكر أن يكون الأنبياء أفضل من الملائكة وإن كان جنس الملائكة أفضل من جنس بني آدم
الخـــــاتـــــــــــــمة
مالمقصود من الاية الكريمة ولماذا ذكرت في الموضوع الخاص؟
« مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى »
والانسان خُلق في هذه الدنيا من بعد ماكان عدم ولاوجود له واوجده وخلق الله تعالى دار الدنيا الفانية فوجدت بوجوده وتفنى بفنائه فما علة خُلق الانسان ، ومم خُلق ، والى أين يعود ،وكيف وماعلة الموت؟
وقال مولى الموحدين أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليهما السلام في نهج البلاغة
تجهّزوا رحمكم الله! فقد نودي فيكم بالرحيل ، وأقلّوا العُرجة على الدنيا ، وانقلبوا بصالح ما بحضرتكم من الزاد ، فإنّ أمامكم عقبة كؤوداً منازل مخوفة مهولة لابدّ من الورود عليها والوقوف عندها"
روي ان فتية من اولاد ملوك بني اسرائيل كانوا متعبدين ، وانهم خرجوا يسيرون في البلاد ليعتبروا ، فمروا بقبر على ظهر الطريق قد سفى عليه السافي ، ليس يتبين منه الا رسمه ، فقالوا لو دعونا الله الساعة فينشر لنا صاحب هذا القبر فسألناه كيف وجد طعم الموت ، فدعوا الله وكان دعائهم الذي دعوا الله به
« اللهم انت الهنا يا ربنا ، ليس لنا اله غيرك ، والبديع الدائم غير الغافل ، الحي الذي لا يموت ، لك في كل يوم شأن ، تعلم كل شيء بغير تعليم ، انشر لنا هذا الميت بقدرتك ».
قال : فخرج من ذلك القبر رجل ابيض الشعر ينفض رأسه من التراب فزعا شاخصا بصره الى السماء ،
فقال لهم الميت : ما يوقفكم على قبري؟
فقالوا : دعوناك لنسألك كيف وجدت طعم الموت؟
فقال لهم : لقد مكثت في قبري هذا تسعة وتسعين سنة ماذهب عني الم الموت وكربه ، ولا خرجت مرارة طعم الموت من حلقي.
فقالوا له : متّ يوم متّ وانت على ما نرى ابيض الرأس واللحية؟
قال : لا ، ولكن لما سمعت الصيحة ، اخرج ، اجتمعت تربة عظامي الى روحي فبقيت فيه ، فخرجت فزعا شاخصا بصري مصطعا الى صوت الداعي ، فابيض لذلك رأسي ولحيتي (2)
سنكمل التفاصيل في القسم الثاني من بحث مرارة الموت
*************
الموضوع : مؤلف
المصادر: القران الكريم
نهج البلاغة للرضي
البحار ج60 للمجلسي
حكم ومواعظ من حياة الأنبياء ج2 للميلاني
مكارم الأخلاق للطبرسي
والحمد لله ربِّ العالمين وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين منذ بداية الخلق والى أبد الابدين
مرارة الموت :
قال تعالى في محكم كتابه العزيز:
وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً »البقرة
« وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ » الانعام
« وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً » الاسراء
ذكرت هذه الآيات الكريمة في القرآن الكريم وغيرها لتبين تكريم الله تعالى وتفضيله للإنسان على سائر المخلوقات وحتى الملائكة
فجاء في بحار الأنوار للعلامة المجلسي ( قدس سره)
تفسير « وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ » هذه الآيات مما استدل به على تفضيل الإنسان على الملائكة وسيأتي وجه الاستدلال بها « مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ » أي من آدم عليهالسلام لأن الله تعالى خلقنا منه جميعا وخلق حواء من فضل طينته ومن علينا بهذا لأن الناس إذا رجعوا إلى أصل واحد كانوا أقرب إلى التألف « فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ
أي مستقر في الرحم إلى أن يولد ومستودع في القبر أو مستقر في بطون الأمهات ومستودع في الأصلاب أو مستقر على ظهر الأرض في الدنيا ومستودع عند الله في الآخرة أو مستقرها أيام حياتها ومستودعها حيث يموت وحيث يبعث أو مستقر في القبر ومستودع في الدنيا أو مستقر فيه الإيمان ومستودع يسلب منه كما ورد في الخبر.
وقال تعالى في سورة الحجر:« وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ »
«مِنْ صَلْصالٍ » أي طين يابس يصلصل أي يصوت إذا نقر وقيل من صلصل إذا نتن تضعيف صل « مِنْ حَمَإٍ » من طين تغير واسود من طول مجاورة الماء « مَسْنُونٍ » أي مصور من سنة الوجه أو مصبوب لييبس أو مصور كالجواهر المذابة تصب في القوالب من السن وهو الصب كأنه أفرغ الحمأ فصور منها تمثال إنسان أجوف فيبس حتى نقر وصلصل ثم غير ذلك طورا بعد طور حتى سواه ونفخ فيه من روحه أو منتن من سننت الحجر على الحجر إذا حككته به فإن ما يسيل منهما يكون منتنا يسمى سنين.
أما تفسير ( كرمنا بني آدم ...)
قال الرازي اعلم أن الإنسان جوهر مركب من النفس والبدن فالنفس الإنسانية أشرف النفوس الموجودة في العالم السفلى لأن النفس النباتية قواها الأصلية ثلاثة وهي الاغتذاء والنمو والتوليد والنفس الحيوانية لها قوتان أخريان الحاسة والمحركة بالاختيار ثم إن النفس الإنسانية مختصة بقوة أخرى وهي القوة العاقلة المدركة لحقائق الأشياء كما هي وهي التي يتجلى فيها نور معرفة الله ويشرق فيها ضوء كبريائه وهو الذي يطلع على أسرار عالمي الخلق والأمر ويحيط بأقسام مخلوقات الله من الأرواح والأجسام كما هي وهذه القوة من سنخ الجواهر القدسية والأرواح المجردة الإلهية فهذه القوة لا نسبة لها في الشرف والفضل إلى تلك القوى الخمسة النباتية والحيوانية وإذا كان الأمر كذلك ظهر أن النفس الإنسانية أشرف النفوس الموجودة في هذا العالم وأما بيان أن البدن الإنساني أشرف أجسام هذا العالم فالمفسرون ذكروا أشياء.
أحدها : روى ميمون بن مهران عن ابن عباس في قوله « وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ »
قال كل شيء يأكل بفيه إلا ابن آدم فإنه يأكل بيديه.
.عن الحسن بن عليعليهم السلام قال : في المائدة اثنتا عشرة خصلة يجب على كل مسلم أن يعرفها : أربع منها فرض وأربع منها سنة وأربع منها تأديب ،فأما الفرض فالمعرفة والرضا والتسمية والشكر. وأما السنة فالوضوء قبل الطعام والجلوس على الجانب الايسروالاكل بثلاث أصابع ولعق الاصابع . وأما التأديب فالاكل مما يليكوتصغير اللقمة والمضغ الشديد وقلة النظر في وجوه الناس
وثانيها : قال الضحاك بالنطق والتميز وتحقيق الكلام أن من عرف شيئا فإما أن يعجز عن تعريف غيره كونه عارفا بذلك الشيء أو يقدر على هذا التعريف أما القسم الأول فهو جملة حال الحيوان سوى الإنسان فإنه إذا حصل في باطنها ألم أو لذة فإنها تعجز عن تعريف غيرها تلك الأحوال تعريفا تاما وافيا وأما القسم الثاني فهو الإنسان فإنه يمكنه تعريف غيره كل ما عرفه ووقف عليه وأحاط به فكونه قادرا على هذا النوع من التعريف هو المراد بكونه ناطقا وبهذا البيان يظهر أن الإنسان الأخرس داخل في هذا الوصف لأنه وإن عجز عن تعريف غيره ما في قلبه بطريق اللسان فإنه يمكنه ذلك بطريق الإشارة وبطريق الكتابة وغيرهما ولا يدخل فيه الببغاء لأنه وإن قدر على تعريفات قليلة فلا قدرة له على تعريف جميع الأحوال على سبيل الكمال والتمام .
وثالثها :قال عطاء بامتداد القامة واعلم أن هذا الكلام غير تمام لأن الأشجار أطول قامة من الإنسان بل ينبغي أن يشرط فيه شرط وهو طول القامة مع استكمال القوة العقلية والقوة الحسية والحركية.
ورابعها: قال يمان بحسن الصورة والدليل عليه قوله تعالى « وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ » ولما ذكر الله تعالى خلقه الإنسان قال « فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ » وقال « صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً » وإن شئت فتأمل عضوا واحدا من أعضاء الإنسان وهو العين فخلق الحدقة سوداء ثم أحاط بذلك السواد بياض العين ثم أحاط بذلك البياض سواد الأشفار ثم أحاط بذلك السواد بياض الأجفان ثم خلق فوق بياض الجفن سواد الحاجبين ثم خلق فوق ذلك السواد بياض الجبهة ثم خلق فوق الجبهة سواد الشعر وليكن هذا المثال الواحد أنموذجا لك في هذا الباب.
وخامسها : قال بعضهم من كرامات الآدمي أن آتاه الله الخط وتحقيق الكلام في هذا الباب أن العلم الذي يقدر الإنسان الواحد على استنباطه يكون قليلا أما إذا استنبط الإنسان علما وأودعه في الكتاب وجاء الإنسان الثاني واستعان بهذا الكتاب وضم إليه من عند نفسه أشياء أخرى ثم لا يزالون يتعاقبون وضم كل متأخر مباحث كثيرة إلى علوم المتقدمين كثرت العلوم وقويت الفضائل والمعارف وانتهت المباحث العقلية والمطالب الشرعية أقصى الغايات وأكمل النهايات ومعلوم أن هذا الباب لا يتأتى إلا بواسطة الخط والكتب ولهذه الفضيلة الكاملة قال تعالى « اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ ».
وسادسها : أن أجسام هذا العالم إما البسائط وإما المركبات أما البسائط فهي الأرض والماء والهواء والنار والإنسان ينتفع بكل هذه الأربعة أما الأرض فهي لنا كالأم الحاضنة قال تعالى « مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى » وقد سماه الله تعالى بأسماء بالنسبة إلينا وهي الفراش والمهاد والمهد ، وأما الماء فانتفاعنا في الشرب والزراعة والحراسة ظاهر وأيضا سخر البحر لنأكل لحما طريا ونستخرج منه حلية نلبسها ونرى الفلك مواخر، وأما الهواء فهو مادة حياتنا ولو لا هبوب الرياح لاستولى النتن على هذه المعمورة ،وأما النار فبها طبخ لأغذية والأشربة ونضجها وهي قائمة مقام الشمس والقمر في الليالي المظلمة وهي الدافعة لضرر البرد وأما المركبات فهي إما الآثار العلوية وإما المعادن وإما النبات وإما الحيوان والإنسان كالمستولي على كل هذه الأقسام والمنتفع بها والمستسخر لكل أقسامها فهذا العالم بأسره جرى مجرى قرية معمورة وخان مغلة وجميع منافعها ومصالحها مصروفة إلى الإنسان والإنسان فيه كالرئيس المخدوم والملك المطاع وسائر الحيوانات بالنسبة إليه كالعبيد وكل ذلك يدل على كونه مخصوصا من عند الله بمزيد التكريم والتفضيل.
وسابعها: أن المخلوقات تنقسم إلى أربعة أقسام إلى ما حصلت له هذه القوة العقلية الحكمية ولم تحصل له القوة الشهوانية وهم الملائكة وإلى ما يكون بالعكس وهم البهائم وإلى ما خلا عن القسمين وهو النبات والجمادات وإلى ما حصل النوعان فيه وهو الإنسان ولا شك أن الإنسان لكونه مستجمعا للقوة العقلية القدسية والقوة الشهوانية البهيمية والغضبية السبعية يكون أفضل من البهيمة والسبع ولا شك أيضا أنه أفضل من الأجسام الخالية عن القوتين مثل النبات والمعادن والجمادات وإذا ثبت ذلك ظهر أن الله تعالى فضل الإنسان على أكثر أقسام المخلوقات بقي هاهنا بحث في أن الملك أفضل من البشر والمعنى أن الجوهر البسيط الموصوف بالقوة العقلية القدسية المحضة أفضل من البشر المستجمع لهاتين القوتين وذلك بحث آخر.
وثامنها : الموجود إما أن يكون أزليا وأبديا معا وهو الله سبحانه وإما أن لا يكون أزليا ولا أبديا وهو عالم الدنيا مع كل ما فيه من المعادن والنبات والحيوان وهذا أخس الأقسام وإما أن يكون أزليا ولا يكون أبديا وهذا ممتنع الوجود لأن ما ثبت قدمه امتنع عدمه وإما أن لا يكون أزليا ولكنه يكون أبديا وهو لإنسان والملك ولا شك أن هذا القسم أشرف من القسم الثاني والثالث وذلك يقتضي كون الإنسان أشرف من أكثر المخلوقات.
وتاسعها: العالم العلوي أشرف من العالم السفلى وروح الإنسان من جنس الأرواح العلوية والجواهر القدسية وليس في موجودات العالم السفلى شيء حصل من العالم العلوي إلا الإنسان فوجب كون الإنسان أشرف موجودات العالم السفلي.
وعاشرها : أشرف الموجودات هو الله تعالى وإذا كان كذلك فكل موجود كان قربه من الله أتم وجب أن يكون أشرف لكن أقرب موجودات هذا العالم من الله تعالى هو الإنسان بسبب أن قلبه مستنير بمعرفة الله ولسانه مشرف بذكر الله وجوارحه وأعضاؤه مكرمة بطاعة الله فوجب الجزم بأن أشرف موجودات هذا العالم السفلي هو الإنسان ولما ثبت أن الإنسان موجود ممكن لذاته لا يوجد إلا بإيجاد الواجب لذاته ثبت أن كلما حصل للإنسان من المراتب العالية والصفات الشريفة فهي إنما حصلت بإحسان الله وإنعامه فلهذا المعنى قال تعالى « وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ » ومن تمام كرامته على الله أنه لما خلقه في أول الأمر وصف نفسه بأنه أكرم فقال « اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ » ووصف نفسه بالتكريم عند تربية الإنسان فقال « وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ » ووصف نفسه بالكرم في آخر الأحوال الإنسان فقال « أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ » وهذا يدل على أنه لا نهاية لكرم الله تعالى وتفضله وإحسانه مع الإنسان.
الحادي عشر: قال بعضهم هذا التكريم معناه أنه تعالى خلق آدم بيده وخلق غيره بطريق كن فيكون ومن كان مخلوقا بيدي الله كانت العناية به أتم فكان أكرم وأكمل ولما جعلنا من أولاده وجب كون بني آدم أكرم وأكمل.
« وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ »
قال ابن عباس : في البر على الخيل والبغال والحمير والإبل وفي البحر على السفن وهذا أيضا من مؤكدات التكريم المذكورأولا لأنه تعالى سخر هذه الدواب له حتى يركبها ويحمل عليها ويغزو ويقاتل ويذب عن نفسه وكذلك تسخير الله تعالى المياه والسفن وغيرهما ليركبها وينقل عليها ويتكسب بها بما يختص به ابن آدم كل ذلك مما يدل على أن الإنسان في هذا العالم كالرئيس المتبوع والملك المطاع.
« وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ » وذلك لأن الأغذية إما حيوانية وإما إنسانية وكلا القسمين فإن الإنسان إنما يغتذي بألطف أنواعها وأشرف أقسامها بعد التنقية التامة والطبخ الكامل والنضج البالغ وذلك مما لا يصلح إلا للإنسان « وَفَضَّلْناهُمْ » الفرق بين التفضيل والتكريم أنه تعالى فضل الإنسان على سائر الحيوانات بأمور خلقية طبيعية ذاتية مثل العقل والنطق والخط والصورة الحسنة والقامة المديدة ثم إنه تعالى عرضه بواسطة ذلك العقل والفهم لاكتساب العقائد الحقة والأخلاق الفاضلة فالأول هو التكريم والثاني هو التفضيل.
- كان ذلك التكريم أما التفضيل :-
قال تعالى « عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً » لم يقل وفضلناهم على الكل فهذا يدل على أنه حصل في مخلوقات الله تعالى شيء لا يكون الإنسان مفضلا عليه وكل من أثبت هذا القسم قال إنه هو الملائكة فلزم القول بأن الملك أفضل من الإنسان وهذا القول مذهب ابن عباس واختيار الزجاج على ما رواه الواحدي في البسيط.
وهذا الكلام مشتمل عل بحثان:-
أحدهما: أن الأنبياء أفضل أم الملائكة فهذا مبين في تفسير سورة البقرة .
والثاني: أن عوام الملائكة وعوام المؤمنين أيهما أفضل منهم من قال بتفضيل المؤمنين على الملائكة واحتجوا عليه بما روي عن زيد بن أسلم أنه قال قالت الملائكة ربنا إنك أعطيت بني آدم دنيا يأكلون فيها ويتنعمون ولم تعطنا ذلك في الآخرة فقال تعالى وعزتي وجلالي لا أجعل ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان .
قال الطبرسي قدسسره استدل بعضهم بهذا على أن الملائكة أفضل من الأنبياء قال لأن قوله «عَلى كَثِيرٍ » يدل على أن هاهنا من لم يفضلهم عليه وليس إلا الملائكة لأن بني آدم أفضل من كل حيوان سوى الملائكة بالاتفاق وهذا باطل من وجوه :
أحدها : أن التفضيل هاهنا لم يرد به الثواب لأن الثواب لا يجوز التفضيل به ابتداء وإنما المراد بذلك ما فضلهم الله به من فنون النعم التي عددنا بعضها.
وثانيها : أن المراد بالكثير الجميع فوضع الكثير موضع الجميع والمعنى أنا فضلناهم على من خلقنا وهم كثير كما يقال بذلت له العريض من جاهي وأبحته المنيع من حريمي ولا يراد بذلك أني بذلت له عريض جاهي ومنعته ما ليس بعريض وأبحته منيع حريمي ولم أبحه ما ليس منيعا بل المقصود أني بذلت له جاهي الذي من صفته أنه عريض وفي القرآن ومحاورات العرب من ذلك ما لا يحصى ولا يخفى ذلك على من عرف كلامهم.
وثالثها : أنه إذا سلم أن المراد بالتفضيل زيادة الثواب وأن لفظة من في قوله « مِمَّنْ خَلَقْنا » تفيد التبعيض فلا يمتنع أن يكون جنس الملائكة أفضل من جنس بني آدم لأن الفضل في الملائكة عام لجميعهم أو أكثرهم والفضل من بني آدم يختص بقليل من كثير وعلى هذا فغير منكر أن يكون الأنبياء أفضل من الملائكة وإن كان جنس الملائكة أفضل من جنس بني آدم
الخـــــاتـــــــــــــمة
مالمقصود من الاية الكريمة ولماذا ذكرت في الموضوع الخاص؟
« مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى »
والانسان خُلق في هذه الدنيا من بعد ماكان عدم ولاوجود له واوجده وخلق الله تعالى دار الدنيا الفانية فوجدت بوجوده وتفنى بفنائه فما علة خُلق الانسان ، ومم خُلق ، والى أين يعود ،وكيف وماعلة الموت؟
وقال مولى الموحدين أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليهما السلام في نهج البلاغة
تجهّزوا رحمكم الله! فقد نودي فيكم بالرحيل ، وأقلّوا العُرجة على الدنيا ، وانقلبوا بصالح ما بحضرتكم من الزاد ، فإنّ أمامكم عقبة كؤوداً منازل مخوفة مهولة لابدّ من الورود عليها والوقوف عندها"
روي ان فتية من اولاد ملوك بني اسرائيل كانوا متعبدين ، وانهم خرجوا يسيرون في البلاد ليعتبروا ، فمروا بقبر على ظهر الطريق قد سفى عليه السافي ، ليس يتبين منه الا رسمه ، فقالوا لو دعونا الله الساعة فينشر لنا صاحب هذا القبر فسألناه كيف وجد طعم الموت ، فدعوا الله وكان دعائهم الذي دعوا الله به
« اللهم انت الهنا يا ربنا ، ليس لنا اله غيرك ، والبديع الدائم غير الغافل ، الحي الذي لا يموت ، لك في كل يوم شأن ، تعلم كل شيء بغير تعليم ، انشر لنا هذا الميت بقدرتك ».
قال : فخرج من ذلك القبر رجل ابيض الشعر ينفض رأسه من التراب فزعا شاخصا بصره الى السماء ،
فقال لهم الميت : ما يوقفكم على قبري؟
فقالوا : دعوناك لنسألك كيف وجدت طعم الموت؟
فقال لهم : لقد مكثت في قبري هذا تسعة وتسعين سنة ماذهب عني الم الموت وكربه ، ولا خرجت مرارة طعم الموت من حلقي.
فقالوا له : متّ يوم متّ وانت على ما نرى ابيض الرأس واللحية؟
قال : لا ، ولكن لما سمعت الصيحة ، اخرج ، اجتمعت تربة عظامي الى روحي فبقيت فيه ، فخرجت فزعا شاخصا بصري مصطعا الى صوت الداعي ، فابيض لذلك رأسي ولحيتي (2)
سنكمل التفاصيل في القسم الثاني من بحث مرارة الموت
*************
الموضوع : مؤلف
المصادر: القران الكريم
نهج البلاغة للرضي
البحار ج60 للمجلسي
حكم ومواعظ من حياة الأنبياء ج2 للميلاني
مكارم الأخلاق للطبرسي
تعليق