بسم الله الرحمن الرحيم
وردهم المصنف بان هناك فرق بين المفهوم الذي يتوهمه الانسان وبين المفهوم الحاكي عن الخارج فان الثاني يستتبع عملا بخلاف الأول فالانسان اذ ادرك الم الجوع او العطش فانه يتحرك نحو الماء الواقعي لا ما يتصوره ماءً فالانسان العطشان اذا تصور الماء مجرد تصور فانه سوف لا يتحرك نحوه لأرواء عطشه بخلاف ما لو كان يعتقد ان الماء المتصور يكشف عن وجود الماء في الواقع فانه حينئذ سيتحرك وكذا فالانسان اذا علم ان ما يتصوره من وجود السبع كاشف عن وجوده حقيقة فانه سوف يهرب بخلاف ما لو كان مجرد تصور الخالي من اعتقاد مطابقة الواقع فانه حينئذ لا يخاف ولا يهرب.
يقول العلامة في الميزان حول ذلك:
((و هؤلاء محجوجون بما تعترف به نفوسهم اعترافا اضطراريا في أفعال الحياة الاختيارية و غيرها، فإنهم يتحركون إلى الغذاء و الماء عند إحساس ألم الجوع و العطش، و كذا إلى كل مطلوب عند طلبه لا عند تصوره الخالي، و يهربون عن كل محذور مهروب عنه عند العلم بوجوده لا عند مجرد تصوره، و بالجملة كل حاجة نفسانية ألهمتها إليهم إحساساتهم أوجدوا حركة خارجية لرفعها و لكنهم عند تصور تلك الحاجة من غير حاجة الطبيعة إليها لا يتحركون نحو رفعها، و بين التصورين فرق لا محالة، و هو أن أحد العلمين يوجده الإنسان باختياره و من عند نفسه و الآخر إنما يوجد في الإنسان بإيجاد أمر خارج عنه مؤثر فيه، و هو الذي يكشف عنه العلم، فإذن العلم موجود و ذلك ما أردناه.))(1)
اما المقدمة الثالثة فهي بديهية هي الأخرى لان الضرورة قاضية بوقوع ذلك ووقوع الخلاف في وجود بعض الأشياء مما لا ينكره جاهل فضلا عن فاضل.
فثبت احتياجنا الى علم يميز لنا الموجود عن غير الموجود وليس ذلك العلم الا الفلسفة ودليل ذلك الاستقراء فالدليل السابق يثبت حاجتنا الى علم يميز لنا الموجودات ولا يعين لنا ما هو الا ان استقراء العلوم يبين لنا عدم صلاحية أي علم سوى الفلسفة لذلك.
(1) الميزان في تفسير القران/ تفسير اول سورة البقرة.