الفرق بين العلم اللدني الحضوري والكسبي الحصولي للعلم بالأشياء طريقان : أن يتوصل إلى الشئ بواسطة الخواص والعوارض أو الشبح والظل وآثار الأشياء ولوازمها ، وهذا يسمى بالعلم الحصولي .وهناك طريق آخر وهو أن يتوصل للشئ من خلال معرفة مبادئه وأسبابه ،وهذا ما يسمى بالعلم الحضوري أو اللدني ، والذي من آثاره هو الاطلاع على أسرار وغيب العالم ، كما حصل مع الخضر وموسى ( عليهما السلام ) قال المتأله السبزواري في اللآلي : العلم حصولي وحضوري ، والحصولي هو الصورة الحاصلة من الشئ عند العقل .والحضوري هو العلم الذي هو عين المعلوم لا صورته ونقشه ، كعلم المجرد بذاته ، أو بمعلوله كعلم الحق تعالى بمعلولاته عند المحققين ، وليس بتصور ولا بتصديق لأن مقسمهما العلم الحصولي ) وقال العلامة الطباطبائي : ( وللرواية " من عرف نفسه عرف ربه " معنى آخر أدق مستخرج من نتائج الأبحاث الحقيقية في علم النفس ، وهو ان النظر في الآيات الآفاقية والمعرفة الحاصلة من ذلك نظر فكري وعلم حصولي ، بخلاف النظر في النفس وقواها وأطوار وجودها والمعرفة المتجلية منها فإنه نظر شهودي وعلم حضوري . والتصديق الفكري يحتاج في تحققه إلى نظم الأقيسة واستعمال البرهان ، وهو باق ما دام الانسان متوجها إلى مقدماته غير ذاهل عنها ولا مشتغل بغيرها ، ولذلك يزول العلم بزوال الاشراف على دليله وتكثر فيه الشبهات ويثور فيه الاختلاف . وهذا بخلاف العلم النفساني بالنفس وقواها وأطوار وجودها فإنه من العيان ، فإذا اشتغل الانسان بالنظر إلى آيات نفسه وشاهد فقرها إلى ربها وحاجتها فيجميع أطوار ، وجد أمرا عجيبا ، وجد نفسه متعلقة بالعظمة والكبرياء متصلة في وجودها وحياتها وعلمها وقدرتها وسمعها وبصرها وإرادتها وحبها وسائر صفاتها وأفعالها ، بما لا يناهى بهاء وسناء وجمالا وجلالا وكمالا من الوجودوالحياة والعلم والقدرة وغيرها من كل كمال ) وقال صدر المتألهين في شرح أصول الكافي ( شرح الحديث العاشر ) : ( اعلم أن العلم بالأشياء الجزئية على وجهين :أحدهما : ان يعلم الأشياء من الأشياء ، بحس أو تجربة أو سماع خبر أو شهادة أو اجتهاد ، ومثل هذا العلم لا يكون إلا متغيرا فاسدا محصورا متناهيا غير محيط ، فإنه يلزم ان يعلم في زمان وجودها علما ، وقبل وجودها علما آخر ، ثم بعده علما آخر فإذا سئل العالم بهذا العلم عن حادث ما ، كالكسوف مثلا حين وجوده يجيب بجواب فيقول مثلا : انكسفت الشمس ، وإذا سئل عنه قبل حدوثه يجيب بجواب آخر فيقول : سيكون الكسوف ، ثم إذا سئل بعده فيقول : قد كان الكسوف . فعلمه بشئ واحد تارة كان وتارة كائن وتارة سيكون ، فيتغير علمه . ومثل هذا العلم الانفعالي متغير فاسد ليس بيقين إذ العلم اليقيني ما لا يتغير أصلا .وثانيهما : أن لا يعلم الأشياء من الأشياء ، بل يعلم بمباديها وأسبابها ، فيعلم أوائل الوجود وثوانيها ، وهكذا إلى أن ينتهي إلى الجزئيات ، علما واحدا وعقلا بسيطا محيطا بكليات الأشياء ، وجزئياتها على وجه عقلي غير متغير ، فمن عرف المبدأ الأول بصفاته اللازمة وعرف انه مبدأ كل وجود وفاعل كل فيض وجود عرف أوائل الموجودات عنه ، وما يتولد عنها على الترتيب السببي والمسببي ، كما يتولد مراتب العدد من الواحد على الترتيب ، وما من شئ من الأشياء يوجد إلا وقد صار من جهة ما يكون واجبا بسببه وسبب سببه إلى أن ينتهي إليه تعالى . فيكون هذه الأسباب بمصادماتها تتأدى إلى أن يوجد عنها الأمور الجزئية ) فتحصل : ان العلم الحصولي الكسبي علم بظواهر الأشياء وجزئياتها من طريق نفس الأشياء يتغير ولا يفيد اليقين ، وهذا العلم يتنزه عنه الأولياء فضلا عن آل محمد (عليهم السلام ) وان العلم الشهودي الحضوري علم بواقع الأشياء وأسبابها - والذي يغني عن العلم بجزئياتها - وانه هو علم الأولياء فضلا عن أولي الأمر من آل محمد (عليهم السلام) وآثار هذا العلم إضافة إلى أنها شهودية لعين الواقع وصقع الأمر ، أنه يؤهل العالم به أن يطلع على أسرار الكون والملكوت ، ويعطيه الأهلية لقدرة التصرف فيه ، منتظرا منح القدرة من الله العزيز المتعال . قال الإمام الغزالي بعد تعريف الوحي والإلهام والعلم الحاصل منهما : ( والعلم الحاصل عن الوحي يسمى علما نبويا ، والذي يحصل عن الإلهام يسمى علما لدنيا ، والعلم اللدني هو الذي لا واسطة في حصوله بين النفس وبين الباري ، وانما هو كالضوء من سراج الغيب يقع على قلب صاف فارغ لطيف ، وذلك أن العلوم كلها حاصلة معلومة في جوهر النفس الكلية الأولى ، الذي هو في الجواهر المفارقة الأولية المحضة بالنسبة إلى العقل الأول كنسبة حواء إلى آدم ( عليه السلام ) . وقد بين ان العقل الكلي أشرف وأكمل وأقوى وأقرب إلى الباري تعالى من النفس الكلية ، والنفس الكلية أعز وألطف وأشرف من سائر المخلوقات ، فمن إفاضة العقل الكلي يتولد الإلهام ( كذا - والصحيح الوحي ) ومن اشراق النفس الكليةيتولد الإلهام ، فالوحي حلية الأنبياء ، والإلهام زينة الأولياء وقال القسطلاني : والعلم اللدني الرحماني هو ثمرة العبودية والمتابعة لهذا النبي الكريم عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم ، وبه يحصل الفهم في الكتاب والسنة بأمر يختص به صاحبه ، كما قال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وقد سئل : هل خصكم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بشئ دون الناس ؟فقال : " لا ، إلا فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه وقال الفيض الكاشاني : وليعلم ان علوم الأئمة ( عليهم السلام ) ليست اجتهادية ولاسمعية أخذوها من جهة الحواس ، بل لدنية أخذوها من الله سبحانه ببركة متابعةالنبي ( صلى الله عليه وآله )
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
الفرق بين العلم اللدني الحضوري والكسبي الحصولي
تقليص
X
-
الفرق بين العلم اللدني الحضوري والكسبي الحصولي للعلم بالأشياء طريقان : أن يتوصل إلى الشئ بواسطة الخواص والعوارض أو الشبح والظل وآثار الأشياء ولوازمها ، وهذا يسمى بالعلم الحصولي .وهناك طريق آخر وهو أن يتوصل للشئ من خلال معرفة مبادئه وأسبابه ،وهذا ما يسمى بالعلم الحضوري أو اللدني ، والذي من آثاره هو الاطلاع على أسرار وغيب العالم ، كما حصل مع الخضر وموسى ( عليهما السلام ) قال المتأله السبزواري في اللآلي : العلم حصولي وحضوري ، والحصولي هو الصورة الحاصلة من الشئ عند العقل .والحضوري هو العلم الذي هو عين المعلوم لا صورته ونقشه ، كعلم المجرد بذاته ، أو بمعلوله كعلم الحق تعالى بمعلولاته عند المحققين ، وليس بتصور ولا بتصديق لأن مقسمهما العلم الحصولي ) وقال العلامة الطباطبائي : ( وللرواية " من عرف نفسه عرف ربه " معنى آخر أدق مستخرج من نتائج الأبحاث الحقيقية في علم النفس ، وهو ان النظر في الآيات الآفاقية والمعرفة الحاصلة من ذلك نظر فكري وعلم حصولي ، بخلاف النظر في النفس وقواها وأطوار وجودها والمعرفة المتجلية منها فإنه نظر شهودي وعلم حضوري . والتصديق الفكري يحتاج في تحققه إلى نظم الأقيسة واستعمال البرهان ، وهو باق ما دام الانسان متوجها إلى مقدماته غير ذاهل عنها ولا مشتغل بغيرها ، ولذلك يزول العلم بزوال الاشراف على دليله وتكثر فيه الشبهات ويثور فيه الاختلاف . وهذا بخلاف العلم النفساني بالنفس وقواها وأطوار وجودها فإنه من العيان ، فإذا اشتغل الانسان بالنظر إلى آيات نفسه وشاهد فقرها إلى ربها وحاجتها فيجميع أطوار ، وجد أمرا عجيبا ، وجد نفسه متعلقة بالعظمة والكبرياء متصلة في وجودها وحياتها وعلمها وقدرتها وسمعها وبصرها وإرادتها وحبها وسائر صفاتها وأفعالها ، بما لا يناهى بهاء وسناء وجمالا وجلالا وكمالا من الوجودوالحياة والعلم والقدرة وغيرها من كل كمال ) وقال صدر المتألهين في شرح أصول الكافي ( شرح الحديث العاشر ) : ( اعلم أن العلم بالأشياء الجزئية على وجهين :أحدهما : ان يعلم الأشياء من الأشياء ، بحس أو تجربة أو سماع خبر أو شهادة أو اجتهاد ، ومثل هذا العلم لا يكون إلا متغيرا فاسدا محصورا متناهيا غير محيط ، فإنه يلزم ان يعلم في زمان وجودها علما ، وقبل وجودها علما آخر ، ثم بعده علما آخر فإذا سئل العالم بهذا العلم عن حادث ما ، كالكسوف مثلا حين وجوده يجيب بجواب فيقول مثلا : انكسفت الشمس ، وإذا سئل عنه قبل حدوثه يجيب بجواب آخر فيقول : سيكون الكسوف ، ثم إذا سئل بعده فيقول : قد كان الكسوف . فعلمه بشئ واحد تارة كان وتارة كائن وتارة سيكون ، فيتغير علمه . ومثل هذا العلم الانفعالي متغير فاسد ليس بيقين إذ العلم اليقيني ما لا يتغير أصلا .وثانيهما : أن لا يعلم الأشياء من الأشياء ، بل يعلم بمباديها وأسبابها ، فيعلم أوائل الوجود وثوانيها ، وهكذا إلى أن ينتهي إلى الجزئيات ، علما واحدا وعقلا بسيطا محيطا بكليات الأشياء ، وجزئياتها على وجه عقلي غير متغير ، فمن عرف المبدأ الأول بصفاته اللازمة وعرف انه مبدأ كل وجود وفاعل كل فيض وجود عرف أوائل الموجودات عنه ، وما يتولد عنها على الترتيب السببي والمسببي ، كما يتولد مراتب العدد من الواحد على الترتيب ، وما من شئ من الأشياء يوجد إلا وقد صار من جهة ما يكون واجبا بسببه وسبب سببه إلى أن ينتهي إليه تعالى . فيكون هذه الأسباب بمصادماتها تتأدى إلى أن يوجد عنها الأمور الجزئية ) فتحصل : ان العلم الحصولي الكسبي علم بظواهر الأشياء وجزئياتها من طريق نفس الأشياء يتغير ولا يفيد اليقين ، وهذا العلم يتنزه عنه الأولياء فضلا عن آل محمد (عليهم السلام ) وان العلم الشهودي الحضوري علم بواقع الأشياء وأسبابها - والذي يغني عن العلم بجزئياتها - وانه هو علم الأولياء فضلا عن أولي الأمر من آل محمد (عليهم السلام) وآثار هذا العلم إضافة إلى أنها شهودية لعين الواقع وصقع الأمر ، أنه يؤهل العالم به أن يطلع على أسرار الكون والملكوت ، ويعطيه الأهلية لقدرة التصرف فيه ، منتظرا منح القدرة من الله العزيز المتعال . قال الإمام الغزالي بعد تعريف الوحي والإلهام والعلم الحاصل منهما : ( والعلم الحاصل عن الوحي يسمى علما نبويا ، والذي يحصل عن الإلهام يسمى علما لدنيا ، والعلم اللدني هو الذي لا واسطة في حصوله بين النفس وبين الباري ، وانما هو كالضوء من سراج الغيب يقع على قلب صاف فارغ لطيف ، وذلك أن العلوم كلها حاصلة معلومة في جوهر النفس الكلية الأولى ، الذي هو في الجواهر المفارقة الأولية المحضة بالنسبة إلى العقل الأول كنسبة حواء إلى آدم ( عليه السلام ) . وقد بين ان العقل الكلي أشرف وأكمل وأقوى وأقرب إلى الباري تعالى من النفس الكلية ، والنفس الكلية أعز وألطف وأشرف من سائر المخلوقات ، فمن إفاضة العقل الكلي يتولد الإلهام ( كذا - والصحيح الوحي ) ومن اشراق النفس الكليةيتولد الإلهام ، فالوحي حلية الأنبياء ، والإلهام زينة الأولياء وقال القسطلاني : والعلم اللدني الرحماني هو ثمرة العبودية والمتابعة لهذا النبي الكريم عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم ، وبه يحصل الفهم في الكتاب والسنة بأمر يختص به صاحبه ، كما قال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وقد سئل : هل خصكم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بشئ دون الناس ؟فقال : " لا ، إلا فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه وقال الفيض الكاشاني : وليعلم ان علوم الأئمة ( عليهم السلام ) ليست اجتهادية ولاسمعية أخذوها من جهة الحواس ، بل لدنية أخذوها من الله سبحانه ببركة متابعةالنبي ( صلى الله عليه وآله )الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد