ابن العودي النيلي
المولود 478
المتوفى ح 558
متى يشتفي من لاعج القلب مغرم * وقد لج في الهجران من ليس يرحم؟!
إذا هم أن يسلو أبي عن سلوه * فؤاد بنيران الأسى يتضرم
ويثنيه عن سلوانه لفضيلة * عهود التصابي والهوى المتقدم
رمته بلحظ لا يكاد سليمه * من الخبل والوجد المبرح يسلم
إذا ما تلظت في الحشا منه لوعة * طفتها دموع من أماقيه تسجم
مقيم على أسر الهوى وفؤاده * تغور به أيدي الهموم وقتهم
يجن الهوى عن عاذليه تجلدا * فيبدي جواه ما يجن ويكتم
يعلل نفسا بالأماني سقيمة * وحسبك من داء يصح ويسقم
وقد غفلت عنا الليالي وأصبحت * عيون العدى عن وصلنا وهي نوم
فكم من غصون قد ضممت ثديها * إلي وأفواه بها كنت ألثم
أجيل ذراعي لاهيا فوق منكب * وخصرا غدا من ثقله يتظلم
وأمتاح راحا من شنيب كأنه * من الدر والياقوت في السلك ينظم
فلما علاني الشيب وابيض عارضي * وبان الصبا واعوج مني المقوم
وأضحى مشيبي للعذار ملثما * به ولرأسي بالبياض يعمم
وأمسيت من وصل الغواني ممنعا * كأني من شيبي لديهن مجرم
بكيت على ما فات مني ندامة * كأني خنس في البكا أو متمم
وأصفيت مدحي للنبي وصنوه * وللنفر البيض الذين هم هم
هم التين والزيتون آل محمد * هم شجر الطوبى لمن يتفهم
هم جنة المأوى هم الحوض في غد * هم اللوح والسقف الرفيع المعظم
هم آل عمران هم الحج والنسا * هم سبأ والذاريات ومريم
هم آل ياسين وطاها وهل أتى * هم النحل والأنفال إن كنت تعلم
هم الآية الكبرى هم الركن والصفا * هم الحج والبيت العتيق المكرم
هم في غد سفن النجاة لمن وعى * هم العروة الوثقى التي ليس تفصم
هم الجنب جنب الله في البيت والورى * هم العين عين الله في الناس تعلم
هم الآل فينا والمعالي هم العلى * ينمم في منهاجهم حيث يمموا
هم الغاية القصوى هم منتهى العلى * سل النص في القرآن ينبئك عنهم
هم في غد للقادمين سقاتهم * إذا وردوا والحوض بالماء مفعم
فلولا هم لم يخلق الله خلقه * ولا هبطا للنسل حوا وآدم
هم باهلوا نجران من داخل العبا * فعاد المناوي فيهم وهو مفحم
وأقبل جبريل يقول مفاخرا * لميكال: من مثلي وقد صرت منهم؟!
فمن مثلهم في العالمين وقد غدا * لهم سيد الأملاك جبريل يخدم؟!
ومن ذا يساويهم بفضل ونعمة * من الناس والقرآن يؤخذ عنهم؟!
أبوهم أمير المؤمنين وجدهم * أبو القاسم الهادي النبي المكرم
هم شرعوا الدين الحنيفي والتقى * وقاموا بحكم الله من حيث يحكم
وخالهم إبراهيم والأم فاطم * وعمهم الطيار في الخلد ينعم
إلى الله أبرا من رجال تتابعوا * على قتلهم يا للورى كيف أقدموا؟!
حرموهم لذيذ الماء والورد مفعم * وأسقوهم كأس الردى وهو علقم
وعاثوا بآل المصطفى بعد موته * بما قتل الكرار بالأمس منهم
وثاروا عليه ثورة جاهلية * على أنه ما كان في القوم مسلم
وألقوهم في الغاضريات صرعا * كأنهم قف على الأرض جثم
تحاماهم وحش الفلا وتنوشهم * بأرياشها طير الفلا وهي حوم
بأسيافهم أردوهم ولدينهم * أريق بأطراف القنا منهم الدم
وما قدمت يوم الطفوف أمية * على السبط إلا بالذين تقدموا
وأنى لهم أن يبرأوا من دمائهم * وقد أسرجوها للخصام وألجموا
وقد علموا أن الولاء لحيدر * ولكنه ما زال يؤذى ويظلم
تعدوا عليه واستبدوا بظلمه * وأخر وهو السيد المتقدم
وقد زعموها فلتة كان بدؤها * وقال: اقتلوا من كان في ذاك يخصم
وأفضوا إلى الشورى بها بين ستة * وكان ابن عوف منهم المتوسم
وما قصدوا إلا ليقتل بينهم * علي وكان الله للطهر يعصم
وإلا فليث لا يقاس بأضبع * وأين من الشمس المنيرة أنجم؟!
فواعجبا من أين كانوا نظائرا؟! * وهل غيره طب من الغي فيهم؟!
ولكن أمور قدرت لضلالهم * ولله صنع في الإرادة محكم
عصوا ربهم فيه ضلالا فأهلكوا * كما هلكت من قبل عاد وجرهم
فما عذرهم للمصطفى في معادهم * إذا قال: لم خنتم عليا وجرتم؟!
وما عذرهم إن قال: ماذا صنعتم * بصنوي من بعدي؟! وماذا فعلتم؟!
عهدت إليكم بالقبول لأمره * فلم حلتم عن عهده وغدرتم؟!
نبذتم كتاب الله خلف ظهوركم * وخالفتموه؟ بئس ما قد صنعتم
وخلفت فيكم عترتي لهداكم * فكم قمتم في ظلهم وقعدتم؟!
قلبتم لهم ظهر المجن وجرتم * عليهم وإحساني إليكم كفرتم
وما زلتم بالقتل تطغون فيهم * إلى أن بلغتم فيهم ما أردتم
كأنهم كانوا من الروم فالتقت * سراياكم صلبانهم وظفرتم
ولكن أخذتم من بني بثأركم * فحسبكم خزيا على ما اجترأتم
منعتم تراثي ابنتي لا أبا لكم * فلم أنتم آباءكم قد ورثتم؟!
وقلتم: نبي لا تراث لولده * أللأجنبي الإرث فيما زعمتم؟!
فهذا سليمان لداود وارث * ويحيي لزكريا فلم ذا منعتم؟!
فإن كان منه للنبوة وارثا؟! * كما قد حكمتم في الفتاوى وقلتم
فقد ينبغي نسل النبيين كلهم * ومن جاء منهم بالنبوة يوسم
وقلتم: حرام متعة الحج والنسا * أعن ربكم؟! أم عنكم ما شرعتم؟!
زناتكم تعفون عنهم ومن أتى * إليكم من المستمتعين قتلتم
ألم يأت: ما استمتعتم من حليلة * فآتوا لها من أجرها ما فرضتم؟!
فهل نسخ القرآن ما كان قد أتى * بتحليله؟! أم أنتم قد نسختم؟!
وكل نبي جاء قبل وصيه * مطاع وأنتم للوصي عصيتم
ففعلكم في الدين أضحى منافيا * لفعلي وأمري غير ما قد أمرتم
وقلتم: مضى عنا بغير وصية * ألم يوص لو طاوعتم وامتثلتم؟!
وقد قال: من لم يوص من قبل موته * يمت جاهلا. بل أنتم قد جهلتم
نصبت لكم بعدي إماما يدلكم * على الله فاستكبرتم وظلمتم
وقد قلت في تقديمه وولائه * عليكم بما شاهدتم وسمعتم
علي غدا مني محلا وقربة * كهارون من موسى فلم عنه حلتم؟!
شقيتم به شقوى ثمود بصالح * وكل امرئ يبقى له ما يقدم
وملتم إلى الدنيا فضلت عقولكم * ألا كل مغرور بدنياه يندم
لحى الله قوما أجلبوا وتعاونوا * على (حيدر) فيما أساؤا وأجرموا
زووا عن أمير النحل بالظلم حقه * عنادا له والطهر يغضي ويكظم
وقد نصها يوم (الغدير) محمد * وقال: ألا يا أيها الناس فاعلموا
لقد جاءني في النص: بلغ رسالتي * وها أنا في تبليغها المتكلم
علي وصيي فاتبعوه فإنه * إمامكم بعدي إذا غبت عنكم
فقالوا: رضيناه إماما وحاكما * علينا ومولى وهو فينا المحكم
رأوا رشدهم في ذلك اليوم وحده * ولكنهم عن رشدهم في غد عموا
فلما توفي المصطفى قال بعضهم: * أيحكم فينا؟ لا، وباللات نقسم
ونازعه فيها رجال ولم يكن * لهم قدم فيها ولا متقدم
وظلوا عليها عاكفين كأنهم * على غرة كل لها يتوسم
يقيم حدود الله في غير حقها * ويفتي إذا استفتي بما ليس يعلم
يكفر هذا رأي هذا بقوله * وينقض هذا ما له ذاك يبرم
وقالوا: اختلاف الناس في الفقه رحمة * فلم يك من هذا يحل ويحرم
أربان للانسان؟! أم كان دينهم * على النقص من دون الكمال فتمموا؟!
أم الله لا يرضى بشرع نبيه * فعادوا وهم في ذاك بالشرع أقوم؟!
أم المصطفى قد كان في وحي ربه * ينقص في تبليغه ويجمجم؟!
أم القوم كانوا أنبياءا صوامتا * فلما مضى المبعوث عنهم تكلموا؟!
أم الشرع فيه كان زيغ عن الهدى * فسووه من بعد النبي وقوموا؟!
أم الدين لم يكمل على عهد أحمد * فعادوا عليه بالكمال وأحكموا؟!
100 أما قال: إني اليوم أكملت دينكم * وأتممت بالنعماء مني عليكم؟!
وقال: أطيعوا الله ثم رسوله * تفوزوا ولا تعصوا أولي الأمر منكم
فلم حرموا ما كان حلا؟! وحللوا * بفتواهم ما جاز وهو محرم؟!
لقد أبدعوا مما نووا من خلافهم * وقال: اقبلوا مما يقول وسلموا
وإلا تركتم إن أبيتم رماحنا * وأسيافنا فيكم تسدى وتلحم
وما مات حتى أكمل الله دينه * ولم يبق أمر بعد ذلك مبهم
ولكن حقود أظهرت وضغائن * وبغي وجور بين الظلم منهم
يقرب مفضول ويبعد فاضل * ويسكت منطيق وينطق أبكم
وما أخروا فيها عليا لموجب * ولكن تعد منهم وتظلم
وكم شرعوا في نقض ما شاد أحمد * ولكن دين الله لا يتهدم
وحاشى لدين شيد الحق ركنه * بسيف علي يعتريه التهدم
فحسبهم في ظلم (آل محمد) * من الله في العقبى عقاب ومأثم
فإن غصبوهم أمر دنيا دنية * فما لهم في الحشر أبقى وأدوم
فهل عظمت في الدهر قط مصيبة * على الناس إلا وهي في الدين أعظم؟!
تولى بإجماع على الناس أول * ونص على الثاني بها وهو مغرم
وقال: أقيلوني فلست بخيركم * فلم نصها لو صح ما كان يزعم؟!
وأثبتها في جوره بعد موته * صهاكية خشناء للخصم تكلم
ولو أدرك الثاني لمولى حذيفة * لولاه دون الغير والأنف يرغم
وقد نالها شورى من القوم ثالث * وجرد سيف للوصي ولهذم
أشورى؟ وإجماع؟ ونص؟ خلافة * تعالوا على الاسلام نبكي ونلطم
وصاحبها المنصوص عنها بمعزل * يديم تلاوات الكتاب ويختم
ولو أنه كان المولى عليهم * إذن لهداهم فهو بالأمر أعلم
هو العالم الحبر الذي ليس مثله * هو البطل القرم الهزبر الغشمشم
وما زال في بدر واحد وخيبر * يفل جيوش المشركين ويحطم
يكر ويعلوهم بقائم سيفه * إلى أن أطاعوا مكرهين وأسلموا
وما دخلوا الاسلام دينا وإنما * منافقة كي يرفع السيف عنهم
وقالوا: علي كان في الحكم ظالما * ليكثر بالدعوى عليه التظلم
وقالوا: دماء المسلمين أراقها * وقد كان في القتلى برئ ومجرم
فقلت لهم: مهلا عدمتم صوابكم * وصي النبي المصطفى كيف يظلم
أراق دماء المسلمين؟! فوالذي * هدانا به ما كان في القوم مسلم
ولكنه للناكثين بعهده * وممن تعدى منهم كان ينقمأم كان جبريل يوهم؟!
أما قال: أقضاكم علي محمد * كذا قد رواه الناقد المتقدم
فإن جار ظلما في القضايا بزعمكم * علي فمن زكاه لا شك أظلم
فيا ليتني قد كنت بالأمس حاضرا * فأشركه في قتلهم وأصمم
وألقى إلهي دونهم بدمائهم * فننظر عند الله من يتندم
فمن كعلي عند كل ملمة * إذا ما التقى الجمعان والنقع مفعم؟
ومن ذا يساميه بعلم ولم يزل * يقول: سلوني ما يحل ويحرم؟!
سلوني ففي جنبي علم ورثته * عن المصطفى ما فاه مني به الفم
سلوني عن طرق السموات إنني * بها من سلوك الأرض والطرق أعلم
ولو كشف الله الغطا لم أزد به * يقينا على ما كنت أدري وأعلم
وكأين له من آية وفضيلة * ومن مكرمات ما تعم وتكتم
فمن ختمت أعماله عند موته * بخير فأعمالي بحبيه تختم
فيا رب بالأشباح (آل محمد) * نجوم الهدى للناس والأفق مظلم
وبالقائم المهدي من (آل أحمد) * وآبائه الهادين والحق معصم
تفضل على (العودي) منك برحمة * فأنت إذا استرحمت تعفو وترحم
تجاوز بحسن العفو عن سيئاته * إذا ما تلظت في المعاد جهنم
ومن عليه من لدنك برأفة * فإنك أنت المنعم المتكرم
فإن كان لي ذنب عظيم جنيته * فعفوك والغفران لي منه أعظم
وإن كنت بالتشبيب في الشعر أبتدي * فإني بمدح الصفوة الزهر أختم
المولود 478
المتوفى ح 558
متى يشتفي من لاعج القلب مغرم * وقد لج في الهجران من ليس يرحم؟!
إذا هم أن يسلو أبي عن سلوه * فؤاد بنيران الأسى يتضرم
ويثنيه عن سلوانه لفضيلة * عهود التصابي والهوى المتقدم
رمته بلحظ لا يكاد سليمه * من الخبل والوجد المبرح يسلم
إذا ما تلظت في الحشا منه لوعة * طفتها دموع من أماقيه تسجم
مقيم على أسر الهوى وفؤاده * تغور به أيدي الهموم وقتهم
يجن الهوى عن عاذليه تجلدا * فيبدي جواه ما يجن ويكتم
يعلل نفسا بالأماني سقيمة * وحسبك من داء يصح ويسقم
وقد غفلت عنا الليالي وأصبحت * عيون العدى عن وصلنا وهي نوم
فكم من غصون قد ضممت ثديها * إلي وأفواه بها كنت ألثم
أجيل ذراعي لاهيا فوق منكب * وخصرا غدا من ثقله يتظلم
وأمتاح راحا من شنيب كأنه * من الدر والياقوت في السلك ينظم
فلما علاني الشيب وابيض عارضي * وبان الصبا واعوج مني المقوم
وأضحى مشيبي للعذار ملثما * به ولرأسي بالبياض يعمم
وأمسيت من وصل الغواني ممنعا * كأني من شيبي لديهن مجرم
بكيت على ما فات مني ندامة * كأني خنس في البكا أو متمم
وأصفيت مدحي للنبي وصنوه * وللنفر البيض الذين هم هم
هم التين والزيتون آل محمد * هم شجر الطوبى لمن يتفهم
هم جنة المأوى هم الحوض في غد * هم اللوح والسقف الرفيع المعظم
هم آل عمران هم الحج والنسا * هم سبأ والذاريات ومريم
هم آل ياسين وطاها وهل أتى * هم النحل والأنفال إن كنت تعلم
هم الآية الكبرى هم الركن والصفا * هم الحج والبيت العتيق المكرم
هم في غد سفن النجاة لمن وعى * هم العروة الوثقى التي ليس تفصم
هم الجنب جنب الله في البيت والورى * هم العين عين الله في الناس تعلم
هم الآل فينا والمعالي هم العلى * ينمم في منهاجهم حيث يمموا
هم الغاية القصوى هم منتهى العلى * سل النص في القرآن ينبئك عنهم
هم في غد للقادمين سقاتهم * إذا وردوا والحوض بالماء مفعم
فلولا هم لم يخلق الله خلقه * ولا هبطا للنسل حوا وآدم
هم باهلوا نجران من داخل العبا * فعاد المناوي فيهم وهو مفحم
وأقبل جبريل يقول مفاخرا * لميكال: من مثلي وقد صرت منهم؟!
فمن مثلهم في العالمين وقد غدا * لهم سيد الأملاك جبريل يخدم؟!
ومن ذا يساويهم بفضل ونعمة * من الناس والقرآن يؤخذ عنهم؟!
أبوهم أمير المؤمنين وجدهم * أبو القاسم الهادي النبي المكرم
هم شرعوا الدين الحنيفي والتقى * وقاموا بحكم الله من حيث يحكم
وخالهم إبراهيم والأم فاطم * وعمهم الطيار في الخلد ينعم
إلى الله أبرا من رجال تتابعوا * على قتلهم يا للورى كيف أقدموا؟!
حرموهم لذيذ الماء والورد مفعم * وأسقوهم كأس الردى وهو علقم
وعاثوا بآل المصطفى بعد موته * بما قتل الكرار بالأمس منهم
وثاروا عليه ثورة جاهلية * على أنه ما كان في القوم مسلم
وألقوهم في الغاضريات صرعا * كأنهم قف على الأرض جثم
تحاماهم وحش الفلا وتنوشهم * بأرياشها طير الفلا وهي حوم
بأسيافهم أردوهم ولدينهم * أريق بأطراف القنا منهم الدم
وما قدمت يوم الطفوف أمية * على السبط إلا بالذين تقدموا
وأنى لهم أن يبرأوا من دمائهم * وقد أسرجوها للخصام وألجموا
وقد علموا أن الولاء لحيدر * ولكنه ما زال يؤذى ويظلم
تعدوا عليه واستبدوا بظلمه * وأخر وهو السيد المتقدم
وقد زعموها فلتة كان بدؤها * وقال: اقتلوا من كان في ذاك يخصم
وأفضوا إلى الشورى بها بين ستة * وكان ابن عوف منهم المتوسم
وما قصدوا إلا ليقتل بينهم * علي وكان الله للطهر يعصم
وإلا فليث لا يقاس بأضبع * وأين من الشمس المنيرة أنجم؟!
فواعجبا من أين كانوا نظائرا؟! * وهل غيره طب من الغي فيهم؟!
ولكن أمور قدرت لضلالهم * ولله صنع في الإرادة محكم
عصوا ربهم فيه ضلالا فأهلكوا * كما هلكت من قبل عاد وجرهم
فما عذرهم للمصطفى في معادهم * إذا قال: لم خنتم عليا وجرتم؟!
وما عذرهم إن قال: ماذا صنعتم * بصنوي من بعدي؟! وماذا فعلتم؟!
عهدت إليكم بالقبول لأمره * فلم حلتم عن عهده وغدرتم؟!
نبذتم كتاب الله خلف ظهوركم * وخالفتموه؟ بئس ما قد صنعتم
وخلفت فيكم عترتي لهداكم * فكم قمتم في ظلهم وقعدتم؟!
قلبتم لهم ظهر المجن وجرتم * عليهم وإحساني إليكم كفرتم
وما زلتم بالقتل تطغون فيهم * إلى أن بلغتم فيهم ما أردتم
كأنهم كانوا من الروم فالتقت * سراياكم صلبانهم وظفرتم
ولكن أخذتم من بني بثأركم * فحسبكم خزيا على ما اجترأتم
منعتم تراثي ابنتي لا أبا لكم * فلم أنتم آباءكم قد ورثتم؟!
وقلتم: نبي لا تراث لولده * أللأجنبي الإرث فيما زعمتم؟!
فهذا سليمان لداود وارث * ويحيي لزكريا فلم ذا منعتم؟!
فإن كان منه للنبوة وارثا؟! * كما قد حكمتم في الفتاوى وقلتم
فقد ينبغي نسل النبيين كلهم * ومن جاء منهم بالنبوة يوسم
وقلتم: حرام متعة الحج والنسا * أعن ربكم؟! أم عنكم ما شرعتم؟!
زناتكم تعفون عنهم ومن أتى * إليكم من المستمتعين قتلتم
ألم يأت: ما استمتعتم من حليلة * فآتوا لها من أجرها ما فرضتم؟!
فهل نسخ القرآن ما كان قد أتى * بتحليله؟! أم أنتم قد نسختم؟!
وكل نبي جاء قبل وصيه * مطاع وأنتم للوصي عصيتم
ففعلكم في الدين أضحى منافيا * لفعلي وأمري غير ما قد أمرتم
وقلتم: مضى عنا بغير وصية * ألم يوص لو طاوعتم وامتثلتم؟!
وقد قال: من لم يوص من قبل موته * يمت جاهلا. بل أنتم قد جهلتم
نصبت لكم بعدي إماما يدلكم * على الله فاستكبرتم وظلمتم
وقد قلت في تقديمه وولائه * عليكم بما شاهدتم وسمعتم
علي غدا مني محلا وقربة * كهارون من موسى فلم عنه حلتم؟!
شقيتم به شقوى ثمود بصالح * وكل امرئ يبقى له ما يقدم
وملتم إلى الدنيا فضلت عقولكم * ألا كل مغرور بدنياه يندم
لحى الله قوما أجلبوا وتعاونوا * على (حيدر) فيما أساؤا وأجرموا
زووا عن أمير النحل بالظلم حقه * عنادا له والطهر يغضي ويكظم
وقد نصها يوم (الغدير) محمد * وقال: ألا يا أيها الناس فاعلموا
لقد جاءني في النص: بلغ رسالتي * وها أنا في تبليغها المتكلم
علي وصيي فاتبعوه فإنه * إمامكم بعدي إذا غبت عنكم
فقالوا: رضيناه إماما وحاكما * علينا ومولى وهو فينا المحكم
رأوا رشدهم في ذلك اليوم وحده * ولكنهم عن رشدهم في غد عموا
فلما توفي المصطفى قال بعضهم: * أيحكم فينا؟ لا، وباللات نقسم
ونازعه فيها رجال ولم يكن * لهم قدم فيها ولا متقدم
وظلوا عليها عاكفين كأنهم * على غرة كل لها يتوسم
يقيم حدود الله في غير حقها * ويفتي إذا استفتي بما ليس يعلم
يكفر هذا رأي هذا بقوله * وينقض هذا ما له ذاك يبرم
وقالوا: اختلاف الناس في الفقه رحمة * فلم يك من هذا يحل ويحرم
أربان للانسان؟! أم كان دينهم * على النقص من دون الكمال فتمموا؟!
أم الله لا يرضى بشرع نبيه * فعادوا وهم في ذاك بالشرع أقوم؟!
أم المصطفى قد كان في وحي ربه * ينقص في تبليغه ويجمجم؟!
أم القوم كانوا أنبياءا صوامتا * فلما مضى المبعوث عنهم تكلموا؟!
أم الشرع فيه كان زيغ عن الهدى * فسووه من بعد النبي وقوموا؟!
أم الدين لم يكمل على عهد أحمد * فعادوا عليه بالكمال وأحكموا؟!
100 أما قال: إني اليوم أكملت دينكم * وأتممت بالنعماء مني عليكم؟!
وقال: أطيعوا الله ثم رسوله * تفوزوا ولا تعصوا أولي الأمر منكم
فلم حرموا ما كان حلا؟! وحللوا * بفتواهم ما جاز وهو محرم؟!
لقد أبدعوا مما نووا من خلافهم * وقال: اقبلوا مما يقول وسلموا
وإلا تركتم إن أبيتم رماحنا * وأسيافنا فيكم تسدى وتلحم
وما مات حتى أكمل الله دينه * ولم يبق أمر بعد ذلك مبهم
ولكن حقود أظهرت وضغائن * وبغي وجور بين الظلم منهم
يقرب مفضول ويبعد فاضل * ويسكت منطيق وينطق أبكم
وما أخروا فيها عليا لموجب * ولكن تعد منهم وتظلم
وكم شرعوا في نقض ما شاد أحمد * ولكن دين الله لا يتهدم
وحاشى لدين شيد الحق ركنه * بسيف علي يعتريه التهدم
فحسبهم في ظلم (آل محمد) * من الله في العقبى عقاب ومأثم
فإن غصبوهم أمر دنيا دنية * فما لهم في الحشر أبقى وأدوم
فهل عظمت في الدهر قط مصيبة * على الناس إلا وهي في الدين أعظم؟!
تولى بإجماع على الناس أول * ونص على الثاني بها وهو مغرم
وقال: أقيلوني فلست بخيركم * فلم نصها لو صح ما كان يزعم؟!
وأثبتها في جوره بعد موته * صهاكية خشناء للخصم تكلم
ولو أدرك الثاني لمولى حذيفة * لولاه دون الغير والأنف يرغم
وقد نالها شورى من القوم ثالث * وجرد سيف للوصي ولهذم
أشورى؟ وإجماع؟ ونص؟ خلافة * تعالوا على الاسلام نبكي ونلطم
وصاحبها المنصوص عنها بمعزل * يديم تلاوات الكتاب ويختم
ولو أنه كان المولى عليهم * إذن لهداهم فهو بالأمر أعلم
هو العالم الحبر الذي ليس مثله * هو البطل القرم الهزبر الغشمشم
وما زال في بدر واحد وخيبر * يفل جيوش المشركين ويحطم
يكر ويعلوهم بقائم سيفه * إلى أن أطاعوا مكرهين وأسلموا
وما دخلوا الاسلام دينا وإنما * منافقة كي يرفع السيف عنهم
وقالوا: علي كان في الحكم ظالما * ليكثر بالدعوى عليه التظلم
وقالوا: دماء المسلمين أراقها * وقد كان في القتلى برئ ومجرم
فقلت لهم: مهلا عدمتم صوابكم * وصي النبي المصطفى كيف يظلم
أراق دماء المسلمين؟! فوالذي * هدانا به ما كان في القوم مسلم
ولكنه للناكثين بعهده * وممن تعدى منهم كان ينقمأم كان جبريل يوهم؟!
أما قال: أقضاكم علي محمد * كذا قد رواه الناقد المتقدم
فإن جار ظلما في القضايا بزعمكم * علي فمن زكاه لا شك أظلم
فيا ليتني قد كنت بالأمس حاضرا * فأشركه في قتلهم وأصمم
وألقى إلهي دونهم بدمائهم * فننظر عند الله من يتندم
فمن كعلي عند كل ملمة * إذا ما التقى الجمعان والنقع مفعم؟
ومن ذا يساميه بعلم ولم يزل * يقول: سلوني ما يحل ويحرم؟!
سلوني ففي جنبي علم ورثته * عن المصطفى ما فاه مني به الفم
سلوني عن طرق السموات إنني * بها من سلوك الأرض والطرق أعلم
ولو كشف الله الغطا لم أزد به * يقينا على ما كنت أدري وأعلم
وكأين له من آية وفضيلة * ومن مكرمات ما تعم وتكتم
فمن ختمت أعماله عند موته * بخير فأعمالي بحبيه تختم
فيا رب بالأشباح (آل محمد) * نجوم الهدى للناس والأفق مظلم
وبالقائم المهدي من (آل أحمد) * وآبائه الهادين والحق معصم
تفضل على (العودي) منك برحمة * فأنت إذا استرحمت تعفو وترحم
تجاوز بحسن العفو عن سيئاته * إذا ما تلظت في المعاد جهنم
ومن عليه من لدنك برأفة * فإنك أنت المنعم المتكرم
فإن كان لي ذنب عظيم جنيته * فعفوك والغفران لي منه أعظم
وإن كنت بالتشبيب في الشعر أبتدي * فإني بمدح الصفوة الزهر أختم