بسم الله الرحمــــــــــــن الرحيـــــــــــــم
اللهم صل على محمد وعلى آله الغر المياميـــن
إن التأليف يعد إحدى القدرات العقلية عند الإنسان ، وكل قدرات الإنسان يمكن تطويرها وتحقيق مستوى مرموقا في مجال كل ملكة وكل قابلية فكرية بصورة عامة ، فكما أن الشخص المبتدىء في تعلم الكتابه يعاني في بدء الأمر من صعوبة وعرقلة في محاولة الكتابة ، بل حتى في كيفية مسكه للقلم ، ولكن بالممارسة المستمرة قد يصبح ذلك المتعلم كاتبا مشهورا أو خطاطا لامعا لأنه وفر التمارين والممارسات الكافية لقابلية الكتابة الموجودة في ذهنه، وكذلك كمثال آخر على تلك القاعدة الثابتة بالعقل والتجربة العملية ، نلاحظ سائق المركبة المبتدىء ففي المرحلة الأولى تراه يشعر بشيء من الخوف والقلق ، ولاسيما في المحاولات الاولى من التدريب ، وبالممارسة يزول عنه ذلك الخوف تدريجيا حتى قد يصبح سائقا حذقا ، كذلك قابلية التأليف تماما ، فالانسان يمتلك سيلا من المشاعر والهواجس التي تختلج في ذهنه ، والتي تتباين في وقت لآخر ، وتتراوح في المقدار تبعا لأإختلاف المثيرات الخارجية التي تحيط به في البيئة التي يعيش فيها ، كالمناسبات السعيدة ، أو المناسبات الحزينة ، وحالة الخوف ، وحالة الطمأنينة.
فمن شروط المؤلف الناجح أن يتصف ويلتزم بأمور :
منها : أن يتابع ويقرأ بتمعن كتابات المؤلفين ، وينظر لها نظرتين :
الاولى : نظرة لفحوى ومضمون الموضوع حتى يتمكن الذهن من استلام الفكرة العامة للموضوع ، ويجمع الذهن المعاني الواردة في كل فقرة منه ويكّون بذلك صورة للموضوع ، وهذه الصورة قد تكون مفرحة سعيدة ، أو مأساوية حزينة ، تبعا لمناسبة الموضوع.
والثانية : نظرة فنية أدبية :و يلاحظ فيها المقدمات التي استخدمها المؤلف للوصول الى الفكرة او القاعدة او الحكمة التي يريد ان يقولها بعد التمهيد لها لتكون جلية في ذهن القارىء الكريم ، وتصد عنه هجوم الإلتباسات والغموض الذهني .
كما يلاحظ فيها نوع الكلمات التي استخدمها ذلك المؤلف ، أهي كلمات من النوع الفصيح أم من الدارج ؟، وكم درجة الفصاحة التي استخدمها ؟ ، وهل كانت كلمات مهذبة نوعا ما ام لا؟ ، وهل تتناسب مع ذهنية المخاطب ؟ ، وهل تتفق مع لغته أم تختلف عنها ؟ وكم هو مقدار الإختلاف؟.
وأيظا يوسع من دائرة نظرته الأدبية والفنية للموضوع فليتفت لعبارات الموضوع بعد أن التفت الى كلماته ، ومن ثم يرتقي ويتوسع اكثر فينتبه الى فقرات الموضوع التي ترسم الصورة في ذهن القارىء ، فيرى هل هي متسلسلة متسقة ؟ ، وهل هي مرتبة حسب الاولوية النثرية والفكرية؟ ، وهل نجحت تلك الكلمات والعبارات والفقرات في تكوين الصورة العامة عن مناسبة الموضوع ؟ ، وهل توفقت في ايضاح العنوان؟ أم كان العنوان في وادٍ والمضمون في وادٍ آخر؟!.
ومنها : أن يجتهد في المحاولة والتكرار في التأليف ، فبالممارسة وكما تقدم آنفا تتقوى وتشتد كل القابليات الذهنية والملكات العقلية ، ومن أبزها قابلية التأليف والتي لاتخلو من التعبير عما يجول في الذهن ، وعما يشعر به الكاتب من هواجس ومشاعر، وكما روي عن الامام علي أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : (( العلم يهتف بالعمل ، فإن أجابه وإلا ارتحل!))، والأهم في تحقيق ذلك هو أن تزرع في داخلك الثقة بقدرتك على التأليف ، وتجتهد في ذلك حتى لو أخطأت مرة ومرتين فإن ذلك أمر لايثير العجب بل هو طبيعي للغاية ، وأما لوكنت مهزوما من الداخل فإذن ضعف الطالب والمطاوب!!.
ومنها : أن يتعرف الفرد على مايمكن أن يبدع فيه بالتأيف من سائر المجالات ، وعلى سبيل المثال لا الحصر نأخذ منتدانا المبارك ، ونلتفت الى مافيه من الساحات كالساحة القرآنية والساحة الإجتماعية وإلخ، فإن كان العضو الكاتب يعلم أنه يمكن أن يبدع في المواضيع الإجتماعية كالذي يخص قسم مجتمعنا ، وقسم نسائنا ، وأطفالنا ، وشبابانا ، فليتوكل على الله تعالى في ذلك، لأن ذلك أقرب للإبداع لأنه ينسجم مع القابلية التي يمتلكها ، ويتناغم مع الرغبة النفسية لدى العضو الذي يحاول التأليف ، وكما أن ذلك يقلل من نسبة الخطأ التي طبيعيا يمكن أن تحصل في الموضوع الذي إنتقاه .
ولاينبغي لمن يحاول التأليف أن يخوض فيما ليس له به علم ، كأن يحاول التأليف في مجال علم اصول الرجال ، وهو لم يدرس ابسط المقدمات الفقهية !!، لأن تأليفه ربما سيحتوي على الكثير من الأخطاء والشذوذ ، فضلا عن الإنتقاد الأدبي له من قبل القراء ، فضلا عن الصعوبة والمشقة التي ستواجهه في ذلك الميدان ، وعن الاحباط النفسي الذي سيحاول النيل منه، وليترك ذلك لمن هو أهل له.
ومما ينبغي ذكره في هذا الصدد أن نتسائل ماذا بعد ذلك ؟ أي ماهي ابرز الخطوات الممكنة لرصانة التأليف ، فمن أبرزها :
أولا: تحديد العنوان : إذ ينبغي على من يريد التأليف أن يعين له عنوان ما ، حتى تتكثف افكاره ومشاعره وهواجسه في النقطة التي هو بحاجة أليها ، فينطلق قلمه مسرعا في شوارع التأليف .
ثانيا : ينبغي أن يحدد مناسبة للموضوع تتناغم مع التطورات ، فمثلا يألف موضوعا في فضل شهر رمضان لأن المناسبة الحالية هي شهر رمضان المبارك.
ثالثا : أن يحاول المحافظة على وحدة الموضوع قدر الإمكان : فلايصح منه أن يخرج عن صلب الموضوع ، كأن يكون عنوان موضوعه " صيام شهر رمضان" في حين أن المؤلف أخذ في السرد بأجواء عيد الفطر السعيد على الرغم من وجود قدر من التلازم والارتباط بين الأمرين، لكن هذا لايسوغ له ذلك ، حفاظا على الرسالة العامة التي يريد ايصالها للقراء الكرام، ومنعا لشتت الصور الذهنية للموضوع عند القارىء الكريم.
رابعا : توثيق الموضوع:ويتحقق ذلك بالآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية ، والروايات الشريفة. وبغيرها من قواعد العلوم المختلفة كالعلوم العقلية والعلوم اللغوية وغيرها وكذلك العلوم الطبيعية كعلم الفيزياء وعلم الكيمياء ، وكذلك بالأبيات الشعرية ، والمقالات الادبية، والوصايا والحكم والأمثال.
خامسا : الإبتعاد عن الألفاظ العامية قدر الإمكان : لأن الصحيح عند العرب استعمال الفصيح من الكلام ، وتلافيا لإختلاف وتباين اللهجات ، والتي تختلف في القرب والبعد من اللغة الفصحى الرئسية.
سادسا : تجنب الأخطاء النحوية : فينبغي للكاتب أن يكون على قدر من المعرفة بأساسيات النحو ، لأن الحرف والحركة الواحدة يمكن أن يقلب المعنى رأسا على عقب.
سابعا : تجنب الأخطاء الإملائية : وهذا المطلب يتطلب ممارسة سابقة ، وإلتفات لايخلو من الدقة أثناء الكتابة.
ثامنا : أن يكون موضوعه مرتبا بمقدمة عامة ، ومن ثم دخول في صلب الموضوع ، ثم الوصول الى النتيجة المرجوة ، ويمكنه وضع المقدمات الضمنية حسب الحاجة اليها.
ثامنا : مراجعة الموضوع : فيرى الكاتب ويراقب ما كتبه من العنوان وحتى الختام ، ويقيم موضوعه ، ويرى مدى توفر الشروط والصفات التي تقدم ذكرها في موضوعه.
ولنكتف بهذا القــــــــــــــــــــــــدر....
والحمد لله أولا وآخرا............
**************
تمّ التأليـــــــــــــف بحمد الله بقلــــــــــــم : المحــــــــــــقق .
تعليق