موقف الشيعة من عدالة الصحابة
ان عدالة الصحابة كلهم ونزاهتهم من كل سوء هي أحد الأصول التي يتدين بها أهل السنة، قال ابن حجر:
" اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة ". (2)
وقال الإيجي:" يجب تعظيم الصحابة كلهم، والكف عن القدح فيهم، لأن الله عظمهم وأثنى عليهم في غير موضع من كتابه والرسول قد أحبهم وأثنى عليهم في أحاديث كثيرة " (3) . وقال التفتازاني:" اتفق أهل الحق على وجوب تعظيم الصحابة والكف عن الطعن فيهم، سيما المهاجرين والأنصار، لما ورد في الكتاب والسنة من الثناء عليهم "(4) .
غير أن الشيعة الإمامية عن بكرة أبيهم على أن الصحابة كسائر الرواة فيهم العدول وغير العدول، وإن كون الرجل صحابيا لا يكفي في الحكم بالعدالة، بل يجب تتبع أحواله حتى يقف على وثاقته، وذلك لأن القول بعدالة جميع الصحابة ونزاهتهم من كل شئ مما لا يلائم القرآن والسنة ويكذبه التاريخ، وإليك البيان:
الصحابة في الذكر الحكيم إن الذكر الحكيم يصنف الصحابة إلى أصناف يمدح بعضها ويذم بعضا آخر، فالممدوحون هم السابقون الأولون (5)، والمبايعون تحت الشجرة (6)، والمهاجرون والأنصار (7)، وأما المذمومون فهم أصناف نشير إلى بعضها:
1. المنافقون: لقد أعطى القرآن الكريم عناية خاصة بعصبة المنافقين، وأعرب عن نواياهم وندد بهم في السور التالية: البقرة، آل عمران، المائدة، التوبة، العنكبوت، الأحزاب، محمد، الفتح، الحديد، المجادلة، الحشر و المنافقين، وهذا يدل على أنهم كانوا جماعة هائلة في المجتمع الإسلامي.
2. المرتابون والسماعون: يحكي سبحانه عن طائفة من أصحاب النبي إنهم كانوا يستأذنونه في ترك الخروج إلى الجهاد، ويصفهم بأن في قلوبهم ارتياب، وإن خروجهم إلى الجهاد لا يزيد المسلمين إلا خبالا، وإنهم يقومون بالسماع للكفار(8)
3. الظانون بالله غير الحق: يحكي سبحانه عن طائفة من أصحاب النبي إنهم كانوا يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية، إذ يشكون في كون المسلمين على صراط الحق ويقولون:
(لو كان لنا من الأمر شئ ما قتلنا هاهنا)(9)
4. المولون أمام الكفار: يستفاد من بعض الآيات ويشهد التاريخ على أن جماعة من صحابة النبي انهزموا عن القتال مع الكفار يوم أحد وحنين، قال ابن هشام في تفسير الآيات النازلة في أحد ثم أنبهم على الفرار عن نبيهم وهم يدعون، لا يعطفون عليه لدعائه إياهم، فقال:
(إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم) (10) . وقال في انهزام الناس يوم حنين:
" فلما انهزم الناس ورأى من كان مع رسول الله ص: من جفاة أهل مكة، الهزيمة تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن، فقال أبو سفيان بن حرب لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، وصرخ جبلة بن حنبل: ألا بطل السحر اليوم ". (11) .
هذه صفوف من الصحابة ندد بهم القرآن الكريم وعيرهم بذمائم أفعالهم وقبائح أوصافهم، أفبعد هذا يصح أن يعد جميع الصحابة عدولا أتقياء، ويرمى من يقدح في هؤلاء بالزندقة والبدعة؟ مع أن الله سبحانه وصف طائفة منهم (وهم السماعون) بالظلم.
الصحابة في السنة النبوية
روى أبو حازم عن سهل بن سعد قال، قال النبي ص:
" إني فرطكم على الحوض من ورد شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا، وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم... قال أبو حازم:
فسمع النعمان بن أبي عياش، وأنا أحدثهم بهذا الحديث فقال: هكذا سمعت سهلا يقول؟ فقلت: نعم، قال: وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيقول: إنهم مني، فقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن بدل بعدي، أخرجه البخاري ومسلم " (12) . وروى البخاري ومسلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:
" يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي (أو قال من أمتي) فيحلئون عن الحوض، فأقول يا رب أصحابي، فيقول: إنه لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى ". (13) .
وقد اكتفينا من الكثير بالقليل، ومن أراد الوقوف على ما لم نذكره فليراجع جامع الأصول لابن الأثير.
التاريخ وعدالة الصحابة
كيف يمكن عد الصحابة جميعا عدولا والتاريخ بين أيدينا، نرى أن بعضهم كوليد بن عقبة ظهر عليه الفسق في حياة النبي وبعده، أما الأول فمن المجمع عليه بين أهل العلم أن قوله تعالى:
(إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا). (14) نزلت في شأنه، كما نزل في حقه قوله تعالى:
(أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون). (15) وأما الثاني فروى أصحاب السير والتاريخ أن الوليد سكر وصلى الصبح بأهل الكوفة أربعا ثم التفت إليهم وقال: هل أزيدكم.... (16) وهذا قدامة بن مظعون صحابي بدري، روي أنه شرب الخمر، وأقام
عليه عمر الحد (17)، ولا درأ عنه الحد بحجة أنه بدري، ولا قال: قد نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذكر مساوئ الصحابة، كما أن المشهور (18) إن عبد الرحمان الأصغر بن عمر بن الخطاب، قد شرب الخمر وضربه عمر حدا فمات، وكان ممن عاصر رسول الله ص.
إن بعض الصحابة خضب وجه الأرض بالدماء، فاقرأ تاريخ بسر بن أرطاة، حتى أنه قتل طفلين لعبيد الله بن عباس، وكم وكم بين الصحابة لدة هؤلاء من رجال العيث والفساد، قد حفل التاريخ بضبط مساوئهم، أفبعد هذه البينات يصح التقول بعدالة الصحابة مطلقا؟!
إن النظرة العابرة لتاريخ الصحابة تقضي بأن بعضهم كان يتهم الآخر بالنفاق والكذب (19)، كما أن بعضهم كان يقاتل بعضا ويقود جيشا لمحاربته، فقتل بين ذلك جماعة كثيرة، أفهل يمكن تبرير أعمالهم من الشاتم والمشتوم، والقاتل والمقتول، وعدهم عدولا ومثلا للفضل والفضيلة؟!
حديث أصحابي كالنجوم
إن القائلين بعدالة الصحابة جميعا يتمسكون بما يروى عن النبي صانه قال:
" أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ". (20)
أقول: كيف يصح إسناد هذا الحديث إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أن لازمه الأمر بالمتناقضين؟ لأن هذا يوجب أن يكون أهل الشام في صفين على هدى، وأن يكون أهل العراق أيضا على هدى، وأن يكون قاتل عمار بن ياسر مهتديا، وقد صح الخبر عن النبي ص أنه قال له:
" تقتلك الفئة الباغية "، وقال سبحانه:
(فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله). (21) فدل على أنها ما دامت موصوفة بالمقام على البغي فهي مفارقة لأمر الله، ومن يفارق أمر الله لا يكون مهتديا.
إن هذا الحديث موضوع على لسان النبي الأكرم، كما صرح بذلك جماعة من أعلام أهل السنة، قال أبو حيان الأندلسي:
" هو حديث موضوع لا يصح بوجه عن رسول الله ".
ثم نقل قول الحافظ ابن حزم في رسالته " إبطال الرأي والقياس " ما نصه:
" وهذا خبر مكذوب باطل لم يصح قط ".
ثم نقل عن البزاز صاحب المسند قوله:
" وهذا كلام لم يصح عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وشرع بالطعن في سنده ". (22) ثم إن التفتازاني وإن أخذته العصبية في الدعوة إلى ترك الكلام في حق البغاة والجائرين، لكنه أصحر بالحقيقة فقال:
" ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التاريخ، والمذكور على السنة الثقات يدل بظاهره على أن بعضهم حاد عن طريق الحق، وبلغ حد الظلم والفسق... إلا أن العلماء
لحسن ظنهم بالصحابة ذكروا لها محامل وتأويلات بها تليق... ". (23)
1. تفسير المنار: 1 / 414، التعليقة، ط دار المعرفة، بيروت، لبنان.
2. الإصابة: 1 / 17.
3. شرح المواقف: 8 / 373.
4. شرح المقاصد: 5 / 303.
5. راجع التوبة: 100.
6. راجع الفتح: 18.
7. راجع الحشر: 8.
8. لاحظ التوبة: 45 - 47.
9. آل عمران: 154.
10. آل عمران: 153.
11. سيرة ابن هشام: 3 / 114 و 4 / 444.
12. جامع الأصول لابن الأثير: 11 / 120، رقم الحديث 7972.
13. نفس المصدر: الحديث 7973.
14. الحجرات: 6.
15. السجدة: 18. لاحظ تفسير الطبري: 21 / 62، وتفسير ابن كثير: 3 / 452.
16. راجع الكامل لابن الأثير: 3 / 105 - 107، أسد الغابة: 5 / 91.
17. أسد الغابة: 4 / 199، وسائر الكتب الرجالية.
18. نفس المصدر: 3 / 312.
19. راجع في ذلك صحيح البخاري: 5 / 188، في تفسير سورة النور، مشاجرة سعد بن معاذ مع سعد ابن عبادة في قضية الإفك.
20. جامع الأصول: 9 / 410، كتاب الفضائل، الحديث 6359.
21. الحجرات: 9.
22. لاحظ جميع ذلك في تفسير البحر المحيط: 5 / 528.
23. شرح المقاصد: 5 / 310.
المصدر كتاب محاضرات في الالهيات للمحقق الشيخ جعفر السبحاني
تعليق