بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وال محمد
لماذا الرسولاللهم صلِ على محمد وال محمد
يؤذيه بكاءُ هذا الطفل
(الحسين والبكاء)
روى ابن عساكر بسنده قال : خرج النبيّ صلّى الله عليه واَله وسلّم من بيت عائشة فمرّ ببيت فاطمة ، فسمع حُسيناً يبكي ،
فقال : ألم تعلمي أنّ بُكاءه يؤذيني .
وقال صلّى الله عليه واَله وسلّم لنسائه : لا تُبكوا هذا الصبيّ - يعني حسيناً
ولماذا يؤذيه بكاءُ هذا الطفل بالخصوص ? وكلّ طفلٍ لابُدّ أن يبكي ، وإذا كان إنسانٌ رقيقَ العاطفة ، فلابُدّ أن يتأذّى من
بكاء كلّ طفلٍ ، أيّ طفل كان ، فلماذا يذكر النبيّ العطوف ، الحسينَ خاصّة ? لكنّ القضية التي جاءت في الحديث لا
تتحدّث عن هذه العاطفة ، وإنّما تشير إلى معنىً آخر , فبكاء الحُسين ، يؤذي النبيّ لأنّه يذكّره بحزنٍ عظيمٍ سوف يلقاهُ هذا الطفل ، تبكي له العيون المؤمنة وتحزن له القلوب المستودعة حبّه , وإذا كان الرسولُ صلّى الله عليه واَله وسلّم يتأذّى من صوت بكاء هذا الطفل وهو في بيت أبويه ، فكيف به إذا وقف عليه يوم عاشوراء في صحراء كربلاء وقد كظّه الظمأُ ،
يطلب جرعة من الماء ؟
وإذا كانت دمعةُ الحسين تعزّ على رسول الله أن تجريَ على خده فكيف بدمه الطاهر حين يُراقَ على الأرض ؟
إنّ أمثال هذا الحديث رموز تُشير إلى الغيب ، وإلى معانٍ أبعدَ من مجرّد العاطفة وأرقّ .
والأذى الذي يذكره النبيّ ، أعمقَ من مجرّد الوجع وأدقّ .
وللبكاء في سيرة الحسين منذ ولادته بل وقبلها ، وحتّى شهادته بل وبعدها ، مكانة متميّزة .
فقد بكتْهُ الأنبياء كلّهم حتّى جدّه الرسول قبل أن يولد الحسينُ , وبكاه أهلُ البيت بما فيهم جدّه الرسول يوم الولادة , وبكاه
أهلُه وأصحابهُ يوم مقتله ، وبكى هو أيضاً على مصابه .
وبعد مقتله بكاهُ كلّ من سَمِعَ بنبأ شهادته : أُمّهات المؤمنين ، والصحابةُ المؤمنون .
وبكاهُ الأئمّة المعصومون ، ومن تبعهم ، مدى القرون حتّى جاء في رواية عن الحسين عليه السلام نفسه أنّه قال : أنا قتيلُ العَبْرة ، ما ذكرني مؤمن إلاّ وبكى . وعبّر عنه بعض الأئمّة بعَبْرة كلّ مؤمنٍ .
ولقد تحدّثتُ عن مجموع النصوص الواردة في البكاء على مصيبة الحسين , في بعض الحسينيّات التي ألّفتها.
وكيف يكون الحبّ للأموات ?
أليس بتعظيم ذكرهم ، ونشر مآثرهم ، الاستنان بسنتهم ، واتّباع طريقتهم ، والتمجيد بمواقفهم ، ونبذ معارضتهم ،
ورفض معانديهم ، ولعن قاتليهم وظالميهم ؟
فكيف يدّعي حُبَ الحسين ، مَنْ يمنع أن يُجرى في مجلسٍ ذكر الحسين ، والتألّم لمصابه ، وذكر فَضائله ، والإعلان عن تأييد مواقفه ، وإحياء ذكراه سنويّاً بإقامة المحافل والمجالس ؟
أو من يُحرّم ذكر قاتله بسوء ، وذكر ظالميه بحقائقهم ؟
أو من يُحاول أن يبّرر قتله ، ويُوجّهَ ما جرى عليه ، بل يعظّم قاتله ويمجّده ، ويصفه بإمرة المؤمنين ؟
ويَقْسو على محبّيه ، وذاكريه ، والباكين عليه ?
ومع ذلك يدّعي حُبّه , ويدعو إليه
إنّ التلاعُب بكلمة : الحُبّ , إلى هذا المدى ليس إلاّ تشويهاً لقاموسَ اللغة العربيّة ، ومؤدّى ألفاظها ، وتجاوزٌ على أعراف
الأُمّة العربيّة ، وهذا تحميق للقرّاء ،واستهزاء بالثقافة والفكر والحديث النبوي .
إنّها سُخرية لا تُغتفر
والحمد الله على نعمة الله وفضله علينا
تعليق