طرق إثبات الإمامة عند أهل السنة
الطريق لإثبات الإمامة عند الشيعة الإمامية منحصرة في النص من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام السابق كما هو ثابت عندهم .
وأما عند أهل السنة فلا ينحصر بذلك، بل يثبت أيضا ببيعة أهل الحل والعقد، قال الإيجي:
" المقصد الثالث فيما تثبت به الإمامة، وإنها تثبت بالنص من الرسول ومن الإمام السابق بالإجماع وتثبت ببيعة أهل الحل والعقد خلافا للشيعة، لنا ثبوت إمامة أبي بكر بالبيعة". (1)
ثم إنهم اختلفوا في عدد من تنعقد به الإمامة على أقوال، قال الماوردي (المتوفى 450 ه): " اختلف العلماء في عدد من تنعقد به الإمامة منهم على مذاهب شتى:
فقالت طائفة: لا تنعقد إلا بجمهور أهل الحل والعقد من كل بلد ليكون الرضا به عاما، والتسليم لإمامته إجماعا، وهذا مذهب مدفوع ببيعة أبي بكر على الخلافة باختيار من حضرها، ولم ينتظر ببيعته قدوم غائب عنها.
وقال طائفة أخرى: أقل ما تنعقد به منهم الإمامة خمسة يجتمعون على عقدها أو يعقدها أحدهم برضا الأربعة، استدلالا بأمرين:
أحدهما: أن بيعة أبي بكر انعقدت بخمسة اجتمعوا عليها ثم تابعهم الناس فيها، وهم: عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، وأسيد بن خضير، وبشر بن سعد، وسالم مولى أبي حذيفة.
والثاني: أن عمر جعل الشورى في ستة ليعقد لأحدهم برضا الخمسة، وهذا قول أكثر الفقهاء، والمتكلمين من أهل البصرة.
وقال آخرون من علماء الكوفة: تنعقد بثلاثة يتولاها أحدهم برضا الاثنين ليكونوا حاكما وشاهدين، كما يصح عقد النكاح بولي وشاهدين.
وقالت طائفة أخرى: تنعقد بواحد، لأن العباس قال لعلي: أمدد يدك أبايعك، فيقول الناس عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بايع ابن عمه فلا يختلف عليك اثنان، ولأنه حكم وحكم واحد نافذ ". (2)
يلاحظ على هذه الأقوال والنظريات
أولا: أن موقف أصحابها موقف من اعتقد بصحة خلافة الخلفاء، فاستدل به على ما يرتئيه من الرأي، وهذا استدلال على المدعى بنفسها، وهو دور واضح.
وثانيا: أن هذا الاختلاف الفاحش في كيفية عقد الإمامة، يعرب عن بطلان نفس الأصل، لأنه إذا كانت الإمامة مفوضة إلى الأمة، كان على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بيان تفاصيلها وطريق انعقادها، وليس عقد الإمام لرجل أقل من عقد النكاح بين الزوجين الذي اهتم القرآن والسنة ببيانه وتحديده، والعجب أن عقد الإمامة الذي تتوقف عليه حياة الأمة، لم يطرح في النصوص - على زعم القوم - ولم يتبين حدوده وشرائطه.
والعجب من هؤلاء الأعلام كيف سكتوا عن الاعتراضات الهائلة التي توجهت من نفس الصحابة من الأنصار والمهاجرين على خلافة الخلفاء الذين تمت بيعتهم ببيعة الخمسة في السقيفة، أو بيعة أبي بكر لعمر، أو بشورى الستة، فإن من كان ملما بالتاريخ، يرى كيف كانت عقيرة كثير من الصحابة مرتفعة بالاعتراض، حتى أن الزبير وقف في السقيفة أمام المبايعين وقد اخترط سيفه وهو يقول:
" لا أغمده حتى يبايع علي، فقال عمر: عليكم الكلب فأخذ سيفه من يده، وضرب به الحجر وكسر ". (3)
1. شرح المواقف: 8 / 351.
2. الأحكام السلطانية: 6 - 7، ط الحلبي، مصر.
3. الإمامة والسياسة: 1 / 11.
من كتاب مناظرات في الالهيات للمحقق الشيخ جعفر السبحاني
تعليق