بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد
وعجل فرجهم
الدعاء وآثاره النفسية
إن قلت : فائدة الدُّعاء والقضاء لا مرد له ؟
فأعلم أنّ من القضاء ردُّ البلاء بالدعاء، والدعاء سبب لرد البلاء
واستجلاب الرحمة كما أنَّ الترس سبب لردّ السهم والماء سبب لخروج
النبات من الأرض، وكما أنّ التّرس يدفع السّهم فيتدافعان فكذلك الدعاء
والبلاء يتعالاجان وليس من شرط الاعتراف بقضاء الله ان لا يحمل
السلاح وقد قال الله تعالى :{ خُذُوا حِذرَكم }( سورة النساء الآية 71)
وان لا يسقي الرض بعد بث لبذر فيقال : إن سبق القضاء بالنبات نبت،
بل ربط الأسباب بالمسببات هو القضاء الاول الذي هو كلمح البصر،
وترتّب تفصيل المسببات على تفاصيل الأسباب على التدريج والتقدير هو
القدر، الذي قدر الخير قدَّره بسبب والذي قدّر الشّرّ قدّر لدفعه سبباً فلا
تناقض بين هذه الأمور عند من انفتحت بصيرته، ثم الدعاءمن الفائدة
ما ذكرناه في الذكر فإنه يستدعي حضور القلب مع الله وهو منتهى
العبادات، ولذلك قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم):
(( الدعُّاء مخُّ العبادة )) ( الترمذي) والغالب على الخلق أنّه لاينصرف
قلوبهم إلى ذكر الله إلاّ عند إلمام حاجة وإرهاق ملمة، فالإنسان إذا مسه
الشرُّ فذو دعاء عريض، فالحاجة تحوج إلى الدُّعاء والدُّعاء يردُّ القلب إلى
الله بالتضرع والاستكانة فيحصل به الذكر الذي هو أشرف العبادات
ولذلك صار البلاء موكلاً بالأنبياء، ثمَّ الأولياء، ثمَّ الأمثل فالأمثل لأنه
يردُّ القلب بالافتقار والتضرع الى الله ويمنع من نسيانه وأمّا الغناء
فسبب البطر في غالب الأمر فإن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى.
ثمرة الدعاء ونتائجه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
يترك الدعاء دائماً نتيجة إيجابية إذا أتى به في الأوقات المناسبة
((ما من إنسان مارس الدعاء إلا وتعلم أشياء تعود عليه بالنفع العميم))
النتائج النفسية ـ الفيزيولوجية للدعاء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
لا شك ان الدعاء يؤثرعلى الفكر وعلى الجسد ايضاً، بشكل يبدو
أنه يتعلق بنوعية الدعاء، وبكثافته، والمداومة عليه .
ذلك أنه من السهل أن نتعرف على آثار ممارسة الدعاء، وحتى في
بعض الإحيان على كثافته .
اما نوعية الدعاء فتظل مجهولة، لأننا لا نملك الوسيلة لمقياس الإيما
الإيمان، ولا لمعرفة محبة الغير .
ومع ذلك، فإن الطريقة التي يعايشها من يمارس الدعاء يمكن ان توضح
لنا توعية الإبتهال الذي نرفعه لله سبحانه .
حتى عندما يكون الدعاء ضعيف القيمة، ويعتمد على الترديد الآلي للصيغ
الدعائية، فإنه يترك أثر على السلوك الإنساني، فهو يقوي جانب التقوى
واجانب الخلقي فينا في وقت معاً .
الى ذلك فإن الأوساط التي يُصلّى فيها تتصف بنوع من المثابرة الدائمة
على الشعور بالمسؤولية والإصرار على القيام بالواجب بإخلاص، بعيداً
عن التحاسد والتباغض ، بل بالطيبة والأريحية تجاه الآخرين.
وغني عن البرهان بأنه على صعيد النمو العقلي والذهني يلاحظ ان
التحلي بالقيم الأخلاقية والإندفاع لعمل الخير، يكون أكثر وجوداً
بين الذين يحافظون على الدعاء من غيرهم ممن لا يدعون .
الدعاء والتأثر المادي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما ان تأثير الدعاء يمكن ان يقارن بشكل من الاشكال بتاثير الغدد الصماء
ذات الفرز الداخلي ، كالغدة الدرقية والغدة الكظرية, وانها تقوم على نوع
من التحول الذهني والعضوي. هذا التحول يتقدم يوماً بعد يوم، حتى يمكن
القول بان شعلة وهاجة تتاجج في اعماق الوعي الإنساني،فيرى الإنسان
في ضوئها نفسه على حقيقتها، فيكتشف أنانيته وجشعه، كما يطلع ايضاً
على خطأ الأحكام التي يصدرها مدفوعاً بعجرفته وتغطرسه، مما يحدو
به للإنكباب على القيام بواجبه الخلقي. كما أنه يحاول أن يكسب الخشوع
النفسي وهكذا تنفتح امامه مملكة النعم الإلهية .
وهكذا شيئاً فشيئاً سصبح عنده نوع من الطمأنينة الباطنية، ونوع من
الإنسجام في النشاطات العصبية والأخلاقية، كما يقوم عنده نوع من
التجلد الكبير لتحمل الفقر، والترفع عن النميمة، وعدم الإستسلام
او يضعف امام فقدانه لأحد من ذوي قرباه،ولا ينهار امام الألم
والمرض والموت.
هذا وان الطبيب ليسعد ايضاً، حين يجد مريضاً ينكب على الدعاء
ذلك ان الطمأنينة النفسية التي تتولد عن طريق الدعاء، تكون
عوناً عظيماً على الشفاء والمعاناة .
الى ذلك فإن الدعاء ينبغي ان لا يشبه في حال من الاحوال (المورفين).
ذلك انه يسبغ الى جانب الطمأنينة النفسية، وفي الوقت عينه نوعاً من
التكامل لدى النشاطات الذهنية المختلفة، ويتوفر على إغناء الشخصية
الإنسانية ، وترسيخ النزعة البطولية احياناً.
نتائج الإتصال الروحي بالله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
... وهكذا فإن صفاء النظرة للآخرين، وطمأنينة التماسك النفسي الداخلي
والإنشراح للصدق في التعبير، الى جانب الرجولة في التصرف،
مع الرضا الكامل للجندي بالموت حين يدعو الواجب، والطمأنينة
التامة للبطل بالشهادة دفاعاً عن الحق، كل ذلك يشفُّ عن وجود الكنز
الخبيء في أعماق كل منّا، وفي فكره وحواسه .
وتحت هذا التأثير العظيم نلاحظ انه حتى الجاهلون والمتاخرون،
والضعفاء، والمحدودوالإستعداد حتى هؤلاء يستخدمون بشكل
أفضل قواهم الخلقية والعقلية .
وهكذا فأن الدعاء يرفع الناس فوق مستواهم الذهني الذي
ينتمون اليه، سواء بالتربية او بالوراثة .
هذا الإتصال الروحي بالله عبر الدعاء يغمرهم بالسلام
والثقة بالنفس، كذلك فإن السلام للناس في كل مكان يحلون فيه.
ومما يؤسف له هنا أنه لا يوجد في العالم سوى عدد طفيف من
الافراد الذين يحسنون تأدية الدعاء بطريقة مثمرة وفاعلة .
الشفاء عن طريق الدعاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن نتائج الشفاء عن طريق الدعاء يستثير اهتمام الناس على
مر العصور .
وحتى يومنا الحاضر وفي الأوساط التي ما زالت تمارس الدعاء
وتقوم بالصلاة، ما زالوا يتحدثون بإسهاب عن الأشخاص الذين تم
شفاؤهم عن طريق التضرعات للبارئ عز وجل او لأوليلئه الصالحين
أما بالنسبة للأمراض القابلة للشفاء تلقائياً، او بمساعدة الأدوية والعقاقير
الطبية . فإنه من الصعب أن نعرف العامل الحقيقي الكامن وراء الشفاء .
اما في الحالة المرضية التي لا يمكن فيها تطبيق العلاج على الشخص
المريض، او عندما نطبقه ولكن بدون جدوى وبدون ان تعطي النتائج
الشفائية المرجوة، في هذه الحالة يمكن ان نلاحظ دور الدعاء الأكيد
في شفاء الأمراض المستعصية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــ
تعليق