بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب محنة أمير المؤمنين علي بن ابي طلب عليه السلام
عن أبي جعفر، عن محمد بن الحنفية قال: أتى رأس اليهود علي بن أبي طالب صلوات الله عليه عند منصرفه من وقعة النهروان وهو جالس في مسجد الكوفة، فقال: يا أمير المؤمنين إني اريد أن أسألك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي أو وصي نبي،
فقال: سل عما بدا لك يا أخا اليهود...
قال: إنا نجد في الكتاب أن الله عزوجل إذا بعث نبيا أوحى إليه أن يتخذ من أهل بيته من يقوم بأمر ربه في امته من بعده وأن يعهد إليه فيهم عهدا يحتذيه ويعمل به في امته من بعده، وإن الله عزوجل يمتحن الاوصياء في حياة الانبياء ويمتحنهم بعد وفاتهم، فأخبرني كم يمتحن الله الاوصياء في حياة الانبياء من مرة؟
وكم يمتحنهم بعد وفاتهم من مرة؟
وإلى ما يصير آخر أمر الاوصياء إذا رضي الله محنتهم؟
فقال له علي عليه السلام: فوالذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى لئن أخبرتك بحق عما تسأل عنه لتقرن به؟
قال: نعم،
قال: فوالذي لا إله غيره لئن صدقتك لتسلمن؟
قال: نعم،
قال علي صلوات الله عليه: إن الله تبارك وتعالى ذكره يمتحن الاوصياء في حياة الانبياء في سبعة مواطن ليبتلي طاعتهم، فإذا رضي محنتهم أمر الانبياء أن يتخذوهم أولياء في حياتهم وأوصياء بعد وفاتهم فصير طاعة الاوصياء في أعناق الامم موصولة بطاعة الانبياء عليهم السلام...
ثم يمتحن الاوصياء بعد وفاة الانبياء في سبعة مواطن ليبلو صبرهم فإذا رضي محنتهم ختم له بالشهادة ليلحقهم بالانبياء، فقد أكمل الله لهم السعادة.
قال له رأس اليهود: صدقت يا أمير المؤمنين فأخبرنا كم امتحنك الله عزوجل في حياة محمد صلى الله عليه وآله من مرة؟
وكم امتحنك بعد وفاته من مرة؟
وإلى ما يصير آخر أمرك؟
فأخذ علي عليه السلام بيده، وقال: انهض بنا انبئك بذلك يا أخا اليهود،فقام إليه جماعة من أصحابه فقالوا: يا أمير المؤمنين أنبئنا بذلك معه، فقال: إني أخاف أن لا تحتمله قلوبكم قالوا: ولم ذاك يا أمير المؤمنين؟
قال: لامور بدت لي من كثير منكم، فقام إليه الاشتر فقال: يا أمير المؤمنين أنبئنا بذلك، فوالله إنا لنعلم أنه ما على ظهر الارض وصي نبي سواك، وإنا لنعلم أن الله لم يبعث بعد نبينا نبيا سواه وأن طاعتك على أعناقنا موصولة بطاعة نبينا، فجلس علي عليه السلام وأقبل على اليهود فقال:يا أخا اليهود إن الله تعالى ذكره امتحنني في حياة نبينا صلى الله عليه وآله في سبعة مواطن فوجدني فيهن - من غير تزكية لنفسي بنعمة الله - له مطيعا..
قال: فيم وفيم يا أمير المؤمنين؟
قال: أما أولهن فإن الله تبارك وتعالى أوحى إلى نبينا صلى الله عليه وآله بالنبوة وحمله الرسالة وأنا أحدث أهل بيتي سنا، أخدمه في بيته وأسعى بين يديه في أمره، فدعا صغير بني عبدالمطلب وكبيرهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله، فامتنعوا من ذلك وأنكروه وجحدوه ونابذوه واعتزلوه واجتنبوه وسائر الناس معصية له وخلافا عليه (1) واستعظاما لما أورد عليهم مما لم يحتمله قلوبهم ولم تدركه عقولهم، وأجبت رسول الله صلى الله عليه وآله وحدي إلى ما دعا إليه، مسرعا مطيعا موقنا، لم تتخالجني في ذلك الاخاليج، فمكثنا بذلك ثلاث حجج، ليس على ظهر الارض خلق يصلي ويشهد لرسول الله صلى الله عليه وآله بما آتاه الله غيري وغير ابنة خويلد - رحمها الله -.
ثم التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟
قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.
وأما الثانية يا أخا اليهود فإن قريشا لم تزل تخيل الآراء وتعمل الحيل في قتل النبي صلى الله عليه وآله حتى إذا كان آخر يوم اجتمعت فيه في دار الندوة وإبليس الملعون لحاضر في صورة أعور ثقيف فلم يزل يضرب أمرها ظهورا وبطونا حتى اجتمعت آراؤها على أن ينتدب من كل فخذ من قريش رجل، ثم يأخذ كل رجل منهم سيفه، ثم يأتوا النبي صلى الله عليه وآله وهو نائم على فراشه فيضربوه بأسيافهم جميعا ضربة رجل واحد فيقتلوه، فإذا قتلوه منعت قريش رجالها ولم تسلمه فيمضي دمه هدرا، فهبط جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله فأنبأه بذلك وأخبره بالليلة التي يجتمعون له فيها والساعة التي يأتون فراشه فيها، وأمره بالخروج في الوقت الذي خرج فيه إلى الغار وأنبأني رسول الله صلى الله عليه وآله بالخبر وأمرني أن أضطجع مضجعه وأن أقيه بنفسي، فأسرعت إلى ذلك مطيعا له مسرورا به ولنفسي على أن افتك موطنا، فمضى عليه السلام لوجهه واضطجعت مضجعه وأقبلت رجالات قريش موقنة في أنفسها بقتل النبي صلى الله عليه وآله فلما استوى بي وبهم البيت الذي أنا فيه نهضت بسيفي، فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الناس.
ثم أقبل على أصحابه فقال: أليس كذلك؟
قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.
للحديث تكمله
_______________
(1) في الخصال " وسائر
الاختصاص الشيخ المفيد ص(163)
كتاب محنة أمير المؤمنين علي بن ابي طلب عليه السلام
عن أبي جعفر، عن محمد بن الحنفية قال: أتى رأس اليهود علي بن أبي طالب صلوات الله عليه عند منصرفه من وقعة النهروان وهو جالس في مسجد الكوفة، فقال: يا أمير المؤمنين إني اريد أن أسألك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي أو وصي نبي،
فقال: سل عما بدا لك يا أخا اليهود...
قال: إنا نجد في الكتاب أن الله عزوجل إذا بعث نبيا أوحى إليه أن يتخذ من أهل بيته من يقوم بأمر ربه في امته من بعده وأن يعهد إليه فيهم عهدا يحتذيه ويعمل به في امته من بعده، وإن الله عزوجل يمتحن الاوصياء في حياة الانبياء ويمتحنهم بعد وفاتهم، فأخبرني كم يمتحن الله الاوصياء في حياة الانبياء من مرة؟
وكم يمتحنهم بعد وفاتهم من مرة؟
وإلى ما يصير آخر أمر الاوصياء إذا رضي الله محنتهم؟
فقال له علي عليه السلام: فوالذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى لئن أخبرتك بحق عما تسأل عنه لتقرن به؟
قال: نعم،
قال: فوالذي لا إله غيره لئن صدقتك لتسلمن؟
قال: نعم،
قال علي صلوات الله عليه: إن الله تبارك وتعالى ذكره يمتحن الاوصياء في حياة الانبياء في سبعة مواطن ليبتلي طاعتهم، فإذا رضي محنتهم أمر الانبياء أن يتخذوهم أولياء في حياتهم وأوصياء بعد وفاتهم فصير طاعة الاوصياء في أعناق الامم موصولة بطاعة الانبياء عليهم السلام...
ثم يمتحن الاوصياء بعد وفاة الانبياء في سبعة مواطن ليبلو صبرهم فإذا رضي محنتهم ختم له بالشهادة ليلحقهم بالانبياء، فقد أكمل الله لهم السعادة.
قال له رأس اليهود: صدقت يا أمير المؤمنين فأخبرنا كم امتحنك الله عزوجل في حياة محمد صلى الله عليه وآله من مرة؟
وكم امتحنك بعد وفاته من مرة؟
وإلى ما يصير آخر أمرك؟
فأخذ علي عليه السلام بيده، وقال: انهض بنا انبئك بذلك يا أخا اليهود،فقام إليه جماعة من أصحابه فقالوا: يا أمير المؤمنين أنبئنا بذلك معه، فقال: إني أخاف أن لا تحتمله قلوبكم قالوا: ولم ذاك يا أمير المؤمنين؟
قال: لامور بدت لي من كثير منكم، فقام إليه الاشتر فقال: يا أمير المؤمنين أنبئنا بذلك، فوالله إنا لنعلم أنه ما على ظهر الارض وصي نبي سواك، وإنا لنعلم أن الله لم يبعث بعد نبينا نبيا سواه وأن طاعتك على أعناقنا موصولة بطاعة نبينا، فجلس علي عليه السلام وأقبل على اليهود فقال:يا أخا اليهود إن الله تعالى ذكره امتحنني في حياة نبينا صلى الله عليه وآله في سبعة مواطن فوجدني فيهن - من غير تزكية لنفسي بنعمة الله - له مطيعا..
قال: فيم وفيم يا أمير المؤمنين؟
قال: أما أولهن فإن الله تبارك وتعالى أوحى إلى نبينا صلى الله عليه وآله بالنبوة وحمله الرسالة وأنا أحدث أهل بيتي سنا، أخدمه في بيته وأسعى بين يديه في أمره، فدعا صغير بني عبدالمطلب وكبيرهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله، فامتنعوا من ذلك وأنكروه وجحدوه ونابذوه واعتزلوه واجتنبوه وسائر الناس معصية له وخلافا عليه (1) واستعظاما لما أورد عليهم مما لم يحتمله قلوبهم ولم تدركه عقولهم، وأجبت رسول الله صلى الله عليه وآله وحدي إلى ما دعا إليه، مسرعا مطيعا موقنا، لم تتخالجني في ذلك الاخاليج، فمكثنا بذلك ثلاث حجج، ليس على ظهر الارض خلق يصلي ويشهد لرسول الله صلى الله عليه وآله بما آتاه الله غيري وغير ابنة خويلد - رحمها الله -.
ثم التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟
قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.
وأما الثانية يا أخا اليهود فإن قريشا لم تزل تخيل الآراء وتعمل الحيل في قتل النبي صلى الله عليه وآله حتى إذا كان آخر يوم اجتمعت فيه في دار الندوة وإبليس الملعون لحاضر في صورة أعور ثقيف فلم يزل يضرب أمرها ظهورا وبطونا حتى اجتمعت آراؤها على أن ينتدب من كل فخذ من قريش رجل، ثم يأخذ كل رجل منهم سيفه، ثم يأتوا النبي صلى الله عليه وآله وهو نائم على فراشه فيضربوه بأسيافهم جميعا ضربة رجل واحد فيقتلوه، فإذا قتلوه منعت قريش رجالها ولم تسلمه فيمضي دمه هدرا، فهبط جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله فأنبأه بذلك وأخبره بالليلة التي يجتمعون له فيها والساعة التي يأتون فراشه فيها، وأمره بالخروج في الوقت الذي خرج فيه إلى الغار وأنبأني رسول الله صلى الله عليه وآله بالخبر وأمرني أن أضطجع مضجعه وأن أقيه بنفسي، فأسرعت إلى ذلك مطيعا له مسرورا به ولنفسي على أن افتك موطنا، فمضى عليه السلام لوجهه واضطجعت مضجعه وأقبلت رجالات قريش موقنة في أنفسها بقتل النبي صلى الله عليه وآله فلما استوى بي وبهم البيت الذي أنا فيه نهضت بسيفي، فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الناس.
ثم أقبل على أصحابه فقال: أليس كذلك؟
قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.
للحديث تكمله
_______________
(1) في الخصال " وسائر
الاختصاص الشيخ المفيد ص(163)
تعليق