فضل آل البيت عليهم السلام في آية التطهير
(إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيْراً )
(إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيْراً )
معنى إرادة الله وإذهاب الرجس
بعد ان تعين بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وفعله ان المراد من هذه الآية هم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام اجمعين وهذا ما اتفق عليه المسلمون اجمع وان الآية لا تشمل أزواج النبي وان كان سياق الآية يقتضيه لأنه معارض بالأحاديث والروايات الواردة من كبار الصحابة لا بل حتى زوجات النبي ينفين هذه الدعوى الخالية من أي دليل غير السياق إذا فما هو المراد من إرادة الله تعالى ونفي الرجس عن أهل البيت عليهم السلام .لابدّ من التأمّل في مفردات الآية المباركة :فإن كلمة ( إنّما ) تدلّ على الحصر ، وهذا ممّا لا إشكال فيه ولا خلاف من أحد .( يريد الله )الإرادة هنا إمّا إرادة تكوينيّة كقوله تعالى :( إِذَا أَرَادَ شَيْئَاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )(1) ، وإمّا هي تشريعيّة كقوله تعالى : ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيْدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )(2) .وكلا القسمين واردان في القرآن الكريم ، فأذن لله سبحانه وتعالى إرادة تكوينيّة وإرادة تشريعيّة ، ولا خلاف في هذه الناحية أيضاً .لكن المراد من « الإرادة » في الآية لا يمكن أن يكون إلاّ الإرادة التكوينيّة ، لأن الإرادة التشريعيّة لا تختص بأهل البيت ، سواء كان المراد من أهل البيت هم الأربعة الأطهار ، أو غيرهم أيضاً فهي لا تختصّ بأحد دون أحد ، والإرادة التشريعيّة يعني ما يريد الله سبحانه وتعالى أن يفعله المكلَّف ، أو يريد أن لا يفعله المكلّف ، هذه الإرادة التشريعيّة ، أي الاحكام ، والاحكام عامّة تعم جميع المكلّفين ، ولا معنى لان تكون الإرادة هنا تشريعيّة ومختصّة بأهل البيت أو غير أهل البيت كائناً من كان المراد من أهل البيت في هذه الآية المباركة ، إذ ليس هناك تشريعان ، تشريع يختصّ بأهل البيت في هذه الآية وتشريع يكون لسائر المسلمين المكلّفين ، فالإرادة هنا تكون تكوينيّة لا محالة .
و ( الرجس ) إذا رجعنا إلى اللغة ، فيعمّ الرجس ما يستقذر منه ويستقبح منه ، ويكون المراد في هذه الآية الذنوب ، ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ) ، أي إنّما يريد الله بالإرادة التكوينيّة أن يذهب عنكم الذنوب أهل البيت ، ويطهّركم من الذنوب تطهيراً ، فهذا يكون محصّل معنى الآية المباركة .إنّ إرادة الله التكوينيّة لا تتخلّف ، وبعبارة أُخرى : المراد لا يتخلّف عن الإرادة الإلهية ، ( إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون )(3) .فإذا كانت الإرادة تكوينيّة ، والمراد إذهاب الرجس عن أهل البيت ، فهذا معناه طهارة أهل البيت عن مطلق الذنوب ، وهذا واقع العصمة ، فتكون الآية دالّة على العصمة .ويبقى سؤال : إذا كانت الإرادة هذه تكوينيّة ، فمعنى ذلك أن نلتزم بالجبر ، وهذا لا يتناسب مع ما تذهب إليه الاماميّة من أنّه لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين ، وهذه الشبهة موجودة في الكتب ، وممّن تعرّض لها ابن تيميّة في منهاج السنّة .
وقد أجاب علماؤنا عن هذه الشبهة في كتبهم بما ملخصه :إنّ الله سبحانه وتعالى لمّا علم أنّ هؤلاء لا يفعلون إلاّ ما يؤمرون ، وليست أفعالهم إلاّ مطابقةً للتشريعات الإلهية من الأفعال و التروك ، وبعبارة أُخرى : جميع أفعالهم وتروكهم تكون مجسّدة للتشريعات الإلهية ، و جميع ما يفعلون ويتركون ليس إلاّ ما يحبّه الله سبحانه وتعالى أو يبغضه ويكرهه سبحانه وتعالى ، فلمّا علم سبحانه وتعالى منهم هذا المعنى لوجود تلك الحالات المعنويّة في ذواتهم المطهّرة ، تلك الحالة المانعة من الاقتحام في الذنوب والمعاصي ، جاز له سبحانه وتعالى أن ينسب إلى نفسه إرادة إذهاب الرجس عنهم .وهذا جواب علميّ يعرفه أهله ويلتفت إليه من له مقدار من المعرفة في مثل هذه العلوم ، والبحث لغموضه لا يمكن أن نتكلّم حوله بعبارات مبسّطة أكثر ممّا ذكر ، لأنها اصطلاحات علميّة ، ولابدّ وأن يكون السامعون على معرفة ما بتلك المصطلحات العلميّة الخاصّة .وعلى كلّ حال لا يبقى شيء في الاستدلال ، إلاّ هذه الشبهة ،وهذه الشبهة قد أجاب عنها علماؤنا ، ولذلك أنّ بعضهم يتعرض لمبحث آية التطهير بمناسبة حجيّة سنّة الأئمة ،و حجيّة سنّة أهل البيت ، ومنهم العلاّمة الكبير السيّد محمّد تقي الحكيم في كتابه الأصول العامّة للفقه المقارن ، هناك يطرح مبحث آية التطهير ، ويذكر هذه الشبهة ويجيب عنها بما ذكر بعبارة مبسّطة بقدر الإمكان.وحينئذ ، إذا كان المراد من أهل البيت خصوص النبي والأربعة الأطهار ، وإذا كان المراد من إذهاب الرجس إذهاب الذنوب ، والإرادة هذه إرادة تكوينيّة لا تتخلّف ، فلا محالة ستكون الآية المباركة دالّة على عصمة الخمسة الأطهار دون زوجات النبي .ومن يدّعي العصمة لزوجات النبي ؟ ومن يتوهّم العصمة في حقّ الأزواج ، لاسيّما التي خالفت قوله تعالى : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ )(4) ، الآية المباركة الواردة في نفس السورة ، والتيتكون آية التطهير في سياق تلك الآية ، وهل يكفي أن يقال بأنّها ندمت عمّا فعلت وكانت تبكي ، فخروجها على إمام زمانها أمر ثابت بالضرورة ، وبكاؤها وتوبتها أمر يروونه هم ، ولنا أن لا نصدّقهم ، ومتى كانت الرواية معارضة للدراية ؟ ومتى أمكننا رفع اليد عن الدراية بالرواية ؟ وكيف يدّعى أن تكون تلك المرأة من جملة من أراده الله سبحانه وتعالى في آية التطهير .نعم ، يقول به مثل عكرمة الخارجي العدو لأمير المؤمنين عليه السلام بل للنبي وللإسلام .
بعض التحريفات في كتب القوم على آية التطهير:
هذا الحديث عن سعد بن أبي وقّاص ، وهو بسند صحيح ، مضافاً إلى أنّه في الكتب الصحيحة ، كصحيح مسلم ، وصحيح النسائي وغيره :يقول الراوي : عن سعد بن أبي وقّاص : أمر معاوية سعداً فقال : ما يمنعك أن تسبّ أبا تراب ؟ يعني عليّاً .يقول معاوية لسعد بن أبي وقّاص لماذا لا تسبّ عليّاً ، وكأنّه أمره أن يسبّ فامتنع ، فسأله عن وجه الامتناع .فقال : أمّا إن ذكرت ثلاثاً قالهنّ رسول الله فلن أسبّه .يقول سعد : لان يكون لي واحدة منها أحبّ إليّ من حمر النعم ، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول له وخلّفه في بعض مغازيه : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى » إلى آخره ، وسمعته يقول يوم خيبر : « سأُعطي الراية غداً رجلاً » إلى آخره ، الخصلة الثالثة : ولمّا نزلت : ( إِنَّمَا يُرِيْدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) دعا رسول الله عليّاً وفاطمة والحسن والحسين فقال : « اللهمّ هؤلاء أهل بيتي » .هذا الحديث تجدونه في صحيح النسائي وفي غيره من المصادر .ترون في هذا اللفظ أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أو ما يمنعك أن تسبّ أبا تراب ؟ بهذا اللفظ ، وهذا اللفظ ترونه في صحيح مسلم وفي غيره من المصادر أيضاً .لكن النسائي يروي هذا الحديث بنفس السند في موضع آخر من كتابه يريد أن يلطّف اللفظ ويهذّب العبارة فيقول عن سعد :كنت جالساً ، فتنقّصوا علي بن أبي طالب فقلت : قد سمعت رسول الله يقول فيه كذا وكذا .، أين كان جالساً ؟
وعند مَن ؟ ومن الذي تنقّص ؟ تصرّف في الحديث .ثمّ يأتي ابن ماجة فيروي هذا الحديث باللفظ التالي : قدم معاوية في بعض حجّاته ، فدخل عليه سعد . فذكروا عليّاً فنال منه ، فغضب سعد .من ذكر عليّاً ؟ غير معلوم ، ومن نال من علي ؟ غير معلوم ، فغضب سعد وقال : تقولون هذا لرجل سمعت رسول الله يقول له كذا وكذا إلى آخر الحديث .ثمّ جاء ابن كثير ، فحذف منه جملة : فنال منه فغضب سعد ، فلفظه : قدم معاوية في بعض حجّاته فدخل عليه سعد ، فذكروا عليّاً ، فقال سعد : سمعت رسول الله يقول في علي كذا وكذا .نصّ الحديث بنفس السند في نفس القضيّة .أترون من يروي القضيّة الواحدة بسند واحد بأشكال مختلفة ، أترونه قابلاً للاعتماد ؟ أترونه يحكي لكم الوقائع كما وقعت ؟ أترونه ينقل شيئاً يضرّ مذهبه أو يخالف مبناه أو ينفع خصمه ؟ولكن الله سبحانه وتعالى شاء أن تبقى فضائل أمير المؤمنين ودلائل إمامته وولايته بعد رسول الله ، أن تبقى في نفس هذه الكتب ، وسنسعى بأيّ شكل من الأشكال لان نستخرجها ، نستفيدمنها ، نبلورها ، وننشرها ، وهذا ما يريده الله سبحانه وتعالى .
( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) .
وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين .
وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين .
(1) سورة يس : 82 .
(2) سورة البقرة : 185 .
(3) سورة يس : 82
(4)سورة الأحزاب : 33 .
المصدر : آية التطهير السيد علي الحسيني الميالي