بعد ان ثبت بوضوح فشل الاطروحه العلميه لقياده العالم، وان المهم في الامر هو وجود النظام الصالح والقانون العادل الذي ينسق شوون المجتمع والبشريه ويسهل حصولها علي آمالها وازاله آلامها.
اذن فالقائد الرئيس للبشريه نحو الافضل هو القانون نفسه... وهو الذي سيكفل للبشر مستقبلهم السعيد.
فان البشريه كانت ولا زالت، تمر في تاريخها الطويل بتجارب ومشكل تكون هي الكفيل الاساسي لرقي الفكر القانوني. وذلك بعد مرور الفكر القانوني بمرحلتين:
المرحله الاولي: التعرف بوضوح علي المشكل العامه والخاصه السائده في المجتمع، ومحاوله فهمها فهما عميقا كاملا والاطلاع بها علي اسبابها ونتائجها بكل دقه، وكلما اتسع الوعي الفكري للانسان علي واقعه بما فيه من مشكل وآلام، ساعد ذلك علي تربيه الجانب القانوني فيه.
المرحله الثانيه: محاوله التعمق، في معرفه الحلول الممكنه لهذه المشكل المعروضه، والاطلاع علي اساليب عامه وفعاله في ازاله المصاعب وتذليل العقبات، ومن ثم الى تحضير الرفاه والعداله في المجتمع.
فاذا استطاع المفكر القانوني، ان يمر بكلتي المرحلتين، بشكل دقيق وشامل، استطاع - لا محاله - ان يصل الى وضع القانون العادل الذي يكفل السعاده والرفاه الدائم.
وقد كان ولا زال الفكر القانوني البشري، في طريق التربيه والتكامل باستمرار، من كلتا الجهتين، نتيجه لم تعطه التجارب الاجتماعيه من دقه وثراء.
وبذلك يثري الفهم الفقهي القانوني، فتعطي التعاريف والتفاسير بشكل ادق شيئا فشيئا، سواء في ذلك من ناحيه القانون المدني او العسكري او الدولي، او قوانين العقوبات او الاحوال الشخصيه... او غيرها.
وقد وصل القانون في العصر الحاضر الى مراتب عليا، حتى اصبح من ادق العلوم الانسانيه. وان كنا قد نجد فيه بعض النواقص والاختلافات بين المفكرين في جمله من حقوله... فان التكامل التدريجي للقانون، من خلال التجارب الطويله كفيل بان يزيل هذا النقص ويزيد في ادرك الفكر القانوني لتلك المرحلتين الاساسيتين، مما يفتح امام القانون فرصه الوصول التدريجي الى ادرك العدل الحقيقي، والتذليل الكامل للمشكل البشريه.
حيث لا يكون المقصود، تعيين فتره معينه لهذا التكامل، فان من الممكن ان يصل القانون الى النتيجه الكبري، في فتره مقبله من الدهر، مهما طالت.
واذا وصل القانون الى درجه الفهم الكامل للعدل، وامكن تطبيقه في المجتمع البشري، كان هذا هو المستقبل السعيد الموعود الذي يعم فيه الرفاه والسعاده ربوع المجتمع البشري كله.
وبهذا يتم البرهان علي الاطروحه الثانيه.
المناقشه:
غير انه يمكن المناقشه في هذه النتيجه بالرغم من اهميتها، بعده مناقشات اساسيه:
المناقشه الاولي:
وهي عجز الفكر البشري القانوني عن ادرك مصالحه الحقيقه وادرك العدل، وبالتالي انه يعتذر عليه تغطيه مرحله التعرف علي المشكل العامه والخاصه ومحاوله فهم اسبابها ونتائجها بدقه.
والتعرف علي الحلول الممكنه لهذه المشكل المعروضه، وايجاد اساليب فعاله في ازاله المصاعب لاحراز العدل الكامل.
بل يتحقق هذا الامر فقط عن طريق الحكمه الالهيه والوحي من وراء الطبيعه. واما الفهم البشري المنفصل عن الوحي - كما هو مفروض هذه الاطروحه - فيتعذر عليه ذلك حال.
المناقشه الثانيه:
انه من الصعب ان نتصور ان في مستطاع الفكر القانوني البشري ان يثري ويتكامل باستمرار، حتى يصل الى ادرك العدل المطلق.
وذلك لان المفكر القانوني فردا كان او جماعه، فانه يحيا في المجتمع كاي انسان آخر، له مصالحه وارتباطاته وعلاقاته وموارده الاقتصاديه، وغير ذلك. وهو يود في كل ذلك طبقا لحب الخير لنفسه ان ينجح في كل الحقول، وان يتوفق فيها احسن توفيق، ويتقدم علي غيره من الناس مهما امكن.
واذا كان المفكر القانوني، ذا اتجاه عقائي او سياسي معين، كان - لا محاله - متحمسا لذلك الاتجاه، يود فوزه وسيطرته علي الآخرين ويري اندحاره وخيبته كابوسا مزعجا.
وعلي كل حال يكون الفرد القانوني، ذا تكوين نفسي واتجاه اجتماعي معين يستحيل عليه ان يعزله عن فكره القانوني وعن ادركه للمصالح والمفاسد العامه. ومهما حاول الفرد اتخاذ المسلك الموضوعي والتجرد عن الانانيه والتعصب، وتصور مصالح الاخرين بمعزل عن مصالح نفسه؛ فانه فاشل وخاطيء، فان الاشعور والضغوط والملابسات العامه والخاصه والتاريخ الذي عاشه، يفرض نفسه عليه من حيث يدري او لا يدري.
المناقشه الثالثه:
ان التكامل في الفكر القانوني، كما شهدناه في عالم الامس واليوم اصبح ذا شعب وانشقاقات، فما هو عدل منه هولاء هو ظلم عند آخرين وما هو مصلحه عند قوم هو مفسده لدي آخرين، وما هو تجرد وموضوعيه عند بعضهم، هو عين الانانيه والتعصب عند البعض الآخرين... وهكذا.
يكفينا انشقاق القانون المدني، الى روماني وجرماني، وهما يختلفان في المفاهيم الاوليه لتفسيرها وتعريفها، فضلا عن التفاصيل، وكذلك انشقاق الاتجاه الاقتصادي الى راسماليه واشتركيه، وهما يتخلفان في وجه نظهما الى الانتاج والتوزيع اختلافا جوهريا، وكذلك اختلاف الدول - وان اتفقت في المباديء- في قوانين الاحوال الشخصيه وقوانين العقوبات وغيرها.
فاي هذه الانشقاقات يرجي لها الكمال؟! ان النظر العقلي المجرد لا يري احد الشقين او احد الخصمين او التفسيرين اولي من الآخر، واما الفرد المومن باحدهما فيري قانونه هو الكامل ويتعصب له، ويبقي التكتل والانشقاق بين البشر موجودا، ومع تفشيه يستحيل الوصول الى العدل العالمي المطلوب.
ومن المعتذر حقا ان نزعم ان الفكر القانوني بتكامله ومروره بالتجارب المتكثره سوف يتوحد في العالم، ويرتفع الخلاف بين القانونين.
ان هذا الافتراض مخالف لطبيعه الاشياء وطبيعه الانسان.
واذا لم توجد الوحده في الفكر القانوني، وكان من المعتذر وجودها، يستحيل علي الدوله بكل هيمنتها وهيبتها وموسساتها، ان تضمن ذلك.
ولئن ضمنته حينا، فلن تستطيع ذلك دائما، ولئن استطاعته دائما، في فرد او جماعه معينه، فلن تستطيعه في كل الشعب. كما لن تستطيع تطبيق القانون من قناعه عامه به وعن تجاوب قلبي معه، وانما سوف يطبق القانون بمقدار ما تقتضيه القوه من ناحيه، والمصالح الشخصيه للافراد من ناحيه اخرى يدفعون به عن انفسهم العقاب، او ينالون به شيئا من الفوائد.
واذا كان الناس هكذا وهم دوما لهم نفس الموقف تجاه القانون البشري اذن فلا يمكن ان نتوقع لهذا القانون في يوم من الايام، ان يضمن لنفسه التطبيق الكامل المطلوب.
في الاديان الالهية
ان جميع الديانات الالهيه - خاصه اليهوديه والمسيحيه والاسلام - تعتقد بان هنك مستقبلا سعيدا للبشريه، وما يحقق هذه السعاده هي العداله، عداله الهيه من طرف السماء ضمن قانون الهي وهو الدين.
ومن يقوم باعباء هذه المسووليه هو رجل من عباد الله الصالحين والذي يتم اختياره من طرف السماء لتحقيق العداله باقامته للدوله العالميه الموحده ويسمي بالمنقذ العالمي.
في التوراة
يذكر في كتاب التوراه الموجود في ايدي اليهود بشاره عن ظهور المنقذ في آخر الزمان لانقاذ العالم ويذكر في زبور داوود بعنوان - مزامير - نهايه الاشرار الى الفناء، واما اهل التوكل علي الله سيرثون الارض، وان الصديقن سيرثون الارض ابدا ودائما، وفي مكان آخر وفصل آخر.
في ايامه ينتشر السلام ويحكم علي الارض الى اقصاها، وجميع الملوك تخضع امامه، وينتهي عذاب الفقراء والمسكين الذين لم يكن لندائهم جواب ويرحم الذليل وينقذ ارواحهم من الظلم والعذاب، اسمه يبقي الى الابد مثل الشمس، ويتبرك الناس به وبوجوده.(1)
في الانجيل
يذكر في انجيل لوقا: تظهر العلامات في القمر والنجوم والارض وتعيش الامم في حيره، وتضعف قلوبهم من الخوف والانتظار، عندها يظهر ابن الانسان علي سحابه بكل قوه وجلال.(2)
في القرآن
اما كتاب المسلمين وهو القرآن فقد تنبا بمستقبل البشريه نحو السعاده ببركه العداله الالهيه.
قال تعالى: (ونريد ان نمن علي الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمه ونجعلهم الوارثين.(3)
قال الامام علي عليه السلام في معنى هذه الآيه: هم آل محمد يبعث الله مهديهم بعد جهدهم، فيعزهم ويذل عدوهم(4)
وقوله تعالى:
(وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكن لهم دينهم الذي ارتضي لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فاولئك هم الفاسقون).(5)
فهذا وعد صريح من الله عزوجل (ان الله لا يخلف الميعاد).(6)
للبشريه المومنه الصالحه التي قاست الظلم والعذاب في عصور الانحراف وبذلت من التضحيات الشيء الكثير... بان يستخلفهم في الارض، بمعني انه يوفقهم الى السلطه الفعليه علي البشريه وممارسته الولايه الحقيقيه فيهم.
وان الارض - تعني كل الارض علي الاطلاق - سوف تكون مشموله لسلطه المؤمنين واستخلافهم وسيحكمون وجه البسيطه، وذلك لعدم وجود اي قرينه علي انصرافها الى ارض معينه.
وقوله تعالى: (وليمكن لهم دينهم الذي ارتضي لهم). فان التمكين التام والاستقرار الحقيقي للدين، لا يكون الا عند سيادته في الالم اجمع.
وكقوله تعالى: (وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا)، بعد ان نعرف ان المؤمنين كانوا قبل الاستخلاف يعانون الخوف في كل مناطق العالم لسياده الظلم والجور في العالم كله. فلا يكون الخوف قد تبدل الى الامن حقيقه الا بعد ان تتم لهم السلطه علي وجه الارض كلها.
فاذا تم لنا من الآيه ذلك، ولا حظنا وجداننا فان هذا الوضع الاجتماعي العالمي الموعود، لم يتحقق علي مدي التاريخ منذ فجر البشريه الى عصرنا الحاضر. اذن فهو مما سيتحقق في مستقبل الدهر يقينا طبقا للوعد الالهي القطعي غير القابل للتخلف.
وان الاسلام هو الدين المختار من الله لهذه الدوله العاليه من غير بقيه الاديان السماويه، لان رساله الاسلام هي آخر رساله عالميه كافيه ملبيه لحاجات البشر، وان البشريه سوف تستغني بالعدل الناتج عن تطبيق الاسلام عن اي شريعه جديده، والا كانت ناقصه وغير مغنيه او كانت مرحله تربويه ولكان اللازم - طبقا لقاعده اللطف الالهي - ارسال شرائع اخرى حتى تصل البشريه الى العدل الكامل الذي تستغني به البشريه، ولكان ختم النبوات بالاسلام خطوه غير صحيحه.
فالسعاده البشريه سوف تتحقق في المستقبل باقامه العداله الالهيه في ظل الدوله العالميه الاسلاميه التي ستحكم العالم.
س: كيف تتاسس هذه الدوله؟
تتاسس الدوله العالميه بجهود القائد الامام المهدي عليه السلام، واصحابه المخلصين الممحصين.
من هو المهدي المنتظر؟
س: كيف وجدت الفكره المهدويه في الذهن البشري؟
ان وجود فكره المهدي عليه السلام مساوق لتطور الوعي البشري نفسه..
فمن الطبيعي ان نتوقع اختصارا وغموضا في اول عهدها، بل واختلاطها بشوائب كثيره غير صحيحه، طبقا للمستوي الذهني الواطيء.
المهدي في الاديان السماوية
اذا نظرنا الى عصر ما قبل نبوه موسى عليه السلام. نري المقدار المنجز من هذه الفكره في الذهن البشري يتمثل في الجوانب الآتيه:
الجانب الاول: ضروره البدء باصلاح النفس، وهي خطوه في طريق اصلاح المجتمع، ومن ثم تكوين دوله العدل العالميه في المدي البعيد.
واهم من كد علي ذلك النبي نوح عليه السلام، كما نطق به كل من التوراه والقرآن، فمن ذلك قوله تعالى:
(قال يا قوم اني لكم نذير مبين ان اعبدوا الله واتقوه واطيعون يغفر لكم من ذنوبكم ويوخركم الى اجل مسمي).(7)
الجانب الثاني: رفع مستوي الوعي من اصلاح النفس الى السعي الى اصلاح المجتمع فمن ذلك قوله تعالى:
(والي مدين اخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره قد جائتكم بينه من ربكم فاوفوا الكيل والميزان).(8)
الجانب الثالث: الاشاره بغموض الى دوله العدل العالميه وقائدها المهدي عليه السلام، وذلك حيث قال النبي شعيب عليه السلام لقومه:
(بقيه الله خير لكم ان كنتم مومنين).(9)
والمراد ببقيه الله المهدي عليه السلام، علي مانطقت به بعض الروايات وذكرت انه اذا ظهر حياه المؤمنون بقولهم: السلام عليك يا بقيه الله في ارضه(10) والمراد بالبقيه كونه عليه السلام المتبقي في الارض من خط الانبياء والاولياء السابقين عليهم السلام وهذا يعطي بوضوح كون عمله نتيجه كبيره وحقيقه لمجموع اعمالهم.
وعلي ذلك يكون المراد الحقيقي الكامل لشعيب عليه السلام: ان دوله العدل العالميه بقياده المهدي عليه السلام، هي خير للانسانيه لكم من كل وضع اجتماعي وعقائدي سابق عليها، ولكن هذا المعني بصراحته، لم تكن تطيقه البشريه بذهنها القاصر يومئذ، فكان الارجح الكتفاء بهذا المقدار الغامض.
اذن فالكفره المهدويه بالمعني الخاص الذي يفهمه الناس الآن، وهي ان شخصا معينا سياتي لاصلاح العالم، لم يكن لها وجود قبل النبي موسى عليه السلام والديانه اليهوديه.
وبعد بعثه النبي موسى عليه السلام فانه اشار لمستقبل العالم والدوله العالميه ولكن ليس بوضوح تام، قوله تعالى: (قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا ان الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبه للمتقين).(11)
ثم جاءت المسيحيه التي تحوي الكثير مما ينبيء عن مستقبل البشريه واقامه دوله العدل، وهذا ما يلاحظ في كتب الانجيل:
اولا: نزول المسيح في مستقبل الدهر او في نهايته، وهي ايضا وردت بشكل غير مبهم في الاناجيل الاربعه، ولكنه ركز عليه بوضوح في انجيل برنابا الذي رفضه المسيحيون.
ثانيا: التصريح ببعثه رسول الاسلام وتسميته، وهو مما اختص به انجيل برنابا.. ومن اجله رفضه المسيحيون.
ثالثا: فكره اقامه دوله العدل العالميه، فان المراد بملكوت الله هو ذلك بصفته محققا للهدف الاعلي لخلق البشريه، ويكون بقياده القائد الكبر المهدي عليه السلام، الذي يسميه الانجيل بابن الانسان، ويصف مجيئه باوصاف الهيه كبيره.
اذن المهدي عليه السلام مذكور في التوراه والانجيل والامم كلها مجمعه علي خروج مخلص للبشريه من الظلم والعسف، حتى ان من شك في ذلك فقد كفر. وانه هو بذاته وصفاته لمكتوب في جميع اسفار سائر الانبياء.
ثم بظهور الاسلام توضحت معالم الدوله العالميه بقياده المهدي عليه السلام لانه سيكون هذا النظام التشريعي مع تكوينه العقائدي هو المطبق في تلك الدوله.
اذن ينبغي ان يكون المجتمع مطلعا علي عدد من خصائص هذه الدوله ومقدماتها، ليكون علي بصيره من امره تجاهها، من حيث الايمان بها من ناحيه، وتطبيق مستلزماتها العاطفيه والعمليه من ناحيه اخري.(12)
وقد اوضح الاسلام جهات كثيره جدا من جوانب الفكره المهدويه والدوله العالميه، وقد تشارك القرآن والسنه الشريفه في ذلك: وهذا ما نستعرضه في بحثنا ان شاء الله، بدايه بمعرفه قائد هذه الدوله وهو الامام المهدي عليه السلام وغيبته وعلامات ظهوره، وعلامات ومميزات دولته العالميه وانصاره.
المهدي في الاسلام
ان الرسول صلى الله عليه واله وسلم هو الذي يعلن عن هويه المهدي عليه السلام.
قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم:
القائم المهدي من ولدي، اسمه اسمي وكنيته كنيتي اشبه الناس بي خلقا وخلقا.(13)
وقوله صلى الله عليه واله وسلم: ان خلفائي واوصيائي، وحجج الله علي الخلق بعدي، الاثنا عشر. اولهم علي، وآخرهم ولدي المهدي.(14)
وقال صلى الله عليه واله وسلم: من انكر القائم من ولدي اثناء غيبته. مات ميته جاهليه.(15) وحتي في كتب اهل السنه قد صرح باسمه ونسبه وانه من قريش.
وقد اخرج سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع الموده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ان خلفائي واوصيائي وحجج الله علي الخلق بعدي الاثنا عشر: اولهم علي وآخرهم ولدي المهدي، فينزل روح الله عيسي بن مريم، فيصلي خلف المهدي وتشرق الارض بنور ربها، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب.(16)
فهنك - طبق احصاءات اهل التحقيق من العلماء - حوالي 657 حديثا حول هذه المساله عند علماء السنه وكتبهم، ونذكر حديثا واحدا رواه احمد بن حنبل في مسنده، قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: لو لم يبق من الدنيا الا يوم لبعث الله عز وجل رجلا منا يملاها عدلا كما ملئت جورا.(17)
وقال النبي صلى الله عليه واله وسلم: لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من ولدي، فيملاها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا(18)
وعلي هذا الاساس يكون قيام رجل من اهل البيت النبوي وظهوره في آخر الزمان موضع اتفاق بين المسلمين شيه وسنه.
واما ما وقع الخلاف فيه فهو ولادته، فهل ولد هذا الرجل ولا يزال منذ ولادته حيا، ام انه سيولد في المستقبل؟
يذهب الشيعه وفريق من اهل التحقيق من اهل السنه الى ان الامام المهدي ولد من امه نرجس عام 255ه وهو لا يزال حيا الى هذا اليوم.(19)
وذهب فريق من اهل السنه الى انه سيولد فيما بعد.(20)
ومما لا شك فيه ان الامام المهدي عليه السلام من صلب الامام الحسن العسكري عليه السلام وهو مولود وموجود بشهاده الموالف والمخالف، وقد اخفيت ولادته عن عامه الناس لا خاصتهم.
وكان عمر، يوم وفاه ابيه خمس سنوات واشهرا، فسلمه ابوه مواريث النبوه.
وامه العظيمه نرجس.
والقابه المعروفه من الاخبار القدسيه: حجه الله، المهدي، خاتم الائمه، والمنتظر، القائم بالحق، بقيه الله في الارض، صاحب الزمان، ولن يشاركه في هذه الالقاب احد، وهو مصداقها مفرده ومجتمعه.
وكناه: ابو القاسم، ابو عبد الله.
وهو ايضا: المنصور، الصاحب، الحجه، المامول، الثائر، المنتقم، المويد السيد.
وقد سئل الصادق عليه السلام: نسلم علي القائم بامره المؤمنين؟ فقال عليه السلام: لا، ذك اسم سمي الله به اميرالمؤمنين عليه السلام لم يسم به احد قبله ولا يتسمي به بعده الا كافر. قيل: كيف نسلم عليه؟
قال: السلام عليك يا بقيه الله، ثم قرا: (بقيه الله خير لكم ان كنتم مومنين..).(21)
اذن فالقائد الرئيس للبشريه نحو الافضل هو القانون نفسه... وهو الذي سيكفل للبشر مستقبلهم السعيد.
فان البشريه كانت ولا زالت، تمر في تاريخها الطويل بتجارب ومشكل تكون هي الكفيل الاساسي لرقي الفكر القانوني. وذلك بعد مرور الفكر القانوني بمرحلتين:
المرحله الاولي: التعرف بوضوح علي المشكل العامه والخاصه السائده في المجتمع، ومحاوله فهمها فهما عميقا كاملا والاطلاع بها علي اسبابها ونتائجها بكل دقه، وكلما اتسع الوعي الفكري للانسان علي واقعه بما فيه من مشكل وآلام، ساعد ذلك علي تربيه الجانب القانوني فيه.
المرحله الثانيه: محاوله التعمق، في معرفه الحلول الممكنه لهذه المشكل المعروضه، والاطلاع علي اساليب عامه وفعاله في ازاله المصاعب وتذليل العقبات، ومن ثم الى تحضير الرفاه والعداله في المجتمع.
فاذا استطاع المفكر القانوني، ان يمر بكلتي المرحلتين، بشكل دقيق وشامل، استطاع - لا محاله - ان يصل الى وضع القانون العادل الذي يكفل السعاده والرفاه الدائم.
وقد كان ولا زال الفكر القانوني البشري، في طريق التربيه والتكامل باستمرار، من كلتا الجهتين، نتيجه لم تعطه التجارب الاجتماعيه من دقه وثراء.
وبذلك يثري الفهم الفقهي القانوني، فتعطي التعاريف والتفاسير بشكل ادق شيئا فشيئا، سواء في ذلك من ناحيه القانون المدني او العسكري او الدولي، او قوانين العقوبات او الاحوال الشخصيه... او غيرها.
وقد وصل القانون في العصر الحاضر الى مراتب عليا، حتى اصبح من ادق العلوم الانسانيه. وان كنا قد نجد فيه بعض النواقص والاختلافات بين المفكرين في جمله من حقوله... فان التكامل التدريجي للقانون، من خلال التجارب الطويله كفيل بان يزيل هذا النقص ويزيد في ادرك الفكر القانوني لتلك المرحلتين الاساسيتين، مما يفتح امام القانون فرصه الوصول التدريجي الى ادرك العدل الحقيقي، والتذليل الكامل للمشكل البشريه.
حيث لا يكون المقصود، تعيين فتره معينه لهذا التكامل، فان من الممكن ان يصل القانون الى النتيجه الكبري، في فتره مقبله من الدهر، مهما طالت.
واذا وصل القانون الى درجه الفهم الكامل للعدل، وامكن تطبيقه في المجتمع البشري، كان هذا هو المستقبل السعيد الموعود الذي يعم فيه الرفاه والسعاده ربوع المجتمع البشري كله.
وبهذا يتم البرهان علي الاطروحه الثانيه.
المناقشه:
غير انه يمكن المناقشه في هذه النتيجه بالرغم من اهميتها، بعده مناقشات اساسيه:
المناقشه الاولي:
وهي عجز الفكر البشري القانوني عن ادرك مصالحه الحقيقه وادرك العدل، وبالتالي انه يعتذر عليه تغطيه مرحله التعرف علي المشكل العامه والخاصه ومحاوله فهم اسبابها ونتائجها بدقه.
والتعرف علي الحلول الممكنه لهذه المشكل المعروضه، وايجاد اساليب فعاله في ازاله المصاعب لاحراز العدل الكامل.
بل يتحقق هذا الامر فقط عن طريق الحكمه الالهيه والوحي من وراء الطبيعه. واما الفهم البشري المنفصل عن الوحي - كما هو مفروض هذه الاطروحه - فيتعذر عليه ذلك حال.
المناقشه الثانيه:
انه من الصعب ان نتصور ان في مستطاع الفكر القانوني البشري ان يثري ويتكامل باستمرار، حتى يصل الى ادرك العدل المطلق.
وذلك لان المفكر القانوني فردا كان او جماعه، فانه يحيا في المجتمع كاي انسان آخر، له مصالحه وارتباطاته وعلاقاته وموارده الاقتصاديه، وغير ذلك. وهو يود في كل ذلك طبقا لحب الخير لنفسه ان ينجح في كل الحقول، وان يتوفق فيها احسن توفيق، ويتقدم علي غيره من الناس مهما امكن.
واذا كان المفكر القانوني، ذا اتجاه عقائي او سياسي معين، كان - لا محاله - متحمسا لذلك الاتجاه، يود فوزه وسيطرته علي الآخرين ويري اندحاره وخيبته كابوسا مزعجا.
وعلي كل حال يكون الفرد القانوني، ذا تكوين نفسي واتجاه اجتماعي معين يستحيل عليه ان يعزله عن فكره القانوني وعن ادركه للمصالح والمفاسد العامه. ومهما حاول الفرد اتخاذ المسلك الموضوعي والتجرد عن الانانيه والتعصب، وتصور مصالح الاخرين بمعزل عن مصالح نفسه؛ فانه فاشل وخاطيء، فان الاشعور والضغوط والملابسات العامه والخاصه والتاريخ الذي عاشه، يفرض نفسه عليه من حيث يدري او لا يدري.
المناقشه الثالثه:
ان التكامل في الفكر القانوني، كما شهدناه في عالم الامس واليوم اصبح ذا شعب وانشقاقات، فما هو عدل منه هولاء هو ظلم عند آخرين وما هو مصلحه عند قوم هو مفسده لدي آخرين، وما هو تجرد وموضوعيه عند بعضهم، هو عين الانانيه والتعصب عند البعض الآخرين... وهكذا.
يكفينا انشقاق القانون المدني، الى روماني وجرماني، وهما يختلفان في المفاهيم الاوليه لتفسيرها وتعريفها، فضلا عن التفاصيل، وكذلك انشقاق الاتجاه الاقتصادي الى راسماليه واشتركيه، وهما يتخلفان في وجه نظهما الى الانتاج والتوزيع اختلافا جوهريا، وكذلك اختلاف الدول - وان اتفقت في المباديء- في قوانين الاحوال الشخصيه وقوانين العقوبات وغيرها.
فاي هذه الانشقاقات يرجي لها الكمال؟! ان النظر العقلي المجرد لا يري احد الشقين او احد الخصمين او التفسيرين اولي من الآخر، واما الفرد المومن باحدهما فيري قانونه هو الكامل ويتعصب له، ويبقي التكتل والانشقاق بين البشر موجودا، ومع تفشيه يستحيل الوصول الى العدل العالمي المطلوب.
ومن المعتذر حقا ان نزعم ان الفكر القانوني بتكامله ومروره بالتجارب المتكثره سوف يتوحد في العالم، ويرتفع الخلاف بين القانونين.
ان هذا الافتراض مخالف لطبيعه الاشياء وطبيعه الانسان.
واذا لم توجد الوحده في الفكر القانوني، وكان من المعتذر وجودها، يستحيل علي الدوله بكل هيمنتها وهيبتها وموسساتها، ان تضمن ذلك.
ولئن ضمنته حينا، فلن تستطيع ذلك دائما، ولئن استطاعته دائما، في فرد او جماعه معينه، فلن تستطيعه في كل الشعب. كما لن تستطيع تطبيق القانون من قناعه عامه به وعن تجاوب قلبي معه، وانما سوف يطبق القانون بمقدار ما تقتضيه القوه من ناحيه، والمصالح الشخصيه للافراد من ناحيه اخرى يدفعون به عن انفسهم العقاب، او ينالون به شيئا من الفوائد.
واذا كان الناس هكذا وهم دوما لهم نفس الموقف تجاه القانون البشري اذن فلا يمكن ان نتوقع لهذا القانون في يوم من الايام، ان يضمن لنفسه التطبيق الكامل المطلوب.
في الاديان الالهية
ان جميع الديانات الالهيه - خاصه اليهوديه والمسيحيه والاسلام - تعتقد بان هنك مستقبلا سعيدا للبشريه، وما يحقق هذه السعاده هي العداله، عداله الهيه من طرف السماء ضمن قانون الهي وهو الدين.
ومن يقوم باعباء هذه المسووليه هو رجل من عباد الله الصالحين والذي يتم اختياره من طرف السماء لتحقيق العداله باقامته للدوله العالميه الموحده ويسمي بالمنقذ العالمي.
في التوراة
يذكر في كتاب التوراه الموجود في ايدي اليهود بشاره عن ظهور المنقذ في آخر الزمان لانقاذ العالم ويذكر في زبور داوود بعنوان - مزامير - نهايه الاشرار الى الفناء، واما اهل التوكل علي الله سيرثون الارض، وان الصديقن سيرثون الارض ابدا ودائما، وفي مكان آخر وفصل آخر.
في ايامه ينتشر السلام ويحكم علي الارض الى اقصاها، وجميع الملوك تخضع امامه، وينتهي عذاب الفقراء والمسكين الذين لم يكن لندائهم جواب ويرحم الذليل وينقذ ارواحهم من الظلم والعذاب، اسمه يبقي الى الابد مثل الشمس، ويتبرك الناس به وبوجوده.(1)
في الانجيل
يذكر في انجيل لوقا: تظهر العلامات في القمر والنجوم والارض وتعيش الامم في حيره، وتضعف قلوبهم من الخوف والانتظار، عندها يظهر ابن الانسان علي سحابه بكل قوه وجلال.(2)
في القرآن
اما كتاب المسلمين وهو القرآن فقد تنبا بمستقبل البشريه نحو السعاده ببركه العداله الالهيه.
قال تعالى: (ونريد ان نمن علي الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمه ونجعلهم الوارثين.(3)
قال الامام علي عليه السلام في معنى هذه الآيه: هم آل محمد يبعث الله مهديهم بعد جهدهم، فيعزهم ويذل عدوهم(4)
وقوله تعالى:
(وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكن لهم دينهم الذي ارتضي لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فاولئك هم الفاسقون).(5)
فهذا وعد صريح من الله عزوجل (ان الله لا يخلف الميعاد).(6)
للبشريه المومنه الصالحه التي قاست الظلم والعذاب في عصور الانحراف وبذلت من التضحيات الشيء الكثير... بان يستخلفهم في الارض، بمعني انه يوفقهم الى السلطه الفعليه علي البشريه وممارسته الولايه الحقيقيه فيهم.
وان الارض - تعني كل الارض علي الاطلاق - سوف تكون مشموله لسلطه المؤمنين واستخلافهم وسيحكمون وجه البسيطه، وذلك لعدم وجود اي قرينه علي انصرافها الى ارض معينه.
وقوله تعالى: (وليمكن لهم دينهم الذي ارتضي لهم). فان التمكين التام والاستقرار الحقيقي للدين، لا يكون الا عند سيادته في الالم اجمع.
وكقوله تعالى: (وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا)، بعد ان نعرف ان المؤمنين كانوا قبل الاستخلاف يعانون الخوف في كل مناطق العالم لسياده الظلم والجور في العالم كله. فلا يكون الخوف قد تبدل الى الامن حقيقه الا بعد ان تتم لهم السلطه علي وجه الارض كلها.
فاذا تم لنا من الآيه ذلك، ولا حظنا وجداننا فان هذا الوضع الاجتماعي العالمي الموعود، لم يتحقق علي مدي التاريخ منذ فجر البشريه الى عصرنا الحاضر. اذن فهو مما سيتحقق في مستقبل الدهر يقينا طبقا للوعد الالهي القطعي غير القابل للتخلف.
وان الاسلام هو الدين المختار من الله لهذه الدوله العاليه من غير بقيه الاديان السماويه، لان رساله الاسلام هي آخر رساله عالميه كافيه ملبيه لحاجات البشر، وان البشريه سوف تستغني بالعدل الناتج عن تطبيق الاسلام عن اي شريعه جديده، والا كانت ناقصه وغير مغنيه او كانت مرحله تربويه ولكان اللازم - طبقا لقاعده اللطف الالهي - ارسال شرائع اخرى حتى تصل البشريه الى العدل الكامل الذي تستغني به البشريه، ولكان ختم النبوات بالاسلام خطوه غير صحيحه.
فالسعاده البشريه سوف تتحقق في المستقبل باقامه العداله الالهيه في ظل الدوله العالميه الاسلاميه التي ستحكم العالم.
س: كيف تتاسس هذه الدوله؟
تتاسس الدوله العالميه بجهود القائد الامام المهدي عليه السلام، واصحابه المخلصين الممحصين.
من هو المهدي المنتظر؟
س: كيف وجدت الفكره المهدويه في الذهن البشري؟
ان وجود فكره المهدي عليه السلام مساوق لتطور الوعي البشري نفسه..
فمن الطبيعي ان نتوقع اختصارا وغموضا في اول عهدها، بل واختلاطها بشوائب كثيره غير صحيحه، طبقا للمستوي الذهني الواطيء.
المهدي في الاديان السماوية
اذا نظرنا الى عصر ما قبل نبوه موسى عليه السلام. نري المقدار المنجز من هذه الفكره في الذهن البشري يتمثل في الجوانب الآتيه:
الجانب الاول: ضروره البدء باصلاح النفس، وهي خطوه في طريق اصلاح المجتمع، ومن ثم تكوين دوله العدل العالميه في المدي البعيد.
واهم من كد علي ذلك النبي نوح عليه السلام، كما نطق به كل من التوراه والقرآن، فمن ذلك قوله تعالى:
(قال يا قوم اني لكم نذير مبين ان اعبدوا الله واتقوه واطيعون يغفر لكم من ذنوبكم ويوخركم الى اجل مسمي).(7)
الجانب الثاني: رفع مستوي الوعي من اصلاح النفس الى السعي الى اصلاح المجتمع فمن ذلك قوله تعالى:
(والي مدين اخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره قد جائتكم بينه من ربكم فاوفوا الكيل والميزان).(8)
الجانب الثالث: الاشاره بغموض الى دوله العدل العالميه وقائدها المهدي عليه السلام، وذلك حيث قال النبي شعيب عليه السلام لقومه:
(بقيه الله خير لكم ان كنتم مومنين).(9)
والمراد ببقيه الله المهدي عليه السلام، علي مانطقت به بعض الروايات وذكرت انه اذا ظهر حياه المؤمنون بقولهم: السلام عليك يا بقيه الله في ارضه(10) والمراد بالبقيه كونه عليه السلام المتبقي في الارض من خط الانبياء والاولياء السابقين عليهم السلام وهذا يعطي بوضوح كون عمله نتيجه كبيره وحقيقه لمجموع اعمالهم.
وعلي ذلك يكون المراد الحقيقي الكامل لشعيب عليه السلام: ان دوله العدل العالميه بقياده المهدي عليه السلام، هي خير للانسانيه لكم من كل وضع اجتماعي وعقائدي سابق عليها، ولكن هذا المعني بصراحته، لم تكن تطيقه البشريه بذهنها القاصر يومئذ، فكان الارجح الكتفاء بهذا المقدار الغامض.
اذن فالكفره المهدويه بالمعني الخاص الذي يفهمه الناس الآن، وهي ان شخصا معينا سياتي لاصلاح العالم، لم يكن لها وجود قبل النبي موسى عليه السلام والديانه اليهوديه.
وبعد بعثه النبي موسى عليه السلام فانه اشار لمستقبل العالم والدوله العالميه ولكن ليس بوضوح تام، قوله تعالى: (قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا ان الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبه للمتقين).(11)
ثم جاءت المسيحيه التي تحوي الكثير مما ينبيء عن مستقبل البشريه واقامه دوله العدل، وهذا ما يلاحظ في كتب الانجيل:
اولا: نزول المسيح في مستقبل الدهر او في نهايته، وهي ايضا وردت بشكل غير مبهم في الاناجيل الاربعه، ولكنه ركز عليه بوضوح في انجيل برنابا الذي رفضه المسيحيون.
ثانيا: التصريح ببعثه رسول الاسلام وتسميته، وهو مما اختص به انجيل برنابا.. ومن اجله رفضه المسيحيون.
ثالثا: فكره اقامه دوله العدل العالميه، فان المراد بملكوت الله هو ذلك بصفته محققا للهدف الاعلي لخلق البشريه، ويكون بقياده القائد الكبر المهدي عليه السلام، الذي يسميه الانجيل بابن الانسان، ويصف مجيئه باوصاف الهيه كبيره.
اذن المهدي عليه السلام مذكور في التوراه والانجيل والامم كلها مجمعه علي خروج مخلص للبشريه من الظلم والعسف، حتى ان من شك في ذلك فقد كفر. وانه هو بذاته وصفاته لمكتوب في جميع اسفار سائر الانبياء.
ثم بظهور الاسلام توضحت معالم الدوله العالميه بقياده المهدي عليه السلام لانه سيكون هذا النظام التشريعي مع تكوينه العقائدي هو المطبق في تلك الدوله.
اذن ينبغي ان يكون المجتمع مطلعا علي عدد من خصائص هذه الدوله ومقدماتها، ليكون علي بصيره من امره تجاهها، من حيث الايمان بها من ناحيه، وتطبيق مستلزماتها العاطفيه والعمليه من ناحيه اخري.(12)
وقد اوضح الاسلام جهات كثيره جدا من جوانب الفكره المهدويه والدوله العالميه، وقد تشارك القرآن والسنه الشريفه في ذلك: وهذا ما نستعرضه في بحثنا ان شاء الله، بدايه بمعرفه قائد هذه الدوله وهو الامام المهدي عليه السلام وغيبته وعلامات ظهوره، وعلامات ومميزات دولته العالميه وانصاره.
المهدي في الاسلام
ان الرسول صلى الله عليه واله وسلم هو الذي يعلن عن هويه المهدي عليه السلام.
قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم:
القائم المهدي من ولدي، اسمه اسمي وكنيته كنيتي اشبه الناس بي خلقا وخلقا.(13)
وقوله صلى الله عليه واله وسلم: ان خلفائي واوصيائي، وحجج الله علي الخلق بعدي، الاثنا عشر. اولهم علي، وآخرهم ولدي المهدي.(14)
وقال صلى الله عليه واله وسلم: من انكر القائم من ولدي اثناء غيبته. مات ميته جاهليه.(15) وحتي في كتب اهل السنه قد صرح باسمه ونسبه وانه من قريش.
وقد اخرج سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع الموده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ان خلفائي واوصيائي وحجج الله علي الخلق بعدي الاثنا عشر: اولهم علي وآخرهم ولدي المهدي، فينزل روح الله عيسي بن مريم، فيصلي خلف المهدي وتشرق الارض بنور ربها، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب.(16)
فهنك - طبق احصاءات اهل التحقيق من العلماء - حوالي 657 حديثا حول هذه المساله عند علماء السنه وكتبهم، ونذكر حديثا واحدا رواه احمد بن حنبل في مسنده، قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: لو لم يبق من الدنيا الا يوم لبعث الله عز وجل رجلا منا يملاها عدلا كما ملئت جورا.(17)
وقال النبي صلى الله عليه واله وسلم: لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من ولدي، فيملاها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا(18)
وعلي هذا الاساس يكون قيام رجل من اهل البيت النبوي وظهوره في آخر الزمان موضع اتفاق بين المسلمين شيه وسنه.
واما ما وقع الخلاف فيه فهو ولادته، فهل ولد هذا الرجل ولا يزال منذ ولادته حيا، ام انه سيولد في المستقبل؟
يذهب الشيعه وفريق من اهل التحقيق من اهل السنه الى ان الامام المهدي ولد من امه نرجس عام 255ه وهو لا يزال حيا الى هذا اليوم.(19)
وذهب فريق من اهل السنه الى انه سيولد فيما بعد.(20)
ومما لا شك فيه ان الامام المهدي عليه السلام من صلب الامام الحسن العسكري عليه السلام وهو مولود وموجود بشهاده الموالف والمخالف، وقد اخفيت ولادته عن عامه الناس لا خاصتهم.
وكان عمر، يوم وفاه ابيه خمس سنوات واشهرا، فسلمه ابوه مواريث النبوه.
وامه العظيمه نرجس.
والقابه المعروفه من الاخبار القدسيه: حجه الله، المهدي، خاتم الائمه، والمنتظر، القائم بالحق، بقيه الله في الارض، صاحب الزمان، ولن يشاركه في هذه الالقاب احد، وهو مصداقها مفرده ومجتمعه.
وكناه: ابو القاسم، ابو عبد الله.
وهو ايضا: المنصور، الصاحب، الحجه، المامول، الثائر، المنتقم، المويد السيد.
وقد سئل الصادق عليه السلام: نسلم علي القائم بامره المؤمنين؟ فقال عليه السلام: لا، ذك اسم سمي الله به اميرالمؤمنين عليه السلام لم يسم به احد قبله ولا يتسمي به بعده الا كافر. قيل: كيف نسلم عليه؟
قال: السلام عليك يا بقيه الله، ثم قرا: (بقيه الله خير لكم ان كنتم مومنين..).(21)
تعليق