بسم الله الرحمن الرحيم
(فَما بَكت عليهِمُ السماءُ والأرضُ وما كانُوا مُنظَرين)صدق الله العلي العظيم.
سورة الدخان/آية29
وقبل الدخول في شرح مفردة البكاء نقول إن البكاء هو رحمة من الله، حيث إن القلوب تقسوا بسبب تراكم الذنوب فالبكاء هو الذي يرقق القلب ويغسل درنها، لذلك تجد أول من كان يبكي هم الأنبياء والمرسلين والأوصياء لا سيما محمد وآل محمد.
إن البكاء حسب مضمون الروايات الشريفة يأتي على ثلاث معاني:
المعنى الأول/أصل البكاء هو من خشية الله، فلذا تجد الكثير من الذين يبكون من خشية الله والخشية على حد تعبير المفسرين هو خوف يشوبه إجلال وتعظيم وإكبار، فلذلك يقول أمير المؤمنين(عليه السلام): (عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم..)، فهذا التعظيم هو الخشية الحقيقية.
رب سائل يقول من هم الذين يخشون الله ؟
الجواب: يقول الله تبارك وتعالى: (إنما يخشَى اللهَ من عبادهِ العلماءُ)، والذين هم محمد وآل محمد.
إذن الخشية هي البكاء فيظهر من خلال هذا التعظيم والإجلال بكاء ومصدر البكاء هو القلب.
المعنى الثاني/البكاء لفوات الأمر الديني فالإنسان يبكي لماذا ؟
الجواب: لأنه يحب التكامل في جنب الله على سبيل المثال نراه إذا واظب على عمل معين كأداءه المستمر لصلاة الفجر في وقتها فسوف يأتيه الرزق من كل حدب وصوب وتكون له نعمة كبيرة، أما إذا لم يوفق للصلاة في وقتها ليوم واحد نراه يبكي وهذا يعتبر جفاء والدليل على ذلك العلماء يقولون: (سعيد من يصلي صلاة الفجر في وقتها)، أي يكون من السعداء، أيضا من الإمور الدينية هي فوات الأمر على أبينا آدم(عليه السلام)حينما أرشده الله بأن لا يقترب من تلك الشجرة ويأكل منها وعندما أكل منها و فاته الأمر الديني بكى وقيل إنه بكى كذا عام حتى تاب وسجل من البكائين الخمس.
المعنى الثالث/البكاء لفقد الميت حيث إن النبي(صلى الله عليه وآله)قد بكى على فقد ولده إبراهيم فقالوا له الناس أتبكي يا رسول الله ؟ فقال: (العين تبكي ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب)، أيضاً من الذين بكوا نبينا يعقوب على ولده يوسف(عليهما السلام)أربعين عام كما في قوله تعالى: (وإبيَضت عيناهُ من الحزنِ فهو كظيم)مع علمه بأن ولده حي يرزق في رعاية الباري عزوجل، ولهذا يقول الإمام الصادق(عليه السلام) : (كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين).
إذن فمن بكى على سيد الشهداء ؟ بكاه الحجر والمدر، بكته ملائكة السماء والأرض، بكته الحيتان في بحارها، بكته السماء دما، في حين إن السماء لم تبك إلا على إثنين كما في الروايات، قال الصادق(عليه السلام) : (لم تبك السماء إلا على الحسين بن علي ويحي بن زكريا عليهما السلام).
لذلك نراه(صلوات الله عليه)عندما إستصرخ في ساحة المعركة يوم العاشر من شهر محرم عندما قال : (ألا من ناصر ينصرنا ألا من مغيث يغيثنا...)فضجت وعجت ملائكة السماء إلى الله وقالت: أي رب دعنا ننصر الحسين فقال لكم الأذن فهبطوا إلى الأرض وحثوا التراب على رؤوسهم لكن الحسين منعهم من النصرة له.
فأي قتيل هذا لا يتوقف ذكره ويتجدد على مر السنين وأي خزي وعار في الدنيا والآخرة لبس آل إمية.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.