القيادات المعاصرة...
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين
لا يسعنا الكلام ان نذكر كل القيادات الأسلامية والتي بدورها قد غيرت منعطف التأريخ. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين
ولكن سنذكر بأيجاز عن شخصية قد لطالما كان يتمنى ان يتحقق حلم الأنبياء هو رجل قد زرع الخوف في قلوب الطواغيت. فهو قائد قلَّ نظيره في وقتنا المعاصر. انه........ الأمام الراحل الخميني (رحمه الله)
لم يكن الحديث يوماً عن الأولياء الصالحين ولا عن القادة الإلهيين بالأمر اليسير بل لابد للمتحدث عنهم ان يكون بميزات خاصة وعلى مواصفات علمية وفكرية متينة الأمر الذي يفتقده صاحب هذه السطور ، ومن هؤلاء القادة الامام الخميني (رض) فليس مقامهُ السامي مما تناله بالتعريف والتوضيح أنامل هذا الكاتب العاجز ولكن رأيت من الضروري أن أقدم تعريفاً مبسطاً لبعض القادة الاسلاميين المعاصرين خدمة للأمة الواعية من خلال سلسلة مترابطة في حلقات ، وحينما شرعت لا يمكنني ان أتجاوز قيادة الامام الخميني (رض) وهي أبرز قيادة إسلامية معاصرة ، فاضطررت لولوج هذا الميدان للحديث عن الامام الراحل (رض) مع قلة البضاعة وقصر المباع وضعف اليراع لذلك كل ما سوف أتناوله عن هذه الشخصية العظيمة إنما أتحدث عن الجنبة القيادية وإلاّ فإن بضاعتنا لا تسعفنا لنغوص في أعماق هذه الشخصية الفريدة في عصرها. ولاشك إن الحديث سيكون وفق الميراث الخاص بالقيادة الناجحة
نعم سادتي إنه روح الله الموسوي الخميني الذي بارز الطاغوت بشجاعة منقطعة النظير وقادَ ثورته متوكلاً على الله تعالى وواثقاً بوعده { إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}(محمد:7) ،
معتمداً على الجماهير التي آزرته وأيدته وقد أولاها الثقة العالية والاهتمام الكبير فصنع بعد التوكل على الله بهذه الأمة معجزة العصر ، وحقق حلم الأنبياء كما قال السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قده): (الحمد لله لقد تحقق حُلمُ الأنبياء).
نعم إنه الراحل العظيم والمجاهد الكريم والعالم النحرير والبحر المتلاطم الغزير وخيرُ صفة لهذا القائد الفذّ إنّه نفحة من نفحات آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.
من مميزات قيادة الامام الخميني.
أود أن نشير الى أن قيادة الامام الخميني (رض) لم تكن من القيادات التقليدية فقد امتازت ببعض المميزات عن أي قيادة علمائية او سياسية اخرى نورد منها:
1. ظهر الامام الخميني (رض) كقائد إسلامي في فترة كان الاستكبار العالمي قد أحكم قبضته على مصادر القوة في العالم وسيطر على مقدرات الشعوب وبدأ يحاول أن يسيطر على أفكارهم أيضاً وبث في قلوب المسلمين أن الدين عاجز عن قيادة البشرية فكان ظهور الامام الراحل (رض) نسفاً لكل الجهود الاستكبارية في هذا المجال.
2. الميزة الثانية في قيادة الامام الخميني العظيم أنه استطاع ان يكسر طوقاً قد ضُرب على رجالات الحوزة العلمية كردة فعل على الأحداث التي تلت ثورة العشرين الكبرى في العراق ، وتمكن بشجاعته وحكمته ان ينفذ من القيود التي كانت قد قيدت الكثير من رجالات الحوزة والتي منعتهم من التدخل في العمل السياسي بل وكان الكثير ينفر حتى من سماع كلمة سياسة.
3. الوضوح التام في حركته رضوان الله تعالى عليه من حيث تحديد الأهداف السامية والسبل الموصلة لها من جهة ومن حيث تحديد العدو والصديق ومعرفتهما من جهة اخرى وتحديد قدرات الأمة ومصادر قوتها وتشخيص نقاط ضعفها ومكامن وهنها من جهة ثالثة ، فكان قائداً يحسب لكل شيء حسابه وفق معطيات الواقع وبكل شجاعة.
4. الميزات الأخرى ولعلها الأهم في حركة وقيادة الامام الخميني (رض) كونه مع كل ما يتوفر عنده من معرفة بالواقع المعاصر والحكمة العالية التي يتعامل بها مع الأحداث إلاّ إنه كان يربط كل ذلك بالغيب والقوة الإلهية المطلقة فتجده قد جَمع بين حنكة السياسة وروح العارف السالك المرتبط بالله تعالى فهو راهب في الليل وفارس في النهار وفقيه اوحدي في درسه وسياسي مميز في ساحة السياسة لا تنطلي عليه مكائد الأعداء ولا تغره كثرة الاصدقاء يتحدث حديث الفاتحين وهو طريد أو سجين فيهزء ربما بكلامهِ قليل البصيرة وضعيف الايمان أما هو الذي التصق بالغيب التصاقاً وعاش مع مالك الملك قلباً وقالباً فلا يرى الامور إلاّ بتلك العين الصافية فلا زال هو مع الله فإنَّ الله معه هذا هو وعد الله الذي جعل من القادة الإلهيين قوةً لا تقهر ، فلسان حالهم يرد على كل من هالته قوة العدو فانزوى عن ميدان المواجهة ، أليس الله تعالى معنا؟ أليس هو الأقدر والأقوى؟ أليس قد وعد بنصرِ من ينصره؟ إذن فنحن الأقوى ونحن المنتصرون لإننا مع الله تعالى.
5. الميزة الخامسة التي وددنا الإشارة إليها أن الامام الخميني (رض) رغم كونه قائداً يمتلك جميع مقومات النجاح واستطاع ان يقودَ الشعب الايراني فيهزم الطاغوت ويذله وحقق نتائج سياسية غيّرت خارطة العالم السياسية إلاّ أنه ما كان ينظر الى جميع هذه النتائج كهدف أساسي في تحركاته وإنما كان هدفه الاساس والدائم والذي أعلن عنه مراراً كثيرة هو أداء التكليف وان يعمل ما يرى أن الله تعالى قد كلفه به أما النتائج صغيرة كانت ام كبيرة فهي على الله تعالى فاذا كانت النتيجة هي القتل او السجن في سبيل الله تعالى او كانت الانتصار وإقامة الدولة الاسلامية فعند الامام الخميني (رض) الأمر سيان لأن في النتيجة يوجد تكليف لابد من أدائه ...
6. الثقة العالية بالجماهير وقدرتها وإمكانيتها على تغيير الواقع وليس هذا التفاعل النوعي والمميز بين الامام الخميني (رض) وقواعده الجماهيرية بالأمر المبتدع أو الجديد وإنما هذه سنة عند جماهير شيعة أهل البيت عليهم السلام عبر التاريخ إلّا إنها تمر بحالات قوةٍ وضعف حسب تأثيرات الظروف الموضوعية ، إلّا إنّ الغالب عليها هو التفاعل والتصاق الأمة بعلماءها واحتضان العلماء لأبناء الأمة في مختلف الظروف وفي هذا الصدد يقول آية الله العظمى سماحة السيد كاظم الحائري (دام ظله):
إن الشيعة وفي طول تاريخهم امتلكوا عنصراً مهماً امتازوا به عمّن سواهم منحهم القدرة على الانتصار والعزّة وجعلهم مرفوعي الرأس دائماً وهو عنصر احترامهم وإطاعتهم للعلماء الذي تحوّل مع مرور الزمن الى سُنّة جارية لدى الشيعة ، وقد أعطى لهم وحدة كلمتهم وحقّق لهم انتصاراتهم بسبب أنّ العلماء الأعلام كانوا قادةً للمجتمع يتصدون لجميع أمورهم الفقهية والاجتماعية والسياسية ، ولهذا كان الناس يطيعونهم في كل الامور ، ليس استناداً الى الدليل الفقهي لولاية الفقيه ، بل استناداً الى الدور الاجتماعي والسياسي للفقهاء في المجتمع ، بالإضافة الى دورهم الديني المنصبّ على بيان أحكام الشريعة للمكلفين.
ولذا استطاع الفقهاء ان يقودوا ثورات كثيرة في الواقع الشيعي
اكدت حقيقة هذا الولاء ، والشواهد على ذلك كثيرة منها ثورة التنباك الشهيرة في ايران ، وثورة العشرين في العراق ، وأخيراً الثورة الاسلامية المباركة التي قامت واستمرت بفضل ولاية الفقيه المتمثّلة بالأمس القريب بالإمام الخميني الراحل (رض) وبالوقت الحاضر بسماحة آية الله السيد علي الخامنئي أدام الله ظلّه الوارف على رؤوس المسلمين([1]).
نكتفي بهذا القدر من مميزات قيادة الامام الخميني (رض) والتي ستكون بينة جلية من خلال متابعتنا لحياته ومواقفه....
[1] - الامامة وقيادة المجتمع ، آية الله السيد كاظم الحائري ، الطبعة الاولى / 1995 ، ص214.