بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
أقسام الحديث ذكروا للحديث أقساما متعددة منها المتواتر والمستفيض والآحاد وقسموا الأخير إلى أقسام منها الصحيح والحسن والموفق والضعيف والمعلل . . .وليس الغرض التعرض إلى هذه الأقسام فهو موكول إلى علم الدراية بل الإشارة إلى عدد من المطالب يجب ملاحظتها في العمل الروائي: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
-أ - ذكروا في تعريف المتواتر انه أخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب ، وقد قسم المتواتر إلى لفظي ومعنوي وأجمالي - كما نبه إليه المحقق الخراساني - وقد ذكروا ان تعدد الجماعة يجب أن يكون في كل الطبقات وان اختلفوا في تحديد العدد المطلوب ، لكن الصحيح هو عدم التعبد بعدد معين بل الضابطة هي امتناع التواطئ على الكذب .وهذا يعني إن إنتاج المتواتر إنما يكون لضابطة رياضية وقلة احتمال الكذب بل انعدامه في بعض الصور . وما دام انتاج الخبر المتواتر للعلم عبر تلك الضابطة الرياضية فإننا نخلص إلى عدم اشتراط تساوي دائرة التواتر في كل الطبقات ، بل قد يكون في بعض الطبقات واسع الانتشار بينما ينحسر ذلك في دائرة أضيق في الطبقات الأخرى فيقتصر على فئة معينة أو بأصحاب مسلك معين وهذا لا يخدش في التواتر . والسر في ذلك ان احتمال الكذب كما يتأثر بالجانب الكمي كذلك يتأثر بالجانب الكيفي الذي يعرف بتمييز طبقات الرواة وكيفية اختلاطهم والوضع السياسي والاجتماعي لكل طبقة ، ومن هنا نخلص إلى أن وجود تواتر بدائرة معينة في حديث ما في طبقة معينة وهي الأولى وانحسار تلك الدائرة من التواتر في الطبقات الأخرى لا يمنع من اعتبار الخبر متواتراً ، إذا أخذنا بعين الاعتبار تلك الجهة الكيفية ، فتحصل ان التواتر على درجات فقد يكون واسع الانتشار بين الناس وقد يختص بطبقة دون أخرى وبفئة معينة دون أخرى ، لكن ذلك كله لا يخدش بالتواتر وتحققه ضمن دوائر متعددة تختلف سعة وضيقاً .ويمكن تمثيل ذلك بعلم اللغة من صرف ونحو وبلاغة . . . فان التواتر بدائرته الوسيعة التي كان عليها في عموم من ينطق بالضاد في طبقات عديدة متأخرة قد انقطع وانحصر وجود التواتر بالدائرة المزبورة بالطبقات الأولى ، وأما وجود التواتر في الطبقات اللاحقة فهو بدائرة أهل الاختصاص بالأدب اللغوي ، وهم الحاملون لتراث اللغة عن الاندراس بكامل خصوصياته جيلاً بعد جيل . وهذا لا يمنع من ثبوت اللغة وشواهدها بالتواتر ولو ضمن طبقات أهل الاختصاص الأدبي . وكذا الحال في بقية الاختصاصات والفنون .فمن ثم قسموا الضرورات في العلوم وعلم المنطق إلى ضرورات عامة عند عموم الناس وضرورات خاصة عند خصوص شرائح معينة . وهذا يدل على عدماشتراط حصول التواتر بدائرة ثابتة في جميع الطبقات حتى الآن بل يكفي حصوله بأي دائرة في البعض مع مراعاة ضابطة التواتر .وبتعبير آخر إذا حصلت ضابطة التواتر في طبقة فإن عدم حصوله بتلك الدائرة بعينها في طبقات أخرى لا يخدش في ذلك ، ولا يمكن الاستدلال على عدم قطعية الحديث وبطلانه بعدم التواتر بدائرة ثابتة في بعض الطبقات وجهل كثير من الناس له والأمثلة على ذلك متعددة . فإن هناك دوائر من التواتر على نطاق البشرية جمعاء ، وتواتر على نطاق المسلمين خاصة ، وتواتر على نطاق الطائفة الإمامية ، وهلم جراً ما دامت شرائط التواتر منحفظة في الدوائر المختلفة ، وإن كانت بين درجات الضرورة والتواتر المتعددة اختلاف كبير ، ولا يخفى أن جهة بحثنا هذا هو من زاوية النقل والصدور ، لا من زاوية مضمون المنقول وتمامية موازينه .ونتيجة لما تقدم لا وقع للتعجب من تتواتر الخبر الواصل إلينا وإن أضيقت دائرة التواتر وهذا ما نراه في بعض الأحاديث التي هي مواد خلاف بين المسلمين كحديث الغدير والثقلين حيث نجد أن دائرة التواتر في الصدر الأول واسعة ثم تنحسر هذه الدائرة في العصور المتأخر حتى تكاد تقتصر في نطاق ضيق لدى المتخصصين في هذا الفن .وأخيراً نشير إلى أن التواتر على درجات كما أن اليقين والجزم على درجات واختلاف الدرجات لا يعني عدم التواتر .
ب - إن النقطة المهمة في التواتر هو التكرار الذي يحصل في روايات مختلفة وهذا هو المحصل للتواتر اللفظي والمعنوي والإجمالي . ومن هنا تبرز أهمية الأخبار الضعيفة ( غير الموضوعة أو المدلسة ) حيث إنها تمثل المادة والمنبع الذي يحقق التواتر .فما يدعيه البعض من وجوب غربلة الأحاديث وترك الضعيفة والاقتصار علىالأخبار المعتبرة فقط حديث لا أساس له من الموازين العلمية والصحة ودعوى جهالة ، ويمكن ابراز فوائد تلك الأخبار فيما يأتي : -
1 - إن الأخبار الضعيفة تمثل مادة ومنبع المتواترات .
2 - إن الأخبار الضعيفة إذا كانت محفوفة بقرائن توجب الوثوق بالصدور تجعلها معتبرة يعتمد عليها .
3 - إن المطالع والمتتبع في تاريخ البشرية يلاحظ أن اعتماد الناس على الخبر الضعيف بلحاظ التواتر أو الاستفاضة ، وهذا هو الذي يجعل الخبر موثوقاً بصدوره ، وخير مثال على ذلك الإخبار عن الأمم والقرون الماضية ، حيث إن مادتها الأولى أخبار لا ترقى إلى الصحاح مع قبول الناس لها بلحاظ ما تفيده من الوثوق بصدورها . وتحليل ذلك يعود إلى ما يسمّى بعملية حساب الاحتمال وتصاعده البالغ لذلك الحد من الوثوق طبقاً للقواعد الرياضية البرهانية .
4 - إن المباني في قبول الأخبار مختلفة ومتنوعة ، فكم من خبر رفض الشهيد الثاني العمل به بينما صححه المتأخرون خصوصا بعد بزوغ طريقة التحليل المشابه للتحليل التاريخي ، والاستفادة من طبقات المحدثين التي ابتكرها السيد البروجردي والمحقق الأردبيلي صاحب جامع الرواة . وعليه لا يمكن اعتمادها ضابطة عامة لتضعيف الخبر فالضابطة اجتهادية .
5 - إن الخبر الضعيف ( الذي لا يُعلم وضعه أو تدليسه ) يحرم رده وإن لم يجب العمل به ، إذ بين حرمة الرد والحجية فرق ، كما حرّر في علم الحديث والأصول ، ولم يخالف في هذا الحكم أحد ، وتلك الغربلة تعني الرد .
6 - إن الخبر الضعيف ان لم يجب العمل على طبقه فإنه يفيد في مواطن عدة من باب توليد طرح الاحتمال ، فهو ليس بأقل - بل يفوق - استدلالاً منقول عن أحد الحكماء أو العلماء السابقين ، فأي ضرر فيها ان اعتبرت إشارتها إلى احتمال منالاحتمالات .
ج - إن الخبر الضعيف لا يساوي الخبر الموضوع أو المدلس وهذه نكتة قل الالتفات إليها ، وهي إحدى الأسباب التي أدت إلى ترك الأخبار الضعيفة . فإننا نسلم ان الأخبار الموضوعة المدلسة يجب طرحها وإهمالها وتركها إذا عُلم وضعها وتدليسها حيث اتفق على أنه إذا ثبت كون حديث موضوعاً حرمت روايته لكونها إعانة على الإثم واتيان للفرية في الدين ، وأما ما كان ضعيف السند غير الموضوع فلا بأس بروايته مطلقاً ، نعم العمل على طبق ما فيه يحتاج إلى جبر الضعف ، وقد وضع العلماء أعلى الله مقامهم طرق وقرائن لكشف الحديث الضعيف الموضوع عن غيره فمثلاً مجرد اتصاف الراوي بالكذب لا يعني وضع الخبر ، فإن الكذوب قد يصدق ، كما في وهب بن أبي وهب . كما إنا نلاحظ ان طائفة كبيرة قد وصفت بالكذب لمجرد روايتها لأخبار المعارف .فما ثبت وضعه وتدليسه من الأخبار الضعيفة يجب ردها وتركها أما الأخبار الضعيفة كلها فلا يجوز ردها خصوصاً إن لدينا ضوابط سهلة يمكن بواسطتها تمييز الوضع والتدليس كعرضها على المحكمات في الكتاب والسنة والعقل . وبالتالي لا يكون نقل الأحاديث الضعيفة تغريراً على المسلمين حيث ان الخبر الضعيف مهما بلغ شأنه لا يمكن ان يحرف المسلمين عن جادة المحكمات في الحجج الثلاث . ومن هنا تساهل القوم في نقل الضعاف لما لها من فوائد جمّة في الحجية ، ولا مجال لتوهم اتحادها مع أخبار الوضع والدس .
د - إن المسألة المهمة التي يجب الالتفات إليها هي مسألة تجميع القرائن حتى يوثق بصدور الرواية عن المعصوم ، حيث من النادر ان تكون قرينة واحدة كافيةلإثبات الصدور بل تتجمع القرائن من هنا وهنالك . وهذا على غرار ما ذكرناه في بحث الرجال أن المشيخة أو ورود الراوي في أحد الأصول المعتمدة كلها قرائن مع اجتماعها تفيد التوثيق لا أن كلا منهما بمفرده يفيد التوثيق .وهذا أيضاً على غرار ما ذكر في بحث الاجماع حيث ذكر الشيخ تبعا لصاحب المقابيس أن قيمة الإجماع بكونه جزء الحجة تنضم إلى الحجج الأخرى لا أنه حجة مستقلة .ومن القرائن التي تذكر في هذا الباب الشهرة العملية والروائية بل حتى الفتوائية وهي ممكنة الحصول في باب الاعتقادات من ملاحظة كتاب الاعتقادات للصدوق والأمالي ، والشهرة وإن نوقش في مدى جبرها للضعف ، لكن على ما ذكرناه في المقام تكون قرينة من القرائن لا إنها قرينة مستقلة .ومنها : أن يرد الخبر في بعض الكتب المعتبرة ككتب صفوان بن يحيى أو محمد بن الحسين بن أبي الخطاب الزيات ، والحسن بن محبوب المعروفين بضبطهم .ومنها إنه يروي الخبر راو هو على مذهب مخالف لما يرويه من مضمون . وغيرها من قرائن توثيق الصدور المحرّرة في تلك المسألة .
ه - نشير أخيراً إلى قسم من أقسام الحديث هو المستفيض ، وهو الخبر الذي يقرب من المتواتر ويرتفع عن الآحاد ، حيث أن رواته لم يبلغوا حد التواتر لكنه يكون مؤيدا ومدعوماً من جهة القرائن الداخلة والخارجة فيصبح مستفيضاً والخبر المستفيض أو الموثوق الذي بدرجته يصح الاستناد إليه كما هو مقرر في علم الأصول ، بل درجة حجيته تفوق الخبر الصحيح .
تعليق