إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

كتاب محنة أمير المؤمنين عليه السلام بعد وفاة الرسول (ص)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كتاب محنة أمير المؤمنين عليه السلام بعد وفاة الرسول (ص)


    بسم الله الرحمن الرحيم
    كتاب محنة أمير المؤمنين عليه السلام بعد وفاة الرسول (ص)
    الاولى والثانية

    أما أولهن فإنه لم يكن لي خاصة دون المسلمين عامة أحد آنس به ولا أعتمد عليه ولا أستنيم إليه (1) ولا أتقرب إلى الله بطاعته ولا أنهج به في السراء ولا أستريح إليه في الضراء غير رسول الله صلى الله عليه وآله وهو رباني صغيرا " وبوأني كبيرا " وكفاني العيلة وجبرني من اليتم و أغناني عن الطلب ووقاني المكسب وعال لي النفس والأهل والولد هذا في تصاريف أمر الدنيا مع ما خصني به من الدرجات التي قادتني إلى معالي الحظوة عند الله (2) فنزل بي بوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله ما لم أكن أظن أن الجبال لو حملت عنوة (3) كانت لتنهض به، فرأيت الناس من أهلي من بين جازع لا يملك جزعه ولا يضبط نفسه ولا يقوي على حمل فادح (4) ما نزل به قد أذهب الجزع صبره وأذهل عقله وحال بينه وبين الفهم والإفهام والقول والاستمتاع و سائر الناس من [غير] بني عبد المطلب بين معز يأمر بالصبر وبين مساعد باك لبكائهم، جازع لجزعهم، وحملت نفسي على الصبر بعد وفاته لزمت الصمت والاشتغال بما أمرني الله به من تجهيزه وتغسيله وتحنيطه وتكفينه والصلاة عليه ووضعه في حفرته وجمع أمانة الله وكتابه وعهده الذي حملناه إلى خلقه واستودعناه فيهم لا يشغلني عن ذلك بادر دمعة ولا هائج زفرة ولا لاذع حرقة ولا جليل مصيبة (5) حتى أديت في ذلك الحق الواجب لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وآله علي، وبلغت منه الذي أمرني به، فاحتملته صابرا " محتسبا ".
    ثم التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.
    وأما الثانية يا أخا اليهود فإن رسول الله صلى الله عليه وآله أمرني في حياته على جميع أمته و أخذ على من حضره منهم البيعة بالسمع والطاعة لأمري، وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب في ذلك، فكنت المؤدي إليهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله أمره إذا حضرته والأمير على من حضرني منهم إذا فارقته لا تختلج في نفسي منازعة أحد من الخلق لي في شئ من الأمور في حياة النبي صلى الله عليه وآله ولا بعد وفاته، ثم أمر الله رسوله بتوجيه الجيش الذي وجهه مع أسامة بن زيد عند الذي أحدث الله له من المرض الذي توفاه فيه فلم يدع النبي صلى الله عليه وآله أحدا " من قبائل العرب و قريش والأوس والخزرج وغيرهم من سائر الناس ممن يخاف علي نقضه أو منازعته ولا أحدا " ممن يراني بعين البغضاء ممن قد قهرته بقتل أبيه أو أخيه أو حميمه إلا وجهه في ذلك الجيش ولا من المهاجرين والأنصار والمسلمين وغيرهم من المؤلفة قلوبهم والمنافقين لتصفو قلوب من يبقى معي بحضرته ولئلا يقول قائل شيئا " مما أكره في جواره ولا يدفعني دافع عن الولاية والقيام بأمر رعيته وأمته من بعده، ثم كان آخر ما تكلم به في شئ من أمر أمته أن يمضي جيش أسامة ولا يتخلف عنه أحد ممن انهض معه وتقدم في ذلك الجيش أشد التقدم وأو عز فيه أبلغ الإيعاز وأكد فيه أكثر التأكيد، فلم أشعر بعد أن قبض رسول الله صلى الله عليه وآله إلا برجال ممن بعث مع أسامة وأهل عسكره قد تركوا مراكزهم، وأخلوا مواضعهم، وخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله فيما أنهضهم له وأمرهم به وتقدم إليهم في ملازمة أميرهم والمسير معه تحت لوائه ينفذ لوجهه الذي نفذه إليه فخلفوا أميرهم مقيما " في عسكره وأقبلوا يتبادرون على الحيل ركضا " إلى حل عقدة عقدها الله لي ورسوله صلى الله عليه وآله في أعناقهم فحلوها، وعهد عاهد الله ورسوله فنكثوه، وعقدوا لأنفسهم عقدا " ضجت به أصواتهم واختصت به آراؤهم من غير مناظرة لأحد منا بني عبد المطلب، أو مشاركة في رأي أو استقامة لما في أعناقهم من بيعتي فعلوا ذلك وأنا برسول الله صلى الله عليه وآله مشغول وبتجهيزه عن سائر الأشياء مصدود، فإنه كان أهمها وأحق ما بدئ به منها، فكانت هذه يا أخا اليهود أفدح (6) ما يرد على قلبي مع الذي أنا فيه من عظيم الرزية، ومفاجع المصيبة، وفقد من لا خلف له إلا الله، فصبرت عليها إذ أتت بعد أختها على تقاربها وسرعة اتصالها.
    ثم التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.
    -----------------------------------------------------

    (1) استنام الرجل: نام وطلب النوم وتظاهر بالنوم كذبا "، واستنام إليه: سكن إليه سكون النائم، واستنام إلى الشئ: استأنس به.
    (2) الحظوة - بالضم والكسر -: المكانة والمنزلة عند الناس.


    (3) العنوة: أخذ الشئ قهرا " وقسرا ". وفي نسخة [ما لم أكن أظن أن الجبال لو حملت عشره كانت لتنهض به].
    (4) الفادح: الصعب المثقل، يقال: نزل به أمر فادح وركبه دين فادح.
    (5) " بادر دمعة " أي الدمعة التي تبدو بغير اختيار. والزفرة - بالفتح وقد يضم -: النفس الطويل. ولذع الحب قلبه: آلمه، والنار الشئ: لفحته. وأوعز إليه في كذا أي تقدم.


    (6) أي أثقل.


يعمل...
X