الكنـاية
هذا لونٌ من ألوان البلاغة ، تأمل هذه العبارة التي كان مطلقها عرب الجاهلية قديماً : " فلانٌ كثيرُ الرمادِ "
أتظن أنهم يمدحونه بكثرة الرماد في مطبخه ؟ وما قيمة ذلك ؟ ولكنك لو تأملت العبارة بهدوء بدا لك معنى آخر ، فكثرة الرماد تدل على كثرة الطبخ ، وكثرة الطبخ تدل على كثرة الضيوف ، وهذه تدل على الكرم والجود والجاه .
وهكذا يبدو لك معنى العبارة كما يتضح من وراء ألفاظها ، لا بظاهر هذه الألفاظ .
ونحن نقول في هذه الأيام : " فلانٌ مِنْ حملةِ الأقلامِ " ، فهل نعني أنه يحمل الأقلام ويمشي بها ؟ . الواقع أننا نريد : أنه كاتب ، أو أديب .
ويقال : فلان ورم كيسه ، فورم أنفه ... يعنون بالجملة الأولى أنه صار غنياً ، وفي الثانية تكبَّر .
وهكذا نصل إلى تعريف الكناية : بأنها لفظ لا يراد به الظاهر من معناه ، وإنما يراد ما يدل عليه هذا المعنى .
وقال آخر الكناية : اللفظة إذا أطلقت وكان الغرض الأصلي غير معناها فلا يخلو: إما أن يكون معناها مقصوداً أيضاً ليكون دالاً على ذلك الغرض الأصلي وإما أن لا يكون كذلك. فالأول هو الكناية، ويقال له: الإرداف أيضاً . والثاني المجاز.
أنواع الكناية
وتنقسم الكناية إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي:أ ـ كناية عن صفة : والمراد بالصفة هنا الصفة المعنوية مثل: الكرم، والشجاعة، والجود، وليس النعت النحوي. وضابطها أن يصرَّح بالموصوف وبالنسبة إليه، ولا يصرَّح بالصفة المطلوب نسبتها، ولكن يذكر مكانها صفة تستلزمها كقولك: زيدٌ كثيرُ الرمادِ .
ب ـ كناية عن موصوف : وضابطها أن يصرَّح بالصفة وبالنسبة، ولا يصرَّح بالموصوف المطلوب النسبة إليه، ولكن يذكر مكانه صفة تختص به كقول الشاعر:
الضاربين بكل أبيض مِخْذَمٍ والطاعنين مجامع الأضغان
جـ ـ كناية عن نسبة : وضابطها أن يصرَّح بالموصوف والصفة، ولا يصرَّح بالنسبة بينهما، ولكن يذكر مكانها نسبة أخرى تستلزمها نحو قولنا عن شخص: ( العزُّ في بيتهِ ) فإن العزَّ ينسبُ للشخصِ وليس للبيت .
والحمد لله ربِّ العالمين ....
تعليق