النهي طلب ترك الفعل من فاعله والدوام على الترك من تاركه وصيغته ( لا تفعل ) وما يجري مجراها ، والنهي ضد الأمر ويقابله بالبديهة فمن قال بدلالة الأمر على الوجوب قال بدلالة النهي على التحريم فالأمر لطلب الفعل ولو مرة والنهي لطلب الترك بالمرة لأن المطلوب في الأول إيجاد الطبيعة ويتحقق وجودها كاملا بفرد منها والمطلوب في الثاني الاستمرار على المنع عن الطبيعة بشتى أحوالها ولا يكون ذلك إلا بترك كل فرد منها .
وقد اختلف الأصوليون في جواز اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد مع أن الأمر غير النهي والوجوب غير التحريم وأنهما ضدان لا يجتمعان ، وليس الاختلاف والنزاع في إمكان الاجتماع وعدمه ، لعدم إمكانه قطعا وإنما النزاع في استلزام ثبوت الحكمين وفعليتهما لاجتماعهما في شيء واحد كما إذا تعلق الأمر بطبيعة الصلاة وتعلق النهي بطبيعة الغصب مثلا وقد اتفق في الخارج انطباق الطبيعتين على شيء واحد وهو الصلاة في الأرض المغصوبة فهل يسري النهي المتعلق بطبيعة الغصب منها إلى ما تنطبق عليه طبيعة الصلاة المأمور بها في الخارج فيلزم سقوط احد الحكمين لامتناع اجتماع المتضادين في مورد واحد أو لا يسري فلا يلزم من ثبوت الحكمين فيه اجتماع الضدين .
ولتصحيح محل النزاع أضاف بعض المؤلفين قيد المندوحة ، والمراد من المندوحة هو أن يكون المكلف متمكنا من امتثال الأمر في مورد آخر غير مورد الاجتماع كما إذا كان للمكلف مندوحة وسعة في إمكان إتيان متعلق الأمر ( الصلاة ) في غير مورد النهي ( الدار المغصوبة ) إذا خالف وأساء الاختيار بأدائها في الحرام ( الدار المغصوبة ) أمكن الخلاف في اجتماع الأمر والنهي بمعنى هل تصح هذه الصلاة من المكلف أو لا .
أما عند عدم المندوحة بمعنى المأمور به المكلف منحصر بالفرد الحرام أي لا يمكن له إتيان متعلق الأمر ( الصلاة ) في غير مورد متعلق النهي ( الأرض المغصوبة ) بل إذا أراد المكلف إتيان المأمور به فلا بد له من إتيانه في ضمن الفرد المنهي عنه كما هو الحال في المسجون في الأرض المغصوبة ، وهذا خارج عن محل النزاع لأن الموجود هو إما الأمر أو النهي لاستحالة توجه الأمر والنهي نحو الشيء الواحد أي فيتعين تقديم الأقوى منها تبعا لقوة ملاكه اي يلزم التزاحم بين الحكمين .
تعليق