

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه النبي الأمين وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.
قال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلا)ً
كثيراً ما يطرح سؤال حول حقيقة الروح الإنسانية، فما هي هذه الروح وهل لها نظائر في المخلوقات أم لا؟ وعليه نقول:
ان الروح كـ (الجن والملائكة) جسم لطيف وهو كالهواء كما في بعض الروايات
وفي رواية الاحتجاج عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: «فالملك لا تشاهده حواسكم لأنه من جنس هذا الهواء» ويمكن تكثيفها بإذن الله سبحانه وتعالى.
رؤية الروح
وقد ورد أن أبا بكر رأى رسول الله صلى الله عليه وآله بعد وفاته في قصة مفصَّلة حيث أمره برد الخلافة إلى علي عليه السلام.
وأن الحسن بن علي عليه السلام أرى بعض أصحابه أمير المؤمنين عليه السلام.
وأن أولاد أمير المؤمنين عليه السلام رأوه عليه السلام في تشييع جنازة نفسه.
رؤية الملك
وقد روي أن جبرئيل تكلّم مع رسول الله صلى الله عليه وآله في صورة دحية الكلبي.
كما أنّ قوم لوط عليه السلام رأوا الملائكة في قصة مشهورة قال تعالى: (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ*وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قَالَ يَاقَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ
وكذلك رأى جبرائيل السامري، كما في قوله سبحانه وتعالى: (بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ
إلى غير ذلك مما هو كثير, وذكر جملة منها المجلسي قدس سره في (البحار).
رؤية الجن
وهكذا حال الجن حيث أنهم يظهرون أحيانا, كما ظهروا لسليمان عليه السلام قال عزوجل: (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ)
وكذلك رؤي أيضا بصورة الثعبان في مسجد الكوفة ودخل من الباب الذي عرف بـ (باب الثعبان) على علي أمير المؤمنين عليه السلام في قصة مشهورة ومن بعده غُيّر إلى باب الفيل, حيث أراد معاوية أن يطمس هذه المعجزة فأمر بفيل ربط على باب المسجد فاشتهر عند الناس بباب الفيل, وهذا وارد أيضا في الألسنة إلى اليوم.
قصة الثعبان
فقد روي في (البحار) عن كتاب (بشارة المصطفى) عن جابر الجعفي عن الإمام الصادق عليه السلام, وكذلك رواه في (إحقاق الحق) من طريق العامة والخاصة, كما رواه القوشجي أيضاً في (شرح التجريد), قال:
«بينما علي بن أبي طالب عليه السلام على منبر الكوفة يخطب, إذ أقبل ثعبان من أخر المسجد, فوثب إليه الناس بنعالهم, فقال لهم علي عليه السلام: مهلا يرحمكم الله فإنها مأمورة, فكف الناس عنها, فأقبل الثعبان إلى علي عليه السلام حتى وضع فاه على أذن علي عليه السلام, فقال له ما شاء الله أن يقول, ثم إن الثعبان نزل وتبعه علي عليه السلام, فقال الناس: يا أمير المؤمنين ألا تخبرنا بمقالة هذا الثعبان؟ فقال: نعم إنه رسول الجن, قال لي: أنا وصي الجن ورسولهم إليك
كما إن الجن جاء الى الإمام عليه السلام برسالة مكتوبة إلى جماعة من أصحابه بين مكة والمدينة.
وهكذا في قصة الإمام الحسين عليه السلام رؤي الجن يوم عاشور وغيره, وفي كتاب (مدينة المعاجز وما أشبه, كثير من هذه الأحاديث والقصص.
وقد ذكرنا سابقا أن الغربيين أيضا أيدوا موضوع الملك والجن والأرواح الشريرة والأرواح الخيرة في عشرات من الكتب, كما أشرنا إلى أسامي بعضها فيما سبق.
وقد رأى بعض العلماء الملائكة في كربلاء المقدسة في
(في مدرسة حسن خان), فإنه شرع في ليالي شهر رمضان من أوله إلى الثالث والعشرين منه بقراءة سورة (إِنَّا انزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) في كل ليلة ألف مرة ـ كما ورد ذلك, وفي الليلة الثالثة والعشرين ارتفع السقف ورأى الملائكة تنزل من أبواب السماء إلى الأرض بمختلف الأشكال ـ وكما قال علي عليه السلام: «فملأ هن أطوارا من ملائكته» وعند ذلك غشي عليه ولم يفق إلا بعد فترة طويلة.
كما أن أحد العلماء أيضا رأى الشيطان في قصة نقلها لي, قال: ...وخفت منه أشد الخوف وأخذت أقرأ آيات من القرآن الحكيم و(القلاقل الأربع) و(آية الكرسي) و(إِنَّا انزَلْنَاهُ) وبقي إبليس ما يقارب الساعتين ينظر إلي, ثم ببركة الآيات ذهب عني, وكان خوفه باقيا في قلبه إلى وقت نقله القصة بعد سنوات.
الروح والبدن المثالي
الظاهر أن الروح بعد الموت تتعلق ببدن مثالي كتعلقها في الدنيا بهذا البدن الترابي.
وفي رواية الحناط عن أبي عبد الله عليه السلام: «إنهم في أبدان كأبدانهم»
وفي رواية: «صير تلك الروح في قالب كقالبه في الدنيا, فيأكلون ويشربون
وعن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام قال:
«إن الأرواح في صفة الأجساد في شجرة الجنة, تعارف وتسائل, فإذا قدمت الروح على الأرواح, فيقول: دعوها فإنها قد أفلتت من هول عظيم, ثم يسألونها ما فعل فلان وما فعل فلان؟ فإن قالت لهم: تركته حيا, ارتجوه, وإن قالت لهم: قد هلك, قالوا: قد هوى هوى»
وفي رواية أخرى عن أبي بصير عنه عليه السلام: إنهم
«في حجرات في الجنة, يأكلون من طعامها ويشربون من شرابها
«إنها وفي رواية ثالثة عن أبي بصير عنه عليه السلام:في روضة كهيئة الأجساد في الجنة
ومن الواضح عدم المنافاة بينها, لأن الإنسان كما له أحوال مختلفة في الدنيا, فتارة في الشارع وتارة في الدار وتارة في المسجد وهكذا, كذلك في الجنة له أحوال.
وعلى كل حال فالإنسان عاجز عن فهم الإنسان في هذه الدنيا, فكيف يفهم الإنسان في الدار الآخرة؟ ولذا ورد في الحديث: «ما لا عين رأت, ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر, إذا الآخرة من عالم آخر, وما يخطر في قلب البشر مناسب لعالم الدنيا, فهو كتلميذ الابتدائية الذي لا يخطر بقلبه حسابات الجبر والمقابلة والاستصحاب والبراءة وما أشبه ذلك, فإن الإنسان ـ كما هو واضح ـ إنما يخطر إلى قلبه ما هو من مداركه وما يستوعبه.
مما يرتبط بالعالم الآخر
والظاهر أن ما ورد في الأرواح بالنسبة إلى الموت والقبر وما أشبه ذلك مرتبط بالعالم الآخر ومن هنا لا يحس به الانسان بالحواس المادية عادة, مثل ما ورد من:
أن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران.
وأن القبر يوسع لبعض الأموات سبعة أذرع, أو تسعة, أو مد بصره, أو مسيرة شهر, أو ما أشبه.
وأنه يفتح من قبره إلى الجنة أو النار طريق.
وهكذا ما ورد من صعود الأئمة عليه السلام بعد استشهادهم إلى الله سبحانه وتعالى, فذلك من عالم الأرواح.
وأما فقد بعضهم للإمام عليه السلام عند الولادة, أو ما أشبه ذلك فيمكن أن يكون بانكشاف العين البرزخية للرائي, ويمكن أن يراد بذلك أجسامهم عليه السلام كما هو الظاهر.
وهكذا ما ورد في (كامل الزيارات) عن عبد الله بن بكير عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «حججت معه عليه السلام ـ إلى أن قال: ـ فقلت: يا بن رسول الله, لو نبش قبر الحسين بن علي عليه السلام هل كان يصبا في قبره شيء؟
فقال: يا بن بكير, ما أعظم مسائلك! إنّ الحسين عليه السلام مع أبيه وأمّه وأخيه في منزل رسول الله صلى الله علي وآله ومعه يرزقون ويحبرون, وإنه لعن يمين العرش متعلّق به يقول: يا ربّ أنجز لي ما وعدتني, وإنه لينظر إلى زوّاره, فهو أعرف بهم وبأسمائهم وأسماء آبائهم وما في رحالهم من أحدهم بولده, وإنه لينظر إلى من يبكيه فيستغفر له ويسأل أباه الاستغفار له, ويقول: أيها الباكي لو علمت ما أعدّ الله لك لفرحت أكثر مما حزنت, وإنه ليستغفر له من كل ذنب وخطيئة».
فإن ذلك مربوط بعالم الروح ـ كما هو واضح ـ, كما انّ إحاطته بكلّ الزوار وخصوصياتهم إحاطة روحية كإحاطة ملك الموت بكل العالم, وقد مثلناه سابقا بأمواج الراديو وصور التلفزيون وما أشبه ذلك, ولا مناقشة في الأمثال.
أما ما نقل عن الشيخ المفيد قدس سره وأضرابه من:
أنهم عليهم السلام ينقلون بأجسادهم وأرواحهم إلى السماء بعد استشهادهم فهو محل بحث, ولذا رؤي جسد الإمام الحسين عليه السلام في قبره مكررا, والتي منها في قصة ديزج.
وقول المجلسي رحمه الله:
إن سؤال القبر وضغطته في الأجساد الأصلية, يرد علمه إلى نفسه قدس الله نفسه أو يؤول, حيث قال: (إنما السؤال والضغطة في الأجساد الأصلية).
وأخر دعوانا آن

************
منقول بتصرف
************
منقول بتصرف