مؤمن الطاق مع بعض الحروريّة بمحضر أبي حنيفةوسفيان الثوري في الخليفة بعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
قال المرزباني الخراساني : وقيل : إن مؤمن الطاق رحمهالله دخل يوماً مسجد الكوفة وفيه جماعة من المرجئة ، منهم : أبو حنيفة وسفيان ، ورجل من الحروريّة جيِّد المناظرة فيهم ، فلمَّا رآه أبو حنيفة قال للحروري : هذا رأس الشيعة وعالمها ، فهل لك في مناظرته؟فقال : إذا شئت فقال الحروري لمؤمن الطاق: من إمامك؟
قال مؤمن الطاق: من نصبه الله ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم الغدير.
قال : ما اسمه؟
قال مؤمن الطاق: بيَّنت.
قال : فهو أبو بكر.
قال مؤمن الطاق: ذاك المردود يوم سورة براءة ، وصاحبي المؤدّي عن الله وعن رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى أهل مكة.
قال : ذاك أبو بكر.
قال مؤمن الطاق: دعوى أقم عليها بيِّنة.
قال : أنت المدّعي.
قال مؤمن الطاق: كيف أكون أنا المدّعي وأنا المنكر لذلك؟! أنت تقول : هو ذاك ، وأنا أقول : هو رجل قد اجتمعت عليه الأمّة ، وإنّه صاحب يوم الغدير ، فكيف يكون الإجماع دعوى ، بل أنت المدّعي أنّه أبو بكر.
قال الحروري : دعنا من هذا.
قال مؤمن الطاق: هذه واحدة لم تخرج منها ، والحقُّ بيدي حتى تقيم البيِّنة.
قال الحروري : إن في أبي بكر أربع خصال بان بها من العالم بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، استحقَّ بها الإمامة.
قال مؤمن الطاق: ما هي؟
قال : الصدّيق ، وصاحبه في الغار ، والمتولّي للصلاة ، وضجيعه في القبر.
قال مؤمن الطاق: فإنَّ هذه مثالب.
قال : بقولك؟
قال مؤمن الطاق: بل بإقرارك.
قال : فهات إذن.
قال مؤمن الطاق: حتى يحضر من يحكم بيننا.
قالت الجماعة : نحن الحكَّام إذا ظهر الحقُّ.
قال مؤمن الطاق : فما العلّة والمعنى الذي سمِّي به ...؟
قال : لأنّه أوَّل المسلمين.
قال مؤمن الطاق: هذا ما لم يقل به أحد ، على أنّه أوّل المسلمين ، إنّما الإجماع على أن أول المسلمين علي بن أبي طالب عليهالسلام ، وأوَّل من آمن ، فما تقولون أيُّها الحكام؟
قالوا : أجل ، هو كما ذكرت.
فقال الحروري : أنا لا أقبل قول هؤلاء.
قال مؤمن الطاق: فأنا أساعدك ، أمَّا ما ذكرت أنّه صدّيق : أليس زعمت أن اللهورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم سمَّياه صدّيقاً ، وأنّه ليس له في هذا الاسم مساوىء؟
قال : نعم.
قال مؤمن الطاق للجماعة : اشهدوا عليه ، متى وجدنا في أصحاب الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم من اسمه صدّيق سقطت حجّته عنّا.
قالوا : نعم.
قال مؤمن الطاق: هل تعلم أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : ما أقلَّت الغبراء ولا أظلَّت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر (1)؟
قال القوم : واحدة ، خصمت يا حروريّ.
قال الحروري : أنا لا أعرف هذه الرواية ، فظلمه القوم.
قال : يا حروريُّ! فهل تعرف القرآن؟
قال : نعم.
قال مؤمن الطاق: فقد شارك صاحبك في هذا الاسم المؤمنون جميعاً ، قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ ) (2).
قالت الجماعة : خصمت يا حروري.
قال مؤمن الطاق: وأمَّا ما ذكرت من أنّه صاحبه في الغار فما رأيت الصاحب محموداً في القرآن ، قال الله تعالى : ( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَاب ) (1)، وقال : ( وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُون ) (2) ، وقال العالم لصاحبه ـ وهما في فضلهما ما هما ـ : ( إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْء بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي ) (3).
قال الحروري : هذا صاحبه في الغار ، يلقى الأذى ويصبر على الخوف.
قال مؤمن الطاق: هل كان صابراً ، وراجياً على ذلك ثواباً.
قال : نعم.
قال مؤمن الطاق: أمَّا السكينة فقد نزلت على غيره ، وأمَّا الحزن فقد تعجَّله ، والأمر كما قال الله : ( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ) (4) ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لا ينهى عن طاعة ، وإنّما ينهى عن معصية ، فقد عصى الله في حزنه وهو مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، واكتسب ذنباً ، فهذا مما ينبغي لصاحبك أن يستغفر الله منه ، ولو كان ثبت في كينونته في الغار لقد كان الله أبان له ذلك فيه ، إنما كانت السكينة للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بصريح القول ، وبقوله : ( وأيَّده ) فهل تقول بأنه شارك أيضاً؟
قال مؤمن الطاق : وأمَّا الصلاة فلعمري إنكم تقولون : ما استتمَّها حتى خرج النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلموأخرجه ، وتقدَّم فصلَّى بالناس ، فإن كان قدَّمه للصلاة وعددتم ذلك له فضلا ، فقد كان خروجه إلى الصلاة وإخراجه من المحراب له نقصاً ، ولعمري لقد كان فضلا لو كان هو الذي أمره بالصلاة وتركه على حاله ولم يخرجه منها.
قال الحروري : فلم يخرجه ، بل صلَّى بالناس.
قال مؤمن الطاق: فهل كان النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أم أمامه؟
قال : بل أمامه ، ولكن كان هو المكبِّر خلفه.
قال مؤمن الطاق: فمن كان إمام الناس في تلك الحال؟
قال : رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إمام لأبي بكر وللناس جميعاً.
قال مؤمن الطاق: فإنّما منزلة أبي بكر بمنزلة الصفِّ الأول على سائر الصفوف ، مع أن هذه دعوى لم تدعم ، ثمَّ ـ أيضاً ـ ما المعنى الذي أوقف أبا بكر في ذلك الموقف؟
قال : يرفع صوته بالتكبير ليسمع الناس.
قال : لا تفعل تقع في صاحبك ، وتكذب على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قالت الجماعة : وكيف ذلك؟
قال : لأن الله تعالى يقول : ( لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ) (1) ، وقال : ( إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ) (2) ، نهى أن ترفع الأصوات فوق صوته ، وأمره أن يرفع صوته فقد نهى عنه ، ووعد من غضَّ صوته مغفرة وأجراً عظيماً ، فهل تجيز لصاحبك فعل ذلك؟
قال الحروري : ليس هذا من ذاك ، إنّما أوقف أبا بكر ليسمع الناس التكبير.
قال مؤمن الطاق: هذه حدود مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم معروفة الطول والعرض ، فهل نحتاج إلى مسمع ، وأيضاً فإن النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان في حال ضعفه أقوى من قويِّهم في حال شبابه.
قالت الجماعة : هذه ثلاثة يا حروري.
قال مؤمن الطاق: وأمَّا ما زعمت أنه ضجيعه في قبره فخبِّرني أين قبره؟
قال : في بيته.
قال مؤمن الطاق: لعلّه في بيت عمر.
قال : بل في بيته صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قال مؤمن الطاق : أوليس قد قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ ) (1) ، فهل استأذناه فأذن لهما؟ ثمَّ الخاص والعام يعلم أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم سدَّ أبوابهما في حال حياته حتى إن أحدهما قال : اترك لي كوَّة أو خوخة أنظر إليك منها ، قال : لا ، ولا مثل الإصبع (2) ، فأخرجهما وسدَّ أبوابهما (3) ، فأقم أنت البيِّنة على أنه أذن لهما.
قال الحروري : ذلك بفرض من الله.
قال مؤمن الطاق: بأيِّ وصيٍّ أو بأيِّ حجّة؟
فقال أبو حنيفة والثوري : قم ويلك! كم تزري عليهما وتلزمهما الحجّة؟ إذا كان هكذا من أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يورِّث ، وقد احتمل لك أبو جعفر الحجّة ، وطلبت المقاسمة ، والله ما يصير لهما قدر ذراعين في البيت.
فالتفت مؤمن الطاق إلى الجماعة ، وقال : قد أبصرتم وسمعتم ، مع أنّي لم أذكر أشياء أخر ادّخرتها ، ثمَّ التفت إلى الحروري وقال : إذا كنّا نعلم أن حرمة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو ميِّت كحرمته وهو حيٌّ ، وقد أمر الله أن تغضَّ الأصوات عنده ، وأثاب فاعل ذلك ومعتمده ، فمن جعل لأبي بكر وعمر أن يضرب بالمعاول عنده ليدفنهما؟
فانقطع ، وكأنما أخرس لسانه ، فالتفت إليه الجماعة وقالوا : يا أبا جعفر (مؤمن الطاق)! أنت الذي لا يقوم لك مناظر ، ولا تؤخذ عليك حجّة ، وقاموا وعليهم الخزية ، وسمَّوه من ذلك الوقت : شيطان الطاق ، رضي الله عنه ورحمه (1).
ملاحظة : لقد قمنا باختصار المناظرة لعدم الاطالة من غير ان نؤثر على فحوى الموضوع ومن يرغب بالتفاصيل مراجعة المصدر
المصدر:كتاب مناظرات في الامامة - ج 4 - تأليف الشيخ عبدالله الحسن
تعليق