بسم الله الرحمن الرحيم
((وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الّذِى ءَاتَيْنَهُ ءَايَتِنَا فَانسلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشيْطنُ فَكانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَ لَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَهُ بهَا وَ لَكِنّهُ أَخْلَدَ إِلى الأَرْضِ وَ اتّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكلْبِ إِن تحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَث أَوْ تَترُكهُ يَلْهَث ذّلِك مَثَلُ الْقَوْمِ الّذِينَ كَذّبُوا بِئَايَتِنَا فَاقْصصِ الْقَصص لَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ))الاعراف/176
يقص لنا القرآن الكريم قصة لها غاية مهمة ولها أثر بالغ في حياتنا وهي إن امتلاك الأسباب الطبيعية لا يوجب الوصول الى الهدف المنشود فرب إنسان يمتلك جميع الأسباب الطبيعية والمادية التي يتصور أنها كافية في إيصاله إلى غايته وهو غافل عن سبب هو الأهم منها وهو التوفيق الإلهي فالآية تخبر أن لا أثر للأسباب الطبيعية مالم تشفع بتوفيق واذن من الله تعالى وهذا التوفيق لا يناله من أخلد إلى الأرض واتبع هواه.
والآيات تحكي لنا قصة بلعم بن باعوراء هذا الرجل "الذي آتيناه آياتنا" أي وهبنا له آيات آفاقية وأنفسية فحصلت له حالة الكشف والشهود أي حصلت له أسباب التكامل والقرب الإلهي "فانسلخ منها" و رفضها بعد لزومها "فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين" فلم يقو على إنجاء نفسه من الهلاك. فرغم حصوله على أسباب القرب الإلهي وهي إتيانه الآيات لم يحصل المقصود وهو التكامل والقرب الإلهي وذلك لغياب الإذن الإلهي والتوفيق منه تعالى.
قوله تعالى ((ولوشئنا لرفعناه بها و لكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه))الآية الإخلاد اللزوم على الدوام، و الإخلاد إلى الأرض اللصوق بها وهو كناية عن الميل إلى التمتع بالملاذ الدنيوية و التزامها، و اللهث من الكلب أن يدلع لسانه من العطش.
فقوله ((و لو شئنا لرفعناه بها)) أي لو شئنا لرفعناه بتلك الآيات و قربناه إلينا لأن في القرب إلى الله ارتفاعا عن حضيض هذه الدنيا التي هي بما لها من اشتغال الإنسان بنفسها عن الله و آياته أسفل سافلين، و رفعه بتلك الآيات بما أنها أسباب إلهية ظاهرية تفيد اهتداء من تلبس بها لكنها لا تحتم السعادة للإنسان لأن تمام تأثيرها في ذلك منوط بمشيئة الله، و الله سبحانه لا يشاء ذلك لمن أعرض عنه و أقبل إلى غيرها.
وهنا يبقى سؤال من الأهمية بمكان وهو ما هو الذنب الذي ارتكبه هذا الشخص سبب سلبه توفيق الله تبارك وتعالى؟
يخبر القرآن الكريم انه اتباع الهوى أي الانقياد نحو المصالح الدنيوية وان تكذيب ايات الله تعالى له نفس الأثر لأنه اتباع للهوى أيضاً.
ثم إنه ضرب للطائفتين مثلاً الكلب إشارة إلى ان تباع الهوى هو طبيعة في نفوسهم وخبث جبلت نفوسهم عليه كما جبل طبع الكلب على اللهث سواء حملت عليه أو تركته.
وفي الختام أحب أن أنبه على أن ما ذكر ليس خرقاً لقاعدة السببية بل هو تأكيد لها غاية ما في الأمر انه لا يجوز قصر النظر على الأسباب الطبيعية بل لابد من الاهتمام بتحصيل أهم الأسباب وهو الاذن الإلهي الذي هو بدوره له أسبابه وهو عدم اتباع الهوى.