بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
(العلم والعقل والجهل)
عن ابن نباتة (1) عن عليّ بن أبي طالب (عليهالسلام) قال : هبط جبرئيل على آدم عليهالسلام فقال : يا آدم إنّي اُمرت أن اُخيّرك واحدة من ثلاث ، فاختر واحدةً ودع إثنتين فقال له آدم : وما الثلاث يا جبرئيل؟ فقال : العقل ، والحياء ، والدين (2) قال آدم فإنّي قد اخترت العقل ، فقال جبرئيل للحياء والدين : انصرفا ودعاه فقالا له : يا جبرئيل إنّا اُمرنا (3) أن نكون مع العقل حيثما كان ، قال : فشأنكما ، وعرج.
بيان : الشأن بالهمز : الأمر والحال أي ألزما شأنكما ، أو شأنكما معكما ؛ ولعلّ الغرض كان تنبيه آدم عليهالسلام وأولاده بعظمة نعمة العقل. وقيل : الكلام مبنيُّ على الاستعارة التمثيليّة. ويمكن أن يكون جبرئيل عليهالسلام أتى بثلاث صور ، مكان كلّ من الخصال صورة تناسبها ، فانّ لكلّ من الأعراض والمعقولات صورة تناسبه من الاجسام والمحسوسات وبها تتمثّل في المنام بل في الآخرة. بحار الانوار.
(ذكره صلى الله عليه وآله)العلم والعقل والجهل
قال: تعلموا العلم، فإن تعلمه حسنة ومدارسته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه من لا يعلمه صدقة،
وبذله لاهله قربة،لانه معالم الحلال والحرام وسالك بطالبه سبل الجنة،
ومونس في الوحدة،وصاحب في الغربة،ودليل على السراء وسلاح على الاعداء،
وزين الاخلاء (4)،
يرفع الله به أقواما يجعلهم في الخير أئمة يقتدى بهم،
ترمق أعمالهم (5) وتقتبس آثارهم وترغب الملائكة في خلتهم (6)،
لان العلم حياة القلوب ونور الابصار من العمى وقوة الابدان من الضعف،
وينزل الله حامله منازل الاحباء ويمنحه مجالسة الابرار في الدنيا والآخرة.
بالعلم يطاع الله ويعبد،
وبالعلم يعرف الله ويوحد وبه توصل الارحام ويعرف الحلال والحرام،
والعلم أمام العقل (7) ،والعقل يلهمه الله السعداء ويحرمه الاشقياء.
((وصفة العاقل))
أن يحلم عمن جهل عليه ويتجاوز عمن ظلمه ويتواضع لمن هو دونه ويسابق من فوقه في طلب البر،
و إذا أراد أن يتكلم تدبر،
فإن كان خيرا تكلم فغنم وإن كان شرا سكت فسلم وإذاعرضت له فتنة استعصم بالله،
وأمسك يده ولسانه، وإذا رأى فضيلة انتهز بها (8)،
لا يفارقه الحياء ولا يبدو منه الحرص، فتلك عشر خصال يعرف بها العاقل.
(( وصفة الجاهل))
أن يظلم من خالطه ويتعدى على من هو دونه، ويتطاول على من هو فوقه، كلامه بغير تدبر، إن تكلم أثم، وإن سكت سها وإن عرضت له فتنة سارع إليها فأردته (9) وإن رأى فضيلة أعرض وأبطأ عنها، لا يخاف ذنوبه القديمة ولا يرتدع فيما بقي من عمره من الذنوب، يتوانى عن البر ويبطئ عنه، غير مكترث (10) لما فاته من ذلك أو ضيعه، فتلك عشر خصال من صفة الجاهل الذي حرم العقل. تحف العقول ابن شعبة الحراني
(1) بضم النون ، هو : الاصبغ « بفح الهمزة » ابن نباتة التميميّ الحنظلي المجاشعي الكوفي. قال النّجاشيّ : كان من خاصة أمير المؤمنين عليهالسلام وعمّر بعده ، روى عنه عهد الاشتر ووصيته إلى محمّد إبنه.
(2) المراد بالعقل هنا لطيفة ربّانية يدرك بها الانسان حقيقة الاشياء ، ويميّز بها بين الخير والشرّ ، والحق والباطل ، وبها يعرف ما يتعلق بالمبدأ والمعاد. وله مراتب بحسب الشدة والضعف. والحياء : غريزة مانعة من ارتكاب القبائح ومن التقصير في حقوق الحق والخلق. والدين : ما به صلاح الناس ورقيّهم في المعاش والمعاد من غرائز خلقية وقوانين وضعية.
(3) لعل المراد بالامر هو التكويني ، دون التشريعي. وهو استلزام العقل للحياء والدين ، وتبعيتهما له.
(4) الاخلاء جمع خليل. أي زينة لهم.
(5) ترمق أعمالهم يعنى تنظر إليها وتكتسب منها فيجعلون الناس أعمالهم على طريقتهم يقال: رمقه رمقا: أطال وأدام النظر إليه.
(6) زيد هنا في بعض نسخ الحديث [ يمسحونهم بأجنحتهم في صلاتهم ].
(7) " أمام العقل " بفتح الهمزة أي قائده.
(8) الانتهاز: الاغتنام.
(9) فأردته أي فأهلكته، أصله الردى بمعنى الهلاك والسقوط.
(10) أي لا يعبأ به ولا يباليه. يقال: اكترث للامر أي بالى به.
تعليق