الإجازات القرآنية ثقافة أم إلزام؟
يتحدث البعض عن أهمية اكتساب الإجازات في القراءات القرآنية التي تمنح من قبل المشايخ أو المؤسسات القرآنية التي تتصدى لتعليم القراءات ودراستها؛ تتضمن توصيات وإمضاء المجيز،
خصوصاً وقد ظهر في الآونة الأخيرة إقبال كبير على نيلها.
وهي لاتخلو من أهمية ومنافع إذا ما منحت وفق الضوابط والشروط خصوصاً للمتداولين للعلوم الدينية
كالقراءات والحديث حفاظاً على تتابع السند وصحة الرواية، وكذا في الإفتاء والقضاء لما لهما من أهمية
في قطع الطريق أمام المتطفلين على هذه العلوم المقدسة، حتى شاعت ثقافة الإجازات عند متعاطي
بعض الفنون كالخط للحفاظ على قواعده وأصوله بعد انتشاره في البلاد الإسلامية ونشوء الإختلاف في أنماط أدائه.
ولكن موضوع البحث في مصطلح الإجازات يبدو أن ظهوره تزامن مع بدايات التصنيف في القراءات القرآنية في القرن الثالث الهجري. ولم يرد في السُنة نهي قاطع للنبي الأعظم(صلى الله عليه وآله) يوصي به المسلمين على توقف قراءة القرآن الكريم
وإقرائه على الإجازة بالمفهوم الحديث، إنما كانت تزكيته لبعض أصحابه وإطراؤه على تلاواتهم إجازة لفظية
في القراءة والإقراء كقوله لأبي: أقرؤكم أبي، ولأمير المؤمنين(عليه السلام): أقضى أمتي علي،
ومعلوم مايستلزم القضاء من العلم بالقرآن والسنة، حتى أسس(صلى الله عليه وآله) لثقافة توقير القارئ
وتقديمه في الممارسات العبادية كتقدمه في الصلاة على غيره: يؤمكم أقرؤكم للقرآن،
ورفع مقام معلمي ومتعلمي القرآن وجعلهم من خيار الناس وأنه يستغفر لهم كل شئ حتى الحوت في البحر.
بيد أن عدم حصول إجازة في الإقراء ليس دليلاً على منع المقرئين من تداوله، ولاتعد دليلاً على ضآلة كفاءتهم العلمية،
فما أكثر من ارتفع شأنهم العلمي ولم يفكروا في الحصول على الإجازة أولم تحالفهم الظروف في الحصول عليها.
وقد لا يكون الحصول على الإجازات - أحياناً - دقيقاً ويمثل الواقع العلمي للشخص، فقد يكون بطريقة غير شرعية
وقائمة على المصالح المتبادلة أو المحاباة والتودد، وقد لايعرض الطالب قراءته بالكامل على شيخه،
أو يغيب ولايحضر إلا وقت منح الإجازة أو إجراء الإمتحان.
- والإلزام في القراءة وتعليم القراءات على حصول الإجازة بالوصف المتقدم؛ أمر يخالف الواقع،
فكتاب الله متداول بين المسلمين على اختلاف لغاتهم وأمر تعليمه واجب إيماني وأخلاقي وأمانة في رقاب المسلمين،
ولاتصح قراءته إلا بالعربية الفصيحة، ويمكن تعليمه بأسلوب الإجازة العامة للمسلمين أو الإجازة لغير معين
وهي من أنواع الإجازات، كأجزت المسلمين أو أجزت كل أحد أو أجزت أهل زماني وغيرها من الألفاظ التي عرفت
من أهل الإقراء دون اشتراط حضور المتعلمين عندهم والقراءة عليهم وأخذ الإجازات منهم شفاهاً،
ومن أمثلتها ما ذكره ابن الجزري في خاتمة منظومته(طيبة النشر):
وقد أجزتها لكل مقرئ كذا أجزت كل من في عصري
على رأي من أجاز الرواية بالإجازة العامة.
والمؤسف أن الكثير من المشايخ والمجازين يتساهلون في منح الإجازة، ويتسامحون في دفعها للقراء،
كقراءة الرواية في فترة وجيزة، أو منحها من خلال التلفاز أو التليفون أو من خلال وسائل الاتصال الالكتروني،
أو إقراء أكثر من شخص في وقت واحد وإجازتهم المجاز في منح الإجازة للآخرين.
حتى أخذ بعض علماء الحديث مأخذاً على هذا النحو من منح الإجازات منهم الذهبي،
فقد عقب في ترجمة أحد من يتسامح في دفع الإجازات:
( وأنا رأيت له مايدل على تسمحه بخطه أن بعض القراء قرأ عليه في ليلة واحدة ختمة كاملة بقراءة نافع).
حتى وصل الأمر إلى حد المبالغة ما ذكره بعض المؤرخين أن منهم من ختم القرآن بالقراءات السبع في ليلة واحدة.وهنا نذكر رأي علم معروف في علوم القرآن الكريم العلامة السيوطي في الإتقان/135- 136قال في الإجازات:
(الإجازة من الشيخ غير شرط في جواز التصدي للإقراء والإفادة فمن علم من نفسه الأهلية جاز له ذلك
وإن لم يجزه أحد وعلى ذلك السلف الأولون، والصدر الصالح وكذلك في كل علم وفي الإقراء والإفتاء
خلافاً لما يتوهمه الأغبياء من اعتقاد كونه شرطاً وإنما اصطلح الناس على الإجازة لأن أهلية الشخص
لايعلمها غالباً من يريد الأخذ عنه من المبتدئين، ونحوهم لقصور مقامهم عن ذلك، والبحث عن الأهلية قبل الأخذ شرط فجعلت الإجازة كالشهادة من الشيخ المجاز بالأهلية). إجازات القراء/ ص/37- 38
ولاننكر ما للإجازة في القراءات وفي تعليم قواعد التجويد من أهمية بالغة في إتقان لفظ كتاب الله تعالى
وإن لم تعد شرطاً لها، بل لها الأثر في الإرتقاء بشخصية المقرئ وثقافته زيادة على ما أعطاه الله من فضل وكرامة
إذا ما كانت وفق استحقاقه ووفق الأصول والآلية التي نشأت عليها.
تعليق