بسم الله الرحمن الرحيم
كانت المدينة تترقب أنباء سبط رسول الله بفارغ الصبر عندما خرج إلى الكوفة ملبياً نداء شيعته هناك. ولكن الذي راعها وأخذ منها صوت مناد ينادي: إن علي بن الحسين قد قدم إليكم مع عماته وأخوته، إذاً يا ترى أين الإمام الحسين؟ وأين النجوم الزاهرة والصحبة الطاهرة من بني الزهراء وآل عبد المطلب. انتشر الخبر (النعي) في كل الأرجاء حتى بلغ سفح أحد، ثم ارتد إلى البقيع فقباء، وما لبث أن تلاشى مع صراخ النائحين وعويل النائحات، لم تبق مخدرة في المدينة إلا خرجت من خدرها نائحة معولة. وأهل الركب الحزين يشاهدون الجموع التي خرجت لاستقباله.
حزنت مدينة الرسول حزناً عميقاً على العترة الطاهرة وأقامت أياماً بلياليها تشهد المأتم الرهيب لا يعكر صفوها سوى اليتامى والأرامل والثكالى يسعين كل يوم إلى القبور فيبكي لهن الأصدقاء والأعداء.
زوجة الإمام علي (عليه السّلام) كانت تخرج إلى البقيع لتبكي أبناءها الأربعة: عبد الله وعثمان وجعفراً والعباس. وتندبهم بندبة حزينة تحرق قلب كل من سمعها، حتى قلب مروان بن الحكم، عدو الطالبيين.
والرباب عادت بعد مصرع ابنها إلى المدينة وبقيت تنوح وتبكي سنة حتى ضعفت وماتت.
وأما السيدة زينب بطلة كربلاء فدموعها غزيرة جداً لأن اللهيب في قلبها أطفأ تلك الدموع فهبت تطلب ثأراً، لأن هذا الدم المسفوح لا ينبغي أن يضيع هدراً كان وجودها في المدينة كافياً لأن يلهب القلوب المؤمنة بالحق على الشهداء، ويؤلب الناس على حكم الطغاة وجورهم، وهذا ما ضايق الحكام الأمويين، فكتبوا إلى واليهم في المدينة.
(إن وجودها بين أهل المدينة مهيج للخواطر وإنها فصيحة عاقلة لبيبة، وقد عزمت هي ومن معها على القيام للأخذ بثأر الحسين) عندها أمره الطاغية يزيد أن يفرق البقية الباقية من آل البيت في الأقطار والأمصار(3). ولما علمت (عليها السّلام) بالخبر قالت غاضبة:
(وقد علم والله ما صار إلينا قتل خيرنا وسيق الباقون كما تساق الأنعام وحملنا على الأقتاب فوالله لا خرجنا وإن أريقت دماؤنا).
لم تعش السيدة زينب (عليه السّلام) بعد مقتل أخيها الحسين الشهيد وإمام الشاهدين سوى عام ونصف العام، لكنها استطاعت في هذه الفترة القصيرة أن تقلق مضاجع الأمويين وتغيّر مجرى التاريخ. لقد ظن حكام بني أمية أن مقتل الحسين يسدل الستار على الفصل الأخير على المسرحية الكربلائية وما نحسبه يسدل حتى تتبدل الأرض ومن عليها!
الإمام الحسين (عليه السّلام) باق في المهج والأرواح، ومأساة الحسين مأساة إنسانية خالصة تأخذ بلب كل إنسان وتستثير مشاعر جميع الشرفاء.
الحسين شهيد وإمام الشاهدين، والشاهدية حضور تام في الذات والمجتمع والكون، تولد منها الشهادة عملاً لذلك الحضور. إن الغمامة المحملة بإيحاءات البحر، ونسمات الفلك فتحت فمها لتقول كلمة الحق، كلمة العودة إلى المنبع، مثلما تئن الأوتار والنايات وتصفر العلائم الموسيقية منسلة من الجسد لتعود إلى قلب الأرض وهي تحدو حول الشمس حداء الصيرورة، وهو في الوقت ذاته نشيد الحب الأكبر والجمال الأعظم والجلال المطلق.
كلمة الحسين الشاهدة الملتزمة تقول الموت البطولي كما لم تقله شهادة في تاريخ الأرض، لأنها عبارة جده الرسول الأعظم التي كتبها من فوح القرآن وسوف تبقى ما بقي أنبل إنسان، ولا يستطيع أن يخفيها أو يغيّر مجراها بنو مروان أو بنو سفيان مهما تصنعوا في الظلم والبهتان.
كانت المدينة تترقب أنباء سبط رسول الله بفارغ الصبر عندما خرج إلى الكوفة ملبياً نداء شيعته هناك. ولكن الذي راعها وأخذ منها صوت مناد ينادي: إن علي بن الحسين قد قدم إليكم مع عماته وأخوته، إذاً يا ترى أين الإمام الحسين؟ وأين النجوم الزاهرة والصحبة الطاهرة من بني الزهراء وآل عبد المطلب. انتشر الخبر (النعي) في كل الأرجاء حتى بلغ سفح أحد، ثم ارتد إلى البقيع فقباء، وما لبث أن تلاشى مع صراخ النائحين وعويل النائحات، لم تبق مخدرة في المدينة إلا خرجت من خدرها نائحة معولة. وأهل الركب الحزين يشاهدون الجموع التي خرجت لاستقباله.
حزنت مدينة الرسول حزناً عميقاً على العترة الطاهرة وأقامت أياماً بلياليها تشهد المأتم الرهيب لا يعكر صفوها سوى اليتامى والأرامل والثكالى يسعين كل يوم إلى القبور فيبكي لهن الأصدقاء والأعداء.
زوجة الإمام علي (عليه السّلام) كانت تخرج إلى البقيع لتبكي أبناءها الأربعة: عبد الله وعثمان وجعفراً والعباس. وتندبهم بندبة حزينة تحرق قلب كل من سمعها، حتى قلب مروان بن الحكم، عدو الطالبيين.
والرباب عادت بعد مصرع ابنها إلى المدينة وبقيت تنوح وتبكي سنة حتى ضعفت وماتت.
وأما السيدة زينب بطلة كربلاء فدموعها غزيرة جداً لأن اللهيب في قلبها أطفأ تلك الدموع فهبت تطلب ثأراً، لأن هذا الدم المسفوح لا ينبغي أن يضيع هدراً كان وجودها في المدينة كافياً لأن يلهب القلوب المؤمنة بالحق على الشهداء، ويؤلب الناس على حكم الطغاة وجورهم، وهذا ما ضايق الحكام الأمويين، فكتبوا إلى واليهم في المدينة.
(إن وجودها بين أهل المدينة مهيج للخواطر وإنها فصيحة عاقلة لبيبة، وقد عزمت هي ومن معها على القيام للأخذ بثأر الحسين) عندها أمره الطاغية يزيد أن يفرق البقية الباقية من آل البيت في الأقطار والأمصار(3). ولما علمت (عليها السّلام) بالخبر قالت غاضبة:
(وقد علم والله ما صار إلينا قتل خيرنا وسيق الباقون كما تساق الأنعام وحملنا على الأقتاب فوالله لا خرجنا وإن أريقت دماؤنا).
لم تعش السيدة زينب (عليه السّلام) بعد مقتل أخيها الحسين الشهيد وإمام الشاهدين سوى عام ونصف العام، لكنها استطاعت في هذه الفترة القصيرة أن تقلق مضاجع الأمويين وتغيّر مجرى التاريخ. لقد ظن حكام بني أمية أن مقتل الحسين يسدل الستار على الفصل الأخير على المسرحية الكربلائية وما نحسبه يسدل حتى تتبدل الأرض ومن عليها!
الإمام الحسين (عليه السّلام) باق في المهج والأرواح، ومأساة الحسين مأساة إنسانية خالصة تأخذ بلب كل إنسان وتستثير مشاعر جميع الشرفاء.
الحسين شهيد وإمام الشاهدين، والشاهدية حضور تام في الذات والمجتمع والكون، تولد منها الشهادة عملاً لذلك الحضور. إن الغمامة المحملة بإيحاءات البحر، ونسمات الفلك فتحت فمها لتقول كلمة الحق، كلمة العودة إلى المنبع، مثلما تئن الأوتار والنايات وتصفر العلائم الموسيقية منسلة من الجسد لتعود إلى قلب الأرض وهي تحدو حول الشمس حداء الصيرورة، وهو في الوقت ذاته نشيد الحب الأكبر والجمال الأعظم والجلال المطلق.
كلمة الحسين الشاهدة الملتزمة تقول الموت البطولي كما لم تقله شهادة في تاريخ الأرض، لأنها عبارة جده الرسول الأعظم التي كتبها من فوح القرآن وسوف تبقى ما بقي أنبل إنسان، ولا يستطيع أن يخفيها أو يغيّر مجراها بنو مروان أو بنو سفيان مهما تصنعوا في الظلم والبهتان.
تعليق