إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رسالة في الأمر بين الأمرين بحث من آبحاث الامام الخوئي قدس سره الحلقة الثامنة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رسالة في الأمر بين الأمرين بحث من آبحاث الامام الخوئي قدس سره الحلقة الثامنة

    والتحقيق في جواب ذلك يظهر بعد الالتفات إلى مقدّمتين :
    إحداهما : هي التي أسلفناها(42) في شرح القاعدة (الشيء ما لم يجب لم يوجد) حيث قد بيّنا فيها أنّ سبق الوجوب على الوجود إنّما هو في العلل والمعاليل التكوينية ، وأمّا الأفعال الصادرة عن العباد المسبوقة بالإرادة والاختيار فلا تحتاج إلى سبق الوجوب عليه ، وإنّما تفتقر فيه إلى مرجّح ، وهذا الاحتياج ليس من باب استحالة صدور الفعل بدونه ، بل لإخراج الفعل عن السفهية والعبثية إلى العقلائية كما سيأتي(43).
    ثانيهما : أنّ البحث في مسألتنا هذه ـ وهي تحليل كيفية صدور الأفعال من العباد ـ بحث معنوي ، لا يتغيّر بتغيّر الألفاظ وإلقائه في الاصطلاحات الفنّية المندمجة ، بل لو فرضنا أنّه لم يوضع لفظ العلّة والمعلول والإرادة والوجوب في لغة العرب أصلا كان لنا أن نبحث عن حقيقة هذه المسألة الواقعية .
    وإذا تمهّدت هاتان المقدّمتان فاعلم أنّ ما نجد من المبادي للفعل إلى حين تحقّقه وصدوره في الخارج فهي أربع مراحل ، وبسيرها يكمل وجود الفعل ويتحقّق في الخارج :
    الاُولى : تصوّر الفعل وإدراكه إدراكاً مطلقاً ، بمعنى ارتسامه في الذهن ، أو التفات النفس إليه .
    الثانية : إدراك ملائمته للفاعل ملائمة روحية أو جسمية .
    الثالثة : عدم وجود مزاحم مكافئ لتلك الملائمة من المفسدة .
    الرابعة : الاشتياق والميل إليه ، وحينئذ يعقد الفاعل قلبه على الفعل ، فيعمل قدرته فيفعل .
    ولا يخفى أنّ عقد القلب الذي ذكرناه في آخر المراحل هو المراد من الإرادة وهو فعل من أفعال النفس ، لا من صفاتها كما تقدّم في المقدّمات(44)، وليس وجوده مسبوقاً بالوجوب المصطلح عليه كما سمعته من مراتبه السابقة ، هذا .
    وأمّا سؤال السائل عن المرجّح لإعمال القدرة الذي هو نفس الاختيار المأخوذ عن طلب الخير في شيء ، فيندفع بأنّ إعمال القدرة وإن كان في نفسه فعلا من أفعال النفس إلاّ أنّه ليس ممّا يقصد بنفسه كي يسأل عن مرجّحه ، بل تعلّق القصد به تعلّق تبعي آلي حيث إنّه مقصود لغيره، وسيجي في البحث عن قول الفلاسفة(45) أنّ السؤال عن مرجّح الإرادة بالمعنى الذي ذكرناه عين السؤال عن مرجّح الفعل .
    وملخّص الكلام : أنّ أساس الشبهة إنّما هو على طبق القاعدة المعروفة
    (الشيء ما لم يجب لم يوجد) فإذا منعنا شمولها للأفعال الإرادية والاختيارية فتندفع الشبهة من أصلها .
    وأمّا ما اشتهر في ألسنة الجمهور من استحالة الترجيح بلا مرجّح فإن كان مرجعه إلى استلزامه الترجّح بلا مرجّح فهو صحيح ، لرجوعه إلى حدوث الممكن من غير مؤثّر في وجوده ، وإن لم يكن مرجعه إلى ذلك بل إلى اختيار الفاعل المختار أمراً ما بلا رجحان فلا استحالة فيه .
    والعلاّمة (قدّس سرّه) في شرح التجريد(46) في هذا الباب نقل الاعتراف منهم بوقوعه ، وقد مثّلوا لذلك باختيار أحد الكأسين المتساويين من جميع الجهات للعطشان ، واختيار أحد الرغيفين كذلك للجوعان ، وبمن فرّ عن سبع سالكاً أحد طريقين موصلين إلى مقصوده من دون ترجيح بينهما .
    ودعوى أنّ تعلّق الإرادة والاختيار بنفسه كاف في ترجيح ما تعلّق به سفسطة واضحة ، إذ البداهة تقتضي عدم تعلّق لحاظ الفاعل به لحاظاً استقلالياً ، بل هو غافل عنه بالمرّة ، فكيف يكون هو مرجّحاً ، هذا .
    وقد أجاب جمع من المحقّقين عن الشبهة المزبورة ببيانات مختلفة ومنهم خاتم المحقّقين (قدّس سرّه) على ما حكى عنه في هامش القبسات نقلا عن نقد المحصّل ، فقد أجاب عنها بما هذه عبارته : وكلّ فعل يصدر عن فاعل بسبب حصول قدرته وإرادته فهو باختياره ، وكلّ ما لا يكون كذلك فهو ليس باختياره ، وسؤال السائل أنّه بعد حصول القدرة والإرادة هل يقدر على الترك كمن يقول : الممكن بعد أن يوجد هل يمكن أن يكون معدوماً حال وجوده ، ومحال أن تكون قدرته إنّما تحصل بقدرته، وإلاّ لتسلسل (47)
    فالظاهر من كلامه (قدّس سرّه) إلى هنا أنّ وجود الفعل بعد تحقّق القدرة وتعلّق الإرادة به يجب لا محالة ، كما يظهر من تنظيره بقول من يقول : الممكن إلخ .
    والظاهر أنّه (قدّس سرّه) يعترف بصحّة القاعدة ، وأنّ الفعل قبل وجوده يكون واجباً عند حصول القدرة والإرادة كما صرّح به في التجريد في المسألة السادسة في عنوان (إنّا فاعلون)(48) بقوله : والوجوب للداعي لا ينافي القدرة كالواجب(49).
    وقال العلاّمة في شرحه بعد تقرير أصل الشبهة بقوله : والجواب أنّ الفعل بالنظر إلى قدرة العبد ممكن ، وواجب بالنظر إلى داعيه ، وذلك لا يستلزم الجبر ، فإنّ كلّ قادر فإنّه يجب عنه الأثر عند وجود الداعي ، كما في حقّ الواجب(50).
    فعليه يكون ترتّب الفعل على القدرة والإرادة ترتّباً وجوبياً غيرياً ، وأمّا نفس الإرادة فتحقّقها ليس بضروري عنده ، كما أفاده في ذيل عبارة نقد المحصّل(51) بقوله : وأمّا الإرادة فربما تحصل له بقدرته وإرادة سابقة ، كالمتروّي في طلب أصلح الوجوه ، فإنّه بعد علمه بالوجوه يقصد إلى فرض وقوع واحد منها بفكره الذييصدر عنه أيضاً ، وباختياره(52) ينكشف الصلاح والفساد فيها ، فتحصل له الإرادة بما يراه أصلح ، وهذه الإرادة مكتسبة له ، أمّا أسباب كسبها ـ وهي القدرة على الفكر والعلوم السابقة ـ فبعضها أيضاً يحصل بقدرته وإرادته إلخ .
    ففيما أفاده (قدّس سرّه) تصريح بكون الإرادة من الأفعال الاختيارية ولملخّص كلامه جهتان ، بإحداهما يوافقنا ويخالف الفلاسفة حيث يرى نفس تحقّق الإرادة ومباديها القريبة من الاُمور الاختيارية ، وبثانيتهما يخالفنا ويوافق الفلاسفة حيث التزم بسبق وجوب الفعل على وجوده، وقد أبطلنا ذلك بما لا مزيد عليه وذكرنا أنّ الفعل لا يتّصف بالوجوب في جميع المراحل المتقدّمة عليه .
    بقيت في المقام شبهتان اُخريان للأشاعرة ، استدلّوا بهما على مطلوبهم(53):
    الاُولى : أنّ كلّ ما يصدر عن العبد لا يخلو إمّا أن يكون قد تعلّقت به الإرادة الأزلية أو لا ، فعلى الأوّل لابدّ من وقوعه لاستحالة تخلّف الإرادة عن مراده تعالى ، وعلى الثاني فلابدّ من عدم وقوعه ، لاستحالة وقوع شيء ما لم يرده تعالى .
    الثانية : أنّ الأفعال لا تقع وفق المقاصد ، فإنّ كثيراً ما يقصد الإنسان الإطاعة والعبادة وغيرهما من الأفعال العادية مع كثرة اشتياقه إليها ، ومع ذلك لا يحصل الفعل على وفق مقصوده .
    ولمّا كانت الشبهة الاُولى مأخوذة من الفلاسفة القدماء أخّرنا الجواب عنها عندما نتعرّض لأقوال الفلاسفة(54).
    وأمّا الشبهة الثانية ـ وهي وقوع الأفعال على خلاف مقاصد العباد ـ فلمّا كانت بظاهرها في غاية السخافة أعرضنا عن جوابها ، ولو اُريد بها ما ذكره بعض متأخّري الفلاسفة ببيان أتمّ معروف عندهم بقانون العلّة فالجواب عنها يظهر عند التعرّض له ولجوابها عندما نتكلّم عن أقوال الفلاسفة وردودها(55).
    السادس : أنّ القدرة على الإيجاد صفة كمال ، لا يليق بالعبد الذي هو منبع النقصان .
    وجوابه أوضح من أن يخفى على العاقل ، إذ نقصان العبد ليس إلاّ من جهة ذاته الإمكانية التي لا تقتضي الوجود ولا العدم ، وأمّا بعد كونه محلاًّ لإفاضة الوجود كيف يبقى على حالته الأوّلية ، ولا شكّ في ترتّب الأوصاف الكمالية على هذه الإفاضة بمقدار اكتسابه من الكمالات ، نعم اتّصاف العبد بالكمال المطلق أمر مستحيل ، ولا نقول به .
    وتوضيح ذلك : أنّ ما يتصوّر من الكمال على قسمين :
    الأوّل : الكمال غير المحدود بحدّ الذي هو من لوازم وجوب الوجود ، فهو مختصّ بالله تبارك وتعالى .
    الثاني : الكمال المحدود بحدّ خاصّ ، ولا مانع من اتّصاف الممكن به بافاضته تعالى عليه ، فالممكن وإن كان فقيراً بذاته لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً ، إلاّ أنّه بفضل الله ولطف عنايته يتّصف بصفات كمالية ، ومنها القدرة على الفعل والترك ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة . أو ليس العلم والكرم وسائر الأخلاق الفاضلة من الكمالات ، بل لا غرو في أن يصل العبد بمجاهداته ورياضاته في مراتب الكمال إلى حدّ يكون مظهراً للصفات الإلهية ، وبذلك يصير متصرّفاً في الموجودات التكوينية .
    هذه هي الأدلّة التي أقاموها على اضطرار العباد في أفعالهم ، وقد ظهر عدم صلاحية شيء منها لإثبات مطلوبهم ، ولهم شبهات واهية اُخرى ضربنا عنها صفحاً .
    ثمّ إنّه لمّا اُشكل على القائلين باضطرار العباد في أفعالهم وعدم اختيارهم على الفعل والترك بأنّ ذلك يستلزم قبح العقاب على الكفر والمعصية ، ولغوية بعث الرسل وإنزال الكتب ، أجابوا عنه بأنّ العبد وإن لم يكن مختاراً في أفعاله ، إلاّ أنّه هو الكاسب لها ، والثواب أو العقاب إنّما هو لكسبه الإطاعة أو المعصية ، ولمّا لم يكن لكلمة الكسب معنى ظاهر في المقام فسّروه بمعان ثلاثة :
    الأوّل : ما نقله في مصابيح الأنوار من أنّه أمر يتّصف به العبد ، لا بمعنى إيجابه فاعليّته ، ولا اتّصافه بالفعل(56).
    وهو أمر في تعقّله غموض ، ولمّا كان التكلّم في صحّة هذا المعنى وفساده متوقّفاً على تعقّله وهو غير متعقّل أعرضنا عن التعرّض له .
    الثاني : ما ينسب إلى الأشعري من أنّ معنى كون العبد كاسباً هو كونه محلاًّ للفعل ، ككونه محلاًّ للسواد والبياض(57).
    وهذا المعنى بيّن الفساد ، إذ كون العبد محلاًّ لفعل ككون الجسم محلاًّ للسواد والبياض خارج عن اختياره ، فلا يصحّ العقاب ولا بعث الرسل وإنزال الكتب .
    الثالث : ما نسب إلى القاضي أبي بكر الباقلاني من أنّ نفس الفعل وإن لم يكن صادراً بالاختيار ، إلاّ أنّ جعله معنوناً بعنوان الطاعة والمعصية بيد الفاعلوباختياره ، وهو المصحّح للثواب والعقاب(58).
    وهذا الجواب أيضاً ساقط ، وذلك لأنّ هذا العنوان إمّا أن يكون منتزعاً من نفس الفعل ، وأنّ الفعل هو المنشأ لانتزاعه ، فليس لجعله معنوناً بالطاعة أو المعصية وجود متأصّل في الخارج ، وإنّما انتزعه العقل من منشئه الذي هو الفعل ، فلا يعقل أن يكون التعنون اختيارياً مع اضطرارية منشئه . وإمّا أن يكون له وجود متأصّل غير حقيقة الفعل فلا شكّ في نقل الكلام إليه ، فإن كان فعلا من الأفعال فهو أيضاً اضطراري على رأيه ، وإن كان من قبيل الصفة فهو ممّا ذكره الأشعري ، وقد عرفت جوابه .
    وربما أجاب بعضهم عن إشكال استلزام قولهم قبح العقاب لكونه ظلماً تارة بإنكار حكم العقل وإدراكه الحسن والقبح ، واُخرى بأنّ الظلم لا يتصوّر في فعل الله تعالى ، فإنّ الظلم عبارة عن التصرّف في ملك الغير ، وهذا لا يتحقّق في أفعاله فإنّها كلّها تقع في ملكه ، فلا موضوع فيها للظلم .
    ولا يخفى ما في هذا الجواب من الوهن والسقوط ، فإنّ إنكار إدراك العقل الحسن والقبح يساوق إنكار البديهيّات كما مرّ الكلام فيه في المقدّمات(59).
    وأمّا حديث عدم إمكان تحقّق الظلم في أفعاله تعالى لانتفاء موضوعه فهو ناشئ عن تخيّل اختصاصه بالتصرّف في ملك الغير ، مع أنّه واضح البطلان ، فإنّ الظلم معنى جامع قد يتعلّق بنفس الفاعل ، وقد يتعلّق بغيره المملوك له وقد يتعلّق بغيره غير المملوك له .
    أفيشكّ عاقل في أنّه لو كان لأحد عبدان وقد أطاعه أحدهما غاية الطاعة وتمرّد الثاني عليه غاية التمرّد ، فضرب المالك المطيع المنقاد وأهانه وأكرم المتمرّد غاية الإكرام ، في أنّ العقل يحكم بقبح فعله ، مع أنّه مالك لكلا العبدين وله التصرّف فيهما كيف ما شاء .
    والسرّ في ذلك ليس إلاّ ما عرفت من عدم اختصاص الظلم بالتصرّف في ملك الغير بل أعمّ من ذلك ، ومعناه الجامع هو الخروج عن الجادّة الوسطى ، ووضع الشيء في غير محلّه ، والحاكم بقبحه على الإطلاق هو العقل .
    قل للمغيب تحت أطباق الثرى إن كنت تسمع صرختي و ندائيا
    صبت علي مصائب لو أنها صبت على الأيام صرن لياليا
    ************
    السلام عليكِ يا أم أبيها

  • #2
    سيدنا العزيز جهد موفق وهادف في نشر علوم أهل البيت عليهم السلام
    وبانتظار المزيد

    تعليق


    • #3
      سدد الله خطاكم وتقبل اعمالكم نشكركم على هذه المشاركه
      ينام مطمئناً من كان له اب

      فكيف لاينام مطمئناً من كان له رب

      تعليق

      يعمل...
      X