و يُؤثرونَ على أنفُسِهم ولو كانَ بهِم خَصاصة

[صهيب المياحي]

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

((ويُؤثرونَ على أنفُسِهم ولو كانَ بهِم خَصاصة))صدق الله العلي العظيم.
سورة الحشر/آية9

نزلت هذه الآية الكريمة في حق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء(صلوات الله عليها)بعد أن تصدقوا على أحد الفقراء بما كان لديهم من قوت ليلتهم وبقوا فيها جائعين.
وهناك شيء مهم يجب معرفته، وهو ما هو الإيثار؟

الجواب: هو أن يقدم الإنسان غيره على نفسه في النفع له والدفع عنه، وهو أرفع درجات الجود والسخاء، وبتعبير آخر هو أن أُقدم وأُفضل الغير على نفسي تماماً عكس الأنانية، ولعل صفة الإيثار من أجمل الصفات التي يتصف بها الإنسان، فهو حب العطاء وتحقيق الخير للآخرين، وما أقبح وأبشع أن يتصف الإنسان بالأنانية وحب الذات، حيث دعت جميع الديانات السماوية والثقافات إلى الإيثار والسخاء والإحساس بالآخرين لما له من نتائج على المستويين الفردي والاجتماعي، فالإيثار سواء كان مادياً أو معنوياً يعمل على تقوية الروابط والعلاقات الإنسانية بين الأفراد، قال سيد البلغاء الإمام علي(عليه السلام): (الإيثار أعلى المكارم)، وقال أيضاً: (الإيثار أعلى الإيمان)، وقال: (أفضل السخاء الإيثار).
سؤال: ما هو السبب الدافع للإيثار ؟

الجواب: إما فطري، وهذا عند الآباء وحبهم الشديد تجاه أبنائهم، أو حب الزوج لزوجته، وهذا الحب من أقوى الدوافع الذاتية التي تعمل على التضحية بالنفس من أجل تحقيق رضا المحبوب.
أو إيماني، وهو ما يكون هدفه إبتغاء رضا الله و رضوانه، قال يعسوب الدين وقائد الغرالمحجلين(عليه السلام): (من آثر على نفسه بالغ في المروءة)، وأيضاً قول النبي الأكرم محمد(صلى الله عليه وآله): (من آثر على نفسه آثره الله يوم القيامة الجنة).

فمن أعظم صور الإيثار التي لم يشهد لها التأريخ، ولا سوف يشهد تجسدت عند ساقي عطاشى كربلاء العباس(عليه السلام)عندما سمع أطفال سيد الشهداء تنادي العطش العطش في يوم العاشر من محرم الحرام فخرج يطلب الإذن من أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)لقتال هؤلاء الشرذمة الضالة فأذن له الإمام الحسين عليه السلام بإحضار الماء للأطفال فقط فضرب جواده متوجهاً إلى الشريعة وقد إستطاع أن يبعد جيش ابن سعد عن الماء، عندها نزل عن ظهر جواده فأخذ غرفة من الماء بيده فأحس ببرد الماء وعندما همَّ أن يشرب تذكر عطش أخيه الحسين وعياله وقال: (يا نفس من بعد الحسين هوني وبعده لا كنت أو تكوني، هذا حسين وارد المنون وتشربين بارد المعين..)فرمى بالماء من يده وأخذ يملأ القربة ليوصلها إلى المخيم، فسلام عليه يوم ولد ويوم أاستشهد ويوم يبعث حياً.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.