بسم الله الرحمن الرحيم
عاشت الزهراء (عليها السلام) معانات كثيره ومصائب عضيمه في حياة ابيها وهي ترى معاملة قريش له
وكلنا نعرف القصة الشهيرة المروية في السيرة، لما ائتمر أبو جهل ومن معه من سفهاء قريش برسول الله (صلى الله عليه واله وسلم )
قالوا: إذا سجد فضعوا( سلا) الجزور على رأسه وهو ساجد، وقام أشقى القوم عقبة بن أبي معيط ففعل ذلك ووصل الخبر إلى فاطمة (عليها السلام) وهي التي كانت في بيته (عليه الصلاة والسلام ) فتحركت - وكانت صغيرة في السن - فذهبت فألقت ذلك عن رسول الله ( صلى الله عليه واله ) ونظفته وطيبته ، فما رفع رأسه من السجود إلا بعد أن فعلت ذلك ..
كانت ترى صناديد قريش وهم يتعرضون له بالأذى القولي والفعلي وتحتمل
ذلك ، وترى في صبر النبي (عليه الصلاة والسلام ) قدوتها وأسوتها (سلام الله عليها )ثم مرّت مع النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بحصار الشعب الظلوم ، عاشت ثلاث سنوات من أشد وأقسى السنوات التي مرت برسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وأهل بيته والمسلمين معه ، حتى أكلوا ورق الشجر ، وحتى قرحت أشداقهم .. هكذا كانوا وكانت فاطمة البنت الرقيقة الصغيرة الفتية في عمرها .. صبرت واحتملت ومرت بهذه الظروف العصيبة وشظف العيش وشدته ، تتأسى بأبيها (عليه الصلاة والسلام)
ثم فقدت الأم العظيمة
عام سماه أهل السير : " عام الحزن " كان من أشد ما مرّ
برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن فقد زوجته خديجة أم المؤمنين
(سلام الله عليها )
الحبيبة إلى قلبه ، المواسية له ،المؤزرة والمساندة له(عليه الصلاة والسلام ) وكان ذلك عظيما على أصغر البنات التي لم تكن تزوجت بعد وهي فاطمة (سلام الله عليها) صبرت واحتسبت ومضت مع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ).
موت الإخوة والأخوات
إخوانها جميعاً ماتوا .. إبراهيم والقاسم وعبد الله أبناء النبي (عليه وعلى اله الصلاة والسلام) ومن بعد ذلك أخواتها واحدة إثر الأخرى وهي تشيع وتدفن ... والحزن يملأ قلبها فينصب على يقينها وإيمانها فإذا بها ترضى بقضاء الله وقدره لكن ذلك أمره عظيم.
ثم ما ورد في بعض الروايات أنها شهدت أُحداً ، وكان لها فيها شيء من المشاركة ، ورأت ما رأت مما جرى لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) يوم شج رأسه ودمي وجهه ودخلت حلقتا المغفر في وجنتيه ثم كان المصاب الأعظم الذي لم تتماسك بعده حتى أدركتها منيتها وحانت وفاتها .. ذلك الحدث فقد الرسول العظيم (صلى الله عليه واله وسلم) يوم قالت فاطمة (سلام الله عليها ) عندما استشهد النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قالت: " واأبتاه إلى جبريل نعاه ، جنة الخلدمأواه " ، ثم لما دفن (صلى الله عليه واله وسلم) قالت لأنس كما في الصحيح: " يا أنس كيف طابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) التراب ؟ " ، وفي بعض الروايات أنها ما رؤيت مبتسمة بعد وفاته (عليه وعلى اله الصلاة والسلام).
وسنرى الآن في بعض فضائلها ما جاء في هذه القصص العظيمة فكانت صابرة - رضي الله عنها - صبراً عظيماً ، يدلنا على ما ينبغي أن تتحلى به النساء المؤمنات من الصبر والاحتمال فيما يعرضن له في طاعة الله سبحانه وتعالى ولهن في فاطمه (سلام الله عليها) اسوه
وفي الصحيح من رواية عائشة : كنا أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم )عنده -لم يغادر منهن واحدة - فأقبلت فاطمةتمشي ما تخطئ مشيتها مشية
رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فلما رآها رحّب بهاوقال: (مرحبا بابنتي) ثم أجلسها عن يمينه أو عن يساره ، ثم سارها - يعني أسر إليهاكلاما - فبكت رضي الله عنها ، ثم سارها مرة أخرى فضحكت ، فقالت عائشة: خصك رسولالله من بين نسائه بالسرار ثم أنت تبكين، ثم قالت: ما قال لك؟ قالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله (عليه الصلاة والسلام ) ، فلما توفي رسول الله قالت لها عائشة: عزمت عليك بما لي عليك من الحق لما حدثتني ما قال لك رسول الله، قالت: أما الآن فنعم، أما حين سارني المرة الأولى فأخبرني أن جبريل (عليه السلام ) كان يعارضه القرآن في كل سنة مرة وأنه عارضه الآن مرتين ، وإني لأرى الأجل إلا قد اقترب فاتقي الله واصبري فإنه نعم السالف أنا لك .. قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت فلما رأى جزعي سارني ثانية فقال: يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين ، قالت: فضحكت ضحكي الذي رأيت ( حسب رواية العامه)
وفي رواية عائشة أيضا في لفظ آخر: لما رآها استبشر وتهلل فسارّها فبكت ثم ضحكت، فقالت عائشة: ما رأيت كاليوم أقرب فرحا من بكاء ثم سألتها، وقالت في رواية ثالثة: إن كنت لأرى هذه ـ يعني فاطمة ـ لأعقل نسائنا فإذا هي امرأة من النساء ، يعني كنتأظنها ذات جلد فلما رأتها تضحك وتبكي قال: هذه المرأة من النساء ليس عندها شيءمختلف ، فلما علمت بذلك عرفت بهذا ، وفي رواية: فبكيت قال:
( أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة ؟ وأنك أول أهلي لحوقاً بي؟ ) فضحكت وهذا عند البخاري ومسلم.
وهذاالحديث روي روايات كثيرة منها رواية الترمذي وفيها: أخبرني رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) أنه يموت فبكيت ، ثم أخبرني أني سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم بنت عمران فضحكت، وفي هذا الحديث كما قلنا روايات مختلفة ورواية حذيفة عند الترمذي عن رسول الله (عليه وعلى اله الصلاة والسلام)
قال: ( هذا ملك نزل من السماء لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلّم علي وأن يبشرني أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) أخرجه الترمذي وحسنه. اقول والمصيبه العضمى هي يوم هجم القوم على دار فاطمه (سلام الله عليها) واضرموا النار في باب الدار ولما احسوا بأن فاطمه (سلام الله عليها) وراء الباب عصروها خلف الباب وكسروا ضلعها واسقطوا جنينها
( فأنا لله وانا اليه راجعون)
لحقت فاطمه (سلام الله عليها) بأبيها صابره محتسبه مضلومه مهتضمه