بسم الله الرحمن الرحيم
الحسين (عليه السلام) في عهد أبي بكر
لقد كان أهل البيت (عليهم السلام) بما فيهم الحسن والحسين (عليهما السلام) مفجوعين بوفاة الرسول (صلى الله عليه وآله)، وألم المأساة يهيمن على قلوبهم وهم مشغولون بجهاز أعظم نبيّ عرفه التاريخ الإنساني ، إذ توجّهت إليهم صدمةٌ اُخرى ضاعفت آلامهم وبدّدت آمالهم التي غرسها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في نفوسهم ونفوس الاُمّة.
إنها صدمة مصادرة الخلافة وتنحية الإمام علي (عليه السلام) عن مسرح القيادة ومصادرة المنصب الذي نصبه فيه الرسول (صلى الله عليه وآله) بأمر الله تعالى.
وكانت هذه الصدمة العنيفة بداية لمُسلسل القلق والاضطهاد الذي فرضه الخط الحاكم بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) على أهل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله) ; لتحقيق العزل التام والإبعاد الكامل لهم عن موقع القيادة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله).
لوعة شهادة الزهراء (عليها السلام) :
كان لوفاة الرسول(صلى الله عليه وآله) وقع مؤلم في روح الإمام الحسين الطاهرة، وهو لم يكن بعد قد أنهى ربيعه الثامن.
وما هي إلاّ مدّة قصيرة وإذا بالحسين(عليه السلام) يُفجع باستشهاد اُمّه فاطمة بنت رسول الله بتلك الصورة المأساوية بعد أن ظلّت تعاني من الظلم والقهر وألم اغتصاب حقّها طوال الأيام التي عاشتها بعد أبيها(صلى الله عليه وآله) فكانت تنعكس معاناتها في روحه اللطيفة ; إذ كان كلّما نظر الى اُمّه بعد وفاة أبيها شاهدها باكيةً محزونة القلب منكسرة الخاطر.
وقد روي: أنّها سلام الله عليها ما زالت بعد أبيها معصّبة الرأس، ناحلة الجسم، منهدّة الركن، باكية العين، محترقة القلب، يغشى عليها ساعة بعد ساعة، وتقول لولديها: أين أبو
كما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرّةً بعد مرّة؟
أين أبوكما الذي كان أشدّ الناس شفقةً عليكما، فلا يدعكما تمشيان على الأرض؟ ولا أراه يفتح هذا الباب أبداً ولا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما[1].
وروي أن الزهراء(عليها السلام) بعد وفاة أبيها(صلى الله عليه وآله) كانت تصطحب الحسنين معها الى البقيع حيث تظلّ تبكي الى المساء، فيأتي أمير المؤمنين(عليه السلام) فيعود بهم الى البيت.
ونقل الرواة عن أسماء بنت عميس قصّة استشهادها مفصّلاً ، وقد جاء فيها أنّ الحسن والحسين(عليهما السلام) دخلا البيت بُعَيد وفاة اُمّهما فقالا: يا أسماء! ما يُنيم اُمّنا في هذه الساعة؟! قالت: يا ابني رسول الله ليست اُمّكما نائمة، بل فارقت روحها الدنيا. فوقع عليها الحسن يقبّلها مرةً ويقول: يا اُمّاه كلّميني قبل أن تفارق روحي بدني. قالت وأقبل الحسين يقبّل رجلها ويقول: يا اُمّاه أنا ابنك الحسين كلّميني قبل أن يتصدّع قلبي فأموت. قالت لهما أسماء: يا ابني رسول الله! انطلقا الى أبيكما عليّ فأخبراه بموت اُمّكما، فخرجا حتى إذا كانا قرب المسجد رفعا أصواتهما بالبكاء، فابتدرهما جميع الصحابة، فقالوا: ما يبكيكما يا ابني رسول الله ؟ لا أبكى الله أعينكما[2].
وجاء في نصّ آخر أنّه بعد أن فرغ أمير المؤمنين(عليه السلام) من تغسيل الزهراء(عليها السلام) نادى: يا اُمّ كلثوم! يا زينب! يا سكينة! يا فضّة! يا حسن! يا حسين! هلمّوا وتزوّدوا من اُمّكم، فهذا الفراق، واللقاء الجنّة. فأقبل الحسن والحسين(عليهما السلام) وهما يناديان : واحسرةً لاتنطفئ أبداً من فقد جدّنا محمد المصطفى واُمّنا فاطمة الزهراء!
فقال أمير المؤمنين علىّ(عليه السلام): إنّي اُشهدُ الله أ نّها قد حنّت وأ نّت ومدّت يديها وضمّتهما الى صدرها مليّاً، وإذا بهاتف من السماء ينادي: يا أبا الحسن! ارفعهما فلقد أبكيا والله ملائكة السماوات.[3].
وذكرت أكثر الروايات أنّ الحسن والحسين(عليهما السلام) حضرا مراسم الصلاة على جنازة اُمّهما (عليها السلام) وتولّى غسلها وتكفينها أمير المؤمنين(عليه السلام)، وأخرجها من بيتها ومعه الحسن والحسين في الليل، وصلّوا عليها...[4].
لقد فجع الحسين(عليه السلام) وخلال فترة قصيرة بحادثتين عظيمتين مؤلمتين: الاُولى وفاة جدّه رسول الله(صلى الله عليه وآله)، والثانية استشهاد والدته فاطمة بنت الرسول (صلى الله عليه وآله) بعدما جرى عليها من أنواع الجفاء والظلم.
وإذا أضفنا الى ذلك مأساة غصب حقوق أبيه أميرالمؤمنين(عليه السلام) ومأساة إبعاده عن المسرح السياسي ليصبح جليس بيته; تجلّت لنا شدّة المحن والمصائب التي أحاطت بالحسين(عليه السلام) وهو في صغر سنّه .
ولقد تعمّقت مصائب الإمام الحسين(عليه السلام) بسبب أنواع الحصار المفروض من قِبل خطّ الخلافة وقتذاك على أصحاب الرسول(صلى الله عليه وآله) الأوفياء لخطّه الرسالي وعلى علي بن أبي طالب أمير المؤمنين(عليه السلام) بشكل خاص، مثل منع الخمس وسائر الحقوق من الوصول اليه، كما تجلّى ذلك بوضوح في تأميم « فدك » والذي كان من أهدافه ممارسة ضغوط مالية اُخرى على أهل بيت النبيّ(صلى الله عليه وآله) وأبناء أمير المؤمنين(عليهم السلام).
يتبـــــــــــــــــع
________________________________________
[1] بحار الأنوار : 43 / 181.
[2] المصدر السابق: 186.
[3] بحار الأنوار: 43/179 .
[4] المصدر السابق: 212 .
لقد كان أهل البيت (عليهم السلام) بما فيهم الحسن والحسين (عليهما السلام) مفجوعين بوفاة الرسول (صلى الله عليه وآله)، وألم المأساة يهيمن على قلوبهم وهم مشغولون بجهاز أعظم نبيّ عرفه التاريخ الإنساني ، إذ توجّهت إليهم صدمةٌ اُخرى ضاعفت آلامهم وبدّدت آمالهم التي غرسها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في نفوسهم ونفوس الاُمّة.
إنها صدمة مصادرة الخلافة وتنحية الإمام علي (عليه السلام) عن مسرح القيادة ومصادرة المنصب الذي نصبه فيه الرسول (صلى الله عليه وآله) بأمر الله تعالى.
وكانت هذه الصدمة العنيفة بداية لمُسلسل القلق والاضطهاد الذي فرضه الخط الحاكم بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) على أهل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله) ; لتحقيق العزل التام والإبعاد الكامل لهم عن موقع القيادة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله).
لوعة شهادة الزهراء (عليها السلام) :
كان لوفاة الرسول(صلى الله عليه وآله) وقع مؤلم في روح الإمام الحسين الطاهرة، وهو لم يكن بعد قد أنهى ربيعه الثامن.
وما هي إلاّ مدّة قصيرة وإذا بالحسين(عليه السلام) يُفجع باستشهاد اُمّه فاطمة بنت رسول الله بتلك الصورة المأساوية بعد أن ظلّت تعاني من الظلم والقهر وألم اغتصاب حقّها طوال الأيام التي عاشتها بعد أبيها(صلى الله عليه وآله) فكانت تنعكس معاناتها في روحه اللطيفة ; إذ كان كلّما نظر الى اُمّه بعد وفاة أبيها شاهدها باكيةً محزونة القلب منكسرة الخاطر.
وقد روي: أنّها سلام الله عليها ما زالت بعد أبيها معصّبة الرأس، ناحلة الجسم، منهدّة الركن، باكية العين، محترقة القلب، يغشى عليها ساعة بعد ساعة، وتقول لولديها: أين أبو
كما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرّةً بعد مرّة؟
أين أبوكما الذي كان أشدّ الناس شفقةً عليكما، فلا يدعكما تمشيان على الأرض؟ ولا أراه يفتح هذا الباب أبداً ولا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما[1].
وروي أن الزهراء(عليها السلام) بعد وفاة أبيها(صلى الله عليه وآله) كانت تصطحب الحسنين معها الى البقيع حيث تظلّ تبكي الى المساء، فيأتي أمير المؤمنين(عليه السلام) فيعود بهم الى البيت.
ونقل الرواة عن أسماء بنت عميس قصّة استشهادها مفصّلاً ، وقد جاء فيها أنّ الحسن والحسين(عليهما السلام) دخلا البيت بُعَيد وفاة اُمّهما فقالا: يا أسماء! ما يُنيم اُمّنا في هذه الساعة؟! قالت: يا ابني رسول الله ليست اُمّكما نائمة، بل فارقت روحها الدنيا. فوقع عليها الحسن يقبّلها مرةً ويقول: يا اُمّاه كلّميني قبل أن تفارق روحي بدني. قالت وأقبل الحسين يقبّل رجلها ويقول: يا اُمّاه أنا ابنك الحسين كلّميني قبل أن يتصدّع قلبي فأموت. قالت لهما أسماء: يا ابني رسول الله! انطلقا الى أبيكما عليّ فأخبراه بموت اُمّكما، فخرجا حتى إذا كانا قرب المسجد رفعا أصواتهما بالبكاء، فابتدرهما جميع الصحابة، فقالوا: ما يبكيكما يا ابني رسول الله ؟ لا أبكى الله أعينكما[2].
وجاء في نصّ آخر أنّه بعد أن فرغ أمير المؤمنين(عليه السلام) من تغسيل الزهراء(عليها السلام) نادى: يا اُمّ كلثوم! يا زينب! يا سكينة! يا فضّة! يا حسن! يا حسين! هلمّوا وتزوّدوا من اُمّكم، فهذا الفراق، واللقاء الجنّة. فأقبل الحسن والحسين(عليهما السلام) وهما يناديان : واحسرةً لاتنطفئ أبداً من فقد جدّنا محمد المصطفى واُمّنا فاطمة الزهراء!
فقال أمير المؤمنين علىّ(عليه السلام): إنّي اُشهدُ الله أ نّها قد حنّت وأ نّت ومدّت يديها وضمّتهما الى صدرها مليّاً، وإذا بهاتف من السماء ينادي: يا أبا الحسن! ارفعهما فلقد أبكيا والله ملائكة السماوات.[3].
وذكرت أكثر الروايات أنّ الحسن والحسين(عليهما السلام) حضرا مراسم الصلاة على جنازة اُمّهما (عليها السلام) وتولّى غسلها وتكفينها أمير المؤمنين(عليه السلام)، وأخرجها من بيتها ومعه الحسن والحسين في الليل، وصلّوا عليها...[4].
لقد فجع الحسين(عليه السلام) وخلال فترة قصيرة بحادثتين عظيمتين مؤلمتين: الاُولى وفاة جدّه رسول الله(صلى الله عليه وآله)، والثانية استشهاد والدته فاطمة بنت الرسول (صلى الله عليه وآله) بعدما جرى عليها من أنواع الجفاء والظلم.
وإذا أضفنا الى ذلك مأساة غصب حقوق أبيه أميرالمؤمنين(عليه السلام) ومأساة إبعاده عن المسرح السياسي ليصبح جليس بيته; تجلّت لنا شدّة المحن والمصائب التي أحاطت بالحسين(عليه السلام) وهو في صغر سنّه .
ولقد تعمّقت مصائب الإمام الحسين(عليه السلام) بسبب أنواع الحصار المفروض من قِبل خطّ الخلافة وقتذاك على أصحاب الرسول(صلى الله عليه وآله) الأوفياء لخطّه الرسالي وعلى علي بن أبي طالب أمير المؤمنين(عليه السلام) بشكل خاص، مثل منع الخمس وسائر الحقوق من الوصول اليه، كما تجلّى ذلك بوضوح في تأميم « فدك » والذي كان من أهدافه ممارسة ضغوط مالية اُخرى على أهل بيت النبيّ(صلى الله عليه وآله) وأبناء أمير المؤمنين(عليهم السلام).
يتبـــــــــــــــــع
________________________________________
[1] بحار الأنوار : 43 / 181.
[2] المصدر السابق: 186.
[3] بحار الأنوار: 43/179 .
[4] المصدر السابق: 212 .
تعليق