إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رسالة في الأمر بين الأمرين بحث من آبحاث الامام الخوئي قدس سره الحلقة السادسة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رسالة في الأمر بين الأمرين بحث من آبحاث الامام الخوئي قدس سره الحلقة السادسة

    الثاني : مذهب المفوّضة(28)، وهو يقابل المذهب الأوّل مقابلة تامّة ، حيث يرى الذاهبون إليه عدم استناد الأعمال والأفعال إلى الله تبارك وتعالى بوجه من الوجوه ، وأنّ العبد هو الفاعل التامّ المستقلّ في جميع شؤونه ، وليس لله عزّ سلطانه أيّ مدخلية في وجود الفعل غير إحداث القدرة ، نعم له تعالى أن يمنع عن نفوذ إرادة العبد .
    وربما يسمّون هذه الطائفة أيضاً بالقدرية ، لأنّهم يسندون الأفعال إلى قدرة العبد لا غير .
    وهذه الطائفة أرادوا أن يتحفّظوا على عدل الله جلّ شأنه فسلبوا عنه سلطانه ، كما أنّ الطائفة الاُولى أرادوا التحفّظ على سلطانه فسلبوا عنه عدله ، فهم بين إفراط وتفريط .
    الثالث : ما يظهر من كلمات الفلاسفة ، أعني بهم من كان قبل القرون الوسطى ، ومن يميل إلى مبانيهم من فلاسفة المسلمين ، كالفارابي وابن سينا وابن رشد والشيخ المقتول وغيرهم ، وخلاصة ما يظهر منهم أنّ صدور الأفعال وإن كان مستنداً إلى العباد وأنّهم الفاعلون لها ، إلاّ أنّ فاعليّتهم بالواسطة ، أي أنّ إرادتهم من علل الأفعال الطولية الواقعة في النظام الجملي ، وأنّ كلّها مستند إلى الإرادة الأزلية .
    وبين هذا القول وقول الأشاعرة فرق واضح ، لأنّ إسنادهم الأفعال إلى الله عزّوجلّ إسناد بغير توسيط إرادة العبد واختياره ، فلا قدرة له على الفعل والترك أبداً ، وأمّا الفلاسفة فالفعل عندهم صادر بقدرة العبد وإرادته واختياره وإن كان جميع ذلك منتهياً إلى إرادة الله الأزلية ، ونتيجة ذلك أنّ العبد مختار في فعله ومضطرّ في اختياره وإرادته ، كما يشير إليه بقوله في البيت : وباختياره اختيار ما بدا .
    وهذا القول وإن كان دون القول الأوّل في وضوح فساده ، إلاّ أنّه يشترك معه في أصل الفساد ، وفي ترتّب التوالي الفاسدة عليه .
    وهناك عقائد مختلفة ببيانات متشتّتة للفلاسفة المتأخّرين ، فمنهم من يريد إثبات الاختيار بمقدّمات تنتهي إلى الجبر ، ومنهم بالعكس ، وبعضهم يرى منشأ صدور الأفعال هو الأوصاف النفسية التي ليست تحت اختيار الإنسان بوجه من الوجوه ، إمّا من جهة كونها مخلوقة لله تعالى بجميع شؤونها ، أو من جهة انتقالها عن الآباء والاُمّهات بقاعدة الوراثة .
    ومن المباني المهمّة عندهم المذهبان المعروفان : قانون العلّة العامّة وقانون الغاية ، فالجبر مقتضى المذهب الأوّل والاختيار مقتضى المذهب الثاني ، ونحن نتكلّم فيهما أيضاً بقدر الحاجة والكفاية إن شاء الله تعالى .
    الرابع : مذهب الإمامية العادلة ، وهو المذهب الحقّ الصحيح ، وذهابهم إليهم إنّما هو من نتائج تمسّكهم بأهل بيت العصمة ، الراسخين في العلم ، المطّلعين على الحقائق برمّتها .
    وخلاصة مذهبهم في الأفعال : أنّ القدرة على الفعل والسبيل إليه إنّما هو من الله عزّوجلّ ، وأمّا إعمال القدرة والسلطنة فمن العبد ، فالعبد هو فاعل الفعل وموجده حقيقة ، فعليه تكون لكلّ ما يصدر من العبد جهتان وإضافتان : إضافة إلى الله تعالى لأنّه معطي القدرة ، وإضافة إلى العبد لأنّه أعملها وأخرجها إلى الفعل .
    وهذا هو معنى ما تواتر عنهم (سلام الله عليهم) في باب الأفعال ، المعبّر عنه في ألسنتهم (سلام الله عليهم)(29) بالأمر بين الأمرين ، والمنزلة بين المنزلتين ، ولطف من ربّكبين ذلك . فإذا عرفت هذا المذهب بحقيقته فقد تحفّظت على التوحيد ، ولا تلزمك التوالي الفاسدة .

    وإن شئت التعبير عن خلاصة مذهبهم بعبارة لطيفة فقل : بحول الله وقوّته أقوم وأقعد .
    ولتوضيح كلّ من الأقوال لابدّ من التمثيل باُمور قريبة من الذهن ، فنبدأ أوّلا بمثال الأمر بين الأمرين ، وهو مثالان :
    الأوّل : نفرض إنساناً مبتلى بمرض الفالج ، بحيث ليس في استطاعته أن يتحرّك ولو تحرّكاً ما ، ونفرض أنّ طبيباً قد ربط به سلكاً كهربائياً فحرّكته القوّة بسبب إيصال الطبيب السلك إليه ، بحيث لو قطع الطبيب السلك عنه فهو على حالته الأوّلية من الفلج والسكتة ، فلمّا قدر على الحركة قام فمشى فقتل شخصاً ، فهذا القتل الصادر منه له جهتان من الإضافة :
    الاُولى : إضافته إلى الطبيب الموصل للقوّة الموجبة لتحرّكه ، بحيث كانت إفاضة القوّة في حين الفعل مستمرّة من الطبيب حقيقة .
    والثانية : إضافته إلى نفس الفاعل الذي قد صدر الفعل عن اختياره في أن يفعل وأن لا يفعل ، بمعنى تمكّنه من إعمال القدرة في تركه أو فعل غيره من الأفعال . وهذا أوضح مثال سمعناه من سيّدنا الاُستاذ (مدّ ظلّه) في مجلس درسه .
    المثال الثاني : أن نفرض كأسين في مكان عال مملوء أحدهما من السمّ القاتل ، وثانيهما من العسل أو أحد الشرابت الطيّبة ، فرفع أب ابنه معرّفاً للابن ما في الكأسين ومكانهما ، فأخذ الابن السمّ القاتل وشربه ، ففي هذه الحالة للشرب إضافتان :
    الاُولى : إضافته إلى الأب ، حيث إنّه رفعه وكان له إلقاء الابن في تلك الحالة .
    الثانية : إضافته إلى الابن ، حيث إنّه كان متمكّناً من ترك الشرب من الكأسالمملوء بالسمّ ، واختيار الكأس المملوء بالعسل .
    وأمّا المثال على قول المجبّرة فبما إذا فرضنا إنساناً مبتلىً بارتعاش اليدين ، بحيث ليس في استطاعته إسكانهما بالمرّة ، وفرضنا أيضاً أنّا قد شددنا بيده آلة قتل ، وأقعدنا تحت يديه إنساناً بحيث تصل إليه الآلة عند ارتعاش اليدين فقتله بضرب الآلة ، المعلول من ارتعاش اليد الاضطراري ، فإنّه ليس لهذا القتل جهة استناد إلى العبد بوجه من الوجوه ، إذ المفروض أنّه صادر عن ضرب الآلة المشدودة بيده ، المعلول من ارتعاش اليد ووقوع الإنسان تحت يديه ، وكل ذلك اضطراري له ، فالعبد ليس إلاّ آلة محضة .
    وأمّا المثال على قول الفلاسفة فبأمرين :
    الأوّل : أن تفرض زجاجتان مقعّرتان ، إحداهما مواجهة للشمس بحيث يصل الضوء من الشمس إليها ، وثانيتهما موضوعة مقابل الاُولى بحيث يقع الضوء فيها بمجرّد الانكسار من الاُولى ، فالنور الواقع في الثانية مثل الفعل الصادر عن العبد ، فكما أنّ الزجاجة الثانية تتّصف بنفسها بالنور ، كذلك العبد هو المتّصف بالفاعلية حقيقة ، إلاّ أنّ هذه الفاعلية مسبّبة عن الإرادة المسبّبة عن الإرادة الأزلية ، كمسبّبية نور الزجاجة الثانية عن نور الاُولى ، المسبّب عن ضوء الشمس .
    الثاني : عروض الارتعاش للبدن المسبّب عن الخوف ، المعلول من رؤية السبع ، فمَثَل الفعل عندهم مثل الارتعاش المسبّب عن الخوف ، ومَثَل الإرادة المعلولة للإرادة الأزلية مثل الخوف المسبّب عن رؤية الأسد .
    وأمّا المثال على قول المفوّضة فباُمور ثلاثة :
    الأوّل : لو أعطى الملك سلاحاً لجنده ليقاتل به عدوّه ، فقتل الجند ابن الملك فهذا القتل فعل الجند من دون احتياجه فيه إلى الملك ، لا في بقاء القدرة حين إعمال السلاح ولا في إعمال القدرة واختياره ، فإنّ قاطعية السلاح وكذلك قدرة الجندفي إعماله لم تكن مفتقرة إلى إفاضة من الملك ، فليس له ارتباط بالفعل إلاّ من ناحية إعطائه السلاح إيّاه .
    الثاني : الأفعال الصادرة من الوالي المنصوب من قبل السلطان المفوّض إليه اُمور البلد ، فالأفعال الواقعة من الوالي كلّها منتهية إليه وغير مستندة إلى السلطان إلاّ من جهة نصبه والياً .
    الثالث : لو أرسلنا أسداً ضارياً من القيد فحمل على إنسان فقتله ، فإنّ القتل حينئذ يصدر من الأسد مستقلا ، ولا يستند إلى المرسِل إلاّ من جهة فكّه عن القيد .
    فإذا عرفت الأمثلة لجميع الأقوال تعرف الفرق بينها ، وأنّه في غاية الوضوح ، إلاّ الفرق بين التفويض وبين ما اختاره الإمامية من الأمر بين الأمرين ولذلك نوضّح الفرق بينهما أيضاً ببيان واضح ، وهو يبتني على ذكر مقدّمة وهي أنّه قد وقع الخلاف في محلّه(30) أنّ الموجود هل يحتاج بعد علّته المحدثة إلى العلّة المبقية أم لا .
    ذهبت المفوّضة إلى الثاني ، وأنّ ما يحتاج إليه الموجود منحصر في العلّة المحدثة ، بمعنى أنّ سدّ جميع أبواب العدم وما يكون مانعاً عن دخول الممكن في دار الوجود لا يفتقر إلى أزيد من مرجّح ابتدائي ليخرجه من العدم إلى الوجود ، وأمّا بعد وجوده فلا يحتاج بقاؤه إلى العلّة والمؤثّر .
    وأمّا الإمامية وكثير من الفلاسفة فبرهنوا على أنّ الممكن كما يفتقر في حدوثه إلى العلّة ، لأنّه غير مقتض للوجود ولا للعدم في حدّ ذاته ، فكذلك يحتاج في بقائه واستمرار وجوده إلى العلّة المبقية ، فمع قطع النظر عن إفاضة الوجود من الفيّاض المطلق يكون حاله في البقاء كحاله في الحدوث ، من جهة عدم الاقتضاء له في نفسه
    ولا سيّما بناءً على الحركة الجوهرية التي صارت في يومنا من البديهيّات . وتفصيل الكلام في محلّه وقد تعرّضنا لها نحن أيضاً في «التعليم»(31).
    فإذا عرفت المقدّمة يتّضح الفرق الواضح بين الرأيين ، حيث إنّ بقاء القدرة والتمكّن من الفعل والترك يحتاج إلى الله المفيض ، بحيث لو انقطعت الإفاضة من الفيّاض لم يكن في العبد مقتض للفعل أصلا ، كما كان مفتقراً إليه في حدوثه ، هذا .
    وأمّا بناءً على رأي المفوّضة فالممكن لا يحتاج في استمرار وجوده ـ المعبّر عنه ببقائه ـ إلى العلّة ، بل تكفي العلّة الاُولى المحدثة ، نعم له قطع الاستمرار والبقاء . وعليه يكون الفعل حال صدوره أجنبياً عن الله تعالى بالكلّية ، فإنّه من جهة إفاضة القدرة عليه وغيرها من المبادي غير الاختيارية مستغن عن المؤثّر بقاءً على الفرض ، ومن جهة إعمال القدرة فيه مستند إلى العبد فقط ، فهو الفاعل بالاستقلال والمتصرّف في سلطان الله تعالى بغير قضائه وإرادته على هذا الرأي الفاسد ، أعاذنا الله منه ومن أمثاله .
    ثمّ إنّه بعد ما ظهر لك الفرق بين الأقوال بذكر الأمثلة لها لابدّ لنا من الشروع في ذكر أدلّة كلّ من الأقوال الأربعة ، مع بيان ما هو الحقّ منها ، ونقدّم البحث عن مذهب الجبرية ونذكر أدلّتهم العقلية والنقلية(32) مع الجواب عنها .
    قل للمغيب تحت أطباق الثرى إن كنت تسمع صرختي و ندائيا
    صبت علي مصائب لو أنها صبت على الأيام صرن لياليا
    ************
    السلام عليكِ يا أم أبيها

  • #2
    بوركت جهودكم سيدنا العزيز ودامت توفيقاتكم
    ينام مطمئناً من كان له اب

    فكيف لاينام مطمئناً من كان له رب

    تعليق

    يعمل...
    X