حديث الدار وكيف حُرف !
قد لا تتصور النفوس السليمة والقلوب الطاهرة الطيبة كيف ان تقع الخيانة من اناس كنا نعتبرهم يوما ثقاة لكن هذا هو الواقع .وامور التحريف كثيرة ومنه حديث الدارالذي جرى في التحريف بحذف كل ما يشير لافضلية علي بن ابي طالب عليه السلام .
بداية فلنتعرف على حديث الدار ونصه ؟ ثم نرى التحريف الذي قال به القوم ؟
((إنّ النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) جمع خاصّة أهله وعشيرته في ابتداء الدعوة إلى الإسلام، فعرض عليهم الإيمان، واستنصرهم على أهل الكفر والعدوان، وضمن لهم على ذلك الحظوة في الدنيا، والشرف وثواب الجنان، فلم يجبه أحد منهم إلّا أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) ، فنحله بذلك تحقيق الاُخوّة والوزارة والوصيّة والوراثة والخلافة، وأوجب له به الجنّة.
وذلك في حديث الدار، الذي أجمع على صحّته نُقّاد الآثار، حين جمع رسول اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) بني عبدالمطّلب في دار أبي طالب، وهم أربعون رجلاً، يومئذٍ يزيدون رجلاً أو ينقصون رجلاً فيما ذكره الرواة، وأمر أن يُصنع لهم فخذ شاة مع مُدّ من البُرّ، ويُعَدّ لهم صاعٌ من اللبن، وقد كان الرجل منهم معروفاً بأكل الجذْعة في مقام واحد، ويشرب الفَرَق من الشراب في ذلك المقام، وأراد(عليه السلام) بإعداد قليل الطعام والشراب لجماعتهم إظهار الآية لهم في شبعهم وريّهم ممّا كان لا يُشبع الواحد منهم ولا يرويه.
ثمّ أمر بتقديمه لهم، فأكلت الجماعة كلّها من ذلك اليسير حتى تملّؤوا منه، فلم يَبِن ما أكلوه منه وشربوه فيه، فبهرهم بذلك، وبيّن لهم آية نبوّته، وعلامة صدقه ببرهان اللَّه تعالى فيه.ثمّ قال لهم بعد أن شبعوا من الطعام ورووا من الشراب: يا بني عبدالمطّلب! إنّ اللَّه بعثني إلى الخلق كافّة، وبعثني إليكم خاصّة، فقال عزّوجلّ: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان، تملكون بهما العرب والعجم، وتنقاد لكم بهما الاُمم، وتدخلون بهما الجنّة، وتنجون بهما من النار: شهادة أن لا إله إلّا اللَّه، وأنّي رسول اللَّه، فمن يجبني إلى هذا الأمر ويؤازرني عليه وعلى القيام به، يكن أخي ووصيّي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي. فلم يجب أحد منهم.
فقال أميرالمؤمنين(عليه السلام) : فقمت بين يديه من بينهم... فقلت: أنا - يا رسول اللَّه - اُؤازرك على هذا الأمر، فقال: اجلس، ثمّ أعاد القول على القوم ثانية فاُصمتوا، وقمت فقلت مثل مقالتي الاُولى،فقال: اجلس. ثمّ أعاد على القوم مقالته ثالثة فلم ينطق أحد منهم بحرف، فقلت: أنا اُؤازرك - يا رسول اللَّه - على هذا الأمر، فقال: اجلس؛ فأنت أخي ووصيّي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي.
فنهض القوم وهم يقولون لأبي طالب: يا أباطالب! لِيَهْنِك اليوم إن دخلت في دين ابن أخيك؛ فقد جعل ابنك أميراً عليك )).
واليك التحريف الذي جرى في حذف كل ما يشير لافضلية علي بن ابي طالب عليه السلام .
أوّلاً: -
قام الطبري في ( تفسيره ) ج 19 ص 72 طبع بولاق بمصر ، بتحريف هذا الحديث حيث رواه هكذا :
( فأيُّكم يؤوازرني على هذا الأمر على أنْ يكون أخي وكذا وكذا... (إلى ان قال) إنّ هذا أخي وكذا وكذا ) .
وانا لا أدري كيف ستطّلع الأجيال على الحقيقة ؟؟؟ !!!
فإنّ هذا التحريف يجعل حديث رسول الله مبهماً غير مفهوم...
وأتصور أنه لو سجّله كما ورد عن النبي (ص) فسيقال له : لماذا لا تعمل بمضمونه إذن ؟؟؟
لذلك فضّل أنْ يطمس الحقيقة خوفاً من محاسبته على عدم اتِّباعه للحديث الشريف .
ولكن .. ألا يخاف محاسبة التاريخ له في الدنيا ومحاسبة الله له في الاُخرى ؟؟؟
ثمّ أين الأمانة العلمية في النقل ؟؟؟
وأين صدق الحديث المأمور به شرعاً وعقلاً وعُرفاً ؟؟؟
وأين تحذير النبي ص أمته بأن : من كذب عليّ متعمدا فليتبوء مقعده من النار ؟؟؟
وهذا التدليس من انواع الكذب على النبي ص !!! لأنه ص لم يقل كذا وكذا !!!
ولكن ... ولله الحجة البالغة عليه ...
إذ أن الطبري نفسه قام بتسجيله كاملاً وبدون تحريف في تاريخه كما ذكرتُ في المصادر ...
ولا ندري .. هل نسي فعلته تلك فسجله هنا ، أم أنه قد ندم على كتمانه الحق فأقرّ به هنا ؟؟؟
وثانياً : -
سار ابن كثير في (البداية والنهاية) ج 3 ص 40 وفي تفسيره ج 3 ص 351 على نهج الطبري في تحريفه للحديث، حيث نقلها أيضاً هكذا :
( كذا وكذا ) .
وهذا شيء غير مستغرب من منهج ابن كثير التيمي والأموي الهوى ...
وثالثاً : -
في تفسير ( الدر المنثور) ج 6 ص 324 و 329 ، حدث تحريفٌ من نوعٍ آخر :
فقد نقل أولاً - وهو أمر عجيب حقاً - نفس الحديث الذي رواه الطبري وأبو نعيم وابن اسحاق والبيهقي ...
كما أنه نقله ثانياً بنفس السند وعن نفس الراوة والمحدثين ...
إلا أنّه نقل الحديث هكذا :
(فايكم يؤازرني على أمري هذا، فقلت وأنا احدثهم سناً: أنا، فقام القوم يضحكون ) .
وأعتقد بأنّ هذا النوع من التحريف هو أخطر من سابقه ...
وذلك لأن وجود (كذا وكذا) في التحريف الأول ، يُشْعِر القارئ الفطن بوجود حذفٍ ما لا يحبُّ المؤلفُ ذكره ، فيستطيع البحث عنه حتى يجده ...
أما هنا فالتعتيم تام وكامل ، لعدم شعور القارئ به أبداً !!!
ورابعاً : -
قام ابن هشام بنوع ٍآخر من التعتيم :
حيث أنّه لما نقل (سيرة ابن إسحاق) حذف الرواية بكاملها من (سيرته) ...
ولكنه كان قد أشار في مقدمة كتابه إلى سبب مثل هذا الحذف ، حيث قال :
( وتارك فيه ما ذكره ابن إسحاق في الكتاب ... وأشياء يشنع الحديث بها، وبعض يسوء الناس ذكره ) .
وأنا لا أدري والله ، وليتني كنت أدري ، لماذا يسوء الناس ذكر حديث رسول الله (ص) في فضل علي بن أبي طالب عليه السلام وأهل البيت عليهم السلام ؟؟؟
مع أن الله يقول : ﴿... وَمَا آتَاكُم الرَّسُولُ فَخُذُوه ...﴾ الحشر آية: 77
ويقول: ﴿وَمَا يَنطقُ عَنِ الهَوَى إنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ النجم آية: 3 ـ 4 .
ومع أن النبي ص قال :
( يا علي لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق )
رواه مسلم في (صحيحه) بنص مشابه .
ثمّ أقول أخيراً :
أنه رغم الحرية الفكرية اليوم ، إلا أنه قد حدث مثل هذا التحريف في زماننا هذا أيضاً...
فلقد قام الكاتب المصري محمد حسين هيكل في الطبعة الثانية من كتابه (حياة محمّد) وما بعدها من الطبعات ، بخيانة كبرى :
حيث حذف العبارة المهمة من هذا الحديث - حديث الدار - وهي وقوله (ص):
(على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم )
رغم أنّه كان قد ذكرها سابقاً من دون تحريف في الطبعة الاُولى من كتابه سنة 1354 هـ ص 104 ...
ثمّ لمّا انتقده بعض علماء مصر قائلين له :
بأنك أصبحت شيعياً - وهي تهمة خطيرة عندهم - لأنّ الفرق المهم بيننا وبين الشيعة هو في خلافة الامام علي ع بعد النبي ص بلا فصل ، وها أنت تثبتها له كما يقول الشيعة ...
فقام هيكل بالدفاع عن نفسه ونشر الحديث بلا تحريف في جريدته (السياسة) في ملحق العدد 2785 ، وذكر له مصادر كثيرة من كتب أهل السنة ...
ولا نعلم ما الذي دعاه لحذفه دون إشارة منه لسبب الحذف أبدا ؟؟؟
أهو التهديد والوعيد والضغوط ؟؟؟
أم هي المناصب والأموال والوعود ؟؟؟
أم كلاهما معاً ، يضاف إليها ضعف النفوس ؟؟؟
ثبتنا الله على ولاية أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وعلى ولاية أولاده الأئمة الأحد عشر المعصومين المطهرين ...
شكرا لمتابعتكم الموضوع
ونسأل الله ان يررزقنا حسن العاقبة
منقول بتصرف
شكرا لمتابعتكم الموضوع
ونسأل الله ان يررزقنا حسن العاقبة
منقول بتصرف
تعليق