بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمدوبارك على محمد وال محمدواللعن من ظلم محمد ال محمد الى يوم الدين .لا يخفى أن رسول الله(صلى الله عليه واله )هو عالم بما يجري وما يحدث في المستقبل بناءً على ما علّمه به ربُّه سبحانه وتعالى،وليس هنالك مسلم لا يعتقد بأن الرسول(صلى الله عليه واله)علم أعلّمه الله المغيبات،وقد ذكر المؤرخون جملة قضايا ذكرها رسول الله(صلى الله عليه واله)في باب العلم بالغيب الذي هو في الواقع إخبار بالغيب علمه الله النبي(صلى الله عليه واله) فأخبر به،ولسنا بصدد ذكر هذه الأمور،لكن ما نريد أن نقوله هنا، إن رسول الله(صلى الله عليه واله)كان ينبّه المسلمين لأمور قد تقع حتى يأخذوا الحيطة والحذر،وحتى يتجنبوا مواقع الفتنة حيث كان المجتمع الإسلامي حديث التكوين،وقد ذهب رسول الله(صلى الله عليه واله)إلى ربه ولم يمر على تكوين هذا المجتمع أكثر من عقد من الزمان فكان لابد من تحصين هذا الكيان اليافع إلى ما يُبعد عنه الانحراف والانجراف .
من هنا جاءت إشارات الرسول(صلى الله عليه واله)إلى الحوادث التي أعقبت رحيله إلى الرفيق الأعلى،ومنها ما جرى على سيدة نساء العالمين الزهراء(سلام الله عليها).
وكيف لا.. وهي ابنته وحبيبته وبضعة من جسده،وهو العالم بما سيجري عليها،وما سيلحق بها من الأذى والعذاب،وكان من المحتم أن يشير رسول الله(صلى الله عليه واله)إلى ذلك حتى يرتدع من يحدّث نفسه بالعدوان،ولكي يكون المسلمون على بيّنة من أمرهم،وعلى وعيٍ تام بمسؤوليتهم إزاء ما سيجري على ابنته الزهراء(سلام الله عليها).
ومّمن ذكر هذه الإشارات الشيخ الصدوق (أعلى الله مقامه)،فقد أورد في [أماليه](1) حديثاً مطولاً مسنداً يقول فيه:
<<حدثنا علي بن أحمد بن موسى الدقاق، قال:حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال:حدثنا موسى بن عمران النخعي،عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي،عن الحسن بن علي أبي حمزة،عن أبيه،عن سعيد بن جبير،عن ابن عباس،قال:إنّ الرسول(صلى الله عليه وآله)كان جالساً ذات يوم إذ أقبل الحسن(عليه السلام)،فلما رآه بكى ثم قال:إلى أين يا بُني فما زال بين يديه حتى أجلسه
على فخذه اليسرى،ثم أقبل الحسين(عليه السلام)،فلما رآه بكى ثم قال:إلى أين يا بني، فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى ،ثم أقبلت فاطمة(عليها السلام)فلما رآها بكى ثم قال:إلـيَّ إليَّ يا بنيّة فأجلسها بين يديه،ثم أقبل أمير المؤمنين(عليه السلام) فلما رآه بكى ثم قال:إليّ يا أخي،فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن،فقال له أصحابه:يا رسول الله ما ترى واحداً من هؤلاء إلا بكيت أو ما فيهم من تسرّ برؤيته؟ فقال(صلى الله عليه وآله): والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية إني وإياهم لأكرم الخلق على الله عز وجل وما على وجه الأرض نسمة أحب إليّ منهم،أما علي بن أبي طالب(عليه السلام) فإنه أخي وشقيقي وصاحب الأمر بعدي وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة وصاحب حوضي وصاحب شفاعتي وهو مولى كل مسلم وإمام كل مؤمن وقائد كل تقي وهو وصيي وخليفتي على أهلي وأمتي في حياتي وبعدموتى،محبّه محبّي ومبغضه مبغضي وبولايته صارت أمتي مرحومة وبعداوته صارت المخالفة له منها ملعونة وإني بكيت حين أقبل لأني ذكرت غدر الأمة به بعدي حتى إنه ليزال عن مقعدي وقد جعله الله له بعدي،ثم لا يزال الأمر به حتى يضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته في أفضل الشهور﴿ شَهْرُ رَمَضانَ الّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرآنَ هُدىّ لِلنّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الهُدَى وَ الْفُرقان﴾،وأما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين،وهي بضعة مني وهي نور عيني،وهي ثمرة فؤادي وهي روحي التي بين جنبيّ وهي الحوراء الإنسية مني،قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله ظهر نورها لملائكة السماء كما يظهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله عز وجل لملائكته <<يا ملائكتي انظروا إلى أَمتي فاطمة سيدة إماتي قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي وقد أقبلت بقلبها على عبادتي أشهدكم أنّي قد أمنت شيعتها من النار>>وإني لمّا رايتهاذكرت ما يصنع بها بعدي،كأني بها وقد دخل الذلّ بيتها،وانتهكت حرمتها،وغصبت حقّها،ومنعت إرثها،وكسر جنبها-وكسرت جنبتها- وأسقطت جنينها،وهي تنادي يا محمداه فلا تُجاب وتستغيث فلا تُغاث،فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية تتذكّر انقطاع الوحي عن بيتها مرّة،وتتذكر فراقي أُخرى وتستوحش إذا جنّها الليل لفقد صوتي الذي كانت تسمع إليه إذا تهجّدت بالقرآن،ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة،فعند ذلك يؤنسها الله تعالى ذكره بالملائكة،فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران فتقول:يا فاطمة إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين،يا فاطمة اُقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين،ثم يبتدئ بها الوجع فتمرض فيبعث الله عز وجل إليها مريم بنت عمران تمرضها وتؤنسها في علّتها فتقول عند ذلك:يا رب إنّي قد سئمت الحياة وتبرّمت بأهل الدنيا فألحقني بأبي،فيلحقها الله عز وجل بي فتكون أولمن يلحقني من أهل بيتي،فتقدم عليّ محزونة مكروبة مفحومة مغصوبة مقتولة فأقول عند ذلك:اللهم العن من ظلمها وعاقب من غصبها وذلل من ذللها وخلّد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها فتقول الملائكة عند ذلك آمين.
وأمّا الحسن فإنه ابني وولدي وبضعةٌ مني وقرّة عيني وضياء قلبي وثمرة فؤادي،وهو سيد شباب أهل الجنة،وحجة الله على الأمة أمره أمري وقوله قولي،من تبعه فإنّه مني ومن عصاه فليس مني،وإني لما نظرتُ إليه تذكرت ما يجري عليه من الذّل بعدي،فلا يزال الأمر به حتى يُقَتل بالسم ظُلما وعدواناً،فعند ذلك تبكي الملائكة والسبع الشداد لموته،ويبكيه كل شيء حتى الطير في جو السماء والحيتان في جوف الماء،فمن بكاه لم تعم عينه يوم تعمى العيون،ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب،ومن زاره في بقعته ثبتت قدمه على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام.
وأما الحسين فإنه مني وهو ابني و ولدي وخير الخلق بعد أخيه وهو إمام المسلمين ومولى المؤمنين وخليفة رب العالمين وغياث المستغيثين وكهف المستجيرين وحجة الله على خلقه أجمعين،وهو سيد أهل الجنة وباب نجاة الأمة،أمره أمري وطاعته طاعتي،ومن تبعه فإنه مني،ومن عصاه فليس مني،وإني لما رأيته تذكرت ما يصنع به بعدي،كأني به وقد استجار بحرمي وقُربي فلا يُجار،فأضمه في منامه إلى صدري وآمره بالرحلة عن دار هجرتي وأبشّره بالشهادة،فيرتحل عنها إلى أرض مقتله وموضع مصرعه أرض كربٍ وبلاء وقتل وفناء،تنصره عصابة من المسلمين أولئك من سادة شهداء أمتي يوم القيامة،كأني إليه وقد رمي بسهم فخرّ عن فرسه صريعاً ثم يذبح كما يذبح الكبش مظلوماً.
ثم بكى رسول الله(صلى الله عليه وآله)وبكى من حوله وارتفعت أصواتهم بالضجيج ثم قام (صلى الله عليه وآله)وهو يقولا:اللهم إني أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي من بعدي ثم دخل منزله )
وذكر الطوسي في أماليه(2)عن المفيد،عن الصدوق،عن أبيه،عن أحمد بن إدريس،عن محمد بن عبد الجبار،عن ابن أبي عمير،عن أبان بن عثمان،عن أبان بن تغلب،عن عكرمة،عن عبد الله بن العباس،قال:لما حضرت رسول الله(صلى الله عليه وآله)الوفاة بكى حتى بلّت دموعه لحيته،فقيل له: يا رسول الله ما يبكيك؟ فقال:أبكي لذريتي وما تصنع بهم شرار أمتي من بعدي،كأني بفاطمة بنتي وقد ظلمت بعدي وهي تنادي: يا أبتاه،يا أبتاه، فلا يعينها أحد،من أمتي،فسمعت ذلك فاطمة (عليها السلام) فبكت،فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله):يا بنية لا تبكي،فقالت:لستُ أبكي لما يصنع بي من بعدك ولكني أبكي لفراقك يا رسول الله،فقال لها:أبشري يا بنت محمد بسرعة اللحاق بي،فإنك أول من يلحق بي من أهل بيتي>> .
وفي[إرشاد القلوب]للديلمي ذكر قول النبي (صلى الله عليه وآله):وأما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين،وهي بضعةٌ مني ونور عيني وثمرة فؤادي،إذا قامت في محرابها ظهر نورها للملائكة،فيقول الله عز وجل:يا ملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة إمائي بين يدي وهي ترتعد من خيفتي، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي،
أشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار،إني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي كأني بها وقد دخل الذل بيتها وغصب حقها وكُسر جنينها وهي تُنادي يا محمد فلا تُجاب وتستغيث فلا تغاث>>.
وهذه الإشارات تدلُّ بما لا يدع مجالاً للشك أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) يشير في هذا الحديث إلى الحوادث التي حدثت للزهراء(سلام الله عليها)عقب رحيله إلى الرفيق الأعلى، وأنه(صلى الله عليه وآله) قد علم بهذه الأمور الغيبية من عند الله تبارك وتعالى فالله سبحانه هو الذي أخبر الملائكة بما سيجري على الزهراء (عليها السلام)من الآلالىم والمصائب.
وهي المحور الرئيسي للمصائب الزهراء سلام الله عليهاوماسيجري على زوجها وأبنيها وهناك عدة روايات تذكر أن رسول الله (صلى الله عليه واله )في عدة مواضع ذكر أحاديث تدل على ما سيجري على أهل بيته (عليهم السلام ) من ظلامة من أمته فاللهم اللعن ظلمة أهل البيت الى يوم الدين وحشرنا مع محمد وال محمد (صلوات الله عليهم أجمعين ) ومن الله التوفيق................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر / على باب فاطمة (عليها السلام ) للسيد جواد القزويني
تعليق