بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
((عالم ما بعد الموت))
البرزخ :هي مفارقة الروح عن البدن والانتقال من دار الدنيا الى دار الاخرى, في تفسير القمي ج2ص350 ,عن ابي البصيرقال سمعت أبا عبد الله علية السلام يقول فاما إن كان من المقربين -فروحُ وريحان) قال: في القبر( وجنت نعيم)قال: في الاخرة(وأمّاإن كان من المكذبين الضالين - فنزل من حميم) في قبره.(وتصلية جحيم) في الاخرة. وهي الفترة افتراق الروح عن البدن فكون البدن محسوس الى حين عودة الروح الى البدن في القبر وفي تلك المدة تكون الروح في البدن المثالي فيما يرى النائم نفسه وفي الحديث النبوي ((النوم أخ الموت )). (1)
فكون النفس أما ان تكون معذبة إن كان مما محض الكفر ,أو تكون منعمة إن كان مما محض الايمان ,أو يلهى عنه إن كان من المستضعفين .ويرد الحياة في القبر عن اعماله وعقائده ويثاب ويعاقب على ذلك ,ويضغط القبرالاجساد وتكون في الجسد الحقيقي وقد يرتفع عن بعض المؤمنين كمن لقن أو مات في ليلة الجمعة أو يومها وغير ذلك...
عن سماعة بن مهران عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام انه قال : إن العبد إذاكثرت ذنوبه ولم يجد ما يكفّرها به ابتلاه الله عزّوجل بالحزن في الدنيا ليكفرها به ,فإن فعل ذلك به وإلّا اسقم بدنه ليكفرها به ,فإن فعل ذلك به وإلا شدد عليه عند موته ليكفرها به ,فإن فعل ذلك به والا عذبه في قبره ليلقى الله عز وجل يوم يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيءمن ذنوبه.(2)
ان الانسان يمتلك مراحلاً ثلاثاً،
الاولي: بدنه الذي يعبّر عنه بعالم الطبع و المادّة.
و الثانية: القوي الفكريّة و التخيّليّة التي يعبّر عنها بعالم المثال و الصورة.
و الثالثة: روحه و نفسه التي يعبّر عنها بعالم النفس.
فهذه المراحل الثلاث غير منفصلة عن بعضها، بل متّصلة و متداخلة.
اننا نري جميعاً بدن الانسان ـ الذي هو طبعه و مُلكه ـ و نحسّ به، أمّا مثاله الذي هو عالم ذهنه فمجرّد يمثّل عالم ملكوته الاسفل، كما انّ نفسه التي هي روحه لها تجرّد أكثر، فهي تمثّل عالم ملكوته الاعلي. ان روح الانسان و نفسه الناطقة لا تخضع للتغيّر و التبدّل منذ ولادته الی زمن رحيله، بل تبقي معه فتحدّد معالم شخصيّته الإنسانيّة، بيد انّها تمتلك تكاملاً يرتقي بها من مراحل الاستعداد و القابليّة الی مرحلة التعيّن والفعليّة.
إنّ عالم ذهن الانسان و مثاله، الذي يُدعي أيضاً بعالم البرزخ، لا يتغيّر و لا يتبدّل بل يطوي مراحل من مراحل التكامل.
علی انّ بدن الانسان في حال تغيّر و تبدّل دائميّ، فهو يفقد كلّ يوم أجزاء منه و يضيف الی نفسه أجزاء جديدة أخري، حيث يقوم الغذاء بتعويض الاجزاء المنحلّة و التالفة من الجسم، و عليه لذلك ان يصل اليتلك الاجزاء فيملا مكان الاجزاء التالفة و يرمّمها.
و حين ينام الانسان فانّه يريح بدنه علی الارض، لكنّ عالم مثاله وذهنه لا يرقد علی الارض، بل يبقي متيقّظاً متحرّكاً يحلّ المسائل الفكريّة و يقوم بالعبادة و بالمجادلات و المنازعات، و بالنكاح، و يحلّق فيالسماء و يسبح في البحر و يقوم بآلاف الاعمال بصور مختلفة نعبّر عنها بالحلم و الرؤيا.
لقد كانت روحه تتحرك في (عالم النوم) ببدنه الملكوتي و المثالي، وكان بدنه المثالي و الصوري يجترح هذه الاعمال، و لا علاقة في الامر أبداً بالبدن المادي اللحميّ.
ما أورده المجلسي (قدس) في البحار ولقد أيد ذلك الرأي الشيخ المفيد (قدس) وغيره من علمائنا المتكلمين المحدثين ، بل لا يبعد القول بتعلق الروح بالأجساد المثالية عند النوم أيضا وقد وقع في الأخبار تشبيه حالة البرزخ وما يجري فيها بحالة الرؤيا وما يشاهد فيها . ثم أن عذاب البرزخ وثوابه مما اتفقت عليه الأمة سلفاً وخلفاً .
* وأما ما ورد بأنهم يسمعون المتكلم معهم الرواية التي ذكرت في البحار عن النبي صلى الله عليه وآله حينما وقف على قليب بدر فقال للمشركين الذين قتلوا يومئذ وقد ألقوا في القليب : لقد كنتم جيران سوء لرسول الله (ص) أخرجتموه من منزله وطردتموه ثم اجتمعتم عليه فحاربتموه فقد وجدتُ ما وعدني ربي حقّاً ، فقال عمر : يا رسول الله ما خطابك لهام قد صديت فقال له : مه يا ابن الخطاب فوالله ما أنت بأسمع منهم وما بينهم وبين أن تأخذهم الملائكة بمقامع الحديد إلاّ أن أعرض بوجهي هكذا عنهم .
فانّ الاعمال التي يقوم بها الانسان حال الصحو و الاستيقاظ انّما تقوم بها روحه بصورتها الملكوتيّة تلك، غاية الامر انّ عالم الطبع قوي و عالم المثال ضعيف، لذا فانّ الروح لا تقوي علی انجاز جميع الاعمال التي ترغب في انجازها بواسطة البدن، و تمنع غلبةُ عالم الطبع الروحَ من كثير من رغباتها. علی أنّ هذه الروح تقوم بصورتها المثاليّة حال الصحو والاستيقاظ بالكثير من الاعمال، فتحرّك جسد الانسان و بدنه في متابعتها، مثل جميع الاعمال التي يقوم بها البدن.
و لكنّها أيضاً تقوم بالكثير من الاعمال مستغنيةً عن البدن؛ و فقط تقوم بها في هيئتها المثالية، كما يحصل حين يكون المرء جالساً فيتحرّك بقواه الذهنيّة....
و ذلك لان أفراد الناس يقومون حال اليقظة بصرف اهتمامهم الحقيقي الی بدنهم فلا يستطيعون انجاز جميع اعمال النفس بهذا البدن، أمّا في عالم النوم فيصبح الاهتمام و العناية بالبدن أضعف، فتدرك روح الانسان حقيقتها بصورتها المثالية بدون ملاحظة البدن المادي، و تقوم بجميع الاعمال التي تشاءها في قالب المثال و الصورة.
في حال الصحو و اليقظة تكون الغلبة للتوجه الی البدن و صرف الاهتمام اليه، لذا يخال للانسان انّ البدن هو حقيقته، امّا في حال النوم فانّ الغلبة للاهتمام بالصورة و القالب المثالي، لذا يتصوّر الانسان انّ حقيقته هي تلك الصورة و البدن المثالي.
كما انّ الانسان يخلع بدنه كليّاً عند الموت فيصبح تجرّده آنذاك أقوي وروحه أكثر تحرّراً و قدرة، لذا تصبح أعماله أعجب، فيصير بإمكانه أن يقوم في لحظة واحدة باكتساب العلم بجميع الجهات من عوالم الطبيعة و كيفيّاتها، و ان يمرّ علی جميع أهله و عشيرته فيطلّع عليأحوالهم، و أن يقبل جميع الهدايا التي يرسلها اليه أصدقاؤه و أرحامه علی هيئة خيرات و مبرّات تظهر بصورة رحمة و نور يمثل غذاءه المعنوي الذي يتمتّع به، كما يمكنه ان يفوز بالعلوم الكليّة الالهيّة، و ان يطّلع عليحالات نفوس الناس و علی اوضاع أهل جهنّم و أهل الجنّة و كيفيّة الوقوف و الحساب و الميزان بالنسبة لهم. و نظير هذه الإحاطة العلميّة تحصل لاولياء اللَه في هذه الدنيا حال حياتهم و يقظتهم، و كثيراً ما أمكن حصول ذلك لسالكي طريق اللَه الذين لم يصلوا بعد الی مقام التجرّد المطلق، و ذلك بصورة الحال في النوم او في اليقظة لا بعنوان ملكة مستديمة.(3)
قال اميرالمؤمنين عليه السلام :وبادرو الموت وغمراته ,وامهدواله قبل حلوله واعدوا له قبل نزوله ,فان الغاية القيامة , وكفى بذلك واعظا لمن عقل ,ومعتبرا لمن جهل ...
ان في تعلق الروح بالجسد المثالي الشبيه باجسام الجن والملائكة في صورة البدن الاصلي فاما معذب او منعم فيه ,ولذلك يرد فيه ما يكون معلق ثواب القبر وعذابه وظيقه واتساع وحركة الروح وطيرانه وزيارة الاهل ورؤية الائمة عليهم السلام باشكالهم ومشاهدة اعدائهم المعذبين.
عن جابر عن أبي جعفر عن علي بن الحسين عن أبيه عليه السلام قال : قال رسول الله صل الله عليه واله وسلم :حبي وحب أهل بيتي نافع في سبعة مواطن ,أهوالهن عظيمة: عند الوفاة وفي القبر وعند النشور وعند الكتاب وعند الحساب وعند الميزان وعند الصراط.(5)
1-ينابيع الحكمة عباس اسماعيل اليزدي ج1ص259.
2-أمالي الصدوق ص294ح4.
3-معرفة المعاد , المجلد الاول , القسم الرابع: تجانس الموت و النوم، ثلاث مراحل وجودیة للانسان.
4-(نهج البلاغة)-ينابيع الحكمة ج1 ص264.
5-أمالي الصدوق ص ,ينابيع الحكمة ج1 ص260.
تعليق